الكرة الأرضية تدور أيضًا في الليل


محمد نفاع
الحوار المتمدن - العدد: 4566 - 2014 / 9 / 6 - 10:46
المحور: القضية الفلسطينية     

الغرور الإسرائيلي أصيب بورطة هائلة في مواجهة المقاومة وبسلاح متواضع بالنسبة لسلاح العدوان، المقاومة لا تهرب ولا تستسلم، وتضغط على الجبهة العسكرية والجبهة الداخلية، هذا هو الأمر الجديد، والمقاومة على مستوى رفيع من المعرفة والمسؤولية والإرادة بلا شطط فارغ


اعتقد ان غالبية شعوب الكرة الأرضية تكره إسرائيل، تكره سياستها، وهي محقة جدًا في ذلك، والحبل على الجرّار، رقعة الرفض لهذه السياسة تتسع وتتعمق، أقطاب الحكومة والحركة الصهيونية يضعون ذلك في خانة "اللاسامية" وكأن اليهود هم السامية، لا يوجد نسل لسام بن نوح إلا اليهود، أما كره الصهيونية للعرب، وللفلسطينيين على وجه الخصوص فهو بعيد جدًا عن اللاسامية، فالعرب وشعوب ما بين النهرين العريقة ليسوا ساميين، هم حاميّون ويافتيون، وآريون، وكأن هذا عار وشنار.

في هذا التعبير المستهلك من كثرة الاستعمال عنصرية، وفوقية، وملمح من ملامح الفاشية القديمة والحديثة، لقد تأخر العالم في إدانة إسرائيل وجرائمها، تأخر كثيرًا، قد يكون البعض انبهر بانتصارات إسرائيل العسكرية في الماضي، إلى جانب موقف النظم الاستعمارية وارتباط المصالح، والى جانب التعاطف فيما يتعلق بالكارثة التي أوقعتها النازية، عالم الاستعمار لم يتعاطف مثلا مع الاتحاد السوفييتي قاهر النازية والذي استشهد من أبنائه أكثر من عشرين مليون. جرى التركيز فقط على الضحايا اليهود. لكن وعد بلفور كان قبل جرائم النازية، والانتداب البريطاني على فلسطين ومساندته للصهيونية كان قبل النازية، وكذلك اتفاقية سايكس بيكو، إذًا الكارثة ليست هي السبب، بل ارتباط الاستعمار بالصهيونية وارتباط الصهيونية بالاستعمار هو الدافع، وغض النظر عن الهجرة يل وتشجيعها من قبل بريطانيا قبل الكارثة. موجة الهجرة الكبرى نسبيًا كانت من البلدان العربية بسبب تفاهة تلك النُظم في مراكش واليمن والعراق وغيرها. هذا ساهمت هذه النظم في دعم فلسطين، أحفاد ومكملو درب هذه النظم التافهة ملأوا الدنيا تحريضًا على الاتحاد السوفييتي عند هجرة شيرانسكي، فقط شيرانسكي. وقام العنصريون الفاشيون أمثال جماعة كهانا برفع الشعار "שלח את עמי"، أي ابعث بشعبي، من الاتحاد السوفييتي إلى إسرائيل، وكان يهود الاتحاد السوفييتي وبولونيا ودول البلطيق، رومانيا والغرب كلهم إسرائيليون، لهم الحق الكامل في الصعود إلى إسرائيل، أما اللاجئون الفلسطينيون سكان البلاد وأصحاب البلاد فليس لهم أي حق، ومجرد الدعوة إلى ذلك لاسامية وعداء للدولة، ويقصد به تدمير إسرائيل. كل من يعارض الاحتلال والتشريد والعدوان والاستيطان هو معادٍ للدولة، دولة اليهود وارض الميعاد. أمريكا رفضت استقبال المهاجرين اليهود.

إسرائيل تستغل الزمن الرديء، من دعم الاستعمار ونذالة الرجعية العربية، لتخلق واقعًا جديدًا، الواقع الجديد بعيدًا عن القضية الجوهرية مثل حق تقرير المصير والانسحاب وإنهاء الاستيطان وإقامة الدولة والعاصمة وحق اللاجئين وكلها فيها قرارات دولية لم ينفذ منها شيء. لكن الكرة الأرضية تدور أيضًا في الليل، ويبرز أكثر دور المقاومة، المقاومة الشعبية السياسية والمقاومة المسلحة كما حدث في لبنان سنة 2006 وفي غزة بالأساس. هذا أمر جديد إلى حدّ كبير وله تأثير متعاظم على الجمهور الإسرائيلي وعلى العالم، عُبّر عنه بالمظاهرات الشعبية في كل بقاع العالم وباشتراك متزايد من اليهود في إسرائيل والعالم خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا. المعركة الآن على أهمية وضرورة ودور المقاومة لأمريكا وإسرائيل والأطلسي والرجعية العالمية والعربية بالذات، كما هو الواقع في سوريا البطلة، والمقاومة اللبنانية الباسلة، والمقاومة الفلسطينية في غزة، ومقاومة المخططات الأمريكية الصهيونية في إيران، الصمود هو المميز.

إن داعش والنصرة وأمريكا وإسرائيل والرجعية العربية هم شيء واحد، من نفس المصدر ولنفس الهدف، أما انتقائية أمريكا في محاربة داعش وبأسلوب حريري ناعم وبتأخر فهو أمر مفضوح ومحدَّد جغرافيًا حتى في نطاق البلد الواحد مثل العراق، ومحدّد سياسيا بما يتلائم مع مصالح أمريكا على حساب شعوب المنطقة.

إن أغزر شلال دم واجهته البلاد العربية في فترة سنوات قليلة حدث ويحدث ضمن الفوضى الخلّاقة وشرق أوسط جديد، والربيع العربي، فكله من صنع أمريكي والذي يفرز ويغذي انقسامات مفبركة بين مسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة وكل هذا الشَرَك الدموي بالاعتماد على عامل محليّ ومستورد مدفوع الأجر من أموال دموية سوداء دنسة محمية من الاستعمار والصهيونية.

لم تسلم أية عائلة فلسطينية من جرائم إسرائيل، من قتل وجرح وسجن وإبعاد ومصادرة. القتل الجماعي في غزة هو فاشية متطورة، شعب الله المختار هو قمة العنصرية، إسرائيل تحفر حتفها بظلفها، كل يهود العالم يعيشون بأمن وأمان ما عدا في إسرائيل ارض الميعاد، هذه السياسة الإجرامية تهيئ لهم المذبح، والوقت ليس لصالح هذه السياسة العدوانية، لا يمكن ولا يجب ان تُنسى جرائم إسرائيل في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق ومصر والأردن وإيران. والشعوب لا تُهمل. الطريق الوحيد الباقي، المنقذ الوحيد هو السلام العادل والشامل، وردع جرائم إسرائيل ومن ورائها أو من أمامها الولايات المتحدة والرجعية، ولا يمكن ان يتأتى ذلك إلا بالمقاومة، ما حققته المقاومة في لبنان وغزّة وبالرغم من كل التضحيات أكثر بما لا يُقاس من كل أسلوب المفاوضات العقيمة والتي تستغلها إسرائيل لخلق واقع جديد ومتجدد أكثر خطورة، ونستذكر هذا التراجع في الموقف العربي من قرار التقسيم، إلى حدود 4 حزيران 67 حتى هذه المحطة لا تريد ان تنفذها، كل يوم جديد يستمر النهش في الحق الفلسطيني، والانعطاف الحاد عن هذا الطريق هو المقاومة، ونظافة المقاومة، وبكل أشكالها، حتى وان أطلق عليها إرهابيو العالم إرهابًا، إسرائيل ليست قوية بشكل خارق بقدر ما هو العالم العربي من الضعف بشكل خارق، لكن الكرة الأرضية تدور أيضًا في الليل. الزمن اسقط الكثير من أوهام وضحالة تفكير العرب على النطاقين الإعلامي والعسكري.

في 2 حزيران كتب محمد حسنين هيكل: بدون محاولة لاستباق الحوادث فان إسرائيل مقبلة على عملية انكسار تكاد تكون محققة، سنة 67. ومراسل "الجمهورية" كتب في 21 أيار 67: في ساعات يمكن ان نسحق إسرائيل بغير استخدام كافة أسلحتنا في المعركة. واحد الضباط قال: القضاء على إسرائيل لن يحتمل أكثر من أربعة أيام على ابعد تقدير. يومها إسرائيل حسمت المعركة بعد اقل من 15 ساعة انه أسرع انتصار عرفه العالم الحديث، والأسباب ذاتية بامتياز. وكان الغرور الإسرائيلي على أشده بقيادة موشي ديان. وقد أبدع د. صادق جلال العظيم في كتابه: النقد الذاتي بعد الهزيمة، وهو يشير إلى عدم تعلم الدرس. البعض اتهم السلاح السوفييتي بالهزيمة، وآخرون قالوا بسبب الابتعاد عن الدين كما صرّح مفتي المملكة الأردنية الهاشمية في 22 كانون أول سنة 67: ليس فيهم من القوة ولا من البأس ولا من الشجاعة ما يستطيعون معه ان يفعلوا فعلتهم هذه، ونحن من اعلم الناس يهم، ولكن الله أراد ان يسلّط علينا هذه الفئة نتيجة بعدنا عن ديننا.

ودلقت الكثير من مثل هذه الأسباب ما عدا النقد الذاتي، بعد حدوث الزلزال. الغرور الإسرائيلي أصيب بورطة هائلة في مواجهة المقاومة وبسلاح متواضع بالنسبة لسلاح العدوان، المقاومة لا تهرب ولا تستسلم، وتضغط على الجبهة العسكرية والجبهة الداخلية، هذا هو الأمر الجديد، والمقاومة على مستوى رفيع من المعرفة والمسؤولية والإرادة بلا شطط فارغ. كافة الطرق مسدودة ما عدا طريق السلام العادل والشامل، هذا ما يجب ان تتعلمه إسرائيل وكل من معها، لا يمكن ان تدّعي المقاومة، وكانت في حالة انبطاح. المفاوضات يجب ان تكون من مركز قوة، قوة الإرادة والموقف، قوة المقاومة، هذا هو المنفذ الوحيد لحقن الدم وإيقاف الشلّال.