حول احالة مشروع قانون الأبناك التشاركية على أنظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 00:23
المحور: الادارة و الاقتصاد     

أجرت الصحفية بجريدة المنعطف السيدة بشرى عطوشي حوارا مع عبد السلام أديب بخصوص احالة مجلس المستشارين لمشروع قانون مؤسسات الائتمان والمتعلق بالابناك التشاركية (الاسلاموية) على انظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وحيث جاء الحوار كما يلي:

• بعد مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون مؤسسات الائتمان، والذي يتعلق بالأبناك التشاركية وبعد إحالته على مجلس المستشارين، ارتأى هذا الأخير استشارة المجلس الاقتصادي بهذا الخصوص، واعتبرت الحكومة ذلك تعطيلا للعمل التشريعي، ألا يعتبر تدخلها هذا محاولة لعدم الكشف عن عيوب المشروع المذكور؟

•• نحن هنا من جهة، أمام هجوم سياسي تقوده الحكومة برئاسة العدالة والتنمية من أجل تمرير قانون مؤسسات الائتمان والذي يتضمن ما يسمى بالأبناك التشاركية (الاسلاموية)، في أقرب وقت ممكن في محاولة منها لاستبعاد أي نقاش سياسي جدي حوله، خصوصا وأنها تعلم جيدا أن مجلس المستشارين لا يتوفر على الكفاءات والخبرات الكافية لدراسة مثل هذا الموضوع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مما سيؤخر المشروع أو يلغيه تماما، مع العلم أن تمرير مثل هذا المشروع في بلادنا سيشكل تقدما قويا للاسلام السياسي وانتكاسة قوية لأصحاب التوجه العلماني المطالب بفصل الدين عن الدولة. بمعنى انتكاسة لطموحات بناء الدولة الديموقراطية العلمانية ذات الموقف المحايد اتجاه كافة الاديان وكافة المشاريع السياسية، وانتصارا للفكر الديني الشمولي.

كما أننا من جهة أخرى أمام مقاومة ضعيفة من طرف التيارات السياسية العلمانية او شبه العلمانية المطالبة ولو بشكل خجول بفصل الدين عن الدولة. ففي خضم هذا الصراع بين الطرفين تدخل احالة مجلس المستشارين للمشروع على استشارة المجلس الاقتصادي والاجتماعي كآخر ملجأ لهذا الطرف الثاني لطرح المشروع على الأقل على مناقشة تقنية عميقة وفي نفس الوقت فتح النقاش السياسي الواسع حول هذه المسألة. أما من الناحية التقنية الصرفة فبالفعل يجب التأني قبل تمرير مثل هذا المشروع وضرورة عرضه على أنظار الخبراء نظرا لما يحتمله من منزلقات تقنية كثيرة قد تضيع معها حقوق المؤتمنين المحتملين مستقبلا في تلك الابناك التشاركية.

• دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي في توصياته إلى ضرورة حماية النظام البنكي المغربي والمؤسسات البنكية القائمة من الأضرار المحتمل حدوثها نتيجة دخول الأبناك التشاركية إلى سوق المعاملات البنكية ما هو تعليقكم ؟

•• بالفعل هناك الكثير من الثغرات التي تتخلل عقود الائتمان في الابناك التشاركية والتي تحمل المؤتمنين بشكل أوتوماتيكي مخاطر الافلاس والخسارة نظرا لاعتبار "عقود التأمين" على تلك الاموال بمثابة "عقود ربوية" وبالتالي يتم استبعاد التأمين على المخاطر بشكل أوتوماتيكي. كما أن الظرفية الاقتصادية المتأزمة تؤدي في الغالب الى الافلاس والتفالس مما يحمل الزبائن مخاطرها وهذا فقط جزء يسير من العيوب التي تتخلل هذه الابناك وهو ما يتطلب دراسة عميقة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي. أما بالنسبة للانحرافات السياسية التي سيدشنها اعتماد هذه الأبناك فسيكون لها ارتداداتها الخطيرة على المجتمع خصوصا بالنسبة للأوهام التي قد ينشرها انتشارها. وهذا الأمر في بلادنا مخالف تماما لاعتماد الابناك التشاركية في لندن وباريس ونيويورك، حيث يتم من خلالها جذب رؤوس أموال دول الخليج، وذلك نظرا لما تتمتع به تلك البلدان من مناعة اتجاه دور العامل الديني في مواجهة علمانية الدولة. أما في بلادنا التي لم تخرج بعد من نمط الاستبداد الشرقي وحيث يخفي العامل الديني هيمنة التحالف الطبقي الحاكم على اجهزة سلطة الدولة باسم الحق الالاهي، وانكار أي حق للشعب في ذلك. وهذا بالضبط ما كان سائدا منذ قرون مقابل ما تحاول ان تطالب به التيارات السياسية العلمانية.

• أشار المجلس المذكور إلى وجوب حماية زبناء هذه المؤسسات وتمكينهم من كل الضمانات التي تجعلهم يحصلون على المعلومات الضرورية وكذا حمايتهم من الشروط المضرة بهم التي يمكن أن تشملها عقود القروض أو التأمينات. في نظركم ما هي الضمانات التي ستضمن لهم الحماية من كل احتيال أو نصب؟

•• ليس هناك احتيال او نصب بالمفهوم المتعارف عليه كما لا تعترف الابناك التشاركية بعقود التأمين على المخاطر نظرا لاعتبارها عقود ربوية، بل هناك فقط أوهام "روحية" خاطئة يعلقها الزبون على هذه الابناك على أساس انها ستخدم مصالحه انطلاقا من احترامها لجزء ضيق من أحكام الدين الاسلامي في مجال تدبير الأموال والمرتبط بمفهوم الربا، لكن تماثل هذه الابناك في فلسفتها وغاياتها مع الابناك التجارية التقليدية يجعلها في نهاية المطاف متناقضة مع روح الاحكام الدينية ككل وتعرض الزبون لمخاطر أكبر مما قد يحصل معه في الابناك التجارية التقليدية. فالابناك التشاركية في نهاية المطاف مجرد أداة رأسمالية سياسية بقناع اسلامي ومجردة من التأمين على المخاطر وهي لا تنظر الى مصادر الاموال ومفهوم القيمة والتي تقوم في الغالب على نهب فائض القيمة من عرق جبين الطبقة العاملة، بحيث أن وظيفة هذه الابناك هو مجرد التصرف في "الاموال المنهوبة من العمال" بدعوى احترامها لمعيار واحد ووحيد وهو عدم استعمال "الفائدة" باعتبارها "فائدة ربوية" ، بينما في الواقع لا علاقة البتة بين مفهوم "الفائدة" الناشئ خلال القرن السابع عشر ومفهوم "الربا" كما كان سائدا في المعاملات منذ اربعة عشرة قرنا. إذن فأفضل ضمانة للزبناء هي محاولة افهامهم لفلسفة هذه الابناك الحقيقية وأهدافها ومخاطرها الخفية والتي لا علاقة لها البثة بروح العقيدة الاسلامية، وذلك قبل انخراطهم فيها، لأنهم بعد ذلك عليهم ان يتحملوا عواقب قرارهم.


• من بين التوصيات التي قدمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدعوة إلى خلق نظام ضريبي خاص بالأبناك الإسلامية باعتباره الضامن الوحيد للمساواة والحياد في التعامل بين المؤسسات البنكية في المغرب هل يمكن اعتبار ذلك خطوة إيجابية وهل ستأخذ الحكومة بها وهل من الممكن أن تقبل بها هذه المؤسسات؟

•• بطبيعة الحال أن تصرفات الابناك كيفما كان طبيعتها تحقق ارباحا خيالية لمالكي تلك الابناك من مساهمين وأن عليها سداد الضرائب المتلائمة مع تلك الارباح. ثم ان أي تدرع بالصفة الاسلامية للتهرب من أداء الضرائب على الارباح يعتبر احتيالا، ونصبا على المجتمع.


• نص الفصل 62 من مشروع القانون على أن ترفع البنوك التشاركية إلى المجلس العلمي الأعلى في نهاية كل سنة مالية تقريرا تقييميا حول مطابقة عملياتها وأنشطتها للآراء الصادرة عن المجلس، هل سيكون هذا كافيا ؟

•• كما ذكرت في بداية حواري معك أن غايات الابناك التشاركية هي غايات سياسية أكثر منها اقتصادية أو مالية وتستهدف هيمنة الاسلام السياسي من خلال هيمنته الاقتصادية والمالية، وأن مخاطر هذه الهيمنة الايديولوجية قد تنزلق مستقبلا نحو مضاعفات أخطر أشبه بما يحدث حاليا في بعض بلدان الخليج وفي مقدمتها حركة داعش المتطرفة اضافة الى مخاطر انحطاط الديموقراطية حتى بمفهومها البرجوازي وسيادة البربرية. لذلك فإن احالة الابناك التشاركية لتقاريرها على المجلس العلمي الأعلى الذي سبق له أن أفتى بقتل المرتد يؤكد هذا المنحى السياسي المتطرف والذي بدأت تسير فيه بلادنا دون أدنى مقاومة تذكر.