نتنياهو يَقْصِف -خطَّة عباس-!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 13:27
المحور: القضية الفلسطينية     

جواد البشيتي
رُبَّ ضارةٍ نافعةٍ؛ فحكومة نتنياهو، التي ما انفكَّت تسعى إلى تقويض المصالحة الفلسطينية باعتبارها مَصْدَر تهديدٍ لمصلحة إسرائيلية استراتيجية تقضي ببقاء الانفصال الاستراتيجي بين قطاع غزة والضفة الغربية، دَفَعَتْها مصلحة سياسية شخصية (في المقام الأوَّل) لنتنياهو إلى مصادَرِة نحو 988 فدَّان من أراضٍ للفلسطينيين في الضفة الغربية (قُرْب بيت لحم) لغاية التَّوسُّع الاستيطاني؛ فأعادت، بفعلتها هذه، وعلى ما يُفْتَرَض، قطار المصالحة إلى سِكَّتِه، بعدما بدا أنَّه يوشك أنْ يَخْرُج عنها (بعد وَقْفَ إطلاق النار في قطاع غزة).
نتنياهو المُفْلِس، والمهزوم، مع جيشه، ونخبة جيشه، في قطاع غزة، أراد أنْ يُعَوِّض (بفعلته هذه، غير المشروعة في القانون الدولي) ولو شيئاً من خسارته الكبرى في حرب "الجرف الصامِد"؛ فشعبه لا يرضيه إلاَّ سفح مزيدٍ من دماء الفلسطينيين، أو الاستيلاء على مزيدٍ من أراضيهم؛ ومع ذلك، لا بدَّ للفلسطينيين من أنْ يُقارنوا؛ ففي قطاع غزة شَقَّ على الجيش الإسرائيلي، وتَعَذَّر، احتلال ولو بضعة أمتار مربَّعة من "أرض المقاومة"؛ أمَّا في الضفة الغربية فَتَسْتَسْهِل إسرائيل مصادَرة نحو 988 فدان من الأراضي الفلسطينية!
نتنياهو، وقَبْل "قرار المصادَرة"، صَوَّر لشعبه هزيمته في قطاع غزة على أنَّها "حِرْصُ قائدٍ على أرواح جنوده"، إذْ قال: "حِرْصاً (منه) على أرواح جنود جيش إسرائيل، أَمَرْتُ بخروج جنودنا سريعاً من أراضي القطاع (أيْ من بضعة أمتار مربَّعة سُمِحَ لهم بالاستيلاء عليها)"؛ لكنَّ هذا "القائد"، الذي اضطَّرَب تفكيره السياسي، لم يَتَجَشَّم إجابة سؤال: إذا أنتَ فَعَلْتَ ذلك حِفاظاً على أرواح جنودكَ، فَمَن يتولَّى عن الجيش الإسرائيلي مهمَّة نَزْع السلاح من يد المقاومة في قطاع غزة؟
إدارة الرئيس أوباما، المَدْعُوَّة، في "خطَّة عباس"، إلى ترسيم حدود الدولة الفلسطينية، مع جَلْب اعتراف إسرائيلي بهذه الحدود، قالت في "قرار المصادَرة" ما قالته دائماً؛ لقد قالت: "ندعو الحكومة الإسرائيلية إلى العدول عنه؛ إنَّنا نعترض دائماً على استمرار النشاط الاستيطاني؛ هذا القرار لا ينسجم مع هدف إسرائيل المُعْلَن وهو التوصُّل إلى "حلِّ الدولتين" من طريق النفاوض مع الفلسطينيين".
وهذا القول هو "فِعْلٌ" يسمَّى "اللافِعْل"؛ ولا يُتَرْجَم، إسرائيلياً، إلاَّ بمزيدٍ من التوسُّع الاستيطاني؛ أمَّا فلسطينياً فلا يُتَرْجَم إلاَّ بمزيدٍ من الشعور بـ "الإحباط التفاوضي" لدى الفلسطينيين الذين عَبَدوا "خيار الحل التفاوضي" حتى استعبدهم.
الرئيس عباس، في "خطَّته"، يُمْهِل إدارة الرئيس أوباما 4 شهور لترسيم حدود الدولة الفلسطينية (بما يُوافِق التزامها حدود 1967 أساساً لـ "حلِّ الدولتين") ولجَلْب اعتراف إسرائيلي بهذه الحدود؛ وأنا شخصياً أُمْهِل الولايات المتحدة 4 سنوات لـ "إقناع" إسرائيل بوَقْف توسُّعها الاستيطاني؛ فإنَّ زمناً طويلاً قد استنفذه المفاوِض الفلسطيني في سعيه إلى إقناع المفاوِض الإسرائيلي بحلٍّ معادلته "الأرض مقابل السلام"؛ فإذا بوحش الاستيطان يفترس (في الزَّمن التفاوضي الطويل) الأرض، مُقَوِّضاً، من ثمَّ، تلك المعادلة.
إنَّه "الانتظار"؛ فماذا يَنْتَظِر المُنْتَظِرون؟
ينتظرون رؤية الولايات المتحدة تَفْشَل في ترسيم الحدود، ورؤية مفاوضات غير قابلة للاستئناف، ورؤية مجلس الأمن الدولي يَفْشَل في "إجلاء إسرائيل عن أرض فلسطين"، ورؤية الاستيطان (مع التهويد) يزداد ويتَّسِع، ورؤية الإعداد (والتحضير) الطويل لإجراءات "محاكمة قادة إسرائيل"، ورؤية مزيدٍ من الحَفْض في تكلفة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية؛ وإنَّ أخشى ما أخشاه أنْ نرى (عمَّا قريب) انهياراً للمصالحة الفلسطينية، فانهياراً للمفاوضات غير المباشِرة والتي مدارها الميناء البحري والمطار والأسرى، فَمَنْعاً لإدخال مستلزمات إعادة البناء إلى قطاع غزة، فعودةً إلى التَّشَدُّد في سياسة الحصار، فتَفاقُماً في الأزمة المعيشية لأهل القطاع، والتي يُضاعِف من وطأتها حجم الدمار الهائل.
ما العمل؟
ليَدَعْ الفلسطينيون الرئيس عباس يُجرِّب "خطته"؛ على أنْ يرتبط هذا "التَّجريب" ببقاء وتعزيز "الوحدة الفلسطينية"، وبالمضي قُدُماً في تنفيذ "اتفاقية المصالحة"، وبتحرير خيار المقاومة الشعبية في الضفة الغربية من كل قيوده.