في -خطة عباس-


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4560 - 2014 / 8 / 31 - 12:40
المحور: القضية الفلسطينية     

جواد البشيتي
إنَّه لأَمْرٌ منطقيٌّ تماماً أنْ يأخذ القائد السياسي (صاحِب الخيار والقرار) بعَيْن الاعتبار، لدى وَضْعِه الجداوِل الزمنية لخُطَطِه السياسية، الحَجْم الافتراضي للبقية المُتَبَقِّيَة مِنْ عُمْرِه الطبيعي؛ فإذا كان في سِنِّ الشيخوخة فإنَّه يميل إلى المُخْتَصَر القصير من الجداوِل الزمنية؛ ورُبَّما كان ذلك أحد الأسباب التي حَمَلَت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على رَبْط "خطته (للوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة)" بجدول زمني مُخْتَصَر وقصير (هذه المرَّة).
لم يُعْلِن هو بنفسه، حتى الآن، أو في شكل رسمي، "خطته (المُفاجأة)"؛ فإنَّ "مصادِر فلسطينية مُطَّلِعَة" هي التي أَطْلَعَتْنا عليها، من طريق نَشْر مُخْتَصَرِها في جريدة "الشرق الأوسط" السعودية؛ وقد تَوَلَّت جريدة "هآرتس" الإسرائيلية توضيح بعض الأمور والمسائل ذات الصِّلَة بـ "الخطة".
"الخطة"، على ما يُقال، اتَّفَقَ عليها عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، في اجتماعهما الأخير في الدوحة، أيْ في أثناء الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة؛ وهي نفسها وُلِدَت (وأقَّرَتْها القيادة الفلسطينية) في أثناء هذه الحرب؛ أمَّا بواعثها النَّفْسية فهي مزيج من مشاعر اليأس والإحباط (من نتائج المفاوضات الطويلة العبثية مع إسرائيل) والرَّغْبَة في استعجال حسم الأمور، وفي إحراج الولايات المتحدة بصفة كونها الوسيط الذي لا وسيط إلاَّ هو.
في فاتحة خطته، يقول عباس لإدارة الرئيس أوباما (ولوزير الخارجية، الوسيط، كيري، على وجه الخصوص): معكِ مهلة 4 أشهر (لا غير، غير قابلة للتمديد) لـ "ترسيم حدود الدولة الفلسطينية، وجَلْب اعتراف إسرائيلي بهذه الحدود"؛ فإذا اَنْجَزْتِ هذه المهمة، وجَلَبْتِ هذا الاعتراف الإسرائيلي، وإذا ما تمخَّضَت مهمتكِ عن نتائج يَرْضى عنها الفلسطينيون، "تبدأ فوراً مفاوضات، لها نهاية زمنية". لم يَذْكُر عباس، في خطته، كم من الوقت تستمر هذه المفاوضات الفورية؛ لكنَّه قال قَوْلاً نافِلاً هو الآتي: "ينبغي لإسرائيل أنْ تأتي هذه المفاوضات ومعها خريطة لحدود دولتها"؛ أمَّا إذا رُفِضَ الأمر، أو أَخْفَقَ المعنيون به في الوصول إلى نتيجة جيِّدة، هي قيام الدولة الفلسطينية؛ فعندئذٍ، لا مفرَّ من أَخْذ الفلسطينيين بالخيار الثاني، وهو ذهابهم بـ "مظلة عربية" إلى مجلس الأمن الدولي ليقولوا له الآتي: حان لكَ أنْ تَطْلُب (في قرارٍ مُلْزِم) جلاء إسرائيل عن أرض فلسطين في مدَّة زمنية معلومة؛ لم تأتِ الخطة على ذِكْر جدول زمني لجلاء إسرائيل عن كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب حزيران (يونيو) 1967، على افتراض أنَّ الهدف النهائي الكامِن في الخطة هو "دولة فلسطينية في حدود 1967، مع تعديل طفيف للحدود، وتبادُلٍ طفيف، من ثمَّ، للأراضي"؛ أمَّا إذا مُنِع مجلس الأمن من ذلك، فعندئذٍ، لا مفرَّ من أَخْذ الفلسطينيين بالخيار الثالث (والأخير) وهو انضمام "دولة فلسطين (المعترف بها على أنَّها عضو مراقِب في الأمم المتحدة)" إلى المنظمات الدولية جميعاً، وفي مقدَّمها "محكمة الجنايات الدولية" من أجل محاكمة قادة إسرائيل (على ما ارتكبوه من جرائم حرب، وجرائم في حقِّ الإنسانية).
"المعادَلَة الجديدة"، في "الخطة"، هي "الدولة في مقابل اجتناب المحاكمة الدولية"؛ وكأنَّ عباس يقول لمجرمي الحرب من قادة إسرائيل: إمَّا أنْ تعطونا الدولة، وإمَّا أنْ نسوقكم إلى محكمة دولية.
أَعْلَم أنَّ قوَّة الاحتلال الإسرائيلي قد ارتكبت جرائم كثيرة متنوعة في الضفة الغربية والقدس الشرقية؛ لكنِّي أتساءل، في دهشةٍ واستغرابٍ، قائلاً: لو لم يكن وجود المقاومة وسلاحها في قطاع غزة سبباً للحروب التي شنَّتها إسرائيل عليه، ولارتكاب قادتها، من ثمَّ، جرائم تَصْلُح لمحاكمتهم في محكمة دولية، فهل تبقى "ورقة الضغط" التي يُلَوِّح بها الفلسطينيون في تلك الخطة مُحْتَفِظَةً بكامِل قوَّتها الافتراضية؟!
ومع ذلك، لا بأس من أنْ يتوافَق الفلسطينيون على تجريب هذه الخطة، على أنْ تُقْرَن بتفاهُم بين الفلسطينيين على جُمْلَة من النِّقاط، التي أهمها: رَفْض كل قرار يَصْدُر عن مجلس الأمن مُنْحاز إلى الشروط الإسرائيلية لإنهاء حصار غزة؛ نَبْذ كل ما من شأنه الإضرار بالمصالحة الفلسطينية، وبوحدة الموقف الفلسطيني؛ استمرار التَّوافُق الفلسطيني على ضرورة تحرير قطاع غزة من ضغوط الحصار كافةً؛ إذا فشل الخياران الأوَّل والثاني من الخطة، يُفعَّل الخيار الثالث، الذي يجب أنْ يتضمَّن أيضاً تحرير المقاومة للاحتلال الإسرائيلي من كل قَيْد؛ إذا نجح الخيار الأول من الخطة، يجب أنْ تتمخَّض المفاوضات، أيضاً، عن تسوية لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين؛ ترسيم الحدود بين الدولتين يجب ألاَّ يُجْحِف بحقِّ الفلسطينيين في أنْ تكون لهم عاصمة في القدس الشرقية، وبالحقوق الدينية للملسمين والمسيحيين في المدينة المقدَّسة، وبحقِّ الفلسطينيين في تبادُلٍ عادلٍ للأراضي، وبحقهم في الوحدة الجغرافية لأراضيهم في الضفة الغربية، وبحقِّهم في "نَفَقَيْن تحت السيادة الفلسطينية"، أحدهما بين القطاع والضفة، والآخر بين الضفة والأردن.