دواعش الأزهر والبلبلة : الشيوخ المتبلبلون ( 1 / 1 )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 00:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مقدمة :
1 ـ عندما أثير موضوع ( إنكار عذاب القبر ) سارع شيوخ داعش المتحكمين فى الأزهر باصدار بيان باسم الأزهر ( بشأن ما نشر من أغاليط دينية فى الإعلام، مثل إنكار عذاب القبر وغيرها من الأحاديث التى أحدثت لغطا فى الفترة الماضية. ) ونددوا بما يظهر على الساحة الاعلامية من ( مقالات تبلبل أفكار الناس؛ مثل ما قيل عن إنكار عذاب القبر ونعيمه، وما قيل عن الصحابة الأجلاَّء، ومحاولة الانتقاص من مكانتهم العظيمة. ) واعتبر هذا النقاش أمرا خطيرا ، وأنه محاولة لشغل الأزهر عن رسالته وعن قضايا الأمة التى يحملها على كاهله ( وهو ليس فى حل لكى يترك مهامه الكبيرة تجاه دينه وبلده وأمته ويتفرغ للرد على مقالات لا تعبر من قريب أوبعيد عن هموم الأمة وآلامها ).
2 ـ دواعش الأزهر يبررون عجزهم عن الدفاع عن خرافات عذاب القبر وتقديس الصحابة التى يؤمنون بها بأنهم مشغولون بقضايا الأمة التى يحملها على كاهله . أول مرة نعرف أن دواعش الأزهر يحملون قضايا الأمة على كواهلهم . ولعل هذا هو السبب أن هذه الأمة تحمل الأزهر معها وهى تهبط من قاع الى قاع الى أن وصلت أسفل سافلين حين تمخض جهل شيوخ الأزهر فولد ( داعش ). وبسبب ( إنشغالهم بقضايا الأمة ) فقد أنتجوا جيلا إرهابيا من الطلبة والطالبات ، هم دواعش اليوم والغد . إنشغل شيوخ الأزهر خلال أربعين عاما فى نشر الفكر المتطرف وفى الدفاع عنه ،وعندما إنطلق صوت فى الاعلام ينتقد بعض الخرافات التى يحميها دواعش الأزهر من النقاش هبوا يهاجمون ويهددون ، بينما صرخات ضحايا داعش فى العراق وسوريا لم تحرك فيهم ساكنا. تحركوا فقط حين هوجم ( ثعبانهم الأقرع ) لأن الثعبان الأقرع هو الذى يعبر عندهم عن ( هموم الأمة وآلامها ).
بعد موت كبار نجوم الكوميديا من الريحانى واسماعيل ياسين وفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولى وفرقة ساعة لقلبك ، وبعد قلة النصوص الكوميدية فإن أى عاقل يقرأ بيان دواعش الأزهر هذا قد يموت من الضحك ومن الغيظ معا .
2 ـ قالوا فى البيان ( مقالات تبلبل أفكار الناس ). نناقش هنا كلمة ( البلبلة ) التى وردت فى بيان الدواعش الأزهريين ، وهى تُفصح عن عقيدتهم وعقليتهم ، و تتكرر فى ( ادبياتهم ) يرفعونها سلاحا يحتمون به من النقد . وجاء أوان تمحيص ( البلبلة ) فى هذا المقال البحثى لنعرف من القرآن الكريم موقف دواعش الأزهر الحالى من الاسلام .
أولا : منبع البلبلة وأين توجد : أصناف البشر من حيث الايمان :
1 ـ فى بداية سورة البقرة ذكر رب العزة ثلاثة أصناف من البشر من حيث الايمان القلبى : المؤمنون المتقون الموقنون ، والكافرون الصرحاء ثم المنافقون . قال جل وعلا عن صفات المؤمنين المتقين : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5))
وقال جل وعلا عن صفات الكافرين الصرحاء : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)).
وقال جل وعلا عن صفات المنافقين فى كل زمان ومكان فى أى مجتمع يكون فيه (ناس ) فمن الناس : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة ). المحصلة أن لدينا نوعين من البشر : متقون ، وكافرون ( صرحاء ومنافقون ) .
2 ـ نفهم هنا منبع ( البلبلة ): فالايمان القلبى نوعان : يقينى ، ومرتاب . والبلبلة تكمن فى القلوب المرتابة وليس فى القلوب التى تؤمن بالله جل وعلا وبكتابه وباليوم الآخر إيمانا يقينيا . الايمان المرتاب هو الذى يعانى من ( البلبلة ) حين تتعرض الخرافات التى يؤمن بها للنقد والنقاش .
ثانيا : لا توجد البلبلة فى إيمان المتقين الموقنين
1 ـ : الإيمان اليقينى لا يأتيه الريب ولا الشك ولا الظن ( أى لايتبلبل ) أى لا مجال فيه للبلبلة . نعيد قراءة آيات سورة البقرة عن المتقين : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5)). المتقون يؤمنون بأن القرآن ( لايب فيه ) ويؤمنون بما جاء في القرآن من غيوب لأنه لا يعلم الغيب إلا الله جل وعلا الذى أنزل الكتاب ، وهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة تعبدا مخلصا لله جل وعلا وفى سلوكهم المسالم الصالح مع الناس ، وهم يؤمنون بكل الكتب السماوية إجمالا ، وفى النهاية هم يؤمنون باليوم الآخر ، أى هم بالآخرة ( يوقنون ) . بإختصار هم يؤمنون أن القرآن ( لا ريب فيه ) وأن اليوم الآخر ( لا ريب فيه ) .
2 ـ فى إيمانهم بأن القرآن لا ريب فيه لا يؤمنون بغيره حديثا ، طبقا لقوله جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الاعراف ) ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) المرسلات ) ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية ).
3 ــ وهم يؤمنون بأن اليوم الآخر( لا ريب فيه) بمعنى أنهم يؤمنون ( قلبيا ) بأن الله جل وعلا ( وحده ) هو ( مالك يوم الدين ) وأنه ( وحده ) الشفيع ، وأنه لا تملك نفس لنفس شيئا يوم الدين :( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) الانفطار ) ويؤمنون ( سلوكيا ) بما يتبع هذا القلبى اليقينى ، أى سلوك يتقى الله جل وعلا وعمل صالح ونفس تتحسّب للقاء الله جل وعلا يوم الحساب ، تتقيه جل وعلا فى السّر وفى العلن ، تقول الحق إبتغاء مرضاة جل وعلا ولا تأخذها فى حق الله جل وعلا لومة لائم ، ولو كره الكافرون المبطلون الداعشيون . هؤلاء المؤمنون المتقون الموقنون لا يمكن أن تلحقهم البلبلة .
4 ـ يؤمن المتقون بأن القرآن الكريم بصائر وهدى ورحمة لمن يوقن فى ايمانه بالله جل وعلا كتابه وباليوم الآخر ، يقول جل وعلا عن القرآن الكريم : ( هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) الجاثية )، ويقول جل وعلا عن كتابه الحكيم الذى هو هدى وبشرى للمؤمنين الذين يوقنون بالآخرة : (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) النمل ).
5 ـ وبينما يحتكم الكافرون الى شرائع جاهلية وضعية فإن المؤمنين المتقين الموقنين يؤمنون بأن شريعة الله جل وعلا هى الأحسن، قال جل وعلا عن شرعه القرآنى الذى لا يؤمن به الداعشيون : ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) المائدة ).
وبينما يوقن المؤمنون بأن حديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم هو الهدى والرحمة للمحسنين مقيمى الصلاة مؤتيي الزكاة الموقنين بالآخرة فإن المُصابين بالبلبلة يشترون ( لهو الحديث ) ليصرفوا الناس عن القرآن وكى يتخذه الناس مهجورا ، وإذا تتلى عليه آيات الله جل وعلا ولّى كالدواعش مستكبرا ، يقول جل وعلا : ( الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان ).
وبينما يوقن المؤمنون بالله جل وعلا وبكتابه وآياته جل وعلا فى الخلق ، ويوقنون بالله جل وعلا وحده الاها وبحديثه فى القرآن وحده حديثا نرى المُصابين بالبلبلة من الأفاكين الآثمين الدواعشيين يصممون على تكذيب ما يسمع من آيات الله جل وعلا ، يقول جل وعلا فى أول سورة الجاثية :( حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) الجاثية )
6 ـ بيان القرآن يكون مُتاحا فقط لمن يوقن به وحده حديثا إلاهيا ، فالقرآن الكريم ( بيّنة) أى حُجّة قاطعة للذين يوقنون به ، يقول جل وعلا :( قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) البقرة ). والذى يطلب الهداية فى القرآن الكريم بإخلاص ويقين قلبى ويجاهد فى سبيل الله جل وعلا يبتغى مرضاته جل وعلا ينال هداية الله جل وعلا ، وعلى العكس من هذا أولئك الذين يفترون على الله كذبا ويكذبون بآياته كما يفعل دواعش الأزهر ، يقول جل وعلا فيهم وفى من على ملتهم : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) العنكبوت ) ويقول جل وعلا فيمن يبتغى الهداية ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ) العنكبوت ).
7 ـ وكان محمد رسول الله عليه السلام على ( بيّنة ) من ربه ، ولذا عندما كذبه قومه وطلبوا منه ( الاهلاك ) أى أن يعجل الله جل وعلا بإهلاكهم أمره ربه جل وعلا أن يعلن لهم أنه على بينة من ربه أى متيقن وموقن بربه وكتاب ربه جل وعلا ، وأنهم كذبوا بالله جل وعلا وقرآنه ، وأنه عليه السلام ليس عنده القدرة على تعذيبهم ، فذلك مرجعه لرب العزة جل وعلا : ( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) الانعام )، ولو كانت لديه القدرة على إنزال العذاب بهم لاستجاب لطلبهم : ( قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) الانعام )
8 ـ نوح عليه السلام قال لقومه إنه ( على بيّنة من ربه ) أى على يقين من ربه : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ) (28) هود )، وقال قوم عاد لنبيهم هود عليه السلام أنهم فى ( بلبلة ) من دعوته ، أى أنهم فى شكّ من دعوته ، وفى ريب منها ، إذ كيف يتركوا ( الثوابت ) وما وجدوا عليه آباءهم ، وكيف يتركون ( المعلوم لديهم بالضرورة ) وقد شكّكهم فيها النبى صالح بدعوته البيّنة فحاقت بهم ( البلبلة ) : ( قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) هود ). وردّ عليهم صالح عليه السلام بأنه فى مقابل ريبهم وبلبلتهم فهو ( على بيّنة من ربه ): ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) هود ).
9 ـ وعليه فالبشر نوعان فى مجال الايمان القلبى : مؤمن موقن على بينة من ربّه ، ونوع مُصاب بالبلبلة يتبع هواه متقلبا مترددا ، قد زيّن له الشيطان سوء عمله ، ولا يستوى هذا بذاك ، يقول جل وعلا : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) محمد ). وندخل على المتبلبلين أصحاب الشك والظن وعدم اليقين .