برگاتك يا حزب!


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4548 - 2014 / 8 / 19 - 10:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

انطلقت الحملة الانتخابية بنسق سريع: تسريبات لأسماء المرشّحين رافقتها اتهامات وثلب، وتجريح، وإعادة نشر للفيديوهات القديمة، والصور، والتصريحات عملا بمبدأ ذكّر إنّ الذكرى تشوّه السياسيين وتردعهم. ولئن كانت هذه الممارسات متوقّعة باعتبار أنّها باتت من التقاليد المعمول بها فى الحملات الدعائية فإنّ المستغرب هو مجازفة بعض الأحزاب بإعادة ترشيح عدد من النواب فى المجلس التأسيسى، والحال أنّها تعلم علم اليقين أنّ التونسيين ملّوا بروز عدد من السياسيين، وما عادوا يستطيبون الإصغاء إلى خطاباتهم فضلا على ارتباط عدد من النواب بقضايا فساد وإرهاب وغيرها.

تطرح هذه المسائل عدّة تساؤلات بشأن الواقع السياسى الذى تعيشه تونس:

ــ لم رفضت الأحزاب مراجعة «سياستها» بطريقة جذرية حتى تتلاءم مع الممارسات الديمقراطية الفعليّة، وآثرت، فى مقابل ذلك، تقديم مصالحها وتطبيق البراجماتية الفجّة؟ يكفى أن نراجع أسماء المرشّحين عن حزب النهضة لندرك أهميّة بنى القرابة، ومعيار المكافأة عن سنوات السجن، ومدى تمسّك الحزب بتنفيذ سياسة «الانفتاح» التى يروم الترويج لها.. ولذلك أقصيت العناصر التى «فضحت» و«عرّت» المستور، واحتُفظ بالعناصر التى تميّزت بمهارة الأداء على الركح، ومجاراة الواقع البراجماتى للحزب، وفهمت أصول اللعبة السياسية، وأحكمت اللعب على الحبلين.

ــ لم تصرّ الأحزاب على الاستمرار فى تهميش الخبرات الجديدة؟ فأين هم الشباب الذين كانوا المكوّن الرئيس للثورة؟ لم ظلّ التمييز على أساس السنّ مهيمنا، والإقصاء شريعة؟ لم احتكرت بعض الشخصيات الفعل السياسى؟ ولم فُرض على التونسيين أن يختاروا بين الكهول والشيوخ؟

ــ هل يخدم خيار إعادة ترشيح نفس الوجوه مبدأ التداول على المناصب، أم إنّه يخدم سياسة سدّ المنافذ أمام فاعلين جدد كان بإمكانهم أن يدلوا بدلوهم، وأن يتدرّبوا على النشاط السياسى؟

ــ إلى أى مدى سيخدم هذا التوجّه التعدديّة: السياسية أو الدينية أو الفكرية أو الثقافية التى نروم تكريسها؟ فبالنظر فى أسماء المرشحين الذى زكّتهم الأحزاب نتبيّن غياب مكونات تمثّل «الأقليات»، فكم هو عدد اليهود أو المسيحيين أو البهائيين...؟ ومع ذلك لا ينفكّ السياسيون عن القول إنّنا مع مقولة «تونس لجميع التونسيين».

ــ لم سيطر العامل المادى على اختيار المرشّحين حتى باتت الانتخابات سوقا تباع فيها المناصب لمن يدفع أكثر؟ لم استمرّت العائلات العريقة ذات الجاه (فى حزب نداء تونس مثلا) فى ممارسة ضغطها وكأنّه لا سبيل للاشتغال بالسياسة دون قوّة المال؟

ــ لم أضحى التمركز على الذات، والنرجسيّة، وبريق الأضواء، والميل الجهوى، وخدمة المصالح الشخصية...وغيرها من الأدواء مهيمنة على الفاعلين السياسيين، فعسر الشفاء؟

ــ كيف ستتفاعل هذه الوجوه مع الانتقادات الموجّهة لها، والحال أنّ ذاكرة التونسيين تحتفظ بأخبار، وتفاصيل وجزئيات دقيقة تشمل أداء هذا النائب/ة أو علاقاته أو تورّطه فى العنف، أو خيانته لمبادئ كان قد وعد بالالتزام بها ناهيك عن تجييشه للرأى العام فى الساحات العامّة أو المساجد؟.

من حقّ جميع النوّاب أن يترشّحوا مرّة أخرى ولكن شريطة أن يقدموا على مصارحة التونسيين، وتقديم كشف حسابهم على صفحات الفيسبوك. فمثلما درجوا على إخبارنا بتحرّكاتهم، ومواقفهم انتظرنا منهم أن يبادروا بتقييم أدائهم، وانتقاد أنفسهم، وأن يعترفوا بالأخطاء التى ارتكبوها فى حقّ الشعب وأن يعتذروا. ولكن يبدو أنّه يعزّ على النوّاب تغيير الصور التى يحملونها عن ذواتهم ولذلك أصغينا إلى فرح بعض النواب والنائبات بإعادة ترشيحهم، ورضى المسئولين عن أدائهم، ولسان حالهم يقول: «براكتك يا حزب»، وفى المقابل استمعنا إلى «بكائيات» مرشّحين لم يسعفهم الحظّ، فسقطوا فى الاختبار ولكنهم ما قبلوا النتيجة فانبروا يتظلّمون.

يُبين هذا التصرّف عن تمسّك مرضى بالمناصب، وتعلّق بالامتيازات التى تدرها ورغبة فى الاستمتاع بحلاوة الشهرة، وبريق المركز وكلّ هذا مفهوم، ولكنّه لا يؤسس لديمقراطية تشاركية فعليّة. كما أنّ ترشيح الحزب لا يمنح الشرعيّة لأنّ المصالح الوطنيّة هى الأساس.

ويبدو أنّ التمسّك بامتيازات السلطة، والكرسى صار تقليدا مقدّسا فى جميع المؤسسات. فكلّ مسئول يطمح فى أن يبقى فى موقعه ولسان حاله: أنا أو لا أحد، وهذا حقّى المشروع، وأنا أفضل من غيرى.

صحيح أنّ من ذاق النعيم لا يمكن أن يفرّط فيه بسهولة.. ولكن ما هكذا تبنى الديمقراطيات وتكرّس القيم، والممارسات، والمبادئ، وترسى قواعد التداول.