المسكوت عنه فى محاربة الإرهاب


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4541 - 2014 / 8 / 12 - 10:44
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     


تعدّدت قراءات المحلّلين والدارسين للأحداث الإرهابية التى تعيشها تونس منذ شهور. ولكن يبدو أنّ ارتباط الإرهاب بممارسة العنف المادى، وعرض القوّة الجسدية، ومهارات القتال قد جعل المحلّلين والمؤسسة الأمنيّة أكثر تركيزا على الشباب، وكأنّ الإرهاب لا يزال ظاهرة ذكورية بامتياز.

إنّ قصر ممارسة الإرهاب على جنس دون آخر، وعلى فئة عمرية دون أخرى يثبت تصوّرا كلاسيكيا للمسألة. فالمتابع للحراك داخل التيارات الجهادية فى العالم ينتبه إلى أنّها تجاوزت مرحلة الاعتماد على النساء للقيام بالأعمال المعهودة بذمّتهن (الطبخ، التنظيف...) إلى توظيفهن لمهام مختلفة منها: الاطلاع بدور الوسيط بين الجماعات المتحصّنة بالجبال أو الكهوف، والجماعات المتخفية بالبيوت داخل المدن، ومنها تزويد الجماعات ببعض الحاجيات، فضلا عن نقل السلاح. وتونس ليست استثناء فى هذا السياق. فكلّما ضُيّق الخناق على الجماعات الإرهابية صار الاتكال على النساء والأطفال أشدّ.

ولئن تمّ فى الأشهر الأخيرة، إيقاف عدد من النساء المورّطات فى الإرهاب فإنّ الحدث لم يستفز المحلّلين ولا الرأى العامّ وكأنّ المسألة لا تتعدّى تقديم يد المساعدة وفق مقتضيات بنى القرابة. ولكنّ تغييب توظيف مقولة «الجندر» فى تحليل الظاهرة الإرهابية ستكون له فى تقديرنا، انعكاسات خطيرة. فبالاطلاع على بعض المدوّنات، وصفحات فيسبوك، والحوارات والتعاليق على مواقع التفاعل الاجتماعى ننتبه إلى انخراط فئة من الفتيات فى الفكر الجهادى اعتقادا بأنّه السبيل الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية. إنّنا إزاء «سلفيات قليبية»، و«سلفيات قفصة».. ونحن إزاء جيل يؤثر تشكيل هويته باختيار كُنيات: أم مصعب المجاهدة، أمّ البراء السلفية، أمّ هريرة، زوجة الليث الغدنفر.

أن تختار الفتاة تعريف نفسها من خلال الكنية فذاك شأنها ولكن أن يكون شعارها الأساسى «موتوا بغيضكم» أو «جهادية المنهج إرهابية النشأة» أو«قناصة الدولة الإسلامية» أو«الدولة الإسلامية حبى وانتمائى» أو «إرهابية متعطشة للشهادة.. وشهيدة بإذن الله» أو «أنا حين يُقال عنى إرهابية أفتخر».. فذاك شأن آخر يتعلق بقضايا تتصل بالعيش معا، والانتماء الوطنى، وأمن البلاد، وبناء المواطنة وغيرها. أن تدعو الفتاة على الجنود، والأمنيين بالشرّ فذاك كلام يواجه بالكلام على حدّ قول الجاحظ، ولكن أن تتحوّل إلى داعية إلى الجهاد، محفزّة الشباب على النفير، متلهّفة على القتال «أين العبوات أين الكواتم أين العمليات الاستشهادية؟» داعية إلى «جهاد المرتدّين المبدّلين لأحكام الله المحاربين لدين الله وأوليائه المتسلّطين على أزمة الأمور فى بلاد المسلمين أولى من قتال اليهود لقوله تعالى: «يا أيّها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار»، فذاك كلام قد يكون مصحوبا بفعال، ولذا يتعيّن على الجميع تحمّل مسئولياتهم.

ليس خطاب الجهاديات ثرثرة و«كلام نسوان» لا يؤخذ به، وليس التفاعل فى الفضاء الافتراضى تنفيسا عن الكرب، وشكلا من أشكال التعبير عن الأزمات التى يمرّ بها المهمشون.. فكم من مخططات وصفقات إرهابية، ورسائل مشفّرة مرّت عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وهذا يعنى أنه لا يمكن بأيّ حال، التقليل من شأن انخراط الفتيات فى «الجهاد»، وإيمانهن بعقيدة الولاء والبراء التى تتجاوز التضحية بالمال إلى التضحية بالنفس. كما أنّه لا يمكن التغافل عن عولمة الإرهاب. فالجهاديات التونسيات على صلة ببعض السوريات، والعراقيات بل الشيشانيات والباكستانيات.. ويبدو أن فكرة إنشاء كتيبة الخنساء بالرّقة قد بدأت تغرى هؤلاء. تفاعل هذه الفئة من الشابات على الإنترنت ينم عن ضعف المستوى التعليمى والثقافى ومحدودية المعرفة الدينية، إذ يبقى ابن تيمية الشيخ الملهم الأمر الذى يطرح تساؤلات حول دور مؤسساتنا التعليمية ومناهجنا التربوية، والمؤسسة الإعلامية، والمؤسسات الثقافية وفاعليّة الجمعيات التى تنشط لدعم ثقافة التربية على حقوق الإنسان.

لقد قلّل السياسيون والمحلّلون والدارسون من شأن تسلّل الإرهاب إلى تونس فأخبرونا أنها فزّاعة، أو مؤامرة يقودها الأزلام، أو «اليسار الاستئصالى»، وتونس ليست أرض جهاد إنّما هى منطقة عبور، فتقاعس الجميع: «السياسيون والمجتمع المدنى» عن أداء أدوارهم مفضلّين فى الغالب، الاشتغال فى المناطق السالمة، واستمرّت الجمعيات النسائية فى سياسة التعامل مع الفتيات المفتونات بالفكر السلفى الجهادي، بإفرادهن إفراد البعير الأجرب، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه، وبتنا نبثّ ومضة إشهارية «الإرهاب موش متاعنا». ولكن اليوم، وبعد أن شرعت «العفيفات» بدعم الإرهاب فكرا وساعدا نزعم أنّ الإرهاب قد بات فينا، ولم يعد حكرا على الرجال بل اتّسعت دائرته لتشمل النساء والأطفال.