ق 2 ف1 : الأرضية التاريخية لمعارضة ناصر السعيد فى عهد الملك سعود


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 20:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
الفصل الأول : معارضة ناصر السعيد في عصر الملك سعود (1953 –1964)
أولا: الأرضية التاريخية لمعارضة ناصر السعيد فى عهد الملك سعود
البترول المؤثر الحقيقي في سياسة الملك سعود وفي المعارضة :
أ‌- تطور الانتاج البترولي في عصر سعود :
شهد الملك عبد العزيز في حياته التضخم الهائل في ثروة البلاد من انتاج النفط .فقد كان 200 الف دولار قبل الحرب العالمية الاولي ،ووصل الي 10 مليون دولار قبل الحرب العالمية الثانية ، ليصل الي 60 مليون دولار في عام1948 ، ثم 160 مليون دولار في عام 1952 .ثم ارتفع سنة وفاته ليصل الي 250 مليون دولار .وكانت ايرادات الدولة 757 مليون ريال ،جاء منها 90% من عوائد النفط [1].
وبرغم اتهام الملك سعود بالاسراف ودخول المملكة في اواخر عهده في متاعب مالية اسفرت عن عزله ،الاان دخل المملكة في اخر سنة من عهد سعود وصل الي 500 مليون دولار [2] .ومن الطبيعي ان ينعكس ذلك علي سياسة سعود وعصره حتي لقد كان البترول هو المؤثر الحقيقي التي تبلورت منه حركة المعارضة .
ب‌- البترول وترف الملك سعود :
حتي 1959 حين ظهرت اول ميزانية للدولة السعودية عمادها البترول لم تكن هناك تفرقة واضحة بين اموال الدولة واموال الاسرة الحاكمة ،حيث كان عبد العزيز يعتبر اموال الدولة ملكا شخصيا له ينفق منها علي احوال المملكة حسبما يتراءي له وفق ما كان سائدا في تاريخ المسلمين في القرون الوسطي ،ثم مع بداية التحديث انشئت وزارة المالية لضبط حسابات المملكة والتفريق بين مالية العرش ومالية الدولة ،وفي الميزانية المذكورة لسنة 58 :1959 تخصص للعرش السعودي 17% من الميزانية لانفاقها وفق رغبة الملك ،بالاضافة الي 19% من الميزانية وضعت تحت بند (نفقات اخري ) لتنفق حسب الرأي الشخصي للملك ايضا .
وخلافا لوالده عبد العزيز فإن الملك سعود اشتهر بالترف و الاسراف خصوصا مع الطفرة البترولية ،وشاع الحديث عن ترف القصور الملكية في عهده ،بما يتناقض مع المحاذير الوهابية السلفية وما كانت عليه المملكة من تقشف قبل ظهور البترول [3] وقد بلغ ما انفقه الملك سعود علي (الناصرية ) (وهي مدينة تشمل عشرات القصور ومساحتها 8 كم ) 8 مليون ريال .وحين اصبحت من الطراز القديم هدمها وبني اخري حديثة مكانها بمبلغ 850 مليون ريال ،منها 43 مليون دولار للخدمات الخاصة بالبلدية ،وفيها مدارس للامراء من ابناء سعود وملاعب ودور سينما وحمامات صناعية للسباحة . وجميع وسائل الراحة والمطاعم من أمريكا ،و يحضرون له الطعام خصيصا مقابل 350 الف دولار شهريا ،كما يشرف الامريكان علي جميع مرافقها وشئونها ،وقد اقيم من اجلها مشروع الخرج الزراعي لسد حاجتها من الحليب والزبدة والدجاج واللحوم والبطيخ ،وتكلف مشروع الخرج 27 مليون دولار ،واستوردوا له ابقارا ودجاجا من الولايات المتحدة كلفت الخزينة 20 مليون دولار [4] .هذا في الوقت الذي سرق فيه ثلثمائة بدوي في الاحساء بعيرين واكلوهما بسبب الجوع فأمر حاكم الاحساء سعود بن جلوي بقطع ايديهم جميعا وتغريمهم ستمائة ريال ثمن البعيرين [5] .
صحيح ان الملك سعود سار علي طريق ابيه في اعطاء البدو رواتب ،الا انها كانت هزيلة للافراد وجزيلة- نوعا ما- لشيوخ القبائل [6] ،ولم تتوازن مع حجم الاسراف والترف الذي احاط بالقصور الملكية ،وفي تلك الفجوة بين الترف والفقر لعبت المعارضة للملك سعود وتحددت اطروحاتها الفكرية والسياسية في الدعوة للاشتراكية والعدل الاجتماعي مع تنوع المرجعيات ..مابين ناصرالسعيد والرفاق الاشتراكيين والشيوعيين ،حيث كان العصر عصر الاشتراكية .
جـ – البترول وتحديث المملكة السعودية :
ادي ظهور البترول ونشأة الاقتصاد النفطي في المملكة السعودية الي اقامة هياكل ادارية معقدة اختلفت عن البساطة الادارية في عهد عبد العزيز ،فحتي عام 1951كانت توجد ثلاثة وزارات فقط هي الخارجية وانشئت سنة 1930 والمالية سنة 1932،والدفاع سنة 1946 ،وكانت تنظيماتها وادراتها بسيطة ،ولكن اصبحت الوزارات اكثر عددا ،واصبح عملها اكثر تعقيدا ،فقد انشئت وزرات الخارجية والتعليم والزراعة والمواصلات والتجارة والصناعة فيما بين 1951 :1954 ،ثم اضيفت ست وزارات اخري مع ثلاث وزارات دولة بدون حقائب وزارية فيما بين 1960 :1962 .وانشئت اقسام مستقلة ومكاتب في ادارات الدولة ،وانشأ مجلس الوزارات هيئات ووكالات حكومية عامة في الستينيات للسكة الحديدية والبترول والتعدين والخطوط الجوية ….ألخ .[7]
واسفرهذا التحديث للمملكة عن نتائج اربعة هامة :
(1) تهميش دور علماء الدين :
كان علماء الدين في نجد اكثر تأثيرا وتشددا واقوي نفوذا عن زملائهم في الحجاز الذي كان اكثر انفتاحا علي العالم واكثر تأثرا بالتطور السائد في عصرهم ،ومن هنا كان التعليم السلفي مسيطرا في نجد في مقابل ما يمكن تسميته بالتعليم العلماني الذي عرفه الحجاز من قبل دخوله في السيطرة السعودية ..
الا ان علماء الدين في نجد والحجاز كانوا تابعين للسلطة الادارية السعودية التي توازن بين السلطةالاصولية السنية الوهابية النجدية والتحديث ،ومن الطبيعي ان يؤثر التحديث التي سارت فيه المملكة علي السلطة المتوارثة لعلماء الدين الوهابيين خصوصا في نجد والرياض عاصمة الدولة التي اخذت تتأهب في عصر سعود لتكون عاصمة عصرية .
لقد صاحب اتساع الهياكل الادارية تزايد سلطانها علي عدد هائل من المجالات الاجتماعية بما فيها تلك التي كان يديرها علماء الدين والمؤسسات الدينية .فالمجلس البلدي مثلا كان تمثيل العلماء فيه محدودا ،واصبحت السيطرة فيه علي مجالات كانت تخص رجال الدين ،مثل ادارة الاوقاف والمدارس الدينية والتعليم . بل ان مناهج التعليم لم تقتصر علي العلوم الدينية بل اضيفت اليها العلوم الحديثة التي كان يعارضها علماء الوهابية من قبل .
بل تعدي الامر الي القضاء ،وهو أهم مجال لعلماء الدين ،اذ ان اكتشاف البترول وما تلاه من اتساع الخدمات الحكومية والقضائية وتنوع المشكلات المترتبة علي ذلك اظهر عجز المحاكم الشرعية التقليدية عن احتواء قضاياه ومشاكله وخصوصا في التعامل مع الاجانب ،وكان عبد العزيز يتولي بنفسه مثل هذه القضايا ،ولكنه مع حلول الثلاثينيات اصبح عاجزا عن التعامل معها كلها ،والمحاكم الشرعية اصبحت (خارج القضايا المحلية المدنية والجنائية )عاجزة في حل القضايا الخاصة بالصراعات الناتجة عن الاقتصاد النفطي وتعقيداته .وهكذا حول عبد العزيز تلك السلطة القضائية الي لجان ومجالس ومحاكم خاصة متميزة عن النظام القضائي العادي ،مثل هيئة المظالم ولجنة فض المنازعات التجارية واللجنة العامة لقضايا الغش ،ويتحكم فيها خبراء تلقوا تعليما مدنيا علمانيا .ثم مالبث ان ادمج عبد العزيز هذه الكيانات في النظام القضائي للدولة .وعلي سبيل المثال انشأ الملك سعود فيما بعد هيئة المظالم سنة 1955 ويقوم الملك بتدبير سياستها وتعيين رئيسها ونائبه وتخضع قراراتها لتصديق الملك ،وتتضمن سلطاتها نظر المظالم التي يرفعها المواطنون ضد هيئات و وزارات الدولة والقيام بالتحري عن المسئولين الحكوميين والتحكيم في النزاع المتعلق بالمرتبات والاجور والتعاقد والمعاش والتعامل مع الاجانب ….الخ ،ومع سلطاتها الواسعة فان تمثيل علماء الدين فيها يقتصر علي اثنين فقط يمثلون الشريعة [8].
2- اخضاع علماء الدين للدولة :
ضمن سياسة التحديث والتطوير احكمت الدولة السعودية قبضتها علي علماء الدين ،وادمجتهم في ادارة الدولة ضمن الهيئات التالية :هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ادراة البحوث الدينية والافتاء والدعوة ،مراقبة تعليم البنات ،مراقبة المساجد والاوقاف .
وعلي سبيل المثال كانت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اقدم واهم سلطة في الدولة السعودية ،ويكفي انها بدأت سنة 1903 علي يد الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ في الرياض بعد ان استردها عبد العزيز ،ثم توسعت الهيئة مع توسعات عبد العزيز في الجزيرة العربية ،الي ان وصلت بعد ضم الحجاز الي الاراضي المقدسة ،وكانت ادراتها العليا في يد واحد من ابناء الشيخ ،وهو يتلقي تعليماته من الملك ،ولم تكن مهمات المطوع في الهيئة محددة ،،وكانت سلطة المطوعين في البداية تغطي مساحات كبيرة من المملكة في الاسواق والمساجد والطرقات والملابس واللحي للتأكد من اتباع السنة طبقا للمفاهيم الوهابية ،ولكن ضم الحجاز المنفتح بطبيعته علي العالم الخارجي اوجد نوعا من التخفيف ،وادي هذا التخفيف الي وجود نوع من المعارضة ضد عبد العزيز، مما جعله يصدر مرسوما ملكيا في 1930 يقضي بضم هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الي المراقبة العامة لقوات الشرطة ،وجرد المطوعين من سلطة القاء القبض التي كانوا يتمتعون بها من قبل ،وحصر وظائفهم في التبليغ عن ارتكاب المعاصي للشرطة ،وبذلك تحول دورهم الي عمل بيروقراطي اشرافي ،واقتصر علي حث الناس علي الصلاة .واصبحت مهامهم السابقة تؤديها وزارات الداخلية والصحة والمالية والاقتصاد الوطني والزراعة والعدل والشئون البلدية [9].ومن هنا اقترن تهميش دورهم بتحويلهم الي موظفين عاديين ذوي واجبات محددة لا يجوز تجاوزها والا تعرضوا للفصل .
وينطبق نفس الوضع علي هيئة الافتاء والدعوة والبحوث الدينية والارشاد التي اصبحت هيئة مستقلة من هيئات الدولة وتخضع للملك مباشرة ولرئيس الوزراء ،ومع قيامها بنشر المبادئ الوهابية في الخارج وتأكيدها في الداخل الا ان صوتها في معارضة آل سعود لم يكن مسموعا .وظل كذلك الي ان علا صوت الحركة السلفية المعارضة في حركة جهيمان العتيبي الذي كان اكثر سخطه موجها للعلماء المنتمين لهذه الهيئة، وكان يسمي علماءالدولة بعلماء الشهادات لأنهم في نظره يعبرون عن السلطة ولا يعبرون عن التوجهات الحقيقية الاصيلة للوهابية التي يتحرك علي اساسها من وجهة نظره .
وبالتالي فأن المنتظر ان تأتي المعارضة في عصر سعود من جهات خارج نطاق علماء الدين، خصوصا وان علماء الدين في ذلك الوقت انشغلوا بمواجهة منافسين جدد هم العلماء المدنيون او العلمانيون الذين احتاجتهم الدولة في تحديثها وتطويرها .
3- وجود تنافس مدني علماني لعلماء الدين :
شهد عصر سعود ظهور نخبة علمانية مدنية تتنافس مع النخبة الدينية في مجال التوظيف لدي الدولة واجهزتها الادارية والسياسية .واسهم في ايجاد هذه النخبة المدنية نظام التعليم المدني الذي بدأ رسميا سنة 1952 عندما انشأ عبد العزيز الادارة العامة للتعليم برغم معارضة علماء الدين ،ونتيجة اصرار عبد العزيز تحولت ادارة التعليم الي وزارة للتعليم في سنة 1953 برئاسة الامير فهد وانشئت فيها اقسام للتعليم الابتدائي والثانوي وتدريب المعلمين والتعليم الفني والبرنامج الدراسي لدراسة الطلاب السعوديين في الخارج ،وانشأ كليتين احدهما للشريعة واخري للمعلمين في مكة .
ثم بدأ التوسع في عهد سعود في انشاء المدارس ليشمل مدارس البنات وليصل الانفاق العام فيه الي 168.8 مليون ريال سنة 1960 :1961 .وبرغم معارضة العلماء السعوديين انتشرت مدارس البنات منذ سنة 1960بعد الاعتراف الرسمي بحق المرأة في التعليم سنة 1959 وتم انشاء مؤسسات جامعية للمرأة سنة 60 :1961 في جامعة الرياض ،ثم تزايد عددها بعدها .
وفي عام 1957 تأكد التعليم العام الجامعي بافتتاح جامعة الملك سعود في الرياض ،وفي الاعوام التالية افتتحت كليات البترول والمعادن وجامعة الملك عبد العزيز ،وتخرج في هذه المدارس والجامعات جيل جديد مختلف في عقليته وتفكيره عن ابائه وعن الفكر الديني التقليدي ،وهذا الجيل الجديد وجد طريقه في التوظيف في ادارات الدولة وقام بدور هام في تحديثها ،ووصل الي اعلي المناصب ،وكون ما يعرف بالنخبة العلمانية وكان لها تأثيرها في عصر الملك سعود .
وقد انعكس التأثير العلماني في زيادة عدد الوزراء العلمانيين الذين تولوا الوزارات الجديدة مع الامراء فيما بين 1954 :1958 ثم تزايد عددهم اكثر في سنة 1960 حين عين الملك سعود خمسة وزراء خارج الاسرة المالكة منهم اربعة وزراء تخرجوا في جامعة القاهرة وكانوا شبابا وقتها ،وكان خامسهم في الخامسة والثلاثين حين تولي الوزارة ،وتخرج في جامعة تكساس وتولي وزارة البترول والثروة المعدنية .وبالتالي اصبح للعلمانيين الدور الاكبر في الادارات الحكومية باستثناء الحرس الوطني والهيئات الدينية .
واصبح واضحا وجود تنافس بين العلمانينن والسلفيين في ادارة الدولة ،يريد العلمانيون الاصلاح والتطوير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ،بينما يريد السلفيون تأكيد الطابع الديني ،ولكن يظل الملك هو محور الارتكاز في التوازن وضبط الصراع بين الاتجاهين .بحيث يحافظ النظام السعودي علي الوهابية مع التكيف مع الظروف المتغيرة [10] الا ان سياسة سعود لم تصل بالتحديث الي اصلاح احوال الطبقات الفقيرة ،وحين انشغلت النخبة السلفية بالتنافس مع النخبة العلمانية وبالحفاظ علي مصالحها في اطار التوظيف السعودي فأن المعارضة جاءت من جانب العلمانيين المنشقين المتأثرين بالايدولوجيات الاشتراكية ،خصوصا وقد كانت اعينهم علي مثالب الواقع المحتاج الي الاصلاح.
4- اهمال الاصلاح الاجتماعي والتحديث التحتي :
لم تصل اصداء الاصلاح والتحديث الي البوادي والقري وسكانها الذين عاشوا في رتابة التقليد لولا ان بعض ابنائهم تفتحت عيونهم علي التغيرات الجديدة وطالبوا بوصولها الي بلادهم وعشائرهم .واذا كان بعضهم يحمل ثأرا قبليا ضد آل سعود، فما اسهل ان تتحول مطالبه الي معارضة ،وهذا ما حدث مع ناصر السعيد ابن مدينة حائل عاصمة اقليم شمر .
ولعبت شركة ارامكو دورا كبيرا في تحديث المجتمع السعودي باشاعة التعليم الحديث ،اذ انشأت اول مدرسة ابتدائية لتعليم الكبار سنة 1940 ونظمت لموظفها المحليين بعثات دراسية في الخارج في اوروبا وامريكا حيث تعلموا وتعرفوا علي مظاهر التقدم العلمي ،وعادوا بأفكار جديدة عن الحقوق والواجبات [11] فمالبث ان عانت منهم ارامكو …
وفي خطابه الذي القاه ناصر السعيد امام الملك سعود في مدرسة حائل في 11|12|1953 ،بدأه بقوله للملك (باسم الله الحق ،بأسم العمال المعذبين ،باسم الفلاحين الذين اصبحو فريسة للمرابين …بأسم البدو المشردين ،بأسم الشعب العظيم الذي حرم من نور العلم طويلا طويلا يا طويل العمر )أي يحدثه باسم الفقراء من العمال والفلاحين والبدو .ثم يسأل الملك الذي كان يزور حائل بمناسبة بيعته ملكا ،فيقول له (هل تجشمتم مصاعب الطرقات الوعرة…بقصد الدعاية لنفسك ام بقصد الترفيه ..اذ ليس في مئات المدن والقري والصحاري التي مررتم بها الا الفقراء الذين رأيتهم يمدون ايديهم …ضارعين من الفقر والمرض والجهل اللعين ..وكان بإمكانك ان تقطع هذه المسافة بالطائرات ولكنك قطعتها بالسيارات ..ولهذا نحاول ان نقنع انفسنا انك جئت حسب الظن بقصد الاطلاع علي ما يلاقيه شعبنا …وعرفت انت بنفسك بعد ان انكسرت العديد من سياراتك انه لا يوجد طريق واحد معبد ..كما لا يوجد علاج ولا معالج ولا ماء نظيف صحي ولا دواء ولا عمل ولا مساكن تليق بالانسان .وهذا ما جعلك تسكن في الخيام في كل مدينة تنزل بها، بما فيها حائل، لعدم وجود ما يصلح لسكناك كملك من مساكن شعبنا ). أي ان تحديث المملكة لم يصل الي القواعد العريضة للشعب في المملكة في عصر سعود (53- 1964).
وارامكو التي ساهمت في التحديث عن طريق التعليم وارسال البعثات الي الخارج كانت ايضا لها مساوئها في التعامل مع العمال ،مما جعل الوعي الذي اسهمت في ايجاده ينقلب عليها ثورة عمالية في حركة ناصر السعيد ،ففي خطبته السالفة امام الملك سعود يقول ناصر السعيد عما فعلته ارامكو معه ومع العمال الثائرين( ولهذا فقد شردنا وعذبنا وسرحنا من العمل …حتي ان العمال قد سجنوا سجنا جماعيا خلف الاسوار الشائكة في وهج الشمس المحرقة وقطع عنهم الماء ومنع الطعام ،ثم سمح لهم اخيرا بالطعام ،ولكنه طعام سم يا سعود .هل تصدق ؟ لقد وضع لهم السم في طعام هذا المطعم المسمي بمطعم ابو ربع ريال ومات سبعة عشر من العمال ،وقد اسعف الباقون بغسيل بطونهم ،وادعت الشركة الاستعمارية ارامكو انه حدث لهم تسمم غير مقصود لأن قدور الطعام غير نظيفة ،ولكنه تأكد من اقوال احد الاطباء الفلسطينيين الذين يعملون في الشركة نفسها وكشفوا ضمن الاطباء علي حالة العمال المصابين ان التسمم حادث عن طريق سم حقيقي عثروا علي بقيته ،و قد ثبت هذا ،وعلي اتم الاستعداد ان اثبت لكم ما اقول )[12]
وفي الواقع فأن ارامكو كانت محور التحديث ،فمن عوائد البترول التي خرجت عن طريقها تم رسم السياسة السعودية في الداخل .وكانت تمثل في نظر عبد الناصر وناصر السعيد والاشتراكيين في الداخل والخارج مركز الاستعمار الامريكي في المنطقة كلها بعد ان وضع البترول المملكة السعودية في قلب الاهتمام العالمي، ومكن ابناءها من التأثر بما يجري في العالم ،واثر علي سياسة سعود الخارجية ،مما كان له اثره في توجيه المعارضة في الداخل وجهة اشتراكية .
(د) اثر البترول في سياسة سعود الخارجية :
وقد اعطينا فكرة سريعة عن بداية البترول السعودي [13] ..وبسبب البترول ورث الملك سعود وضعا مستقرا لسياسته الداخلية والخارجية تمثل في التحالف مع امريكا، الا ان قيام الثورة المصرية ،واعتناق عبد الناصر الفكر الاشتراكي وانضمامه الي المعسكر الشرقي في الحرب الباردة ضد امريكا ،كل ذلك عمق الخصومة بين عبد الناصر وسعود ،خصوصا مع اشتعال الخصومة بين عبد الناصر والاخوان ،وهروب معظمهم الي السعودية .وفي ظل الخلاف المعلن بين مصر والسعودية ايدت كل منهما الجبهات المعارضة للاخري ،فبينما ايدت مصر حركة ناصر السعيد وغيرها ايدت المملكة السعودية الاخوان المسلمين.
وندخل بذلك علي حركة ناصر السعيدالاصولية السنية الدينية السنية ذات التوجه الاشتراكي .
الهوامش :
1-الياسميني :الدين والدولة في السعودية: 93،94.
2-فؤاد الابراهيمي :مجلة الجزيرة العربية :العدد 16 مايو 1992 ص 28
3-الياسيني :المرجع السابق : 94 : 95 .
4-ناصر السعيد :رسالة الي الملك سعود.
5-ناصر السعيد :تاريخ ال سعود :547 .
6-الجزيرة الجديدة :الدولة السعودية : ص 26 :بدون تاريخ وبدون عنوان وهي جريدة كان يصدرها الحزب الديمقراطي الشعبي سنة 1970 من اليمن الجنوبي .
7-الياسيني :المرجع السابق: 92 ،93 ،101 ،102 .
8-الياسيني :المرجع السابق: 117 :119 ،120 ،121 .
9-الياسيني :نفس المرجع :104: :109 .
10-الياسيني :نفس المرجع : 123 ،124 ،167 :169 ،170 ،171 ،153 ،164 :165 .
فؤاد الابراهيمي :مجلة جزيرة العرب :المرجع السابق 29 .
11-فؤاد الابراهيمي :المرجع السابق: 29.
12-ناصر السعيد :تاريخ آل سعود :110 :121 .
13-رفعت سيد احمد :قديس الصحراء: 19 :23 .