ق2 / ف1 : مقدمة عن معارضة ناصر السعيد في عصر الملك سعود (1953 –1964)


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4536 - 2014 / 8 / 7 - 02:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ق2 / ف1 : مقدمة عن معارضة ناصر السعيد في عصر الملك سعود (1953 –1964)
كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
الفصل الأول : معارضة ناصر السعيد في عصر الملك سعود (1953 –1964)
مقدمة : معارضة ناصر السعيد السنية في عهد الملك سعود (1964 : 1953 )
عبقرية المكان في مصر فرضت علي عبد العزيز جهودا مضاعفة يمهد للدعوة الوهابية فيها ،والتي تمخضت عن تشكيل حسن البنا لجماعة الاخوان ذات الايدولوجية الوهابية ، الا ان ذلك صادف ظروفا ملائمة في مصر اتاحت لجماعة حسن البنا الانتشار فيما بين (1952:1928)اذ شهدت مصر في تلك الفترة حياة ليبرالية سياسية ولكن تفتقد الي العدل الاجتماعي ،بمعني ان الحراك الاجتماعي لم تكن فيه مرونة لترحب بانتقال المتعلمين من ابناء الفلاحين والعمال (الطبقة الدنيا) الي الطبقة الوسطي ولم تكن فيه مرونة لينتقل بها ابناء الطبقة الوسطي الي الطبقة العليا . ومع وجود الليبرالية السياسية وحرية العمل السياسي والصحفي والادبي فقد اختارت الاجيال الشابة المحرومة ان تعبر عن نفسها من خلال جماعات للرفض والتمرد التي اعتنقت ايدولوجيات مختلفة ،من اقصي اليسار كالشيوعية بكل اطيافها والشوفينية مثل حزب مصر الفتاة ، ومن الطبيعي ان يجد حسن البنا للاخوان المسلمين متنفسا لحزبه ليكمل الدائرة باليمين الديني المتشدد ، ووجد شباب اخرون طريقهم للجيش من خلال الكلية الحربية ،وتكون منهم تنظيم الضباط الاحرار الذين عكست اتجاهاتهم وانتماءاتهم جيل الرفض ،من الشيوعيين والاخوان ومصر الفتاة ، ومن هنا كان ترحيب الاخوان والشيوعيين ومصر الفتاة بقيام الثورة ،وظهر التحالف واضحا بين الثورة والاخوان بالذات ، ثم ما لبث ان اختلفوا سويا بحيث تآمر الاخوان علي حياة جمال عبد الناصر في حادث المنشية ، فأوقع بهم عبد الناصر ، ومن نجي منهم هرب الي السعودية موطن ايدولوجيتهم .ومن هنا تحتمت المواجهة بين مصر الناصرية والسعودية في عهد سعود .
وعبقرية المكان في مصر لم تفرض علي عبد الناصر جهدا يذكر في تصدير افكاره الثورية الي السعودية وغيرها ، بل كان من السهل عليه ان يقطع دابر الاخوان المسلمين وفكرهم الوهابي السلفي في مصر ، بل ويحاصره داخل السعودية ،خلال تقلص ذلك الفكر نسبيا امام الافكار الناصرية التي فرضت وجودها بفعل الثقل المصري في ذلك الوقت الي درجة التأثير في بعض الامراء حتي تكون منهم تنظيم الامراء الاحرار علي نسق تنظيم الضباط الاحرار في مصر .
وامتزجت عبقرية المكان مع زعامة عبد الناصر وسياسته في الخمسينيات التي اتبعها في سياسة فن الممكن في زمن المستحيل او فن المستحيل في الزمن الممكن ،ففجر الثورة ،واجلي الاحتلال البريطاني ،وواجه العدوان الثلاثي وحقق الوحدة مع سوريا وكل ذلك في مواجهة القوي الكبري ، الا ان انجازه الاكبر كان في تغيير المناخ المحلي والاقليمي والعالمي ،اذ نشر ايدولوجية اليسار والقومية العربية وتحالف قوي الشعب والحياد الايجابي وعدم الانحياز وذلك في مواجهة الاستعمار والعنجهية الامريكية وتحالفها مع اسرائيل . وكان من الطبيعي ان يتحالف عبد الناصر مع الاتحاد السوفيتي ومعسكره الشرقي ، وان يتزعم دول العالم الثالث وشعوبه في حرب التحرير والاستعمار القديم والامبريالية الامريكية ، وبالتالي يقف ضد الدول التابعة للمعسكر الغربي ،وما كان يسمي بالنظم الرجعية ،وكانت السعودية مع ايران والاردن اهم الدول الرجعية في ذلك الوقت .
وهذا المناخ الجديد الذي صنعه عبد الناصر محليا واقليميا وعالميا دفع ثمنه الملك سعود الذي سار علي نفس طريقة والده في التمتع بالرفاهية والاستبداد والتمسك بالديانة الوهابية ، وكان ممكنا ان تسير حياته السياسية دون اعتراض كبير بمثل ما حدث في العشرين سنة الاخيرة في حياة والده ، الا ان المناخ الذي انشأه عبد الناصر وقف له بالمرصاد ، ومن هنا واجه سعود معارضة ناصرية ما لبثت ان قضت عليه ..اذ كان سهلا علي خصوم آل سعود ان يعتنقوا الايدولوجية الناصرية بديلا عن الايدولوجية الوهابية .وابرزهم ناصر السعيد.
ومن الطريف ان عبد الناصر كان يمارس في سياسته الداخلية نفس سياسة سعود ، فقد اتهم سعود بالديكتاتورية وتضييع الاموال في الاسراف والملذات . وعبد الناصر ايضا كان يحكم بالشرعية الثورية مستبدا .عطل دستور 21 وصادر الحريات التي عاشتها مصر اثناء الفترة الليبرالية من 1952:1923 وقام بالتنكيل بمعارضيه حتي من داخل الجيش وغيرهم من الشيوعيين ومن اسماهم بالرجعيين ، واذا كان سعود قد اضاع ملايين في الاسراف علي متعته ورفاهيته فان عبد الناصر اضاع رصيد مصر من الذهب في مغامرة فاشلة في حرب اليمن .ثم كانت الطامة الكبري في هزيمة 1967. والاستبداد بكل اشكاله يؤدي الي نفس النتيجة ،الا ان الدعاية المصرية التي انفردت بعبقرية المكان ادانت الملك سعود بقدر ما رفعت عبد الناصر الي عنان السماء ، وبينما اخمد عبد الناصر اصوات معارضيه فان معارضي الملك سعود ارتفعت اصواتهم حتي داخل المعسكر السعودي نفسه وارغمت سعود علي الرحيل .
علي ان المناخ داخل السعودية كان مواتيا لازدهار المعارضة ولاستقبال الدعاية الناصرية ، والجيل الذي عايش عبد العزيز قد انتهي او احيل للاستيداع ،وجاء بعده جيل جديد ،جزء منه تعلم تعليما مدنيا علمانيا وله استعداد لتقبل الاراء الجديدة ،كما ان معظم هذا الجيل حتي من تعلم تعليما محافظا اصبح يستمع للاذاعات ويستعمل المخترعات ، أي اصبح اكثر تفتحا من الاخوان والعلماء في عصر عبد العزيز . وبرحيل عبد العزيز اخذ معه كاريزميته وقوة شخصيته ولم يكن بامكان ابنه سعود ان يملأ مكان والده فتعرض للانتقاد .وبهذا تفاعل الداخل مع التأثير الناصري الخارجي في بعث حركة معارضة جديدة .
للوهلة الاولي يبدو للباحث ان معارضة ناصر السعيد لا تدخل في اطار المعارضة السنيةالاصولية السنية ،وان هناك مؤثرات في المعارضة للملك سعود تتمثل في دور هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والجامعات الاسلامية التي ادت الي نمو الاصولية، وان سياسة الملك سعود ادت الي تفاقم المعارضة بحيث انتهي الامر الي عزله .
ولكن البحث المتعمق يتضح منه ان معارضة ناصر السعيد .وان كان لها توجه اشتراكي وتأثر بالناصرية الا انها صدرت عن رؤية اصولية سنية وتغلفت بخطاب ديني في الاساس ..كما ان المؤثر الحقيقي في المعارضة في عصر سعود هو البترول الذي ادي الي تحديث الدولة السعودية داخليا، واثر هذا التحديث علي وضعية علماء الدين ، كما ان ظهور البترول وتوجه الدولة الي التحديث الفوقي شغلها عن اصلاح ضروري للبنية الاساسية واصلاح احوال الطبقات الفقيرة ،هذا مع اشتهار الملك سعود بالترف ،وواكب هذا التأثير الداخلي تأثير خارجي تمثل في تحالف الملك سعود مع امريكا وعدائه مع عبد الناصر و المعسكر الاشتراكي …وكل ذلك ادي الي توجه المعارضة السعودية في عصر الملك سعود الي التأثر بالفكر الاشتراكي السائدمع اختلاف درجات هذا التأثر ، وكان من ابرز المعارضين هو ناصر السعيد ،ليس فقط لأنه اشهرهم واكثرهم صمودا و اعلاهم صوتا ،ولكن ايضا لأن مرجعيته كانت دينية تنحو نحو العدالة الاسلامية وتحمل ايضا في طياتها اجتهادا دينيا يؤكد علي حقيقة ان الاسلام صالح لكل زمان ومكان اذا وجد مفكرين اسلاميين يصيغون منه ما يناسب عصرهم ،و قد كان اجتهاد ناصر السعيد الاسلامي يربط بين عدالة الاسلام ومقاصد الشريعة مع واقعية عصره وظروف مجتمعه ،هذا في الوقت الذي تضاءل فيه –نوعا ما- دور علماء الدين في السعودية وغرق المعارضون الاخرون في التوجهات الاشتراكية والقومية .
وفي هذا المبحث نتتبع اثر ظهور البترول في سياسة الملك سعود داخليا (تحديث الدولة وسياسة الترف ) وفي سياسته خارجيا حيث وضع البترول المملكة علي حافة الاهتمام الدولي والتأثر والتأثير في العالم الخارجي ،واثر تحالفها مع امريكا في عدائها للمعسكر الناصري والشيوعي والاشتراكي ،وكيف اثمرت سياسة سعود الداخلية والخارجية في نمو المعارضة ،وفي توجيهها وصبغها بصبغة اشتراكية ،ثم نسير مع ناصر السعيد وحركته ومطالبه التي اثارها وتحليل خطابه في المعارضة سياسيا ودينيا وفكريا ،واثار معارضته علي الصعيد الداخلي للملكة ..
لم تكن معاضة وهابية ، ولكن نتعرض لها لأنه من الصعب تجاهلها ، كما أنها أدت الى بعث معارضة وهابية تالية ، هى حركة جهيمان العتيبى .