حوار حول مستقبل الشرق الأوسط والأقليات المختلفة بعد فشل الربيع العربي

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 4533 - 2014 / 8 / 4 - 00:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

"هام جدا فضلا أنظر أسفل في مساحة الملاحظات قبل نشر الموضوع" الكاتب


بعد فشل الربيع العربي في تحقيق أي تغيير ملموس في حياة الشعوب العربية تتساءل كل الأوساط الأكاديمية والسياسية ومراكز الأبحاث العالمية عن مستقبل هذه المنطقة وهل ستظل أسيرة الاستبداد والفساد والفشل الى الأبد دون كل شعوب الأرض؟ وهل الحلم الجميل الذي راود المنطقة منذ ثلاث سنوات ببزوغ فجر جديد بعد طول ظلام قابل للتكرار وهل سيتحقق عندئذ؟
هل هناك أمل في أن تنعم هذه المنطقة بأي قدر من حرية التعبير وتداول السلطة بشكل سلمي مع تنامي دور المؤسسات العسكرية والأمنية في كل الدول العربية تقريبا على حساب دور الأحزاب السياسية والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني؟

هل ستتجه المنطقة الى الأمام وتتبنى قيم الحداثة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ودولة القانون والمساواة والعدل والنمو الاقتصادي والرخاء أم أنها ستتجه إلى الخلف وستظل دائماَ أسيرة الماضي وخارج حركة التاريخ مع دولة الخلافة الجديدة في العراق والشام التي تسعى إلى إعادة المنطقة إلى عصر العبيد وقطع الرقاب وسمل العيون وسبي النساء وفرض الإتاوات والجزية على الأقليات؟

وهل ما تشهده المنطقة الآن من اضطرابات وحروب أهلية وسعي الأقليات للانفصال عن الدولة الأم كما هو حاصل في العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن والبحرين يبشر بأي خير أم أنه مخاض عسير لأجنة مشوهة ونذير شؤم على مستقبل المنطقة؟
وهل التطرف الديني الصاعد الآن في معظم دول المنطقة مرشح للنمو والانتشار أم أنه سينحسر قريباً؟

مداخلتي إزاء هذه الأسئلة الصعبة يمكن إجمالها فيما يلي:

إن عصر الاستبداد والفساد الكبير بدأ في العالم العربي منذ تحررها من المستعمر الأجنبي في النصف الثاني من القرن المنصرم إذ حل مكان الحاكم الأجنبي الزعيم الوطني الكاريزماتك المثير لخيال وحماس الجماهير بخطبه العصماء التي عادة ما يدعي فيها أنه حارس الاستقلال الوطني والإرادة الشعبية أو انه حامي حمى الإسلام.

ولكن سرعان ما تحول الزعيم إلى ديكتاتور مستبد لا هم له إلا الحفاظ على مقعده وقمع كل الأصوات المعارضة له.
ولضمان السيطرة التامة على هذه الشعوب المغلوبة على أمرها كان ضرورياً أن يلجأ هؤلاء الزعماء المستبدين إلى تفكيك كل مؤسسات الدولة بشكل أو آخر أو تحويلها إلى هياكل مفرغة إذ ترى من الخارج مبنى فخم يسمونه البرلمان أو مجلس الشعب أو الشورى وعليه حراسات مشددة وفي الداخل لا تجد إلا مجموعة من اللصوص والمنافقين ومصاصي دماء الشعوب يسمون بنواب الشعب. ولا يختلف المشهد كثيراَ إذا ما توجهت إلى المؤسسات الحكومية والقضائية والإعلامية حيث يتحكم فيها اتباع الزعيم وهم عادة مجموعة من المهللين والمطبلين وماسحي الجوخ،
الكل يتغنى بمواهب الزعيم وحكمته وحنكته والذي أكرم الله به أمته.

وليس هناك فارق كبير في كل ما سبق مابين عبد الناصر ومبارك والقذافي والأسد وصدام حسين وعلى عبد الله صالح وبورقيبة وبن علي والنميري الخ. ثم بدأت مرحلة جديدة في مسيرة الدول العربية بدأت معالمها في الوضوح في السنوات الأخيرة من حياة هؤلاء المستبدين وهي تحولهم من مرحلة الاستبداد والقهر لشعوبهم الى مرحلة سرقة ونهب مقدرات هذه الشعوب بعد أن خلت الساحة لهم ولأتباعهم ولم يعد هناك أي فوارق تميز الجمهوريات عن الممالك حيث يحكم الزعيم مدى الحياة ولا مانع أن يرث البلاد من بعده أحد أبنائه.

ووصل الهزل والظلم إلى منتهاه بتفتح الربيع العربي عام 2011 حيث هبت الشعوب مطالبة بحقها في العيش والحرية والكرامة والعدل.
ولكن لم يلبث هذا الربيع ان تحول الى ما يشبه الخريف إذ اندلعت كل انواع الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي بفعل قوى الثورة المضادة في الداخل ودول الجوار المناوئة لأي إصلاح أو تغيير حتى لا تنتقل العدوى الى شعوبها.
حسب قناعتنا الشخصية فإن فشل الربيع العربي يرجع إلى ثلاث معضلات قديمة بدأت في الظهور التدريجي بعد مرحلة الاستقلال الوطني وهي بإيجاز:

- حالة الهزال والضعف التي ضربت في كل مؤسسات الدولة بفعل سياسات الديكتاتور المستبد كما أسلفنا ونحن هنا نتحدث عن المؤسسات التنفيذية والقضائية والتشريعية والإعلامية ونقابات العمال والجامعات ومنظمات المجتمع المدني. ونقول هنا أن استقلال هذه المؤسسات هو الدعامة الأساسية لاستقلال الشعوب وهذا لن يتحقق طالما أن القوى الوطنية داخل هذه المؤسسات صامتة وفي انتظار معجزة من السماء، إذ لابد أن تعمل هذه القيادات على زيادة الوعي بين أفرادها للمطالبة بتنظيف هذه المؤسسات بشكل تدريجي ومتراكم. وقد سبق أن كتبنا أن السبب الرئيسي لفشل الدول عبر مختلف العصور كان دائما هو ضعف مؤسساتها وتعلق الجماهير البسيطة بشخص الزعيم على أنه هو المخلص والمنقذ وعدم ادراكها أن هذا ما هو إلا نوع من الوهم المنافي لحركة التاريخ وتطور الأمم.

وباختصار شديد فإنه بدون سلطات ومؤسسات قوية ومستقلة لا أمل في القضاء على الفساد والاستبداد ولا أمل أن تتمتع الشعوب بحريتها وحقوقها واستقرارها.

- أما مشكلتنا الثانية في العالم العربي بتكوينه ومعتقداته الحالية فهي عدم إيماننا بمبدأ العيش المشترك واحترام حقوق الآخر رغم أن تاريخنا يشهد بأننا شعوب متسامحة في الأصل ولم يكن اختلاف الآخر في الدين أو الاعتقاد مشكلة في الماضي وأجمل ذكرياتنا عندما كنا صغارا في كافة أنحاء العالم العربي تجمعنا دائماَ بشركائنا في الوطن من المسيحيين واليهود والشيعة والأكراد والأرمن والدروز والأمازيغ .... الخ. فما الذي حدث؟ وكيف بدأ التطرف وكراهية الآخر؟

لا يمكنني أن أدعي أنني أعرف الإجابة الكاملة ولكنني أعتقد أن التطرف الديني والمذهبي بدأ مع انهيار مستوى التعليم وانتشار القنوات الفضائية ومواقع الانترنت الدينية التي أسهمت بدور كبير في أحداث فجوة وانشقاق بين الأغلبية المسلمة وبين ماعداها من أقليات أخرى والدليل على هذا أن الأجيال الجديدة والصغيرة في السن لا تعرف التسامح الذي عشناه وتعلمناه في صغرنا.

أنظر مثلاً إلى الإنذار الذي وجهته حركة داعش لمسيحي العراق في الموصل بأن عليهم إما أن يسلموا (من الإسلام) أو أن يدفعوا الجزية أو أن يرحلوا تفادياً للقتل! أي اسلام هذا الذي يعتنقه الإنسان ورقبته تحت حد السيف؟
لقد نسى هؤلاء الفتية المتطرفين أنهم بهذا لا يزيدون المسلمين تعدداً وإنما يزيدون المنافقين عددا وهذه آفة العالم العربي.
وإزاء عدم الإيمان بمبدأ العيش المشترك واضطهاد الأقليات أصبح هناك من يرى أن حل الانفصال كما حدث في جنوب السودان أو تتمتع الأقليات بنوع من الحكم الذاتي كما فعل الاكراد في العراق قد يكون هو الأفضل لفض حالة الاقتتال المجنون التي تشهدها العديد من دول المنطقة، هذا إذا كان بإمكان الأقلية أن تنفصل أو تسقل ذاتيا.
وبالطبع فأن هذا الرأي لن يعجب الكثيرين ... ولكن هل هناك حل آخر لهذه المشكلة التي باتت تهدد مستقبل المنطقة وتشرد الأقليات؟

- أما معضلتنا الثالثة في العالم العربي فتتمثل في الإيمان القوي السائد لدى الأغلبية بأن مبدأ العلمانية بمعنى فصل الدين عن السياسة يعني الكفر والفجر ويتناقض مع صحيح الإسلام.
وهذا الفهم هو أحد أسباب عدم الاستقرار في العالم العربي ومولد ما يسمى بالإسلام السياسي حيث تسعى جماعات معينة إلى الوصول إلى الحكم وتحقيق أهداف سياسية واقتصادية بحتة باسم الدين ومثال على هذا رفع شعار أن "الإسلام هو الحل" وهو شعار فضفاض وغامض يهدف إلى اللعب على مشاعر الجماهير التي تميل إلى التدين وتجل كل من يرتدي عبأة الدين حتى لو كان دجالاً ومخادعاَ.

والمشكلة هنا أن هؤلاء المتأسلمين يشيعون بين الجماهير التي تعاني منذ أكثر من نصف قرن من الفساد والاستبداد وسوء الأحوال المعيشية أن الديمقراطية والعلمانية وكل نظم الحوكمة الغربية ماهي إلا بضاعة فاسدة يحاول الغرب أن يبيعها لنا وأن ما يسمي بحقوق الإنسان ما هو إلا شعارات كاذبة أدت إلى خراب معظم الدول العربية بعد فشل الربيع العربي وزيادة معاناة الشعوب بشكل غير مسبوق.
ومن ثم فإنه لم يعد أمام هذه الشعوب إلا نموذج الدولة الدينية حيث تكون الكلمة الأولى والأخيرة في كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العلمية لرجال الدين الممثلين لإرادة الله في الأرض والمدركين لمشيئته ومقاصده دون باقي الخلق ويتناسى مؤيدو هذا النموذج أن كل تجارب الدول الدينية عبر التاريخ سواء في أوروبا في الماضي والسودان وأفغانستان والباكستان والصومال انتهت بكوارث ، وأن أوربا لم تنعم بالاستقرار والرخاء والتقدم إلا بعد تمييز دور الكنيسة كسلطة روحية وأخلاقية والترفع بها عن دهاليز السياسة والتشريع وشئون الدولة .
وقد سبق أن كتبنا في هذا مقالاَ يعكس الرؤية المستنيرة للإمام محمد عبده والتي تعكس هذا الرأي الذي نادى به منذ أكثر من قرن. (انظر في هذا مقالي على هذا الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=339502

ولو أننا نجحنا في تطبيق هذه الرؤية لأمكننا الرد بشكل عملي على ماهو شائع في العالم كله هذه الأيام بأن الإسلام غير متوافق مع قيم الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان.

والخلاصة أن أمامنا مهمة صعبة تحتاج إلى وقت طويل ولكنها ليست مستحيلة لإنقاذ عالمنا العربي والأخذ بيده إلى طريق الحداثة والتقدم من خلال ثورة ثقافية تخاطب العقلانية وتهدف إلى زيادة وعي الجماهير بهدوء وتروي وبشكل تدريجي وغير مستفز لمعتقدات ترسخت في وجدان الشعوب لقرون عديدة.

حسب كل الدراسات الحديثة فإن معالم الشرق الأوسط الجديد لا تبشر بالخير والتوقعات كلها تنذر بالمزيد من الصراع الديني والعرقي والمذهبي والمزيد من الانقسام والخراب وهي توقعات تبدو منطقية في ضوء التطورات الحالية ولكن لا زال الأمل يحدونا في أن رغبة الشعوب في الحياة والسلام والاستقرار يمكن أن تغير كل التوقعات وتفرض إرادتها على الجميع.

كل ما نحتاجه هو شيء من الإخلاص لأوطاننا وبعض من العقلانية للتخلص من إرث ثقيل يكرس للاستبداد وغياب الوعي والانغلاق على الذات ورفض الآخر.
لتحقيق هذه المعادلة البسيطة قد نحتاج إلى ثلاثين عاما وربما أكثر ولكن السؤال الأهم كيف نبدأ؟