موقع الطبقة الوسطى في مسلسل الانتاج


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4531 - 2014 / 8 / 2 - 20:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اجرت الصحافية بجريدة رسالة الامة السيدة حليمة المزروعي حوارا صحافيا مع عبد السلام أديب حول موقع الطبقة الوسطى في مسلسل الانتاج ودورها في النظام الاقتصادي المغربي. وقد جاء الحوار الصحافي كما يلي:

• الطبقة المتوسطة بالمغرب تمثل 53 في المائة من مجموع السكان أليست هذه نسبة مهمة تجعلها محط اهتمام من لدن الجهات المعنية؟

•• في البداية لا أتفق مع هذا الرقم في تحديد نسبة ما يسمى بالطبقة الوسطى والراجع بدون شك للمفاهيم التي تعتمد عليها المندوبية العليا للاحصاء والتي تعتمد فيه على معيار مستوى معين من الدخل الشهري. فهو معيار خاطئ تماما في تحديد الطبقات. فالطبقة كشريحة اجتماعية تتحدد على اساس عنصرين اساسيين، وهما اولا ملكية وسائل الانتاج وثانيا استغلال عمل الآخرين. وعلى اساس هذين المعيارين يمكن تقسيم افراد المجتمع الطبقي الى ثلاث اقسام وهما الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الانتاج والتي تقوم عبر هذه الملكية باستغلال عمل الطبقة العاملة وتدخل ضمن هذه الطبقة شريحة الملاكين العقاريين الكبار والاحتكارات الصناعية والتجارية والمالية الكبرى. وفي مقابل هذه الطبقة هناك الطبقة العاملة غير المالكة لوسائل الانتاج والمسماة بالبروليتاريا والتي تخضع عادة لاستغلال الطبقة البرجوازية وتشمل هذه الطبقة شرائح متفرعة عنها كالعاطلين والمهمشين وذوي المهن المتدنية جدا والتي نطلق عليهم عادة بالبروليتاريا الهشة ثم ثالثا وأخيرا الطبقة الوسطى أو ما يصطلح عليه عادة بالبرجوازية الصغرى وهي الطبقة التي تتواجد فيما بين الطبقتين البرجوازية والبروليتاريا بنوعيها، وتتميز هذه الطبقة نسبيا بضعف ملكيتها لوسائل الانتاج وبعدم استغلالها الواسع لعمل الآخرين ويمكن أن نميز من بينها نوعان، النوع الأول يتمثل في ما يمكن ان نصطلح عليه بالبرجوازية الصغرى المستقلة وتتمثل في أصحاب المهن الحرة كمهن المحاماة والطب والهندسة والفنانين والممثلين والفلاحين الصغار واصحاب الورشات والمهن الكثيرة والمتعددة مثل أصحاب ورشات النجارة والحدادة والاشغال والاصلاحات المتنوعة ... الخ أما النوع الثاني فيتمثل في المهن التابعة كموظفي الدولة مدنيين وعسكريين ومختلف فئات الشرطة والتقنوقراط داخل الشركات أو الادارات العمومية ورجال الدين والاساتذة...

ومن خلال دراسة أولية تم القيام بها حول أعداد هذه الطبقات الثلاث نخرج بالاستنتاج التالي مع احتمال نسبة خطأ لا تتجاوز 3 في المائة، وهو أن البرجوازية المالكة لوسائل الانتاج بالمغرب بجميع شرائحها العليا والوسطى والدنيا لا تتجاوز نسبة 18 في المائة، بينما الطبقة العاملة بجميع شرائحها فلا تتجاوز 43 في المائة ثم أخيرا الطبقة الوسطى بجميع شرائحها لا تتجاوز 39 في المائة.

وقبل ان اناقش هذه النسب ومدى حضورها في مسلسل الانتاج وفي اهتمام المسؤولين كما تفضلت في سؤالك، أود أن أشير إلى أنه منذ عهد ارسطو اليوناني ظلت الطبقة الوسطى تشكل بالنسبة للسياسيين محط اهتمام خاص نظرا للدور المسنود لها من أجل الحفاظ على توازن المجتمع الطبقي واستمرار نمط الانتاج الطبقي القائم.

ودون الدخول في التفاصيل يلاحظ على العموم أن الطبقات الحاكمة في المجتمعات الطبقية والتي تتكون أساسا من مالكي وسائل الانتاج ومن جزء من الطبقة الوسطى، أنها كلما تجاهلت مصالح ودور الطبقة الوسطى في دورة الانتاج وفي الحفاظ على التوازن الاقتصادي والاجتماعي لنمط الانتاج الطبقي القائم وبالتالي انعكاس هذا التجاهل في تراجع نسب أعداد هذه الطبقة في اتجاه تعزيز صفوق الطبقة العاملة غير المالكة لوسائل الانتاج، إلا وتحدث اختلالات عميقة مدمرة للمجتمع الطبقي المعني بالأمر وكلما فقدت الطبقة المهيمنة تحكمها الفعلي في الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة، وانفتحت بالتالي مرحلة من الثورات الاجتماعية الحادة تنتهي بتدمير نمط الانتاج القائم وبظهور نمط انتاجي جديد اكثر تحقيقا لمصالح الطبقتين الوسطى والكادحة ولو في حدودها الادنى.

إذن فاتساع شرائح الطبقة الوسطى وتمكينها من تحقيق مصالحها الطبقية ظل يشكل في الفكر السياسي الطبقي قانون أساسي تحافظ بواسطته الطبقات المهيمنة على نمط الانتاج الطبقي السائد وأن كل مساس بالوضع الطبقي للطبقة الوسطى من شأنه خلخلة توازن البنيات الفوقية الايديولوجية والسياسية والثقافية وخلخلة البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي ظهور مرحلة من الثورات الاجتماعية. لكن سيرورة نمط الانتاج السائد تنتهي دائما عند نقطة معينة تحتدم فيها التناقضات بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج تتمثل في الانكسارات التي تحدث نتيجة لذلك وسط الطبقتين الوسطى والعاملة(عبيد، أقنان الأرض، عمال) وهي النقطة التي تبدأ عندها مرحلة من الثورات الاجتماعية.

ان الواقع الطبقي في المغرب عرف مراحل من الهزات الاجتماعية سببها الانكسارات الداخلية التي تعرضت لها كل طبقة على حدة مما ولد هذه الهزات كبرى، وقد لا حظنا خلال العقدين الاولين من الاستقلال حدوث مثل هذه الانكسارات وسط الطبقات الثلاث بسبب تفاقم الاستغلال والنهب والفساد والذي شكل ما يسمى بالتراكم البدائي لرأس المال وتنافس بين القوى المهيمنة على تحقيق الثروات في زمن قياسي. وقد شكلت هذه السيرورة تآكلا سريعا في وسط الطبقة الوسطى واتساعا هائلا في افقار شرائح الطبقة العاملة. كما انعكست نتائج هذه الانكسارات على الوضع الاقتصادي والسياسي العام ابتداء من أواسط عقد الستينات من خلال انتفاضة 23 مارس 1965 والاحداث اللاحقة المتسارعة من خلال حالة الاستثناء والانتفاضات الشعبية والمحاولتين الانقلابيتين لسنوات 1971 و1972 علما ان هاتين المحاولتين الانقلابيتين جاءتا نتيجة الانكسارات وسط الطبقة البرجوازية المهيمنة نفسها.

لقد كان جواب الدولة على هذه الانكسارات هو تصعيد القمع ومحاولة استعادة التوازن وسط الطبقات الثلاث من خلال العديد من الاجراءات من بينها قانون المغربة وتوسيع شرائح الطبقة الوسطى من خلال التوظيف المباشر في الوظيفة العمومية وتحسين نسبي في الاجور ... الخ. لكن هذه الاجراءات الهادفة الى اعادة التوازن في الوضع الطبقي السائد سيظل هشا وسيتعرض ابتداء من أواخر عقد السبعينات الى تعمق جديد في الاختلالات داخل شرائح الطبقتين الوسطى والعاملة بسبب اجراءات سياسات التقشف أولا واجراءات سياسات التقويم الهيكلي ثانيا، وهي السياسات التي أخرجت الملايين من شرائح الطبقة الوسطى والطبقة العاملة من ثمار نموذج التنموي الطبقي السائد. وهو الخروج الذي سيعمق مؤشرات الازمة الاقتصادية والاجتماعية والذي سينعكس في انفجارات اجتماعية وسياسية كبرى خلال سنوات 1981 و1984 و1990، لن يتم اسكاتها سوى بواسطة القمع الوحشي والتراجعات النسبية عن التدابير اللاشعبية اللاوطنية واللاديموقراطية.

لكن محاولات التهدئة التي انطلقت بمحاولات خجولة في تحسين الاجور والالتفاف على اتساع رقعة البطالة من خلال احداث ما يسمى بمجلس الشباب والمستقبل واعتماد عدد من مشاريع البنيات التحتية الكبرى والتقليص النسبي من حدة الاستغلال الطبقي، سيشكل بالنسبة للطبقة البرجوازية المهيمنة بمثابة سكتة قلبية نظرا لكون اجراءات التهدئة احدثت انخفاضا في نسب الارباح التي كانت تحققها نتيجة الاستغلال. ومنذ 1998 عملت القوى المهيمنة على محاولة التهدئة الاجتماعية وسط الطبقتين الوسطى والعاملة لكن في نفس الوقت مواصلة نفس عمليات التراكم الرأسمالي البدائي القائمة على الاستغلال والمؤدية عمليا الى تعميق الاختلالات الطبقية والانكسارات. فقد انكشف أولا وهم حكومة التناوب انطلاقا من أواسط العقد الأول من الالفية الثالثة حيث ظل ترتيب المغرب في سلم التنمية البشرية لا يبارح مرتبة 130 كما شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أبرز اعتراف للقوى المهيمنة بتعمق الاختلالات الطبقية التي احدثتها سياساتها.

ثم ستنكشف ثانيا أوهام الحكومات اللاحقة سواء منها التقنوقراطية لادريس جطو أو السياسيتين لكل من عباس الفاسي وعبد الاله بنكيران، بل انه في ظل حكومة هذا الاخير ومع تعميق التخدير الايديولوجي الديني تم اطلاق هجوم برجوازي مباشر ورأسي على كل من الطبقتين الوسطى والعاملة، وحيث تتعرض الطبقة الوسطى حاليا لأكبر هجوم اقتصادي تتعرض له منذ بداية عقد الستينات على وجودها ودفع شرائح واسعة منها بالقوة نحو البلترة والانحدار الطبقي نحو مصاف معيشة البروليتاريا. فقد استهدفت حكومة بنكيران بدعوى الوفاء بالتزامها بالإصلاحات التي تعهدت بها امام المؤسسات المالية الدولية مقابل ضمان الاستدانة الخارجية الواسعة التي لجأت اليها هذه الحكومة، تخريب الارضية المادية التي تقف عليها شرائح الطبقة الوسطى من تعليم مجاني وصحة عمومية والتراجع عن دعم اسعار المنتجات الواسعة الاستهلاك والرفع المتواصل من اسعار المحروقات والماء والكهرباء ... الخ. لكن الوهم الايديولوجي الديني سرعان ما سينقشع أمام التدهور والاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العميقة التي احدثتها الاجراءات الحكومية في وسط الوضع الطبقي الهش أصلا، وهو ما سينعكس حتما على شكل انفجارات اجتماعية عنيفة على الرغم من رفع مستوى القمع بمختلف اشكاله الى مستويات تضاهي ما كان يسمى بسنوات الرصاص ببساطة لان الضغط يولد الانفجار.

• ألا تعتقدون أن هذه الفئة هي الأقرب إلى التسيير كونها تتوسط الهرم وعلى دراية بالطبقات الميسورة والمتواضعة؟

•• إن التناقض والتذبذب الكبيرين لهذه الطبقة البرجوازية الصغرى أو كما تسمينه بالوسطى، يتجلى أولا من خلال تعدد شرائحها ومواقعها في دورة الانتاج الرأسمالي كطبقة داعمة وثانيا من خلال انقسامها الى برجوازية صغرى تبعية وبرجوازية صغرى مستقلة. ويمكن القول بان اغلب الاحزاب المسماة بالتاريخية تتشكل قاعدتها الأساسية من البرجوازية الصغرى وتبلور برامجها السياسية على أساس خدمة مصالح الطبقة الوسطى، لكن وصول هذه القوى الى السلطة كما حدث مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي وبدعم قوي من طرف شرائح الطبقة الوسطى، لم يكن في صالح هذه الطبقة بل تحولت برامجها السياسية نحو خدمة مصالح الطبقة المهيمنة على حساب الطبقتين الوسطى والعاملة وهو نفس الشيء الذي سيعاد انتاجه بشكل أكثر مأساوية وتشويها مع حكومتي عباس الفاسي وعبد الاله بنكيران في ظل غياب شبه كامل للتعبيرات السياسية للطبقة العاملة التي تعرضت بشكل منهجي للقمع الوحشي من خلال موجات قمعية قوية انطلاقا من عقد السبعينات ولا زالت مستمرة الى غاية اليوم. إذن فتناقض وتذبذب الطبقة الوسطى يجعلها منها طبقة انتهازية بامتياز، حيث نراها تتخلى عن مختلف المبادئ التي تدافع عنها في برامجها قبل وصولها الى السلطة.

كما أن الطبقة البرجوازية المهيمنة تعلم جيدا هذه الخاصية الانتهازية السائدة وسط الطبقة الوسطى مما يجعلها تلجأ الى خدماتها كلما شعرت بحدة تعمق الازمة والاختلالات الطبقية كما حدث من خلال تنصيب حكومتي عبد الرحمان اليوسفي وعبد الاله بنكيران، فكلتا الحكومتين قامتا على الوهم والتخدير الايديولوجي من أجل تطبيق العكس تماما لما يعدون به خلال حملاتهما الانتخابية.

نستخلص من هنا انه على الرغم من الخبرة والدراية التي تتصف بها هذه الطبقة وقربها من السلطة وتوسطها للهرم ودرايتها بالطبقات الميسورة والمتواضعة، الا انها تعتبر سهلة الانقياد من طرف الطبقة المهيمنة نحو تطبيق سياسات لا وطنية لا شعبية لا ديموقراطية، وهو ما ينعكس وبالا على الطبقة الوسطى نفسها وبالتالي على الطبقة العاملة المسحوقة.

• كيف يمكن تشجيع هذه الطبقة لتحريك عجلة التنمية؟
•• ان مفهوم التنمية في ظل المجتمعات الطبقية وتواطؤ الطبقة الوسطى مع الطبقة البرجوازية لا يخدم في نهاية المطاف سوى الطبقة البرجوازية الحاكمة. وهذا يعني ان نموذج التنمية السائد سيظل مختلا ما لم يحدث توازن سياسي بين الطبقات الاجتماعية، بمعنى ان تتوفر الطبقة العاملة على أدواتها السياسية ومنظمات دفاعها الذاتي، فبدون تقوية الاداة السياسية للطبقة العاملة ستضل الطبقتين البرجوازية والوسطى تعملان ضد مصالح الطبقتين الوسطى نفسها والعاملة وهو تناقض ملموس وقائم ولدينا في تجارب حكومات عبد الرحمان اليوسفي وعباس الفاسي واخيرا عبد الاله بنكيران أكبر مثال على ذلك.

• ألا ترون أن هذه الطبقة مجزئة بدورها إلى طبقات، وهذا الجزيء يعوق عملية بناء تصورات واضحة لاعتماد عليها ؟

•• بالإضافة الى كون الطبقة الوسطى مجزأة الى العديد من الشرائح غير المتجانسة فإنها في الواقع لا يمكن اعتبارها طبقة متكاملة بل مجرد طبقة طفيلية تميل في الغالب نحو الجهة المهيمنة لخدمة مصالحها على حساب طبقتها وعلى حساب الطبقة العاملة، لذلك لا يمكن الاعتداد كثيرا بالتصورات السياسية التي تبلورها أحزاب الطبقة الوسطى لكونها تشكل أداة سياسية ملحقة بالبرجوازية المهيمنة. لذلك فانه بدون تقوية الاداة السياسية للطبقة العاملة فان المجتمع السياسي والاقتصادي الطبقي سيضل مختلا دائما لصالح الطرف المهيمن.

• كيف السبيل لجعل هذه الطبقة تساير الظروف الاقتصادية الراهنة؟

•• ان سؤالك هذا يعيدنا الى أشكال انتاج الثروة وكيفية توزيعها على مختلف الطبقات الاجتماعية في ظل النظام الرأسمالي القائم. فالثروة في ظل النظام الرأسمالي القائم هي عملية تراكمية مستمرة متصاعدة، وكل توقف في سيرورة هذه العملية التراكمية الصاعدة من أجل اعادة تشكيل الثروة فإن ذلك يقود مباشرة الى انحطاط الثروة وإلى انحطاط الطبقات المستفيدة من تلك الثروات وانعكاس كل ذلك على باقي الطبقات الاجتماعية. إذن فالثروة هي عملية انتاج اجتماعية متواصلة في الزمن، اطرافها الطبقات الاجتماعية الثلاث لكن لكل منها موقعها في دورة الانتاج.

فالثروة في النظام الرأسمالي تتمثل في مراكمة الطبقة البرجوازية المستمر لرأس المال من خلال العملية الانتاجية، لكن الانتاج والتراكم الرأسمالي لا يتم الا بواسطة الطبقة العاملة، فالعامل يجب ان ينتج ما يقابل أجره من جهة وانتاج اضافي زائدا لصالح البرجوازي يسمى بفائض القيمة. فالبرجوازي من خلال فوائض القيمة التي ينتجها العمال يحقق تراكمه الرأسمالي. لكن رأس المال بصورته النقدية لا يتحقق بدون ان تتحول المنتجات الى نقود أي من خلال البيع في الاسواق الرأسمالية.

أما دور الطبقة الوسطى في العملية الانتاجية فهو مكمل للإنتاج الرأسمالي من خلال الخدمات العديدة التي تؤديها هذه الطبقة لضمان استمرارية الاستغلال الرأسمالي، فالطبيب والممرض يحافظان على صحة المنتجين الاساسيين كما أن المعلم والاستاذ فيضمنان عقلنة العملية الانتاجية أما خبراء الطبقة الوسطى فيحسنون من جودة المنتجات وتقليص تكاليفها عبر عمليات الاشراف على العملية الانتاجية للطبقة العاملة المنتجة، كما أن خدمات الشرطة والجيش كشرائح من الطبقة الوسطى فتتمثلان في الحفاظ على نمط الاستغلال القائم عبر احتراف عمليات القمع والتنكيل بالمعارضة العمالية. نفس الشيء بالنسبة لمختلف الشرائح الاخرى من الطبقة الوسطى. أما مداخل الطبقة الوسطى التابعة فتشكل جزءا مقتطعا من فائض القيمة الذي ينتجه العامل والذي تحصل عليه كمداخيل مقابل عملها. أما مداخيل الطبقة الوسطى المستقلة فتحصل عليه لقاء خدماتها المقدمة للطبقات الثلاث.

التناقض الاساسي الذي يحدث في العملية الانتاجية وخلال عملية بيع الانتاج في السوق لكي يتحول الى تراكم رأسمالي، فيتمثل في عدم كفاية الطبقات الثلاث شراء كامل المنتجات المعروضة في السوق، لأن المجتمع الطبقي ينتج أكثر مما يستهلكه وما هو قادر على شرائه فعلا، لذلك تحدث أزمة الانتاج الزائد غير القابل للبيع وبالتالي ازمة في التراكم الرأسمالي والسعي عبر جميع الوسائل لايجاد اسواق خارجية لتصريف تلك المنتجات. وانطلاقا من هنا يظهر تناقض ثان يتمثل في تنافس البرجوازية محليا ودوليا في سباقها لايجاد اسواق لتصريف المنتجات الزائدة. ونظرا للمنافسة الشرسة فان عدم القدرة على تصريف المنتجات الفائضة يؤدي الى الازمات الاقتصادية بمختلف انعكاساتها على اشكال السياسات الحكومية المعتمدة ومن بينها الزيادة في الاسعار والتلاعب بالقيمة وطبع الاوراق النقدية الزائدة ومحاولة انهاء المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة كإنهاء مجانية خدمات المرافق العمومية مثل التعليم والصحة وانهاء دعم اسعار المواد الاساسية وتحجيم رواتب التقاعد والاعانات الاجتماعية ... وهنا تتجلى لنا مدى مسايرة الطبقة الوسطى للظروف الاقتصادية الراهنة من خلال تواطؤها المطلق مع مصالح البرجوازية المهيمنة.

فنظرا للطبيعة الانتهازية للطبقة الوسطى ولتعبيراتها السياسية المتذبذبة ومن بين الأمثلة على ذلك الفريق الحكومي الحالي بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم وحلفائه الحكوميون: حزب الاحرار وحزب الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، فانها تتنكر بالكامل لمصالح الطبقة الوسطى التي تدعي تمثليها وتعمل في المقابل على معالجة ازمات البرجوازية الحاكمة على حساب الطبقة الوسطى نفسها من جهة وعلى حساب الطبقة العاملة من جهة أخرى.

ان الازمة الاقتصادية للبرجوازية المهيمنة تقف اليوم وراء الهجوم الحكومي بقيادة التعبيرات السياسية للطبقة الوسطى على الطبقة الوسطى نفسها وعلى الطبقة العاملة، وابرز تعبير عن ذلك ما جاء على لسان كرستين لاغارد خلال زيارتها الاخيرة للمغرب والتي اعترفت بشكل واضح بان السياسات الحكومية قد دمرت الاساس المادي للطبقة الوسطى.

• المندوبية السامية للتخطيط سبق وأن صنفت من يتراوح دخلهم ما بين 5000 و 3000 درهم ضمن هذه الطبقة، ألا ترون انه تصنيف خاطئ ومخالف للواقع بحكم أن ممثلو هذه الطبقة يتكلفون بنفقات الأسرة والعائلة وبالتالي يدرجون ضمن الطبقات الفقيرة ؟

•• هذا التصنيف للطبقة الوسطى لا يعتبر في رأيي خاطئا فقط بل مشوها أيضا لوعي الطبقتين الوسطى والعاملة ويستهدف تغليط الرأي العام، اضافة الى كون هذا المستوى من الدخل لا يحقق حاليا المستوى الادنى من كرامة الاسر المغربية في ظل الغلاء والتضخم الفاحش والذي يشكل هو الآخر ضريبة غير مباشرة على هذه مداخيل الاسر.

وللإشارة فإن مستوى الدخل لا علاقة له بالتصنيف الطبقي، نظرا لان بعض شرائح العمال قد يصل دخلهم الى أكثر من 20.000,00 درهم كحالة العمال في الصناعة بينما بعض شرائح الطبقة الوسطى قد يتدنى أجرهم الى أقل من 1.500,00 درهم كحالة مزاولي بعض الحرف المهنية وحالة الفلاحين الفقراء ذوي القطع الارضية الصغيرة المعيشية. لذلك نستبعد معيار الدخل من التصنيف الطبقي ونستحضر موقع الطبقة في دورة الانتاج.

أشير في الاخير الى أن الانحباس المحلي والعالمي الراهن للأسواق الكفيلة بامتصاص الانتاج الزائد وهو تطور جديد غير مسبوق في سيرورة نمط الانتاج الرأسمالي، أصبح يعمق الانكسارات الداخلية للطبقات ويدفع الحكومات اكثر فاكثر الى السياسات التقشفية وإلى تدمير المكتسبات التاريخية للطبقتين الوسطى والعاملة مما يدمر قاعدتهما الاقتصادية ويدمر في نفس الوقت البنيات الايديولوجية والسياسية والثقافية الفوقية وهو ما ينذر بمرحلة من الازمات الثورية والثورات الاجتماعية على الصعيدين العالمي والمحلي والتي يمكن خلالها بناء الاداة السياسية الثورية للطبقة العاملة وهي الطبقة الوحيدة من بين الطبقات الحاملة للمشروع التاريخي الذي سيقوض الانظمة الطبقية القائمة.