ملاحظات نقدية لمجلس التنسيق الوطني الثالث للتوجه النقابي الديموقراطي – الاتحاد المغربي للشغل


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4521 - 2014 / 7 / 23 - 18:40
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

ترددت كثيرا قبل ان اكتب هذه الملاحظات النقدية الشخصية على اثر انعقاد مجلس التنسيق الوطني الثالث لما يسمى بالاتحاد المغربي للشغل – التوجه الديموقراطي، فقد عبرت الى جانب رفاق آخرين داخل المجلس وخارجه عن بعض الآراء والانتقادات حول شكل ومضمون الاجتماع المذكور، لكن بالنظر الى كون الآراء الجماعية تراعي دائما حد ادنى من التوافق وبالتالي تجعل تلك الاراء الجماعية ربما أقل قوة من الآراء الفردية، ونظرا أيضا إلى انزعاجي الشديد من بعض الانحرافات التي حدثت خلال هذا الاجتماع والتي تعطيني الحق الكامل للتعبير عن موقفي بكل صراحة وأمام الجميع، ونظرا أيضا الى كوني أول من تعرض للطرد من طرف البيروقراطية النقابية المتنفذة داخل الاتحاد المغربي للشغل يوم 5 مارس 2011 بسبب تشبتي بالتعبير عن آرائي المستقلة بكل حرية (موقفي المندد بفساد بعض قيادات الامانة العامة للاتحاد المغربي للشغل، موقفي المندد بالاتفاق المشؤوم ل 26 أبريل 2011 بين المركزيات النقابية والحكومة، موقفي داخل نقابة المالية المندد بموقف الامانة العامة للاتحاد المغربي للشغل المطالب للطبقة العاملة بالتصويت بنعم للدستور الممنوح بدلا من اتخاذ الحياد) اضافة الى تعرضي بكل صمت لعدد من الاجراءات العقابية التعسفية : الطرد من المركزية بدون احترام المساطر المصادق عليها في المؤتمر العاشر يوم 5 مارس 2011، احالتي على القضاء في صيف 2011 بسبب موقف نقابي بسيط داخل القطاع، تعرض رفيقتي لعدد من المضايقات والمجالس التأديبية داخل عملها، فإنني اليوم لن اصمت عن ما يحدث أمامي من انحرافات مقيتة من طرف فصيل سياسي مهيمن داخل التوجه الديموقراطي في محاولة خلق مولود نقابي جديد مستقل يسمي بالتوجه الديموقراطي والذي كنت مساهما في سيرورته منذ 5 مارس 2012.

فقد انعقد يوم السبت 19 يليوز 2014 مجلس التنسيق الوطني الثالث للاتحاد المغربي للشغل – التوجه الديموقراطي، وقد كان بودي ان أن أعيش اجتماعا ديموقراطيا عماليا حقيقيا يسمح فيه للجميع بالتعبير عن مواقفه من نقاط جدول الاعمال المطروحة بشكل كاف وان يتم الأخذ بعين الاعتبار لكافة الاراء والاطروحات المقدمة لكي تتم المصادقة على مشروع قانون اساسي ديموقراطي ويحظى بثقة الجميع ويجد فيه الجميع ذواتهم، لكن مع الاسف مجريات الاجتماع لم تحدث وفق هذا التصور نظرا لعدة اعتبارات منها ما يلي:

1 – رفض الفصيل السياسي المهيمن (النهج الديموقراطي) مناقشة الأوراق التي بلورها مناضلوه داخل التوجه (التقرير العام – مشروع تقديم القانون الاساسي – مشروع القانون الاساسي – البيان الختامي) على مرحلتين، وذلك حتى يسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم بكل وضوح من مختلف هذه الاوراق المقدمة، لكن مع الاسف بعدما تم تقديم هذه الاوراق الأربعة في مدة ساعة ونصف من الزمن، لم يتم السماح للمتدخلين الستين المسجلين في لائحة التدخلات سوى بثلاث دقائق فقط لابداء وجهات نظرهم من تلك الاوراق، علما أن أكثر من 90 في المائة من المتدخلين يرددون كالببغاوات نفس الآراء لكونهم ينتمون جميعا الى التيار السياسي المهيمن حاليا على التوجه الديموقراطي أو الى حلفائهم الجدد (التروتسكيون)، وهو ما يعني فبركة اتجاه عام مخادع من طرف هذا التيار السياسي وحلفائه لمحاصرة الأقلية القليلة المنتمية لاطارات فكرية خارج هذا التيار وحليفه الجديد، من التعبير الكامل عن مواقفها من الأوراق المقدمة؛

2 – رغم تقديم الأقلية القليلة من العناصر غير المنتمية للتيار السياسي المهيمن لافكار مهمة حول مجمل العملية وحول القانون الاساسي ولو بشكل متناثر، الا ان رئاسة المجلس لم تحترم تلك الآراء بل اخرجت بعد نهاية التدخلات التي تم حصرها في خمسين تدخل فقط (لكثرة التكرار والاطناب الذي لا طائل ورائه سوى تمرير الرأي الوحيد) من تحت الطاولة ورقة معدة سلفا طبقا للخطة التي تم التجييش لها من أجل تمريرها، والمتمثلة في المصادقة فقط على القانون الاساسي مع تعيين سكراتارية دون التفكير فأي انتخاب لثلاثي الامانة العامة للاتحاد المغربي للشغل (عبد الحميد أمين، خديجة الغامري، عبد الرزاق الادريسي) يتم تخويلها صلاحية الايداع القانوني لاكتساب الشرعية القانونية، وبالتالي انتظار شهر شتنبر المقبل للعمل من جديد على فبركة الأجهزة التي ينص عليها القانون الاساسي. وبطبيعة الحال فان هذه الصيغة عبارة عن احتيال مزدوج:

احتيال أولي في اتجاه السلطة لاكتساب ثلاثي الامانة العامة للشرعية القانونية لتحصنهم في حالة انعقاد المؤتمر الحادي عشر للاتحاد المغربي للشغل في نهاية سنة 2014 من التحلل.

أما الاحتيال الثاني فهو في اتجاه المناضلات والمناضلين المنتسبين للتوجه الديموقراطي من خارج التيار السياسي المهيمن أنفسهم حتى يضل خارج أي مشاركة في اللعبة وبالتالي تهيئة الظروف الكفيلة لفبركة اجهزة على مقاس التيار المهيمن وحلفائه الجدد خلال شهر شتنبر المقبل.

3 – استمرار التناقض الخطير بين النظرية والممارسة والذي يقوده التيار السياسي المهيمن داخل التوجه الديموقراطي والمتمثل على المستوى النظري بادعاء تدبير الصمود ومقولة "بت نبت" داخل الاتحاد المغربي للشغل من اجل وهم العودة المظفرة الى هذه المركزية، بينما هذا التصور النظري لا يستقيم ابدا مع الواقع العملي (لأن التوجه الديموقراطي اصبح خارج الاتحاد المغربي للشغل منذ أول فك للارتباط القانوني مع المركزية بينما الصمود يتم من داخل المركزية وليس من خارجها) ومع ممارسات الفصيل المتحكم حاليا في التوجه الديموقراطي وخاصة منه المهمة التي قرر اسنادها لاجتماع مجلس التنسيق الوطني الثالث (وهي في العمق مجرد مهمة صورية غير ديموقراطية) وتتمثل في تأسيس مركزية نقابية جديدة فاكة لاي ارتباط عضوي أو قانوني مع الاتحاد المغربي للشغل، اللهم فيما يتعلق بالتسمية "الاتحاد المغربي للشغل" والتي تم اقتراح انه في حالة عدم قبول السلطات المحلية باعتماد هذه التسمية فسوف يتم الاكتفاء بعبارة التوجه الديموقراطي فقط. إذن فالتناقض الخطير الذي يقوده الفصيل السياسي المهيمن وحلفائه الجدد يعتمد على غباء المنتسبين للتوجه الديموقراطي او على استغبائهم نظرا للتجييش الذي تم الاعتماد عليه خلال انعقاد المجلس لاستبعاد اي معارضة حيث بلغ عدد الحاضرين الكلي 220 مشاركة ومشارك جلهم موظفات وموظفين لا علاقة لهم بالطبقة العاملة وأغلبيتهم الساحقة تنتمي للفصيل السياسي المهيمن ولحلفائهم الجدد. ونظرا لما يؤدي اليه هذا التجييش من تضييق للخناق على اي رأي معارض لاطروحة الفصيل السياسي المهيمن.

4 – الحصيلة في نهاية المطاف هي ان الفصيل السياسي المهيمن داخل التوجه الديموقراطي حاليا والذي كان على مدى أكثر من 25 سنة سابقة على 5 مارس 2011 متناغم بالكامل مع البيروقراطية النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل ومشارك فعلي في هذه البيروقراطية والتي تم تتويجها بعد وفاة المحجوب بن الصديق وفي المؤتمر العاشر للاتحاد المغربي للشغل حيث لجأ هذا الفصيل بدوره الى دور بيروقراطي في مجال الاقصاء والتصفية من الانتذابات الى المؤتمر واجهزته، فان هذا الفصيل لم يتخلى عن تلك الطبيعته البيروقراطية التي اكتسبها في الفترة السابقة على 5 مارس وأصبح يمارسها من جديد داخل التوجه الديموقراطي بجانب حلفائه الجدد. انها الطبيعة السياسية الوسطية للفصيل المذكور، لكونه يريد الاستفادة في نفس الوقت من الصفة الديموقراطية باشراك منتسبين آخرين للتوجه النقابي الديموقراطي لكن من دون ان يتخلى عن ممارساته البيروقراطية والتي خبرها وامتهنها طيلة ازيد من 25 سنة واصبح من الصعب عليه التخلي عنها(علما ان روافد تشكيل الفصيل السياسي المهيمن كانت هي نقابة الاتحاد المغربي للشغل من جهة والجمعية المغربية لحقوق الانسان من جهة أخرى). فهذا الفصيل يريد امتلاك الزبدة وثمن شراء الزبدة، وهذا لعمري منتهى البيروقراطية المقيتة.

5 – مشروع مقدمة القانون الاساسي ومشروع القانون الاساسي يتضمن العديد من الثغرات والهفوات التي تجعل منه قانونا اساسيا غير بروليتاري وغير ديموقراطي ويضع كامل صلاحيات التحكم الفوقية في يد الفصيل السياسي المهيمن. ونظرا لتضييق الخناق على كافة الآراء الحاضرة والتي قد تكون معارضة لاطروحات الفصيل السياسي المهيمن عبر التجييش وعبر تحديد زمن مناقشة اربعة اوراق طويلة ودقيقة، فقد تم اعتماد القانون الاساسي في نهاية الاجتماع بما تمت تسميته بالإجماع (رغم انسحاب عدد من المناضلين النقابيين الديموقراطيين وحيث كنت واحد منهم)، وهو في الواقع اجماع مزور زائف لا يمت بصلة لروح التوجه الديموقراطي المتغنى به. ومن بين أمثلة الانحرافات الواردة في القانون الاساسي والتي انتقدتها داخل المجلس دون ان تؤخذ بعين الاعتبار مسألة الشعار المعتمد في مشروع المقدمة وضمن الاهداف الواردة في مشروع القانون الاساسي والذي هو "خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها" فرغم رنة هذا الشعار المبهرة فإنه يبقى مجرد شعار اجوف زائف مشوه لفكر الطبقة العاملة وخادع لها فهو لا يعكس في شيء الطابع العمالي الذي من المفروض ان تتصف به اية مركزية نقابية وأي مناضلي نقابي:

فهو أولا يضع فاصلا بين النقابة والنقابيين من جهة وبين الطبقة العاملة من جهة أخرى مما يعنى ان النقابة والنقابيين ينتمون الى طبقة اخرى غير الطبقة العاملة فهم بذلك ينتمون بالضرورة الى الطبقة البرجوازية.
ثم ثانيا أن هذا الاطار البرجوازي الذي يعمل هذا الفصيل السياسي المهيمن وحلفائه الجدد على خلقه عن طريق محاصرة وخداع الاطراف النقابية الأخرى غير المنتسبة اليه لن يتردد في اية لحظة في اطار نفس المحاصرة والخداع عن استخدام الطبقة العاملة وليس خدمتها.

على سبيل الختم

أكتفي بهذا القدر من النقد والذي أجد نفسي مضطرا لتقديمه نظرا لأني وجدت نفسي فجأة أسبح في اطار يقول عن نفسه توجها ديموقراطيا بينما هو في الواقع يمارس أقصى أنواع البيروقراطية واقصاء الآراء الأخرى من التعبير عن نفسها وأن يكون لها وجود داخل هذا التوجه، رغم ان التحديات التي تواجه الطبقة العاملة لا تستحق هذه الممارسات البيروقراطية البرجوازية طبعا.