خفايا الربيع (الشتاء) المصري


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4521 - 2014 / 7 / 23 - 17:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أولاً)

إسقاط مبارك لا يحتاج إلى ثورة، بأمر أمريكي يذهب مبارك إلى الجحيم، لكن أمريكا تريد أن توهم شعبًا ظامئًا إلى الحرية، أن توهمه بالتغيير، وخصوصًا بإرادة التغيير، إرادته، بينا لا تغيير هناك، ولن يكون هناك تغيير إلا شكليًا. الغاية معروفة: امتصاص نقمة أناس يعانون ظلمًا منذ آلاف السنين، منذ زوال الفراعنة. على العكس مما تروج له أفلام هوليود، في زمن الفراعنة كان المصريون أحرارًا، وبعد ذلك، لم تكن هناك أبدًا للمصريين دولة ديمقراطية يشعرون فيها بالحرية. خلافًا للفلسطينيين الذين لم تكن لهم أبدًا دولة أو مبولة، كانت للمصريين دولة، لكنها دولة دكتاتورية.

ثانيًا)

مشروع أمريكا "الشرق الأوسط الجديد" لدوام الهيمنة طالما بقيت هناك قطرة نفط تحترق في فرن الرأسمال العالمي، فطالما احترقت قطرة نفط طالما مدت هذه القطرة الرأسمال العالمي بالطاقة، وامتدت به عمرًا حائلةً دون سقوطه تحت خناجر أزماته، والجديد في المفهوم الجيوسياسي الأمريكي هو القديم: العودة بهذا الشرق الأوسط المومس إلى القرون الوسطى، قرون الظلام، بدأت ذلك في العراق، ثم عممت ذلك في كل البلدان العربية.

ثالثًا)

في مصر أنفقت أمريكا سبعة مليارات دولار لأجل المجيء بمحمد مرسي والإخوان المسلمين في انتخابات لم تكن أبدًا ديمقراطية إلا شكليًا، فهو زمن الإسلاميين الأمريكي، ثم بدلت رأيها لأسباب عديدة أهمها أن إسلاميي مصر لم ينجحوا في أسلمة الدولة بالقوة وبالسرعة القصوى كما كانوا يريدون، ولم يتمكنوا من وضع حد لمعارضة الفيسبوك التي بدأت تتجذر وتتحول إلى معارضة سياسية. عند ذلك، فَطَنت أمريكا لما قاله مبارك عشية تنحيته: "الشعب ده أنا أفضل من يعرف السيكولوجية بتاعه"! قمعه. وقبل مبارك، في أعقاب الثورة الفرنسية، كان دانتون يقول: "يجب الاستبداد في الشعب كيلا يغدو الشعب مستبدًا"! فالتفت الأمريكان إلى جيش هم ينفقون عليه المليارات، يخشخشونه، يشخشخونه، جيش عميل، وجاءوا بالسيسي.

رابعًا)

لهذه الخصوصية المصرية، العسكرية، في زمن الإسلاميين الأمريكي، سبب رئيسي: إسرائيل، فإسرائيل تريد حدودًا هادئة مع مصر، حدودًا هادئة مع سورية، حدودًا هادئة مع الأردن، وليس هناك خيرٌ من جيشِ واحدٍ كالسيسي وثانٍ كالأسد وثالثٍ كعبد الله الثاني، جيوش لحماية الأنظمة، لحماية إسرائيل، هذا أمر طبيعي، وفراش للمضاجعة واحد وثير حريري.

خامسًا)

نجح الأمريكان في عسكرة مصر، عسكرة على عسكرة، وعلى أي حال العسكرة كالأسلمة وجهان لعملة واحدة: الهيمنة، القرصنة، كم الأفواه، سد الثقوب... الثلاثة. ذُبحت غزة ولم تزل تُذبح، ولم تهدر العواصف في ساحة التحرير. نجح المصريون في أسرلة مصر، بثورة المغبونين، وإلى زمن طويل.