ق 1 ف 5 بحث فى ( فن السياسة بين الممكن والمستحيل )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4518 - 2014 / 7 / 20 - 22:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
الفصل الخامس : تحليل سياسة عبد العزيز وتجربة الاخوان
ق 1 ف 5 بحث فى ( فن السياسة بين الممكن والمستحيل )
حتى نُقيّم سياسة عبد العزيز آل سعود
مقدمة
1 ـ من الغبن للسياسة أن يقال إنها فن الممكن لأن عمل الممكن ليس فنا سياسيا وإلا لأصبح تناولك لكوب الشاي ـ وهو عمل ممكن ـ فنا سياسيا . إن السياسة عمل متميز لا يستطيع القيام به كل الناس ، السياسيون الحقيقيون في حقيقة الأمر يمارسون ذلك الفن في ضوء علاقة الممكن والمستحيل بالظروف الوقتية والواقعية أو المناخ السائد ، وفي إطار يجمع بين الواقع وقدر من الخيال يساعد علي تغيير الواقع في إطار من الممكن ، وهنا يحدث نوع من التزاوج بين الحقائق الثابتة والأحلام الممكنة التطبيق .
2 ـ إن كل منطقة في العالم لها حقائقها الخاصة بها والتي لابد للسياسة من التعامل معها،والمنطقة التي نعيش فيها لها حقائقها التاريخية والجغرافية التي صنعت لها نوعا من المستحيلات وفرضت له فنا من السياسة إذا ارتقي أصبح قادرا علي إحداث تغيير وخلق واقع جديد ينتزعه انتزاعا من فك المستحيل،ويرسي به فن الممكن في زمن المستحيل.
3 ـ ونضرب مثلا تقريبيا : نفترض أن طالبا في الدراسات العليا بقسم التاريخ قدم رسالة للدكتوراة تتناول ظاهرة تاريخية داخلية أو خارجية في مصر الحديثة ، ولنفترض أن ذلك الطالب أجهد نفسه في جمع الوثائق المصرية والعربية من أماكنها الأصلية في مصر والوطن العربي ثم أجهد نفسه في تحليلها واستنطاقها وأتي منها بصورة تاريخية واقعية، وقدم رسالته للمناقشة.لو فعل ذلك ما كانت رسالته تصلح علميا للمناقشة ، والسبب بسيط ومؤلم ،وهو أنه لابد أن يرجع إلي الوثائق الإنجليزية والفرنسية والروسية والأمريكية الخ. لابد أن يحشد في رسالته وثائق من تقارير القناصل ووزارات الخارجية في الدول الغربية، لأن الواقع المؤلم أن تاريخنا الحديث والمعاصر ــ الحقيقي ــ أغلبه يصنعه الأجانب في عواصمهم وفي سفاراتهم ، ونحتفظ نحن لأنفسنا ـ بكل فخر ـ بشرف رد الفعل وليس صناعة الفعل،أى فى الغالب لا نصنع سياستنا ولكن تصنعنا سياسة الاخرين .
4 ــ وفى هذه المقالة البحثية نتناول فن السياسة بين الممكن والمستحيل. وقد سبق نشر هذه الدراسة فى جريدة الأهالي بتاريخ أول يونية 1994،ونعيد هنا نشرها مع التفصيل لتقييم سياسة عبد العزيز آل سعود الميكافيلية والتى صنع بها دولة له .
أولا :
الممكن والمستحيل فى الفنّ السياسى
1 ـ هناك ثلاثة أنواع من السياسة: فن الممكن فى الزمن الممكن، وفن المستحيل فى الزمن المستحيل ، ثم سياسة فن الممكن في الزمن المستحيل او سياسة فن المستحيل في الزمن الممكن .
أن حركة الانسان على الأرض لها ثلاثة أبعاد هى الزمان والمكان والانسان ، هناك وضع قائم ( لنجعله معبرا عن المكان ) وهناك ثقافة متعارف عليها (لنجعلها معبرة عن الزمان أو المناخ )، والانسان عليه أن يتعامل مع الواقع والظروف والثقافة السائدة بالموافقة أو المغالبة .
وفى العادة أن الأوضاع القائمة فعلا هى التى تتصالح وتتفق مع الثقافة المتعارف عليها أو مع المناخ أو الزمان . والسياسة هى التى تتعامل مع الوضع القائم بهدف تثبيته والمحافظة عليه ، أو بهدمه وتدميره ،أى نحن هنا أما نوعين مختلفين من السياسة : السياسة الثائرة على الوضع القائم ، والسياسية المتسقة معه.
السياسة التى تتعامل مع الواقع وتدور فى إطاره ولا تخرج عنه هى سياسة فن الممكن فى الزمن الممكن ، وهى سياسة مصنوعة وليست صانعة ، مخلوقة و ليست مبدعة ، وهى خالية من الصراع مع عصرها فهى تبغى الاستقرار والاستمرار وتتفادى الصراع وتميل للتنازلات والحلول الوسط .
الصراع يرتبط بالسياسة الأخرى الثائرة على الوضع القائم و المناخ السائد ، هذه السياسة الأخرى الناقمة الثائرة تنقسم بدورها الى قسمين :
* هناك سياسة تبغى تغيير الوضع القائم وتدميره ،ولكن لا تفهم ثقافة عصرها وما فيه من حتميات بشرية فى الوضع القائم وفى المناخ السائد فتفشل ، وهى سياسة فن المستحيل فى الزمن المستحيل . تخرج من الصراع خاسرة مهزومة مأزومة.
* وهناك سياسة تبغى التغيير بل تدمير الوضع القائم ولكن مع ادراك ماهية الممكن فى الوضع أو فى الزمان والمناخ ، وتستخدم الممكن هنا أو هناك ضد المستحيل هنا أو هناك ، فتنجح فى التغيير وتخلق واقعا جديدا ومناخا جديدا وثقافة جديدة،وتخرج من الصراع منصورة.
2 ـ إرادة التغيير تبدأ بفكرة ، ثم الدعوة لهذه الفكرة ليتقبلها الناس وليتحمس الأفراد للدفاع عنها وتحمل الأذى فى سبيلها. ولكى يتقبل الناس هذه الفكرة فلا بد أن ترتبط بالدين أو بالقومية أو الوطنية أوبنفع عام وتحقيق الآمال للفقراء المطحونين ، وهم دائما الأغلبية فى كل زمان ومكان ، وهم دائما وقود الحركات الثورية وضحايا الثوار والسياسيين . أى إن أرض الصراع ومسرحه هو تلك الأغلبية الصامتة. وأصحاب الفكر الجديد يلجأون لتلك الأغلبية الصامتة يحاولون إنهاضها وإقناعها بأن مصلحتهم (فى الدنيا أو الآخرة ) تستلزم التمسك بهذه الفكرة الجديدة و الدفاع عنها وتجسيدها واقعا على أنقاض الوضع القائم ( الظالم ). وفى المقابل فإن النظم المستبدة تستند دائما الى عقلية ( ما وجدنا عليه آباءنا ) وتترصد أى فكر جديد بالمصادرة والمنع ، وتتعامل مع أصحاب الأفكار الجديدة بالاضطهاد والقمع . وهنا يكون الصراع ،إذ تبدأ المواجهة مع من يملك الوضع القائم وتسنده ثقافة المناخ السائد ومعه عناصر القوة والبطش والتحكم فى العقول والبطون فتجعل من الصعب التغيير إلا إن كان قادة التغيير يتبعون سياسة فن الممكن في الزمن المستحيل او سياسة فن المستحيل في الزمن الممكن.
ثانيا :
سياسة فن الممكن في الزمن المستحيل و سياسة فن المستحيل في الزمن الممكن
1ـ هما أفضل انواع السياسة اذ تجمع بين الواقعية والابداع والخيال السياسي في اطار العلم بحقائق الاوضاع ومدي امكانية التغيير فيها .والسياسي هنا يقف علي ارض الواقع ويتعامل مع حقائقه ، ولكن يترك في عقله مساحة للخيال السياسي فيحاول مع المستحيل ليجعله ممكنا بكل ما يستطيع ، لكي يخلق واقعا جديدا مستغلا بعض الثغرات والفجوات في الاوضاع الخارجية والاقليمية والمحلية،ومستنهضا معه كل القوي والامكانات لتكون فاعلة ومؤثرة معه ، ويحاول التأثير علي المناخ العام ليطوعه ما امكن وفق مشروعه السياسى.
وهذه القدرة في التأثير علي المناخ العام وعلي القوى المتحكمة هي التي تعين ذلك السياسي علي خلق واقع جديد في اطار عملية غاية في التعقيد ،اذ تحتاج سياسة فن الممكن في زمن المستحيل وفن المستحيل فى الزمن الممكن الي تضافر المعلومات والتحليلات والحسابات التي تعطي خريطة متكاملة بالمتاح والبدائل وامكانات التقدم، وحساباته، وتكاليفه، واحتمالات التراجع المحسوب مع الجرأة العقلية والرغبة في التغيير والاقتحام عندما يتعين الاقدام .وبهذا يخلق هذا السياسي وضعا جديدا، ويصنع احداثا جديدة يجعلها تحمل بين امواجها السياسيين الاخرين من اصحاب سياسة فن الممكن في زمن الممكن، وفن المستحيل في الزمن المستحيل .
سياسة فن الممكن فى الزمن المستحيل أو فن المستحيل فى الزمن هي التي تحسن التعامل مع المناخ الثقافي السائد، فتغيره الي الافضل، وتحسن التصرف مع القوى المتحكمة لتقيم علي حسابها واقعا جديدا بأقل قدر ممكن من الخسائر والتكاليف ،وكل ذلك في اطار التعامل بين الممكن والمستحيل ،تجرب ان تقترب من المستحيل بحذر لتعرف ما هو المستحيل بحق فتتعامل معه علي هذا الاساس، وما يبدو مستحيلا في ظاهره، وان كان ممكنا في حقيقته بكثير من الجهد والمعاناة فتبذل ما تستطيع لكي تحوله الي ممكن بأقل قدر من التضحيات.
ولكل عصر مناخه الثقافي السائد والقوى المتحكمة فيه. ولا يصح ان نفرض معطيات مناخنا الثقافي ومراكز القوة علي ما كان في عصر آخر ، ولكن السياسى هنا يدرك حقائق الوضع (الممكن) والمناخ السائد فى عصره و الفارق بين ثقافة عصره و العصور السابقة فيحاول تحويل المستحيل إلي ممكن وذلك بقدرته السياسية علي خلق واقع جديد مستغلا بعض الثغرات والفجوات في المناخ السائد مستنهضا معه كل القوي الساكنة لتكون فاعلة ومؤثرة، ومحاولا تحييد الخصم بمحاصرته أواستيعابه واحتوائه تمهيدا للقضاء النهائى عليه. وهذا ما يفعله دائما مؤسسو الدول وقادة الثورات و التحولات الفكرية والسياسية والاقتصادية مهما اختلفت اتجاهاتهم.
2 ـ وليكن معروفا من البداية أن هذا ليس مرتبطا بالقيم والاخلاق وما ينبغى أن يكون فى شرع الله جل وعلا ، ولكن نحلل ما هو كائن وقدرة السياسة على امكانية تغييره وخلق واقع جديد. ومن هنا تتسع ساحة العمل السياسى الناجح لتضم الأخيار الأبرار والأشرار الفجار. ومثلا فإن كل الأنبياء قاموا بتغيير فى الوضع السائد وخلقوا واقعا جديدا بالصبر والمعاناة ، وهو واقع يقيم حقوق الله تعالى وحقوق البشر وفق العدل الذى على أساسه نزلت كل الرسالات السماوية ( الحديد 25 )، ولكن جاء بعدهم من قام بتغيير وتدمير عملهم بإقامة أديان أرضية تناقض دعوة النبى الذى ينتسبون اليه. هنا عملان سياسيان متناقضان ، ولكنهما معا ينتميان الى نفس النوعية: (سياسة فن الممكن في الزمن المستحيل او سياسة فن المستحيل في الزمن الممكن) أى تغيير الواقع وخلق واقع جديد بالنضال ، وباستغلال ثغرات فى المناخ السائد لتغييره وإقامة واقع جديد على أشلاء الوضع الذى كان .
من هنا أيضا تتسع الساحة فى هذا النوع من السياسة لتضم مؤسسى الدول وقادة والتحولات الانسانية والتاريخية بغض النظر عن توجهاتهم ، من خاتم النبيين محمد عليه السلام الى معاوية بن ابى سفيان ، ومن أبى جعفر المنصور العباسى الى غريمه عبد الرحمن الأموى الداخل (صقر قريش ) ، ومن قادة الفتوحات العربية (الخلفاء الراشدين ) الى قادة الحروب الصليبية والكشوف الجغرافية ، ومن غاندى ومارتن لوثر كنج ومانديلا الى هتلر وموسولينى ، ومن منشىء اسرائيل ( دافيد بن جورين ) الى عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الراهنة( 1902 : 1932 ). هم أمثلة تاريخية سياسية على هذا النوع الأعلى من العمل السياسى الذى قام بتغيير الواقع وانشاء وخلق واقع جديد وفق (فن الممكن فى الزمن المستحيل ) أو ( فن المستحيل فى الزمن الممكن ).
3 ـ وهناك فارق أساس بين (فن الممكن فى الزمن المستحيل ) و( فن المستحيل فى الزمن الممكن ) مع أنهما معا ينتميان الى هذا النوع الراقى من السياسة، وهما معا يتزاوج فيهما صراع الممكن و المستحيل ، ولكن يختلفان. وللتوضيح نضرب أمثلة :
(ا )
إقامة خاتم النبيين محمد عليه السلام دولته الاسلامية الديمقراطية كان مستحيلا بسبب المناخ الثقافى السائد ، حيث ترسخ الاستبداد ممثلا فى أقوى امبراطوريتين فى فارس و الروم ، وحيث سيطرتهما على دول تابعة لهما جنوب الشام ( المناذرة ) وجنوب العراق ( المناذرة ) وحيث سيطرة قريش على الجزيرة العربية وتحكمها فى التجارة العالمية بين الهند واوربا من اليمن الى الشام وبالعكس ، واستخدامها الكعبة فى الايلاف أو حماية قوافلها . كان مستحيلا أن تقام ــ فى هذا المحيط من الظلم والاستبداد الدينى و السياسى ــ دولة مؤسسة على العدل وحرية الفكر والمواطنة وحقوق الانسان. تزعم قريش فى هذه الفترة الهاشميون والأمويون وهما أولاد عمومة ينتمون لعبد مناف.كان بنوهاشم يشرفون على رعاية البيت وسقاية الحجيج ورعاية أصنام العرب حول الكعبة، وبهذا تتزعم قريش العرب دينيا، وكان الموكل بذلك العباس بن عبد المطلب عم النبى محمد ،بينما كان ابو سفيان هو قائد رحلة الشتاء و الصيف. ووقف الاثنان (العباس وأبوسفيان ) ضد دعوة الاسلام ، وكان ابوسفيان قائد القاقلة التى نشبت بسببها غزوة بدر بينما كان العباس ضمن أهل قريش الذين هبوا لحرب المسلمين فى غزوة بدر . وظل العباس وابو سفيان متلازمين الى أن أسلما معا عند فتح مكة .
واضح هنا أن الزمن لا يسمح بوجود دولة اسلامية بسبب تلك السيطرة شبه التامة على الوضع وبسبب المناخ السائد القائم على الاستبداد والظلم والفساد والاعتقاد فى الأولياء وتقديس البشر والحجر . هنا (الزمن المستحيل ) ولكن هناك ثغرات فى الواقع تسمح بتغيير هذا المستحيل ، منها الأغلبية المقهورة الساكتة، ومنها امكانية الاصلاح الدينى والعقلى بأن يدرك العرب عبث عبادة الأصنام ، وأن قريش تأخذ أصنام العرب رهائن عند الكعبة لتتسيد عليهم وترغمهم على عدم الاعتداء على قوافلها ، ولتستغلهم إقتصاديا فى أداء مناسك الحج . هذا التغيير العقلى أحدثه القرآن الكريم سواء باستنهاض الأغلبية المقهورة لتدافع عن نفسها ضد سطوة الجبابرة ،أو بالحوار العقلى حول عبثية تقديس الأصنام وقبور الأولياء ، وتطور هذا التغيير العقلى بالحركة العملية فى الدفاع عن النفس واسترداد الحقوق فى غزوة بدر ، ثم بادراك استحالة القضاء على الدولة الاسلامية بعد فشل الأحزاب. عندها أدرك العرب عبثية الأصنام وعجزها عن حماية من يعبدها ، وعرفوا أن قريش تبتزهم بالأصنام لحماية تجارتها ودوام ثرائها فتعيش فى امن ورخاء وهم فى جوع وخوف. ولكن السبب الأهم هو أن قريش باضطهادها ومطاردتها للمسلمين هى التى ساعدت فى خلق دولة الاسلام فى المدينة . بسب الاضطهاد اضطر المسلمون الى الهجرة ، وبسبب استمرار قريش فى مطاردة المسلمين وحربهم وهم فى المدينة نزل الأمر للمسلمين بالقتال ( الحج 39 ـ ).. وانتهى الصراع المسلح بهزيمة قريش ودخول أهم زعيمين لها فى الاسلام ، وهما العباس وابوسفيان . بهذا تمت هزيمة المناخ المستحيل وأقيمت الدولة الاسلامية ودخل الناس فى دين الله جل وعلا افواجا فى عهد النبى محمد عليه السلام . هذا مثال على فن الممكن فى الزمن المستحيل.
(ب )
ولكن بعده اختلف الأمر بعد موت النبى محمد عليه السلام،لأن الزعماء الذين يمثلون الثقافة المهزومة ما لبث أن عادوا ليملأوا الفراغ بعده ، وقد استغلوا العصبية القبلية ومكانة قريش وكون معظم المهاجرين من قريش، وكون السابقين فى الاسلام منهم ، لذا كان لا بد أن تسقط الدولة الديمقراطية الاسلامية وريدا رويدا ، لأن المناخ العالمى السائد لا يناسبها ولأن الفتوحات العربية أشرفت بالمسلمين على هذا المناخ السائد حيث ورثوا ملك كسرى ومعظم ممالك الروم من مصر الى الشام ، ودار صراع بين من يمثل الثقافة الاسلامية النبوية وهو (على بن أبى طالب ) ومن يمثل ثقافة قريش والأمم المفتوحة وكان وقتها معاوية بن أبى سفيان ، وانتصر العصر لمعاوية ) ضد (على ) فتكونت الدولة الأموية ، وفقا لسياسة(فن المستحيل فى الزمن الممكن ).
فالزمن هنا ممكن حيث ثقافة الاستبداد سائدة فى الشام والعراق ، ولكن المستحيل هو تغيير الوضع الجديد الذى أحدثه الاسلام ورسول الاسلام عليه السلام . وكالعادة دار الصراع فتم القضاء النهائى على دولة الاسلام وقامت امبراطورية وراثية تحت اسم الاسلام مع تناقضها مع قيم الاسلام . وتصالحت الامبراطورية الأموية مع الزمن وثقافته الاستبدادية ، ولكن أصداء الاسلام ظلت حية ،وإن جرى استغلالها سياسيا برفع راية الاسلام فى حركات ثورية ضد الأمويين قام بأغلبها الخوارج العرب ، ولكن لم تكن لهم خبرة التعامل السياسى الذى كان للأمويين فانتهت حركاتهم الى مجرد تدمير وارهاب ، ولكن الذى هزم الأمويين هم حفدة العباس ..
أبناء العباس من عبد الله بن عباس وذريته ينتمون الى نفس الثقافة وقد استغلوا نفس المناخ ، ولكن بصورة أفضل وأعمق من الأمويين تدعمهم قرابتهم من النبى محمد وتراث أبيهم العباس فى حراسة الكهنوت ، لذا استغلوا القرابة من الرسول وأضافوا لها استغلال ما جرى لآل بيته من ذرية (على ). أى إذا كان الأمويون بسبب خلفيتهم الحربية و السياسية ( كقادة لرحلة الشتاء و الصيف ) قد أقاموا دولتهم على الاستبداد (القبلى ) نسبة الى القبيلة مع التمسح حينا باسم الاسلام فإن العباسيين بتراث أبيهم ( العباس ) الكهنوتى هم الذين أقاموا الدولة الدينية الصريحة المناقضة للاسلام ، وبالتالى تصارع العباسيون الذين يمثلون استغلال الاستبداد الدينى مع الأمويين الذين كانوا يحكمون بالاستبداد القبلى( نسبة للقبيلة ). الاثنان شركاء فى ثقافة الاستبداد ، ولكن الأقرب للضمير الشعبى هو ذلك الاستبداد الذى يستغل الدين والذى يعزف على مآسى أهل البيت والمذابح التى جرت لهم ، والعداء الأموى الذى أظهره الأمويون للاسلام فى انتهاك حرمة الكعبة واقتحام واستحلال المدينة . العباسيون هنا ـ مثل خصومهم الأمويين ـ استخدموا السياسة بمعنى فن المستحيل فى الزمن الممكن ، فالزمن معهم بثقافته ، بل هو معهم أكثر مما هو مع الأمويين ، ولكن المستحيل هو فى الوضع القائم ، حيث كانت الدولة الأموية فى ريعان شبابها ، وقد أسقطها العباسيوم فعلا فى ريعان شبابها ، فلم تعمر سوى تسعين عاما تقريبا (41:132) (661: 750) بينما عمرت الدولة العباسية حوالى خمسة قرون:(132 ـ 658)(750-1258م
ثالثا ـ
فن الممكن فى الزمن الممكن :
1 ــ هي اردأ انواع العمل السياسي في السياسية الميكافيلية ، اذ يفترض في العمل السياسي ان يحوي قدرا من الابداع والخصوصية بحيث يتميز عن أي عمل عادي ،ولكن سياسة فن الممكن في الزمن الممكن تجعل العمل السياسي اقرب ما يكون الي العمل الاداري الحكومي البيروقراطي بنظمه ولوائحه التي تدور كلها في اطار الممكن لتحقق انجازا عاديا في المرافق وغيرها .واذا تصرف الحاكم السياسي علي هذا المنوال فالمعني انه يعيش في حقائق الوضع الممكن دون خيال ودون تغيير الي الافضل ودون خلق واقع جديد مبتكر .والعادة ان ذلك السياسي يكتفي بالحلول الوسط وارضاء جميع الاطراف وسياسات التوازن ، ويؤجل الحل الجذري للمشاكل حتي تتحول الي ازمات ثم الي نكسات تتفاقم وتستعصي علي الحل. ويظل هو يعيش فوق هذا البركان القابل للانفجار متصورا انه يتمتع بالاستقرار والاستمرار. وهذه السياسة تظل انعكاسا للواقع وتعبيرا عنه،بل يحملها الواقع السياسي والاحداث التي يصنعها الاخرون الي حيث يريد الاخرون .
ونظام حسنى مبارك فى مصر أفضل مثال ، فهو يرفع شعار الاستقرار والاستمرار، ويتردد فى اصدار اى قرار ، ولذا تظل الأزمات تتراكم ويتم التعامل معها بالعلاج الموضعي والمسكنات الوقتية وتأجيلها الى الغد دون حل جذرى ،الى أن يأتى الغد بالانفجار. واتبع مبارك نفس السياسة المترددة العاجزة فى اهم ما يواجهه ، وهو مستقبله ومستقبل أسرته الحاكمة. لقد تعلم أن النائب للرئيس يظل يسمع ويطيع للرئيس الى أن يتولى بعده فيقيم شهرته الشخصية على أساس الهجوم على الرئيس السابق ، فهكذا فعل السادات بعد عبد الناصر ، وهكذا فعل مبارك نفسه مع السادات. بتولى مبارك السلطة فجأة عام 1981 أظهر نفسه الرئيس النزيه مقابل حملة ضد أسرة السادات تتهمهم بالسرقة و الفساد فى حدود عدة ملايين من الجنيهات. رفض مبارك تعيين نائب له منذ 1981 ، وحكم مستبدا ، وفى ظل الاستبداد نما الفساد وأصبح بمئات البلايين ، وتورط فيه مبارك واسرته واصبح حتما ان يحمى نفسه ومستقبل اسرته بجعل ابنه وريثا بعده ، بأن يكون نائبا له أو أن يتنازل له عن السلطة ويعينه رئيسا فى حياته ، وهى قرارات ضخمة وصعبة تنتمى الى سياسة فن الممكن فى الزمن المستحيل ، وهذا فنّ فى السياسة لا طاقة لمبارك به ، لذا لا يزال مترددا ، يلمح الى التوريث حينا وينفيه أحيانا ، ويؤجل ويماطل وهو يقود السفينة المصرية الى المجهول .
2 ـ نفس المصير المفجع يبدو حين يربط السياسي مصيره ومصير شعبه بقوة اجنبية مسيطرة،فيصبح لعبة في يدها ،ويستمر طالما شاءت له ان يستمر . وقد يفقد عرشه وشعبة ودولته ،وحدث هذا مع الشريف حسين في الحجاز ومع الشيخ خزعل صاحب المحمرة في عربستان وقد عاصر عبد العزيز آل سعود .
3 ـ وعموما ترى ملامح هذه السياسة ( فن الممكن فى الزمن الممكن ) فى تاريخ من يرث الحكم بعد إنشاء الدولة وتوطيدها. فالدولة الأموية أنشأها معاوية ، ثم أعاد إنشاءها مروان ابن الحكم ، ثم قام بتوطيدها عبد الملك ابن مروان. إنشاء وتوطيد الدولة الأموية كان (فن الممكن فى الزمن المستحيل).بعد التوطيد يرث الأبناء والأحفاد سلطة لم يتعبوا فى إقامتها ، ولم يعد لهم من عمل جدى سوى الخمول و المجون الى أن تسقط دولتهم ، وهذا ما حدث مع ذرية عبد الملك بن مروان ، وهو نفس ما حدث لذرية أبى جعفر المنصور فى الدولة العباسية ، وذرية المعز لدين الله الفاطمى الذى نقل الخلافة الفاطمية لمصر ومهّد أمورها ووصل بنفوذه الى الشام ، وهو ما حدث أيضا لابن صلاح الدين الأيوبى العزيز عثمان و أبناء عمه العادل الأيوبى.
وهكذا حتى عصرنا الراهن ، فمثلا أقام عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الراهنة (الثالثة ) بفن الممكن والمستحيل ، وترك لأولاده مملكة مستقرة تتكىء على أمريكا فأتاح لذريته حياة المجون والفراغ واتباع سياسة الممكن فى الزمن الممكن ، وحين تراءى لهم شبح صدام حسين وهو يغزو الكويت فزعت الذرية المترفة وصرخت تستنجد بامريكا وفتحت بلادها للمارينز ، فالذرية ( الصالحة ) الناعمة من أبناء عبد العزيز وأحفاده ليسوا مثل عبد العزيز فى فحولته ورجولته وفروسيته وجسارته.
رابعا :
سياسة فن المستحيل في الزمن المستحيل
1 ـ هي نقيض سياسة فن الممكن ولكنها تتطابق معها في الفشل والعجز، فسياسة فن المستحيل في الزمن المستحيل تعني تجاهل حقائق الوضع الكائن تمسكا بأحلام وهمية وشعارات ايدلوجية مستحيلة التطبيق.
والسياسي الأحمق من هذا النوع قد يحارب المستحيل فعلا فيفقد كل شئ كما حاول الاخوان في عهد عبد العزيز آل سعود في تصديرهم للثورة بالدم والمذابح الى العراق فهزمهم الواقع ،او كما حدث مع صدام حسين حين احتل الكويت .
2 ـــ وقد يكتفي السياسي من هذا النوع بالشعارات والحملات الكلامية والمزايدات الدعائية دون ان يجرؤعلي محاولة تطبيقها علي الواقع، فيظل معزولا عن حركة الاحداث متمتعا بسخرية الاعداء والاصدقاء، كما يحدث من مزايدات بعض القوميين العرب والتيار السلفي السياسي المعاصر والعقيد معمر القذافى.
3 ـــ وبعض المنتمين الى هذه السياسة يقفزون على حاجز المستحيل بالانتحار،ليس بانتحارهم هم ولكن انتحار شعوبهم ، كما تفعل حماس فى صراعها مع اسرائيل. المناخ الآن ضد شعار تدميراسرائيل وإلقائها فى البحر كما يحلم قادة حماس وغيرهم. والوضع الحربى يجعل من المستحيل على حماس أن تهزم اسرائيل، وبدلا من التعامل مع الواقع بسياسة فن الممكن مع الزمن المستحيل أو فن المستحيل مع الزمن الممكن فان حماس لجأت الى فن المستحيل مع الزمن المستحيل وهى المواجهة الحربية التى لا تقدر عليها ، والنتيجة أنها كمن يضرب رأسه فى الصخر. المؤسف هنا أن رأس حماس فى الحفظ والصون ،الذين تضيع رءوسهم وأحلامهم وبيوتهم هم المساكين غزة فى
خامسا :
التداخل بين الممكن والمستحيل فى الوضع و فى المناخ
1 ـ السياسة بطبيعتها متحركة متغيرة ، ليس فيها اصدقاء دائمون ولا مصالح دائمة ، والعلاقات تتغير وكذلك الظروف ، مع قابلية المناخ ايضا للتغير والتلبد. والسياسى الماهر الذى يتحرك فى المناخ الملائم فى الوضع المناسب فإذا ضاعت منه الفرصة فقد لا تعود . وإذا أحسن السياسي استغلالها في الوقت المناسب ينجح عندها في تغييرالواقع في منطقته، إلا أنه لابد له من معرفة نهاية المدى لإمكاناته وتحركاته والظروف الدولية حتي لا يفشل ، فالقدرة علي خلق الواقع في إطار التعامل مع الممكن والمستحيل عملية غاية في التعقيد ، وتعتمد علي معرفة كاملة بتفاصيل الأوضاع المحلية والدولية ، مع وضع بدائل وخيارات لكل الظروف الطارئة .
ونعطى أمثلة من تاريخنا الحديث والمعاصر للنجاح والفشل :
2 ـــ * فقد استغل (محمد علي) الفجوات السياسية بين انجلترا وفرنسا وبين انجلترا وروسيا وحاول إقامة دولة قوية تعيد مجد الدول العثمانية أو تجديدها بعد أن تحولت إلي( رجل أوربا المريض)، ولكن وقفت له انجلترا بالمرصاد حين وصل إلي سواحل الجزيرة العربية حتى لا يهدد مصالحها فى الهند ، واجتمعت عليه أوربا التى ترغب فى اقتسام املاك الدولة العثمانية ، وأرغمته أوربا علي عقد معاهدة كوتاهية بعد أن اقتربت جيوشه من استانبول . أي أنه خلق واقعا كان مقبولا حتى ضم سوريا اليه ،ولكن ليس أبعد من ذلك ، ولم يعرف محمد على التوقف في الزمن المناسب والمكان المناسب فخسر كل شىء وعاد الى مصر .
وأثناء إقامته الدولة السعودية الراهنة استغل عبد العزيز آل سعود انشغال انجلترا وأوربا في الحرب العالمية الأولى ليضم الإحساء ولكنه عندما اتجه للكويت أرغمته بريطانيا علي التراجع ، وتراجع فأنقذ نفسه ، وحين ثار عليه الإخوان ـ وهم عماد قوته ـ وطالبوه بان يسمح لهم باستمرار الاغارة على العراق رفض عبد العزيز لأنه يعرف حدوده ، وضحى بالاخوان وحاربهم وقضى عليهم لينقذ دولته الوليدة ، فنجح وخسر الاخوان . وكانت لعبد العزيز فرصة سانحة لغزو اليمن وألحّ عليه مستشاره الانجليزى فيلبى ولكنه رفض فأنقذ نفسه من الضياع فى جبال اليمن ، وفيما بعد تورط عبد الناصر فى حرب اليمن فخسر وأضاع رصيد مصر من الذهب. .
: ـ وفي تاريخنا المعاصر طرأ بند جديد أصبح واقعا لابد من مراعاته 3
فلقد حرص الاستعمار الأوربى علي أن يقيم الحدود في منطقتنا علي ألغام تتيح إمكانية متجددة لكل خلاف في المستقبل وتحوله إلي حروب ببن الأخوة والجيران، ثم حرص علي استقرار تلك الحدود الملغومة في اتفاقيات دولية وبمباركة الأمم المتحدة ، وبذلك انتهت فكرة التوسع العسكري وضم أراضي الغير بالقوة . وأوجد ذلك عهدا جديدا لا يسمح فيه بتجربة الضم وتكوين دولة موحدة بالقوة العسكرية كما كان يفعل صلاح الدين الأيوبي ومحمد علي ، وآخرهم عبد العزيز آل سعود. وحين حاول صدام حسين أن يتجاهل ذلك الواقع الجديد في غزوه للكويت فإنه ببساطة حاول المستحيل في زمن المستحيل .
ولم يستفد صدام من الدرس الذى واجهه عبد الناصر حين انقلب البعثيون عليه و انفصلوا بسوريا عن الاتحاد الذى كان يجمع مصروسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة. ابتلع عبد الناصر الاهانة و لم يرسل جيشا لسوريا لمحاربة الانقلاب البعثى فيها ، ولكنه نسى هذا فى تجربة اليمن . أدرك عبدالناصر الحدود التي يستطيع فيها المناورة مستغلا الفجوات السياسية في الداخل والخارج ، أشعل حماس العرب للقومية العربية والوحدة العربية لكي يتم الاتحاد سلميا وبمباركة الشعوب ودون اللجوء للقوة العسكرية،ونجح في حشد مشاعر الجماهير العربية دون ان يدرك أن عصر القوميات قد ولّى وانصرم ، وأن العصر هو عصر الديمقراطية ، ولذلك فان مشاعر الجماهير العربية ومظاهراتهم لم تغن عنه شيئا فى هزيمة 1967، حين هزمت دولة ديمقراطية ضئيلة دولا ضخمة استبدادية. ( إسرائيل )
4 ـــ من المستحيل فى عصرنا أن ينتصر حاكم مستبد على دولة ديمقراطية ، ولو تحارب إثنان من الحكام المستبدين فكلاهما ينهزم ، والحروب العربية العربية والخلافات العربية العربية تنتهى دائما بهزيمة الطرفين وتدخل الدول الكبرى بإبقاء الوضع على ما هو عليه وفق الحدود المرسومة للدولتين بمعرفة الدول الكبرى ، لا فارق هنا بين حرب صدام مع إيران أو منازعات الحدود بين اليمن والسعودية وقطر، مصر والسودان ،الجزائر والمغرب .
ولو تحارب حاكم مستبد مع دولة ديمقراطية فهو الخاسر فى النهاية مهما بلغت قوته . بدأ هذا مع هزيمة هتلر وموسولينى واليابان فى الحرب العالمية الثانية مع تسيد الديمقراطية العالم ، وأصبح عُرفا ساريا بإنتصارات إسرائيل على الدول العربية . إسرائيل بدأت ولادتها بإقامة إنتخابات ديمقراطية عام 1948 وهزيمة الدول العربية فيما يعرف بنكبة فلسطين ، ولاتزال إسرائيل هى التى تهزم العرب كلهم عسكريا وتكنولوجيا وإقتصاديا مع الفارق الهائل بينها وبين العرب فى تعداد السكان ومساحة الأرض وثرواتها .
5 ـــ ولكن أى دولة ديمقراطية لا تستطيع أن تتحدى المناخ العالمى مهما بلغت قوتها . يسرى هذا على أمريكا فى فيتنام ، وعلى اسرائيل . لم تستطع إسرائيل أن تخرج على القانون أو العرف العام أو المناخ العالمى فيما يخص سياسة فن الممكن والمستحيل . بعد إنتصارها الكاسح فى حرب 67 أصيبت إسرائيل بالغرور وتحدت المناخ العالمى ورفضت تنفيذ قرار الأمم المتحدة 242 . كانت إسرائيل تضع نصب عينيها الوضع العسكرى القائم وتتناسى ( المناخ الدولى الناقم )مما جعلها ترتكب خطأ مواجهة المستحيل . المناخ الدولى الناقم إستغله السادات أفضل إستغلال حين وضع 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا مما ارغم أمريكا على نوع من التوازن فى سياستها فاضطرت أمام التعنت الإسرائيلى أن تعطى للسادات الضوء الأخضر لتحريك الموقف ، فقامت حرب التحريك فى عام 1973 التى جمعت بين نقيضين : فالمناخ ملائم للعرب ومعاد لإسرائيل لكن الوضع العسكرى مستحيل للعرب الانتصار فيه على إسرائيل ، فى هذه الحالة الإستثنائية فى حرب بين جيش دولة ديمقراطية وحكام عرب مستبدين ، كان محتما أن تنتهى الحرب بالتعادل التقريبى بين الفريقين ، عبرت القوات المصرية إلى سيناء وأيضا عبرت القوات الإسرائيلية من ثغرة الدفرسوار وتوغلت غرب قناة السويس لتحاصر الجيش المصرى الثالث ومدينة السويس . وعجز النظام المصرى المستبد العسكرى عن إخراج إسرائيل وإنقاذ الجيش الثالث المصرى ورضخ للتفاوض والتنازلات فاعاد سيناء لمصر معزلة السلاح منقوصة السيادة ، وبهذا انتهت معركة التحريك 1973 التى تقاسم فيها الطرفان النصر والهزيمة بين فن الممكن والمستحيل . ومصر هى قائدة العرب فى الإنتصار وفى الإنحدار ، وبإنحدارها إنحدر العرب ولايزالون .
6 ــ ـ تغيير الوضع القائم وخلق وضع جديد قد يحدث وفق سياسة فن الممكن فى الزمن الممكن إذا كان الوضع ممكنا والزمن فى صالح التغيير ومتأهبا له ، ويحدث ذلك عادة حين تصل الدولة إلى أرذل العمر ، وتتأهب للسقوط الذاتى فيتشجع من ينتهز الفرصة ليفوز بالثمرة الناضجة. والأمثلة كثيرة :
* فالإنقلابات العسكرية العربية كانت تدور فى إطار الممكن فى الزمن الممكن، ففى عصرها فى الأربعينيات وفى الخمسينيات من القرن العشرين كانت الشعارات القومية ومواجهة الإستعمار وإسرائيل هى المسيطرة على عقلية الجماهير فحدثت ـ تحت هذه الشعارات ـ إنقلابات عسكرية خصوصا فى سوريا والعراق فيما بين منتصف الأربعينيات إلى السبعينيات ، وبلغ من كثرتها فى سوريا أن كان يقال أن الذى يستيقذ مبكرا كان يركب دبابته ويستولى على السلطة. أصبح ذلك صعبا الآن لتغير المناخ وتغير الظروف بتحول النظم الحاكمة الى نظم عسكرية بوليسية تحترف التعذيب وقهر الشعوب وتوجه سلاحها ـ ليس الى اسرائيل ـ ولكن للشعب المنزع السلاح . أى تفرغت الجيوش الحاكمة للجبهة ( الداخلية ) فلم يعد للشعب المسكين أمام تلك القوات العاتية من الجيش والبوليس سوى الخنوع .
* وبنفس السهولة نجح إنقلاب العسكر فى مصر سنة 1952 وفق سياسة فن الممكن فى الزمن الممكن . كان النظام الملكى فى مصر قد أشرف على النهاية وكان الشارع المصرى يموج بتيارات ناقمة مختلفة يحملها جيل جديد لم يجد له فرصة تحت الشمس ، حيث عجزت الليبرالية المصرية فيما بين عام 1920-1950 عن إستيعاب الشباب الجديد وإتاحة الفرصة له من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة الذين أتاح لهم التعليم فرصة التطلع إلى وضع أفضل سياسى وإقتصادى ولكن إنصدم بجمود الحواجز الطبقية وإنعدام العدالة الإجتماعية ، فاعتنق ذلك الجيل الناقم أيدولوجيات مختلفة من الأخوان إلى الشيوعيين والقوميين المصريين ( مصر الفتاة )، وفاز حسن البنا بنصيب الأسد فى هذا المناخ فى سابقة مستحيلة الحدوث الآن ، فقد تكونت للإخوان 50 ألف شعبة علنية فى مصر ، وتغلغل فى الجيش ، وتكون تنظيم الضباط الأحرار الذى أتاحت له الظروف فرصة لإنقلاب عسكرى ناجح حتى لقد نجح برغم القيام به قبل موعده، ثم شجعهم المناخ الملائم والوضع المنهار أصلا على تطوير الوضع من حركة لإصلاح الجيش إلى إنقلاب عسكرى سياسى تحول إلى ثورة وضعوا – على عجل – لها مبادىء الثورة الستة ، بادر الملك فاروق بالتنازل عن العرش والفرار ووجد قادة الإنقلاب مصر تسقط بين أيديهم فيما أسموه بالثورة البيضاء . ولكن ما لبث أن تحولت إلى ثروة حمراء ، بداية من عام 1954 بإختلاف العسكر فيما بينهم، وتم عزل محمد نجيب الذى كان ينادى بعودة الجيش لثكناته والتفرغ بالقيام بدورة وواجبه العسكرى تاركا السياسة للسياسيين. إنهزم محمد نجيب وتحكم العسكر من وقتها بقيادة عبدالناصر ووجه الجيش سلاحه نحو الشعب المصرى متحكما فيه ... ولا يزال العسكر يقهرون الشعب المصرى.
7 ـ سهولة التغيير وخلق واقع جديد التى سبقت الاشارة اليها قد تخدع المحظوظ الذى وصل بها الى الحكم . فمثلا تشجع عبدالناصر بسهولة الوضع الذى وصل به إلى الحكم فظن أن بإمكانه بسهولة أن يمارس فن الممكن فى الزمن الممكن فى العلاقات الدولية ، فتسرع وأعلن تأميم قناة السويس متناسيا حقوق الدول وإتفاقية القسطنطينية الدولية ومتناسيا أن قناة السويس ستعود ملكيتها إلى مصر قانونيا بعد عدة سنوات .، أدى تسرعه إلى العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956 من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل. هذا العدوان الثلاثى كان أيضا خطأ سياسيا . العدوان وتأميم قناة السويس كلاهما ينتمى إلى سياسة فن المستحيل فى الزمن المستحيل ، إتفقت أمريكا والإتحاد السوفيتى معا على معارضة العدوان الثلاثى الذى عارضته أيضا كل دول العالم فأخفق فى تحديد أهدافه وانهزم سياسيا على الرغم من نجاحه عسكريا وانسحبت جيوش إنجلترا وفرنسا ، وتلكأت إسرائيل من الإنسحاب من سيناء ، فلم تنسحب إلا بعد أن حصلت على مكاسب إستراتيجية فى البحر الأحمر، واستولت على قرية أم الرشرش واسمتها ( إيلات ) وطبقا لهذه الإتفاقيات أصبح لإسرائيل حق المرور من مضيق تيران وأصبحت من دول البحر الأحمر ، ووصل نفوذها إلى أثيوبيا وشرق أقريقيا ومنابع النيل لتهدد مصر فى شريانها الحيوى وقصبتها الهوائية . كرر عبدالناصر نفس الخطأ عام 1967 حين تنكر لإتفاقاته وأغلق مضيق تيران وظهر أمام العالم معتديا متحديا المناخ العام مع ضعف قواته العسكرية وإنشغال الجيش بالسياسة شأن العسكر حين يحكمون فحدثت نكسة 1967 التى تثبت أنه من الممكن للعسكر وفق سياسة فن الممكن فى الزمن الممكن أن يبطشوا بالشعب المصرى كيفما شاءوا أما أن يحاربوا إسرائيل وينتصروا عليها فهو فن المستحيل فى الزمن المستحيل طالما إنهمك الجيش فى الحكم والسياسة وترك مهمته العسكرية الوطنية.
* فى ليبيا كان ممكنا بسهوله سقوط الملكية ، بعدها ظن العقيد القذافى أن هذا التغيير السهل الممكن الذى واتته الظروف المواتية فى ليبيا ممكن الحدوث فى العالم الخارجى فحاول أن يتدخل فى العالم الخارجى بأمواله ومؤامراته فواجه المستحيل وخسر البلايين.
ـ المناخ المتحكم الثابت العتيد يفرض ثقافته حتى مع تغير الظروف .8
فى التاريخ المصرى بالذات حيث تأسس الإستبداد المركزى من فجر التاريخ ، فإن الذى يملك القوة العسكرية هو الذى يملك السلطة ، وتتخلى عنه السلطة إذا فقد قوته العسكرية، أما الشعب فلا حول له ولا قوة، يسرى هذا على حكم الفراعنة وعلى القوة الأجنبية والحكام الأجانب الذين غزو وحكمو مصر كما يسرى على العسكر المصريين الذين حكموا مصر منذ 1952 حتى الأن .
مثلا فى إطار الدولة العباسية قامت فى مصر الدولة الطولينية وسقطت ، وقام على أنقاضها الدولة الأخشيدية وإنهارت مما أتاح للفاطميين الإستيلاء على مصر بلا حرب ، ثم ضعفت الدولة الفاطمية فأعلن صلاح الدين الأيوبى وفاتها بهدوء وأقام على أنقاضها الدولة الأيوبية. وضعف الأيوبييون فانتزع مماليكهم الحكم منهم بدون عناء. كل ذلك وفق سياسة فن الممكن فى الزمن الممكن لأن المناخ السائد فى وقتها هو ثقافة الاستعباد وثقافة العبيد . ولا تزال طاغية فى مصر تلك الثقافة يستفيد بها النظام الراهن حيث يحكم الجيش المصرى الشعب المصرى بسياسة فن الممكن فى الزمن الممكن ... فن الممكن من حيث الوضع العسكرى وإحتكار القوة والثروة والزمن الممكن أو المناخ الممكن حيث أكد الحكم العسكرى ثقافة الإستعباد وثقافة العبيد وأرضعها للشعب فأصبح الشعب واهنا عاجزا خانعا خاضعا راضيا بالمقسوم، بل قد يعبد الحاكم المستبد ، ولذلك فقد أصبح عبد الناصرـ مع استبداده وهزائمه ـ معبودا للمصريين، ، وتلك فترة أو حالة مرضية ( من المرض ) عايشناها فى المراهقة ، ولا يزال غيرنا مصابا بها حتى الان .. شفاه الله جل وعلا.!
ـ المناخ المتقلب يثير القلاقل والانقلابات والارتباكات الاقليمية والدولية 9
* الغرب هوالذى خرج بالعالم من ثقافة العصور الوسطى وتحالف الملكية والاقطاع والفرسان والكهنوت الى ثقافات متداخلة من القومية الى الشيوعية، ومن البرجوازية والاستعمار والرأسمالية الى حقوق الانسان والعولمة، ومن عصر البخار الى عصر الفضاء وثورة الاتصالات والانفجار العلمى والمعلوماتى . يلاحظ أن هذا التقلب حدث خلال ثلاثة قرون فقط من الوجود البشرى فى هذا الكوكب ، أى بعد ثقافة استبدادية دينية متحكمة بدأت منذ تكوين التاريخ البشرى واستمرت عشرات القرون . كما يلاحظ أن هذه الثقافات والحركات لم تأت فى سياق مرتب هادىء ، وإنما فى تداخل وتلاطم حسب ظروف أوربا منذ نهاية القرن الثامن عشر فيما بين الماجناكارتا فى انجلترة والثورة الفرنسية الى تحرير الرقيق فى امريكا وحربها الأهلية الى إنهاء التفرقة بين السود والبيض فى أمريكا . ولم يكن هذا سهلا ،إذ عانت البشرية فى هذه الفترة القصيرة ـ من عمرها ـ عشرات الحروب الاقليمية وحربين عالميتين ، وإقامة تكتلات دولية وتحالفات اقليمية ، وحدوث مذابح ، أكثرها فى آسيا وأروبا، منها ما ارتبط بإقامة الاتحاد السوفيتى وعداءالنازى لليهود، ومنها أتى به التناحر العنصرى فى مناطق الترانزيت البشرى بين آسيا وأوربا (أوراسيا ) وعانى منه الأكراد والأرمن والبلقان . .
* وفرنسا أهم نموذج لهذه التحولات و التقلبات . كان الوضع ملائما لسقوط الملك لويس السادس عشر وكانت شعارات الحرية و المساواة تسرى بين الجماهير، وبسهولة سقطت الملكية فى باريس بمجرد سقوط الباستيل قلعة الرعب ، وتحكم الثوار فلم تتحقق فورا شعارات الحرية و المساواة ، فلم يكن المناخ الأوربى المتقلب يسمح بها ، لذا دخلت فرنسا فى مذابح وانقلابات أدت فى النهاية الى حكم نابليون ـ الذى رفع شعار الحرية ولكن مارس الاستبداد .ولأن المناخ الأوربى كان ضد هذه الشعارات وأيضا انجلترة فقد انتهى الأمر بأن هزم المناخ نابليون ، وهزمه أيضا الوضع القائم ممثلا فى قوة بريطانيا البحرية وثلوج روسيا الشتوية . ولكن نابليون ـ بأثر رجعى ـ هزم المناخ الاستبدادى بعد موته ، فقد نشر ثقافة الحرية ووضع أسس التشريع الفرنسى الذى أسهم فى عملية التحول الديمقراطى فى أوربا بعد نابليون .
* عاد البوربون ـ ملوك فرنسا القدماء ـ يحكمون فرنسا بعد هزيمة نابليون ، عادوا بنفس التقاليد القديمة فكانوا على حد قول تاليران ـ أشهر وزير خارجية فرنسى ـ (لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا)،وبالتالى تخلفوا عن المناخ فانتقلوا الى متحف التاريخ، وتأكدت فى فرنسا الجمهورية والديمقراطية .
* فى نتوءات ومنعطفات هامة داخل التاريخ الأوربى استغلها بعض عباقرة السياسة فحققوا المستحيل ،إذ نجح بسمارك فى تحقيق الوحدة الألمانية كما تحققت الوحدة الايطالية بفضل ماتزينى وغاريبالدى وعمانويل ، كان عصرالقوميات فى أوربا لا يزال قائما ، وكان سقوط الامبراطورية الرومانية المقدسة حتميا فكان المناخ مواتيا. ولكن الأوضاع السياسية داخل أوربا كانت مستحيلة ، وتم النجاح وفق سياسة فن المستحيل فى الزمن الممكن .
ثم تطرفت القوميتان الألمانية والايطالية فتحولت على يد هتلر وماسولينى الى الفاشيستية والنازية الاستبدادية فى تحد واضح للمناخ الغربى الذى استقر بعد القومية على اختيار الديمقراطية، فكان حتما هزيمة نظم الاستبداد أمام القوى الديمقراطية ممثلا فى انجلترة وأمريكا .
* ونفس الحال مع الاتحاد السوفيتى وتوابعه. كانت الشيوعية فى بدايتها هى العلاج الأمثل لتوحش الرأسمالية. بعد أكثر من نصف قرن من قيام الاتحاد السوفيتى وتسيد الشيوعية نصف العالم تقريبا تحتم السقوط ، فقد تغير المناخ فلم ينفع الاتحاد السوفيتى قوته العسكرية الرهيبة وتقدمه العلمى الهائل ، كل ذلك لم يغن شيئا أمام ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان والحقوق التى حصل عليها العمال فى الغرب بعد أن أصلحت الرأسمالية من نفسها وقلمت أظافرها . ثورة الاتصالات إخترقت السورالحديدى فتغير المناخ العقلى داخل المعسكر الشيوعى فسقط بلا طلقة رصاص واحدة .
* بانهيار يوغوسلافيا التى جمّعتها الشيوعية تحت زعامة تيتو الاسطورية ـ حاول قادة الصرب استرجاع عصر القوميات والصراع القومى الاثنى بما يهدد بعودة التطاحن القومى الى أوربا ، وبذلك كان قادة الصرب ضد المناخ السائد ( الديمقراطية وحقوق الانسان ) وضد الوضع الأوربى الرافض لتغيير الحدود السياسية وبعث النزاع الحدودى المسلح . لهذا تحالف الجميع ضد الصرب فأنهوا الهيمنة الصربية على دول يوغوسلافيا القديمة
أخيرا ..
وماذا عن مستقبل العرب ؟
1 ـ عصرنا له ملمحان اساسان : التقدم العلمى الذى أزال الفوارق بين الحقائق والخرافات فلم نعد نتيقن الحدود التى سيصل لها الانجاز العلمى بعد عقد من الزمان ، خصوصا فى الاتصالات ، بما يؤكد تحول الكرة الأرضية الى قرية كونية صغيرة ، تسمع فى وقت واحد أنين فرد من البشر فى أى مكان فى العالم . الأساس الثانى مترتب على الأول وهوالمناخ السائد منذ قرن تقريبا ، وهو ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان الفرد التى ستنتشر حتما بثورة الاتصالات لتصل الى كل انسان تغير عقليته و تجعله على وعى بحقوقه ، وتفضح له دعاوى الاستبداد الذى يختفى خلف الدين والقومية والوطنية، والتى تجعل العالم لا يقبل استبداد فرد بشعبه . يترتب على ذلك أن القوى التى تخالف هذا المناخ مقضى عليها بالغياب والاختفاء . ليس فى هذا القرن الحادى والعشرين مستقبل لكل دول وحركات الاستبداد التى تتخفى خلف القومية والوطنية والعنصرية و الدين . ستسقط إن عاجلا أو آجلا .
2 ـــ بتطبيق ذلك على العرب والمسلمين فليس هناك مستقبل للحكم العسكرى الذى يتخفى خلف الوطنية او القومية ،أو للحكم الملكى المستبد الذى يستمد مشروعية زائفة من تلاعبه بالدين ، وليس هناك مستقبل لكل الحركات الوهابية السياسية ، سواء ما كشف منها عن وجهه الارهابى صراحة كالقاعدة ،او تظاهر بالاعتدال كالإخوان المسلمين . هم لا يتكلمون لغة هذا العصر لأنهم (سلفيون ) يعيشون فى عصر سلف مضى ولا يمكن استرجاعه ، وبعض من يحاول ـ تمويها ـ التكلم بلغة العصر والقبول بالديمقراطية خداعا لن يستطيع فى عصرنا خداع أحد سوى نفسه. ثورة الاتصالات ستنشر الوعى الذى سيجعلها فى حالة دفاع مستمر عن ايدلوجيتها ـ ودون جدوى .
3 ـــ ولكن لا يزال فى عالمنا العربى والمسلم بعض نتوءات أحدثتها الوهابية السعودية التى نشرت ثقافتها فتغلغلت فى مناطق استكانت من مدة للقهر وتعايشت معه وفق ثقافة العبيد وثقافة الاستعباد . هنا منبع الخطر على المنطقة لأن وجودها سيجعل التحول الديمقراطى محفوفا باخطار الحروب الأهلية ، خصوصا مع تحالف القوى المستبدة على ارتكاب كل المحرمات فى سبيل الاستمرار فى سيطرتها والدفاع عن وجودها. وهذا ما حدث فى العراق الذى تآمرت على أرضه مخابرات تنتمى الى مستبدين تنوعت أشكالهم ولكن اتفقوا على إفشال المشروع الديمقراطى فى العراق فأحالوا العراق الى حمامات دم . وقد يأتى الوقت الذى ينهض فيه العراق ليصبح رائدا فى التحول الديمقراطى .
4 ـــ هنا لا بد من الاصلاح فى التعليم و فى الاعلام و المساجد والثقافة لبناء الإنسان أعظم مخلوقات الله تعالي علي هذا الكوكب . وبناء الإنسان العربي والمصري يبدأ بتحريره من كل أنواع المصادرة .لا نصادر حقه في الحياة و في المشاركة السياسية والتعبير والاعتقاد والإبداع والمعرفة العلمية والتعليمية والمعلوماتية والصحفية والإخبارية. لا نصادر حقوقه في أن يعيش حرا كريما متمتعا بنصيبه في الثروة القومية حسب كفاءته، ولا نصادر حقه في الكسب المشروع وفي الضروريات والخدمات.
5 ـــ ومن الأجدى للنظم المستبدة أن تدرك أنه لا مستقبل لها فى هذا القرن ، فقد ترسخ الوعى بأن الاستبداد يؤدى الى ترسيخ ثقافة الارهاب ونشره فى العالم ،اى فساد القرية الكونية أخلاقيا وتلوثها بيئيا وتهديدها حضاريا، وهذا غير مسموح به فى هذا القرن . واذا كان حتما اختفاء تلك النظم المستبدة إن عاجلا أو آجلا ، بالتداول السلمى أو بالمواجهات المسلحة ،فالأجدر بتلك النظم المستبدة أن تختفى بهدوء وسلام بأن تمهد الطريق للتحول السلمى للديمقراطية فترحل بكرامة وبلا خسارة . وان لم تفعل فان عاجلا أو آجلا ستخسر وتنهى حياتها أمام المحاكم الجنائية الدولية ، وتظل ملعونة فى صفحات التاريخ .!