ماكبث المِصراع الثاني القسم الأول


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4508 - 2014 / 7 / 10 - 20:20
المحور: الادب والفن     


ديدييه آبل-كاين ماكبث، المدعو ماك، صديقي، بالأحرى غدا صديقي. منذ بضع سنوات لم يكن صديقي، تعرفت عليه في السنترال بارك، ثم غدا صديقي. كان يمارس الجوغنغ مثلي من وقت إلى آخر، عندما يكون لديه بعض الوقت، هو وحارسان خاصان يركضان في ثيابهما الرياضية من ورائه، وأنا الريح. كنا نسكن في نفس الشارع، الشارع 65، هو في الناحية الغربية، وأنا في الناحية الشرقية، فالشارع 65 يقطع السنترال بارك من وسطه. كان الواحد يمر بالآخر. صباح الخير، كان الواحد يقول للآخر. صباح الخير. أو مساء الخير، كان الواحد يقول للآخر. مساء الخير. ندور دورة، ونتقابل، فنبتسم. كان يبتسم. لم يكن يبتسم لي. كان يبتسم. لشيء غامض. لشخص غائب. لسر. لظل. لفكرة. لفعل. كان يبتسم، وكأنه يسعى إلى طرح السؤال: لِمَ نبتسم؟ ويَغْمُضُ السؤال، يَغْمُضُ الابتسام، يُعْتِمُ النهار في السنترال بارك، تَسْوَدُّ الفضة على أوراق الشجر، وتهب نسمة مالحة تحرك الأغصان، طعمها على الشفتين حلو كطعم البحر. كطعم التين.
ماك الرئيس المدير العام لأهم بنك في أمريكا، البنك العالمي. ونحن معًا لم يكن يتكلم عن النقود، كان يتكلم عن كل شيء ما عدا النقود. أنا كنت أتكلم عن النقود قليلاً، فأقول الأرباح التي حققتها هذا الشهر من بيع المطاط تجاوزت المليون دولار. كان يبتسم. لم يكن يبتسم لي. كان يبتسم. وفي المطعم، غير بعيد عن طاولة حارسيه الخاصين، كان ينهمك في الأكل. كان يبتسم، لم يكن يبتسم لي، كان يبتسم، وكان ينادي النادل بعد أن ننتهي من تناول الطعام، فيدفع الفاتورة، ولا يترك البخشيش. البخشيش تمت إضافته على الحساب، لكني أُخرج من جيبي بضع دولارات أضعها في يد النادل. هكذا لن يحقد علينا. النادل. هكذا كنت أفكر غير ما يفكر ماك. بدافع عبث الابتسامة. هول كوميدياها. فظاعة سيركها. دم شقائق نعمانها. كان ماك بابتسامته يقف خارج دائرة الحقد. ربما لأنه أجرم في كل الحاقدين عليه، ليمكنه الابتسام، والعيش بأمان. كنت أراه خلي البال على الرغم من جبال الهموم التي سببها عمله، وربما لهذا كان يبتسم، فلتسلقها كان عليه أن يكون جناحًا لن يكونه، كان عليه أن يكون مِخلبًا لن يكونه، كان عليه أن يكون منقارًا لن يكونه، كان عليه أن يكون كائنًا لن يكونه. ابنًا للريح.
كان ماك يوقفني قرب دكان الزهور عندما أوصله إلى البيت في سيارتي، فهو يفضل الركوب معي في سيارتي على الركوب في سيارته الليموزينة، وبالطبع مع متابعة حارسيه الخاصين لنا في سيارتهما، كان يوقفني قرب دكان الزهور، وبعد عدة دقائق يعود بباقة من الورود البيض، وهو يرسم ابتسامة واسعة على شفتيه. إنها لجين، كان يقول لي. أعرف، كنت أقول له. إنها لجين، كان يقول لي من جديد. هل تحب جين الورود البيض إلى هذه الدرجة؟ كنت أقول له. ليس جين، كان يقول لي، أنا. دومًا ما أحببتُ الورود البيض. تضيق ابتسامته، وتغيب. تعتم الورود البيض. أراه، وهو يلقي عليها نظرة حائرة. محيرة. تراجيدية كالتين الأسود. يبكي التين الأسود عند الفجر. كل فجر. على الثدي الأبيض. ما الذي يخفيه كل هذا الأبيض، كل هذا الأسود؟ كل هذا الأزرق؟ كل هذا الموت في حدائق الحياة؟
عن طريق ماك تعرفت على "العظماء". في نيويورك ندعوهم بالعظماء، كل أولئك الرأسماليين الذين لا تقدر ثرواتهم، كل أولئك الملوك الحقيقيين لأمريكا والعالم. تعرفت على العظماء. في نادي جورج واشنطن كانوا كلهم هناك، يتناقشون في كل شيء ما عدا النقود. وكسائر البشر، كانوا ينكّتون على بعضهم، وكانوا كسائر البشر يضحكون. لكنهم كانوا يحتسون أجود أنواع الكحول لا كسائر البشر، ويأكلون أطيب أنواع المشهيات لا كسائر البشر. وفي نادي جورج واشنطن، رأيت كيف يُعامل الرؤساء القدامى للولايات المتحدة دون أية أهمية، وكيف يوضع الوزراء، القدامى والجدد، على الباب، لسبب أو لآخر. كانت الثروة في نادي جورج واشنطن شيئًا آخر، والمجد شيئًا آخر، والتعالي المجتمعي ليست من ورائه الجدارة. الوهم الحق بالجدارة. الحقيقي. لهذا السبب كان التفوق خياليًا، قبل الخيال، ثم غدا الخيال خيالاً. نيويورك عاصمة العالم. أمريكا عالم الخيال. العالم الخيالي. الثروات، الجيوش، الأمم. الجبال، البحار، الرمال. الأساطير الجديدة لكلاب النهار، لذئاب الليل، لنجوم الساعة الحادية عشرة صباحًا في مانهاتن. لأقراط بنات الثانوية. لصنادل صبيان البحرية. لحريات تمثال الحرية.
كان ماك العظيم يختلف عن أولئك العظماء ليس بوصفه حرًا بالفعل، حريته طوع يده، ولكن لأنه طوع حريته، طوع غرائزه، غرائزه الجنسية، خاصة غرائزه الجنسية، امرأة، رجل، أو امرأة/رجل، التنكر بجسد الجنس الآخر، رجل/امرأة، هذا لا يهم، ما يهم هو إشباع غرائزه الجنسية، ما يهم أكثر من أي شيء توظيف ذكائه في خدمتها، أن تصبح غرائزه الجنسية كل ذكائه، وكل عدم ذكائه. كان يصرف كل حراسه الخاصين على الرغم من احتجاجاتهم، ويجرني معه إلى غرينويتش فيلاج، إلى المكان الذي أكثر ما يتصرف فيه بحرية، وكأنه حياته ودنياه، والذي أكثر ما يتعامل فيه مع النساء، وكأنه في عشه، وكأن النساء طيور من نوعه. ليس لأن لا أحد يعرفه في غرينويتش فيلاج كان يصرف حراسه الخصوصيين، ولكن لأنه لا يفكر في الخطر هناك، ولأن الخطر في ظنه ليست هذه أسبابه، الحب لا يشكل خطرًا على أحد، الحب كما يفهمه، ولا يسبب الخطر لشخصه، على الأقل في عالم لا مكان لسمك القرش فيه. الحب نقود حياتنا، الحياة، كان يقول. كان يجرني معه، وأنا أتبع من ورائه، لا أريد أن أقطع عليه تأملاته ولا رغباته سعيًا وراء ملء عالمه الفردي. عالمه الفردي، جدرانه هو، روحه كما يراها، كما يريد أن يراها، جسده كما يريد أن يعامله، أن يتعامل معه. أن يجرم فيه. إجرام في حالة ماك هو في الوقت ذاته عقاب. عقاب الجسد بأقسى أنواع اللَّذة، بأقصى أنواع اللَّذة. اللَّذة المِقصلة. كرسي الكهرباء. أنامل ماريلين مونرو. حلمتها في ثغر الزمان. ثغرها على بطن المكان. كلها بين فخذي فوكنر. ولينسى جرمه الأعظم، وجوده، الوجود، يتسلى بعلاقاته. النسائية، المالية، السياسية. يلعب.
في إحدى المرات، طلب مني ماك أن أقضي بصحبته يومًا كاملاً لأرى. سألته لأرى ماذا؟ أعاد لترى.
في صباح اليوم التالي، ونيويورك تغتسل في الهدسون، في الخراء والعطر، ومن الناحية الغربية تتصاعد أنغام الجاز، غادرتُ سيارتي، وذهبتُ إلى الليموزينة المنتظرة أمام باب البناية التي يسكن فيها صديقي. كان هناك رجل ينزه كلبه وثلاثة من الحراس الخاصين ككل الحراس الخاصين في العالم، أناقة كاملة، وفطنة أكمل تنط من كل ناحية من أجسادهم، ومن كل زاوية من حركاتهم. أول ما ظهر ماك في بدلته السموكن، نعم، بدلة سموكن وعقدة فراشية، من أجل الذهاب إلى العمل، نزل السائق بخفة ليفتح له باب السيارة، فنظر الرجل الذي ينزه الكلب إليه، وبصق. غدا ماكبث أصفر الوجه، وأنا أتساءل إذا كان ذلك بسبب احتقار الرجل الذي ينزه الكلب له. أشار إليّ صديقي بالصعود، فأخذت مكانًا إلى جانبه، وماك لا يغادر الرجل الذي ينزه الكلب بعينيه. غطى وجهه بيديه، وفي اللحظة ذاتها طار سرب من الحمام فوقنا. وصلنا زامور سيارة، فأنزل ماك يديه، وتنهد. انتظرنا مجيء جين إلى أن حضرت في ثياب التنس، وهي تحمل مضربًا وحقيبة. دفعتني، وأخذت مكانًا إلى جانبي، فوجدت نفسي وسط الزوجين. لم أكن مرتاحًا، فكرت في نفسي، وأنا صغير، لما كنت أعوم في بركتنا، ورغبت في المغادرة. انطلقت الليموزينة، والحراس الخاصون يتبعون في سيارتهم. كان علي أن أعوم حتى الحافة المقابلة للبركة.
- اليوم لن يكون لديك وقت، يا حبيبي، قالت جين.
- اليوم لن يكون لدي وقت، يا حبيبتي، قال ماك.
- ككل يوم، يا حبيبي.
- ككل يوم، يا حبيبتي.
- لكننا سنتغدى معًا إذا ما كان لديك وقت، يا حبيبي.
- لكننا سنتغدى معًا إذا ما كان لدي وقت، يا حبيبتي.
- ككل يوم، يا حبيبي.
- ككل يوم، يا حبيبتي.
- وإذا كان لديك بعض الوقت أنت لا تعرف متى، يا حبيبي.
- وإذا كان لدي بعض الوقت أنا لا أعرف متى، يا حبيبتي.
- ككل يوم، يا حبيبي.
- ككل يوم، يا حبيبتي.
كنت أصعد على حافة البركة، وأنظر إلى الماء، فأرى وجه ماكبث الأصفر، وأسمع صوته المرتعش. لم تكن جين سعيدة، ولم يكن صديقي قلقًا من أجلها، كان يشغل باله شيء آخر. ثم كنت ألقي بجسدي في الماء، وأعوم حتى الحافة المقابلة للبركة. توقفت الليموزينة قرب باب نادي نسر مانهاتن الذهبي، فقبّلت جين زوجها، والاثنان يكادان يلمسان وجهي بوجهيهما. اختلط عطراهما في أنفي، وغدا لهما أريج واحد، أريج يشبه إلى حد بعيد أريج الأرياش المخضبة. نزلت جين، وأحد الحراس الخاصين يذهب في أثرها، وهو ينظر كالعصفور الدوري في كل الاتجاهات. الحافة الأخرى المقابلة للبركة. وبعد ذلك، أصعد، أعطي ظهري للماء، وأذهب.
توقفت الليموزينة من جديد عند مقر البنك العالمي في ويليام ستريت غير بعيد من وول ستريت، فلم ينزل ماك. تردد، وهو ينظر إليّ، فشجعته على ترك السيارة. كان من واجبي أن أفعل شيئًا يعيد الثقة بالنفس إلى صديقي. عندما غادر الليموزينة بحركة عازمة، قلت لنفسي لا تنقص ماك الثقة، ماك يعاني، ولم أعرف مِمَّ. وفي الحال، لحق بالحارسين الخاصين اثنان آخران، أحاطوا بماك إلى مصعد حالوا دون صعود أحد غيرنا. وفي الطابق السابع والعشرين، اخترقنا القاعة الكبرى، وسرنا بين مكاتب مفتوحة على بعضها لا تعد ولا تحصى، جهنم المال كلها كانت هناك، وكانت هناك أخطبوطات العالم أجمع. جاء من وراء الرئيس المدير العام عشرات من الموظفين، وهم يحملون ملفاتهم. أوقفتهم السيدة ماكماهيليان، رئيسة الديوان. قدمها لي صديقي، وهي تتقدم لاستقبالنا، وعلى صدرها مفكرة المواعيد التي كانت تفتحها كلما أرادت التأكيد على موعد، دون أن أسمع ما تقول، في جهنم لا نسمع ما نقول. كانت في مكتبها أربع فتيات وقفن عند مرورنا دون أن تعيرهن السيدة ماكماهيليان أدنى اهتمام.
أعادت لماك، ونحن في مكتبه الفخم أخيرًا وحدنا:
- إذن خلال عشر دقائق في تمام الساعة التاسعة والنصف اجتماع مجلس الإدارة...
خلع ماك العقدة الفراشية، وذهب إلى حجرة تبديل الملابس، المفتوح بابها على مصراعيه، والسيدة ماكماهيليان تتابع، وهي تسير من ورائه:
- في تمام الساعة العاشرة اجتماع مجلس البنوك...
اختارت ربطة عنق بين ثلاث أو أربع حملتها بيدها، وأخذت تربطها له، وهو يضع يديه على إليتيها.
- في تمام الساعة العاشرة والنصف استقبال مدراء بنوك بلدان الخليج الفارسي...
انهمكت مع ربطة العنق، بينما رفع ماك تنورتها أمام ناظري، وراح يداعب إليتيها، والسيدة ماكماهيليان تتابع:
- في تمام الساعة الحادية عشرة استقبال شيوخ بلدان الخليج الفارسي...
وضع ماك يده بين إليتيها، وهو في حال من يشعر بالأمان والاطمئنان، فراحت السيدة ماكماهيليان تطلق التأوهات المتقطعة، ولما أنهت ربط ربطة العنق، انقضت على فمه، وقبلته بعنف. جذبته بين فخذيها على طاولة، لكنه أبعدها عنه بهدوء. أعادت هندمة ثيابها، وتصفيف شعرها، وتابعت، وهي تعود إلى المكتب من ورائه:
- في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف رئيس بلدية نيويورك بانتظارك في مكتبه...
اتجه ماك إلى الباب، والسيدة ماكماهيليان تتابع:
- في تمام الساعة الثانية عشرة رئيسة جمعية نساء نيويورك بانتظارك في مكتبها...
وهو يمضي بمكتب السيدة ماكماهيليان، وقفت الفتيات الثلاث دون الرابعة، فقدمتهن إلى معلمها:
- الآنسة غرين، الآنسة مارتن، الآنسة ستون، أين الآنسة ستيوارت؟ تفضل باختيار واحدة من هذه الفتيات لتكون لك النوت-جيرل، المدونة، التي تبحث عنها. آنسة ستيوارت!
رفع سبابته لاختيار هذه لا هذه لا هذه، سمعنا ثجّاج بيت الماء، ورأينا الآنسة ستيوارت تخرج من التواليت. شعر أسود وبشرة بيضاء وعينان نجلاوان، فتردد ماك، وهو يثني سبابته، ثم صوّبها إليها، وأعطاها ظهره، فقالت لها السيدة ماكماهيليان:
- لقد وقع الاختيار عليك، يا آنسة ستيوارت. احملي دفترك، واتبعي السيد ماكبث.
أحاط بصديقي حراسه الخاصون وكل الموظفين الذين يسعون إلى إمضاء صغير منه، فأمضى هذه الورقة أو تلك، وابتسم لتلك الكاتبة أو تلك، والسيدة ماكماهيليان تتابع:
- في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف افتتاح فرع للبنك العالمي في كوينز...
وصل إلى القاعة حيث يجتمع مجلس الإدارة، ودخلها، والسيدة ماكماهيليان تتابع:
- في تمام الساعة الثالثة عشرة حفل التوقيع على كتابك "لا توجد أزمة مالية عالمية إلا في الرؤوس" في مسرح تينيسي ويليامز في البرودوي...
أخذه نائبه، بانكو، بالأحضان، وبقي واقفًا إلى جانبه، بينما تعالى ماك بقامته في وجه الأعضاء الجالسين من حول الطاولة الضخمة، وأخذ يضرب بقدومه الخشبي ليحل الصمت، والسيدة ماكماهيليان تتابع:
- في تمام الساعة الثالثة عشرة والنصف الذهاب لرؤية عشيقتك رقم 13...
حط الصمت، فتابعت السيدة ماكماهيليان بصوت خافت:
- في المستشفى.
- لماذا؟ ماذا حل بها؟
- محاولة انتحار.
- من أجلي؟
- من أجل عشيق آخر تحبه.
- ارسلي لها باقة من الورود البيض من طرفي مع كلمة اعتذار.
- في تمام الساعة الرابعة عشرة...
خاطب ماك الحضور، فانسحبت السيدة ماكماهيليان على رؤوس أصابع رجليها، بينما جلسنا أنا والآنسة ستيوارت على مقربة منه، أنا أسمع لما يود قوله، والآنسة ستيوارت تدون ما يقول:
- يسعدني، أيها السادة، أن أبلغكم بالمليار دولار أرباح البنك العالمي كل يوم!
تصفيق صاخب وعدة صرخات "برافو!".
- كل هذا بفضلكم!
تصفيق صاخب من جديد.
- الأزمة مصطلح غير موجود في قاموس البنك العالمي!
عودة إلى التصفيق لكنه قطعه بإشارة من يده:
- الاقتصاد أزمته، إذا كانت للاقتصاد أزمة، سياسية. هناك أزمة سياسية، نعم، لهذا يغرق البلد في الديون، فيُلقى على عاتقنا مسئولية إنقاذه. أطلب من أعضاء مجلس الإدارة أن يعكفوا على دراسة أنجع الطرق ليس لإنقاذ البلد من الغرق ولكن لإنقاذه ممن هم من وراء هذا الغرق.
سُمعت صرخة هنا وصرخة هناك:
- ماكبث رئيسًا للولايات المتحدة!
فرفع ماك رأسه عاليًا عاليًا عاليًا جدًا، وهو في وضع من يشعر بالثقة والسطوة، وألقى:
- أشكركم، أيها السادة، ولكني رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دون أن أكونه!
انطلقت الضحكات، فتابع:
- لكل مقام مقال، اليوم نحن هنا لإنقاذ البلد، وغدًا لانتخاب الرئيس الذي يستحق أن يكون رئيسًا للولايات المتحدة بالفعل.
عاد نائبه، بانكو، يأخذه بالأحضان قبل أن يغادر ماك القاعة، وأنا والآنسة ستيوارت معه، وسط عاصفة من التصفيق.
قادته السيدة ماكماهيليان من باب خلفي، بعد أن أشارت إلى حراسه، ليتفادى موظفيه، فتعثر، وبحث عني بعينيه. لما وقع عليّ، ابتسم للشيء الغامض الذي يطارده، والسيدة ماكماهيليان تقول:
- بدلاً من عيادة عشيقتك رقم 13 في المستشفى إذن ستتغدى مع السيدة ماكبث في تمام الساعة الثالثة عشرة والنصف، وفي تمام الساعة الرابعة عشرة...
- ابتداء من هذه الساعة الغي كل المواعيد، فلدي ما أقوم به مع صديقي غريغوري.
- ولكن سيد ماكبث هناك موعد هام مع الرئيسة المديرة العامة لشركة الطيران إنديا إير لاين، سبق وأجلناه عدة مرات، وهناك عرض أزياء لاغاردير في الشارع الخامس، جاء لاغاردير بنفسه خصيصًا من أجلك، وهناك افتتاح خمارة لورنس العرب للأمير الملياردير السعودي المعروف سعود بن بن بن بن بن، آه! يا إلهي، سعود، وهناك...
- لدي ما أقوم به مع صديقي غريغوري.
- وهناك افتتاح مبنى أيتام العراق...
- سأرسل إليهم صكًا بمائة مليون دولار.
- مائة مليون د...!
- ليس كثيرًا؟ مائة وخمسون مليون دولار.
- أعني (وهي تكاد تدوخ)...
- مائتا مليون دولار.
ما الذي كان ماكبث يسعى إلى تغطيته؟ كل هذا السخاء لم يكن مجانًا. عاد يبحث عني بعينيه، ودفع بقدمه باب القاعة التي كان مدراء البنوك فيها بانتظاره، سلم عليهم واحدًا واحدًا، وهو يدعو كل واحد باسمه الصغير، ويضرب على كتف هذا أو ذراع ذاك. كانوا يتناولون قدحًا، فصبت السيدة ماكماهيليان لمعلمها قليل السكوتش وكثير الصودا، وتركته مع زملائه. بقينا أنا والآنسة ستيوارت واقفين من وراء ماك، والآنسة ستيوارت تدون ما يقوله الرئيس المدير العام للبنك العالمي:
- عمل جميل، أيها السادة! ما أنجزتموه عمل جميل تستحقون الشكر عليه. كل ما تصنعونه في أمريكا والعالم عمل جميل، وأجمل الجميل دعمكم لليونان، هذا البلد الذي لولاكم لأعلن إفلاسه.
رفع كأسه ورأسه، وطلب منهم أن يشربوا نخب اليونان:
- نخب بلد هوميروس!
- نخب بلد هوميروس!
أضاف:
- لكن من العار أن نقرض هذا البلد بيد ونأخذ أضعاف ما نقرضه بيد عن طريق المضاربة في البورصة.
قال أحدهم:
- أوروبا ستتكفل بالأمر، يا سيد الرئيس المدير العام.
- أوروبا سيأتيها الدور، لهذا لا يكن بنا طمع أكثر. أترك للأعزاء مدراء البنوك التفكير في الأمر، إذا بقي الحال على ما هو عليه، أوروبا آتيها الدور، وأمريكا آتيها الدور، وكل كواكب البحر والسماء آتيها الدور، فحذار!
وخرج تاركًا من ورائه عاصفة من التساؤلات والاحتجاجات، بينا ماكبث يلعن: يا دين الرب! يا دين الرب! انبثقت قطرات العرق من جبينه، وتردد قبل أن يمسحها بظاهر يده. أطلق نفسًا ليتدارك الاختناق، وفك عقدة ربطة عنقه.
أصعدتنا السيدة ماكماهيليان، ونحن مع ماك، أنا والآنسة ستيوارت وحراسه الخاصون، إلى الطابق الأخير من ناطحة السحاب، الطابق التاسع والأربعين، وعشرون أو ثلاثون من مدراء بنوك بلدان الخليج الفارسي كل نيويورك تحت أقدامهم، شوارعها، أزقتها، كباريهاتها، وكل ناس نيويورك، أحلامهم، كوابيسهم، أوهامهم. لم يسلم صديقي عليهم، مضى بهم، مبتسمًا، والكل ينحني بين يديه كالدجاج المخصيّ. كانوا يأكلون الحلويات العربية، ويشربون الشاي الصينيّ. صبت السيدة ماكماهيليان لمعلمها كأس شاي، واختارت الآنسة ستيوارت لماكبث بعض قطع الحلوى. كلمهم بالعربية الفصحى، وهو يشمخ بأنفه، فترجمت لي الآنسة ستيوارت: ليعتبروا أنفسهم أنهم هنا في نيويورك، وكأنهم في بلدهم، وأن أموالهم هنا في نيويورك، وكأنها في جيبه، فلا يخشوا عليها شيئًا، هو لن يأذن بتحويلها إلى بنوكهم في هذه الأوقات الحرجة، وهو، على كل حال، أوقات حرجة أم غيره، لم يأذن بتحويلها من قبل، وذلك حرصًا على سلامتها، وسيعمل على إقراضها بفوائد ما وسعه ذلك، فوائد لن يدرجها في حساباتهم، فهي في دِينهم تقابل الربا.
صفق لماك مدراء بنوك بلدان الخليج الفارسي تصفيقًا صاخبًا، وهو يرسم على شفتيه الابتسامة ذاتها، ووجنتاه ترتعشان. لم يبحث عني بعينيه هذه المرة، كان يملي النظر في الفراغ، ويهز رأسه، تارة للتأكيد، وتارة للنفي، كمن يحاور المجهول. التف المدعوون بالآنسة ستيوارت، وطلبوا منها "أوتوغراف" للذكرى، وهذا ما فعلت، وهم يدورون بها دورانهم بطائر غريب في حديقة الأماني الضائعة. لهذا فضلت السيدة ماكماهيليان ألا تُدخلها مع معلمها على شيوخ بلدان الخليج الفارسي. بدأ صديقي يقبلهم من أفواههم، ويحك أنفه بأنوفهم، ويكرر في أذن كل واحد منهم "نيك أمك، نيك أمك، نيك أمك..."، وهم مستلقون على الأرض بكروشهم الضخمة كالنعامات. استلقى على الأرض، وبدأ يحكي عن الأكل معهم، عن الطبيخ، وهذا بلحم الضأن أطيب، وهذا بلحم الناقة أطيب، وهذا بلحم الخنزير أط... فقحقحوا وحقحقوا، وهذا بلحم الخنزير حلال أطيب، فقهقهوا وهقهقوا، والصفيحة عندكم هي البيتزا عندنا. وعندما صفق إذا بشتى صواني البيتزا الضخمة تدخل على رؤوس شبان نيويورك الشقر، فبدأوا يأكلون، وأياديهم تذهب إلى أعناق الشبان وأفخاذهم. تركهم ماك في لحظة من أكثر لحظات حكمهم لذة وسعادة، كان قرفًا. لم أشأ السؤال مِمّ يعاني خوفًا من إحراجه، وكأنه لاحظ ذلك، فابتسم للشيء الغامض، وغادر المكان على متن طائرة هيلوكبتر إلى لقاء رئيس بلدية نيويورك.
استقبله رئيس بلدية نيويورك عند قدم طائرة الهليكوبتر بترحاب بالغ، على الرغم من كونه من الجمهوريين وماكبث من الديمقراطيين، وذهبنا جميعًا إلى قاعة الشرف المخصصة للشخصيات الهامة وفي مقدمتها رئيس الولايات المتحدة. كان لدي انطباع بأن ماك يرمي إلى أن يجرب نفسه قبل أن يفتَكّ هذا المنصب بعد إجراء تحقيق في الرأي العام أعطاه سبعين بالمائة إذا ما خاض غمار معركة الانتخابات الرئاسية القادمة، وكان عمدة نيويورك يعرف ما يدور في رأس مضيفه، فدغدغ الحلم، الحلم الأمريكي لماكبث، مبالغًا من مراسيمه، لأن كل طاقم البلدية كان هناك لتحيته، كل طاقم البلدية من موظفين ومنتَخَبين، وجوقة البلدية عزفت له النشيد الوطني. وعلى أي حال، كل هذا لم يكن دون مقابل، فقد تبرع الرئيس المدير العام للبنك العالمي بمبلغ مائة مليون دولار، قال عنه للشوربة الشعبية، وهو بهذا المبلغ يريد تقديم يد العون لسكان نيويورك المحتاجين عبر بلديتها. علمًا بأن المبلغ سيتوزعه العمدة وبعض الأقوياء الآخرين. وبينا نحن نفكر في النجاح الذي حققته الزيارة، عبس ماكبث، ونادى السيدة ماكماهيليان. سألها لماذا هو هنا. تلعثمت مديرة مكتبه، وأبدى الحضور دهشتهم، فاستقام ماك، وهو يدفع رئيس بلدية نيويورك، وينبر: كف عن مطاردتي، يا مالكولم! مكانك هناك في المقبرة بين الأموات! ألا تسمع صوت الرعود؟ سيصب المطر، وسيغسل كل بقع الدم! أخذتُ صديقي من ذراع والسيدة ماكماهيليان من ذراع، والآنسة ستيوارت تفتح لنا الطريق، وخرجنا به بعيدًا عن الوجوه الحائرة. وضع رئيس بلدية نيويورك تحت تصرفنا سياراته المرسيدس المصفحة، وأخذنا طريقنا، وصفارات الإنذار تصاحبنا، إلى الموعد القادم.
كانت رئيسة جمعية نساء نيويورك في العشرينات من العمر، ومن الشقراوات الفريدات من نوعها، أدخلت ماك مكتبها وحده، وطرقت الباب في وجوهنا، نحن المرافقين له، ثم أقفلته بالمفتاح. كنا نسمع قهقهاتهما، ونقول سيكون الشيك مهمًا. لم يتوقفا عن القهقهة لحظة واحدة، ولكن ما استحوذ علينا كلنا صمت طويل، صمت طال أكثر مما يجب، ثم عادت القهقهات من جديد، وتأخر الوقت بالرئيس المدير العام عن موعده القادم، فذهبت السيدة ماكماهيليان تطرق عليهما الباب دون أن يستجاب لطرقاتها. وبعد فترة أخرى من الصمت الطويل، سمعناه يصرخ: كفى! كفى! كان الرعب يدقه، وكان ينذر ويهدد: أنا ماكبث الذي لا تخيفه الأشباح! كفى، يا دانكان! منذ قليل مالكولم، والآن أنتِ! البحار ملكي، فلتبتلعك الأمواج! هناك مكانك الأفضل، ولتُغرق الأمواج العالم! خرج ماك منكوش الشعر كشيطان، فسوته له السيدة ماكماهيليان، ومسحت له عن فمه أحمر الشفاه، عن خده، عن عنقه، وكأنه قادم من مضجع للساحرات. وبعد ذلك، تركنا المكان دون أن تخرج السيدة رئيسة جمعية نساء نيويورك لوداعنا. سمعنا نشيجها، فحثنا ماك على المغادرة بأقصى سرعة، وهو يلتفت إلى الوراء دون أن يزايله الرعب.
لم نمكث لافتتاح فرع البنك العالمي في كوينز أكثر من خمس دقائق توجهنا بعدها بالسيارات المرسيدس المصفحة إلى البرودوي، هناك حيث وقّع ماك كتابه لنخبة رجال الأعمال والمحللين الاقتصاديين، والكل ينحني لرب المال. شربنا كأس سكوتش بالصودا، وأكلنا بعض الخبزات المأدومة، وماك يبدو غائبًا عن كل ما يجري من حوله. هذه المرة التفتُّ، ورأيتها تخرج من البركة، المرأة الحمراء. سمرني جمالها، ولم أستطع الهرب. كانت تبتسم لي، وتشير إليّ بالعودة والعوم معها. ومن البرودوي ذهبنا إلى نادي التنس، لنأخذ جين من أجل الغداء في مطعم الطاهي الحلواني الفرنسي الشهير "لونوتر".
أخذنا مكانًا أنا والسيدة ماكماهيليان والآنسة ستيوارت على طاولة السيد والسيدة ماكبث، بينما جلس الحراس الخاصون على طاولة قربنا. طلبت لنا جين جميعًا سكالوب نورماند فريت عيدان الكبريت، وأخذنا كشراب نبيذ البورغوني. أثناء الأكل، تبادل صديقي وزوجته الكلمات التالية:
- هل لعبت التنس جيدًا، يا حبيبتي؟
- لعبت التنس أكثر من جيد، يا حبيبي.
وبعد لقمة:
- وأنت، هل جنيت مليارك اليومي جيدًا، يا حبيبي؟
- جنيت ملياري اليومي أكثر من جيد، يا حبيبتي.
وبعد جرعة:
- متى ستلعب التنس معي، يا حبيبي؟
- عندما تجنين المليار اليومي معي، يا حبيبتي.
وبعد نظرة من عيني جين إلى الآنسة ستيوارت:
- مدونتك الجديدة جميلة، يا حبيبي.
- أشكرك، يا سيدة ماكبث، قالت الآنسة ستيوارت.
- هذا لطف منك، يا حبيبتي.
بعد لقمة وجرعة:
- لن نتعشى معًا، يا حبيبي.
- لن نتعشى معًا، يا حبيبتي.
- ككل مساء، يا حبيبي.
- ككل مساء يا حبيبتي.
وضعت شوكتها وسكينها بحركة لم تكن مناسبة، وقامت:
- اعذروني.
نظرت إلى حارسها الخاص، وأمرت:
- كارل، اتبعني!
نهض كارل على التو، وهو يمسح بالمحرمة فمه، ثم وهو يلقيها، وتبع سيدته إلى التواليت. انتهينا من أكل طبقنا الرئيسي، وطلب لنا ماك بوظة خوخ ملبا كتحلاية، سيمفونية حسبه، وسألنا إذا ما كنا نسمع موزارت، فاستأذنت بدوري الذهاب إلى التواليت. وصلني، وأنا قرب مراحيض النساء، صوت مضاجعة، فاسترقت النظر إلى جين وحارسها الخاص ينكحها وقوفًا. انتهيت من الشخ، وعدت أمرّ بمراحيض النساء، وجين مع حارسها لم ينتهيا بعد. في الأخير، استجبت للمرأة الحمراء. تقدمت منها، لكنها اختفت. عادت جين وكارل، وأخذا تحلايتهما، وكأن شيئًا ما كان. قبّلت جين زوجها شاكرة إياه على الأكل اللذيذ، ثم نهضنا جميعًا. وكالعادة لم يترك ماك البخشيش، فأخرجت من جيبي بضعة دولارات وضعتها في يد النادل.
في الخارج، كان علينا أن ننفصل، جين إلى الشارع 65، وماك إلى التشاينا تاون. طلب صديقي أن نسرع لنتفادى العاصفة بينا كانت سماء نيويورك صافية. رفع قبته، وحنى رأسه لتفادي الرياح، وقفز إلى داخل السيارة. ونحن على أبواب تشاينا تاون في مانهاتان، توقف موكبنا، لندخل الوكر الصيني في سيارات الفورد المصفحة، كل سائقيها وحراسها الخاصين صينيين كانوا، على رأسهم ما دعاه ماك بالعود الأحمر: أيها العود الأحمر، أيها العود الأحمر، وهذا ينحني سمعًا وطاعة. كنا وحدنا، أنا وماك والآنسة ستيوارت، بعد أن عاد الحراس الخاصون، مع السيدة ماكماهيليان، في سيارات المرسيدس المصفحة.
- سنقيل عند الآنسة ياما، همس ماك في أذني.
توقفت سيارات الفورد المصفحة أمام "الملاك الأصفر"، أحد صالونات التدليك الكبرى في نيويورك، فدخلناه، لتستقبلنا الآنسة ياما محاطة بعشرات من أجمل البنات الصينيات المرتديات للكيباو، وأول ما ظهر ماك هتفن كلهن بصوت واحد:
- أهلاً وسهلاً، يا ديدييه آبل- كاين ماكبث!
وأتبعن ذلك بضحك أسطوري خلته ينبثق من أعماق الصين القديمة. أشارت ياما إليهن بالذهاب إلى أعمالهن، فخفت كل واحدة إلى حجرة حمام حيث الزبون ينتظر عاريًا ممددًا على فراش أرضي. رأيت بعضهن من الأبواب المفتوحة، وهن يخلعن الكيباو، ولا شيء تحته، ويجلسن على إليتي المستلقي، ويأخذن بتدليك ظهره. وياما أيضًا كانت ترتدي الكيباو بقبة ماو لكنه قصير ودون أكمام، فسألها ماك إذا ما كانت تشعر بالبرد تحت ندف الثلوج. اكتفت ياما بالهديل، لكن صديقي كان جادًا.
في شقة ياما الفخمة، دار الحديث بين ياما وماكبث بالصينية، بينما كانت ياما تبدل لماك ثيابه بأخرى صينية من الحرير، طقم تاي تشي أسود بتنين، والآنسة ستيوارت تترجم لي. سأل ماك:
- كل شيء على ما يرام، يا 438؟
وأنا:
- 438؟
والآنسة ستيوارت:
- نائب الرئيس 489.
- 489؟
- رأس التنين.
- رأس التنين؟
- سأشرح لك فيما بعد.
أجابت ياما:
- كل شيء على ما يرام، يا 489.
وضع يديه على إليتيها، وراح يداعبها منهما، بينما ياما تضيف:
- تعليماتك يعرفها اليوم كل الزبائن، صالوناتنا في كل الولايات المتحدة ليست بيوتًا للدعارة، وبناتنا كلهن بنات عائلات، التدليك هو بالفعل شهواني، ومن كله، ولكن دون اختراق، من أراد فعل هذا، فليفعله بين أصابع أمه.
أخذ ماك يرفع الكيباو، بصعوبة حقًا لضيقه، لكنه تمكن من رفعه، وراح يعجن إليتيها بأصابعه، وياما تقول:
- ليس هناك أجمل من النظافة، يا 489. ولهذا كل الثالوثات الأخرى...
وأنا:
- الثالوثات؟
والآنسة ستيوارت:
- سأشرح لك فيما بعد.
- ولهذا كل الثالوثات الأخرى غارت منا، لم تنفع معها تخفيض الأسعار ولا إحضار أجمل الأجمل من أخواتي، فبدأت تعمل مثلنا، التدليك الشهواني دون اختراق.
وضع ماك يديه بين إليتي ياما، وراح يدلكها منهما، والصينية الجميلة لا تمنع نفسها من إطلاق التأوهات المتقطعة:
- وكما أمرت، يا 489، استثمرنا الأموال في بناء المستشفيات، والأوبرات، والفنادق لمن ليس لهم مسكن ثابت، فكانت الأرباح ليست كثيرة جدًا، ولكنها تبقى كثيرة.
بدأت تنزع عنه ثيابه التي ألبسته إياها بعصبية، تريده أن يفتك بها، وأنا أقول للآنسة ستيوارت أن لا داعي لترجمة هذا، فهذا لا يحتاج إلى ترجمة، لولا طرقات على الباب، فاعتدلت ياما، وهي تسوي هندامها، وهندام ماك، وصاحت:
- من بالباب؟
- صندل القش.
وأنا:
- صندل القش؟
والآنسة ستيوارت:
- 432.
- 432؟
- سأشرح لك فيما بعد.
صاحت ياما من جديد:
- ادخل.
دخل صيني في الأربعين من العمر لكنه شبه أصلع، انحنى لنا، كل واحد على حدة، وبالغ في الانحناء لصديقي، وصديقي يتراجع من الرعب، ويرجو: لا، يا مالكولم! اتركني بسلام! لا تخنقني! أنت من أراد ذلك! كن رؤوفًا بي، يا مالكولم! لا، لا! فأخذته ياما بين ذراعيها، وهدأته:
- ليس هذا غير 432، يا حبيبي!
- مالكولم يريد قتلي! تلعثم ماك.
- لا أحد يقدر على قتلك، يا رأس التنين! الأحياء لا يقدرون على قتلك، فما بالك والأموات؟
- أنا صندل القش لا أحد سواي، قال صندل القش ليبعث الاطمئنان في قلب سيده.
غادر ماك الرعب، ولم يغادره الحذر.
- ماذا تريد؟ نبر صديقي بلؤم، أفرغ ما في جعبتك، واذهب عني إلى الجحيم!
- آخر صالون تدليك آخر صرخة في التشاينا تاون سيتم تدشينه اليوم الرابع من الأسبوع القادم، قال الرجل بسرعة...
وأنا:
- اليوم الرابع؟
والآنسة ستيوارت:
- الأربعاء، أبدلوه الصينيون بالرقم أربعة فهذا الرقم يجلب الحظ عندهم.
- وبوصفي المكلف بالعلاقات والاتصالات أعددت ذلك تمام الإعداد، لبى كل العظماء الدعوة وفي مقدمتهم رئيس الولايات المتحدة بقضه وقضيضه.
لفظ ماك من خلف شفتيه مستعيدًا بأسه:
- أنا لا أطيق هذا الرجل.
تلعثم الرقم 432:
- ولكن، يا رأس التنين، لقد تمت الدعوة.
- الغها! تدبر أمرك! نبر ماك، وهو يصرفه بحركة آمرة من يده.
انحنى سمعًا وطاعة، وأكثر من انحنائه. خرج الرقم 432، ودخل الرقم 415، وبين ذراعيه العديد من السجلات. سألته ياما بنبرة جافة:
- ما الذي جاء بك، مروحة الورق الأبيض؟
انحنى كثيرًا أكثر من سابقه، للجميع، وخاصة لماك الذي راح يتراجع من الرعب، ويتوسل: كن لطيفًا معي، يا مالكولم!
- ولكنه ليس مالكولم، طنت ياما.
- أنا مروحة الورق الأبيض، قال الرجل ليبعث الاطمئنان في قلب سيده.
لم يغادر ماك الرعب، فاقتربتُ منه، ووضعتُ يدي على جبينه، كانت حُمّاه كثيرة.
- هل تريد أن آخذك عند طبيب، يا ماك؟ سألت صديقي.
- كل هذه الصراصير الصُّفر! كل هذه الصراصير الصُّفر! ردد ماكبث.
- سأسحقها لك، كل هذه الصراصير الصُّفر، قال مروحة الورق الأبيض، وتظاهر بسحقها، وهو يهدد: اذهبي من حيث جئت، هذا ماكبث الذي لا يخيفه شيء!
هدأ ماك، ولفظ كلمات الاعتذار، فقال مروحة الورق الأبيض:
- هناك عدد من الأوراق بخصوص شراء بعض الأسهم العقارية يجب التوقيع عليها وإلا أفلتت من يدنا.
وعاد ينحني كثيرًا حتى أنني ظننته سيسقط على الأرض، أشار صديقي إليه بحركة من أصابعه ليست آبهة، ما معناه أعطني هذا وحل عن ظهري. كان ما يشغله شيء آخر، الأمواج، العواصف، الثلوج. كان في قلبها، وهو لا يستطيع قهرها. وقَّعَ دون أن يقرأ الأوراق التي يوقع عليها، ومدها للمكلف بالمالية والإدارة، ثم استوقفه شيء فيها، عاد إليها، وهو يقول بصوت عال، ولا يمنع نفسه من الضحك المحتقن:
- شراء ثلاثة أرباع أسهم تمثال الحرية! شراء ثلاثة أرباع أسهم البرجين التوأمين! سيكونان أربعة هذا صحيح، ولكن لنسمهما البرجين التوأمين دومًا. شراء ثلاثة أرباع أسهم مسارح البرودوي! شراء ثلاثة أرباع أسهم تاكسيات الأجرة! شراء ثلاثة أرباع...
لم يكمل، أعاد الوثائق للرقم 415، وهو يطبطب على كتفه:
- جهد مشكور، يا مالكولم! جهد مشكور، يا مالكولم!
والآخر ينحني كثيرًا، وهو يكاد يصل الأرض بين قدمي ماك. رميتُ حالما خرج مروحة الورق الأبيض:
- تهانيّ الحارة، يا رأس التنين!
- هل سمعت، يا رامزي؟ ثلاثة أرباع أسهم نيويورك برمتها! تغادر الثقة روحك، وفجأة تعود إليها، وتزول إرادة الأموات عليك!
قالت الآنسة ستيوارت التي لم تتوقف عن التدوين كل تلك المدة:
- تهانيّ الحارة، يا معلم!
- آنسة ستيوارت كل ما يتعلق بالتشاينا تاون أرجو شطبه، طلب صديقي، فهو بشكل من الأشكال سري الصغير.
ترددت الآنسة ستيوارت بعد كل ما بذلته من جهد:
- كما تريد، يا سيد ماكبث.
نزعت الورقات من دفترها، ثم مزقتها. التفت ماك إلى ياما، وهو يبتسم لها ابتسامته للشيء الغامض:
- هلا ذهبنا إلى الفراش من أجل القيلولة، يا 438؟
- القيلولة عادة من أحسن العادات الصينية التي تعود على الجسم كالجيب بالنفع، يا 489!
- سميني رأس التنين...
وتظاهر ببصق النار:
- أحب أن أسمع هذا منك.
وجذبها إليه، وراح بها مدغدغًا، وهي تقهقه:
- توقف، يا رأس التنين، توقف!
بدا بكامل ثقته وكامل قوته. منذ قليل كنت على وشك أخذه عند طبيب، فقلت لنفسي كم هي الطبيعة الإنسانية غريبة. دفعها من أمامه إلى حجرة النوم، وقبل أن يغلق عليهما الباب، غمزنا، أنا والآنسة ستيوارت. كان مفعمًا بالطاقة، مفعمًا بالحيوية.
قالت لي الآنسة ستيوارت لما وجدنا نفسنا وحدنا:
- أظن أنك فهمت كل شيء عن الثالوث الصيني.
- فهمت كل شيء، أو، أقول لك الصدق لم أفهم شيئًا.
- ماكبث على رأسه، وهو يدعى رأس التنين، ويحمل الرقم 489، نائبته ياما الرقم 438. الأرقام بدافع الحيطة.
- هذا واضح.
- وفي الترتيب الثاني يجيء الضباط: رأينا العود الأحمر أول ما رأينا، وهو المسئول عن النظام والأمن، وهو يحمل الرقم 426، فالمسئول عن العلاقات والاتصالات، صندل القش، الرقم 432، ثم مروحة الورق الأبيض، المسئول عن المالية والإدارة، الرقم 415. هناك رابع لم نره، سيد البَخور، الرقم 438، رقمه ورقم ياما واحد للسلطة العظمى التي يتقاسمانها، وهو المسئول عن الطقوس والمجندين. الجنود يأتون في المرتبة الثالثة، إنهم قاعدة المثلث، وكل منهم يحمل الرقم 49، مع كل ما يحويه هذا الرقم المزدوج من رمز للحظ، 4، وللقوة، 9.
تثاءبت، وقلت:
- القيلولة أهم من كل هذا.
أكدت الآنسة ستيوارت:
- كما تقول، القيلولة أهم من كل هذا.
وأضافت مع ابتسامة ماكرة:
- القيلولة غير الصينية!
استلقيت على أريكة، وكذلك فعلت الآنسة ستيوارت. بعد ثلاثة أرباع الساعة، نهضنا على ضحكات عذبة، فإذا بأربع مدلكات يشرن إلينا كي نتبعهن. عرفنا ما يردن، كان ماك لم يزل يقيل، فقلنا نذهب معهن. كان دافعنا حب الاستطلاع ليس أكثر. ليس أكثر؟ حقًا؟ تركنا جسدينا في عهدتهن، فعريننا، وأنفقنا في النعيم الأرضي ساعة من عمرنا. وجدنا خلالها أنفسنا، أنا والآنسة ستيوارت، نأخذ بعضنا الواحد بين ذراعي الآخر، أنا التنين، وهي الضفدعة، أو هي التنين، وأنا الضفدعة. كنا نتبادلنا في مسخ حيواني، فنخترقنا، وندوخ قليلاً في أحضان كونفوشيوس. مارسنا أسعد حب في الحياة، ونحن نذوب بين الأصابع الحريرية.
تساقط الليل على التشاينا تاون بكل ألوانه العنيفة، بكل روائحه القوية، وخاصة بكل خصوصيته الصينية، فجاء العود الأحمر بسياراته الفورد المصفحة، وأقلنا نحن الثلاثة، ماك في المقدمة، إلى أبواب إيطاليا الصغيرة في مانهاتان دومًا، هناك حيث تركنا في عهدة بعض سيارات الفيات المصفحة، بسائقين وحراس خاصين إيطاليين كلهم. دخلنا علبة الليل "الكلب اليقظ" الوحيدة في كل نيويورك التي لا يشرب المرء فيها كحولاً، الويسكي نعم، ولكن دون كحول، والبيرة نعم، ولكن دون كحول، والنبيذ نعم، ولكن دون كحول، وشتى أنواع المشروبات اللاروحية. كانت النادلات كلهن هناك لاستقبال ماك، وهن يرتدين مايوهات سوداء تكشف عن مفاتنهن، وعلى رأسهن كانت كلوديا في ثوب متقشف لا يبرز شيئًا من مفاتنها. كلمها ماك بالإيطالية، وهو يسعى إلى مكتبه، والآنسة ستيوارت تترجم لي:
- عدد الرواد في ازدياد دائم، يا دون دييغو، فماذا نفعل؟ المشروبات دون كحول تجذب كل نخبة نيويورك، وفي الكثير من الأحيان نعتذر عن استقبال عدد هام من زبائننا.
- سأرى ما يمكنني فعله مع لاكي لوتشيانو جيل ثالث وفرانك كوستيللو جيل ثالث وجو أدونيس جيل ثالث.
- سينافسونك لا شيء أكثر، يا دون دييغو، وذلك بتأسيس سلاسل من هذا النوع من علب الليل.
- منافسة شريفة كهذه، هذا ما أسعى إليه.
- تجار المخدرات والعاهرات وماكينات اللعب لم تكن منافستهم أبدًا شريفة.
أخرجت كلوديا لماك ثياب السهرة، وأخذت تخلع عنه ثيابه الصينية، وهي تتابع:
- افتح فروعًا لعلبتك دون كحول في نيويورك وفي كل المدن الكبرى ولا تضع يدك في أيدي هؤلاء المجرمين.
لم تكن الاستعرائية لدى صديقي، تلك النزعة المرضية إلى تعرية العورة، وإنما الاستسلامية لأصابع المرأة. ما جعلني أفكر في هذا، تكرار الفعل لديه مع كل عشيقاته. هناك شيء من السادية لديه هذا صحيح، كما هي لدينا كلنا نحن الرجال، عندما يتركهن وحدهن لمعاناتهن، وهو لا يرضيهن بالقليل من جسده، لكنه لا يلبث أن يعوضهن عن ذلك بالكثير من نفسه، إنها نزعة العطاء التي تغلب عليه، العطاء الإنساني الذي هو عطاء جنسي أولاً وقبل كل شيء.
وضع ماك يديه على إليتي كلوديا، وقال:
- تقولين هذا لأنهم اغتصبوك واحدًا واحدًا، يا كلوديا.
- اغتصبوني، وكنت سعيدة.
- إذن لماذا؟
- أن يغتصبك عظماء الشر هذا يعني أنك شيء.
أخذ يرفع فستانها الضيق بصعوبة إلى أن وصل إليتيها، وهي تواصل إلباسه، بينما هو يقول:
- إليتان كهاتين شيء عظيم، شيء عظيم جدًا، يا كلوديا.
- إنهما لك، يا دون دييغو، أنت تعرف هذا. أنا أحجزهما فقط لك بعد كل الذي حصل.
أخذ يزلق بيديه بينهما، وهي لا يبدو عليها الشعور بشيء، مما جعله يلقي نحونا، أنا والآنسة ستيوارت، نظرة متسائلة:
- يبدو لي أنهما تغيرتا قليلاً بعد الحادث، يا كلوديا.
- من الطبيعي أن تتغيرا قليلاً، يا حبيبي.
وإذا بها ترتفع كلها بين ذراعيه، وتطنب:
- بالله عليك أن تأخذني كلي، يا دون دييغو، كلي، لم أعد أطيق، كلي.
نظر إلينا ماك، وهو في كامل سروره، فابتسمنا أنا والآنسة ستيوارت، والآنسة ستيوارت تدون كل شيء:
- ليس هذا، يا آنسة ستيوارت رجاء.
- سرك الصغير، يا معلم.
- وهذا أيضًا.
- إذن سأمزق كل شيء.
- كل شيء، كل شيء... قال، وهو يلهث.
ثم رماها على الكنبة:
- برب السماء، يا كلوديا، قليل من الحياء.
قامت، وهي تسوي هندامها، وأرادت أن تكمل إلباسه، فرفض. راحت كلوديا تبكي وتقول إن لا حظ لها، إنها أتعس امراة في الكون، وإنها تتمنى الموت، فلماذا لا يقتلها ماك، ويريحها من بؤس الوجود.
- اقتلني، يا دون دييغو! توسلت الإيطالية المتقشفة.
- وإذا ما أغلقتِ فمك! نبر ماك.
- رصاصة في الرأس.
- كفى!
- حياتي ذهبت سدى.
- كفى، قلت كفى، يا داناوي! رجا ماكبث. أنا لم أعد أحتمل! كفي عن مطاردتي! لماذا لا تقتلينني أنت، وتريحينني من شبحك؟ ادفعيني من قمة الجبل، اتركيني للأقدام، اجعليني في مكاني المناسب في شِشَم مانهاتن!
- دون دييغو، ما بك؟ صرخت كلوديا، وهي تأخذه بين ذراعيها.
دفعها بعيدًا عنه، ووضع وجهه بين يديه كيلا يرى شبح دانكان.
- هل ذهبت دانكان؟
- ذهبت، يا دون دييغو.
- هل أنت متأكدة أنها ذهبت؟
- أنا متأكدة.
- هناك شيء يضايقني.
- ما هو، يا دون دييغو؟
- أنا غير متأكد من شيء.
- تعال، يا دون دييغو، سأكمل إلباسك.
- لا، رفض، وهو يكشف وجهه بالتدريج، وينظر في كل الزوايا.
- هل كل شيء على ما يرام، ماك؟ سألت صديقي من قلقي عليه.
- سأكمل إلباس نفسي بنفسي.
أكمل ماكبث إلباس نفسه بنفسه، ولما انتهى، طلب من كلوديا:
- اطلبيهم لي.
- لاكي لوتشيانو جيل ثالث وفرانك كوستيللو جيل ثالث وجو أدونيس جيل ثالث؟
- وفي الحال.
- في الحال، يا دون دييغو.
وتلفنت لتوصلهم الرسالة.
على الساعة الواحدة صباحًا، انتشرت الجحافل المسلحة في كل زوايا إيطاليا الصغيرة لحراسة مواكب رؤساء المافيا الثلاثة، وبينما كانت علبة الليل "الكلب اليقظ" في أشد نشاطها، اخترقها لاكي لوتشيانو جيل ثالث وفرانك كوستيللو جيل ثالث وجو أدونيس جيل ثالث كل واحد في الخمسين من العمر، وكل واحد مع مسلحيه، وكل واحد على حدة. حاول رجال العلبة البيض العمالقة سحب الأسلحة منهم، لكنهم هددوهم بها. ومع ذلك، استقبلهم ماك بذراعين مفتوحتين، بينا رفضت كلوديا أن تسلم عليهم. أعجبتني القطة التي فيها، مخالب البغي. والمسلحون في المكتب بأسلحتهم الثقيلة، الثقيلة أكثر من حامليها أحيانًا، مدافع ثقيلة أحيانًا، لهدم بنايات بأكملها أحيانًا، همس ماكبث في أذن كل من مضيفيه همسة صغيرة، وفي الحال أمروا بخروج كل الرجال المسلحين، وبقينا أنا والآنسة ستيوارت وكلوديا إلى جانب ماك طبعًا مع عظماء الشر الثلاثة. بدأ ماك بالكلام بالإيطالية أولاً، وبعد أن رفض ضيوفه الكلام بالإيطالية، تكلم بالإنجليزية، والآنسة ستيوارت تدون، فقام ثلاثتهم، وهم يشهرون أسلحتهم في وجه المسكينة، مما جعلها تسلم لهم كل دفترها. تصفحوه، ثم مزقوه، وألقوه في سلة المهملات. عند ذلك، أعاد ماك:
- قامت المعارك في عهد أجدادنا ما بينهم، وفي عهد آبائنا ما بينهم، من أجل الكحول، وأنا لا أريد أن تقوم المعارك في عهدنا ما بيننا من أجل عدم الكحول. الكلب اليقظ يعمل بقدر كل علب نيويورك، وأنا لهذا أريد أن أعمل سلسلة من الكلب اليقظ معكم، أيها السادة، لنقتسم ليل نيويورك وكل المدن الكبرى والأموال ما بيننا، من أجل هذا الاستثمار المتعدد المنافع دعوتكم، فما رأيكم؟
قال لاكي لوتشيانو جيل ثالث، وهو يشير بمسدسه إلى زميليه:
- هذان الوغدان أبدًا لن تكون هناك منافع مشتركة معهما.
قال فرانك كوستيللو جيل ثالث، وهو يشير بمسدسه إلى زميليه:
- هذان الوغدان أبدًا لن تكون هناك منافع مشتركة معهما.
قال جو أدونيس جيل ثالث، وهو يشير بمسدسه إلى زميليه:
- هذان الوغدان أبدًا لن تكون هناك منافع مشتركة معهما.
ونهض ثلاثتهم يريد كل منهم القضاء على الآخر لولا تدخل كلوديا:
- كفى، يا سادة! قليل من التحضر، يا سادة!
عاد كل منهم إلى مجلسه، وكلوديا تتابع:
- إذا كان هناك من ضامن لما يعرضه عليكم دون دييغو، فستكون إليتاي هما الضامن.
فتح الرجال الثلاثة أفواههم وأعينهم واسعًا من الدهشة والاستغراب، وكلوديا تتابع:
- هل لديكم أكثر من هذا ضمان، وقد خبرتم ما هو؟ وهذه المرة بمحض إرادتي.
هز رؤساء المافيا الثلاثة رؤوسهم موافقين، ففرقع ماك بإصبعيه باتجاه الآنسة ستيوارت التي أخرجت ورقة من حقيبتها، وراحت تكتب ما يمليه عليها معلمها:
- نحن الموقعين أدناه، عظماء نيويورك الشر...
أمام صفحات الامتعاض التي قرأها ماك على وجوههم قال:
- عظماء نيويورك بلا زيادة ولا نقصان، نشارك دون دييغو في إنشاء واستثمار سلسلة علبة الليل "الكلب اليقظ" دون كحول ودون عنف في نيويورك وكل المدن الكبرى في الولايات المتحدة والعالم، والأرباح تقسم على أربعة، والضامن إليتا كلوديا... التوقيع، يا سادتي.
قدمت الآنسة ستيوارت الوثيقة إلى كل واحد، فوقعها، ووقعها ماك، ووقعتها كلوديا بعد أن تظاهرت بالتوقيع بإليتيها، ثم صفقت، فجاءت نادلات العلبة بالشمبانيا. الشمبانيا للاستثناء، قالت، وللمناسبات النادرة، وتلك كانت مناسبة نادرة، التوقيع على وثيقة الشراكة كانت بالفعل مناسبة نادرة. وكلما أراد أحد عظماء الشر مداعبة إحداهن، ضربته كلوديا على يده، ومنعته، فيداعبها من إليتيها، وهو يقهقه، وهي تقهقه. دخل المسلحون دون أسلحتهم، وشربوا الشمبانيا معنا، ورقصوا، وبقينا هكذا نشرب ونرقص حتى مطلع الفجر. بدا لي ماك كمن يريد الهرب من شيء، من أشياء، وفي قلب كل هذا الصخب، كم كان يبدو وحيدًا. اقتربت منه، وأنا أريد الاعتداء على وحدته.
- هل هذا بسبب جين؟ قذفت في وجهه.
- يا لسعادتك لأنك أرمل، جمجم ماك.
- إذن بسبب جين.
- بسبب قضيبي بالأحرى.
- لماذا تكره الأزواج إلى هذه الدرجة؟
- لأنني متزوج.
- لأجل قضيبك.
- إنه الشيء الوحيد الذي لا يرعبني.
- حذار من قتله بالخطأ.
- ما أسهل أن تقتل وما أصعب أن تنسى أنك القاتل.
في الصباح الباكر، وكل نيويورك تنام أو تنهض من نومها، غادرت المواكب الأربعة المكان، كل موكب إلى حيث يشاء، وموكبنا إلى فندق الهيلتون. أخذ ماك جناحًا، وأنا والآنسة ستيوارت جناحًا آخر إلى جانبه، وذهبنا كالخِرَقِ نيامًا.


يتبع المِصراع الثاني القسم الثاني