داعش : خلافة الدم والنحر والنكاح .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4508 - 2014 / 7 / 10 - 08:54
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

تتسارع الأحداث في العراق وسوريا لدرجة أن كل الدول العربية المجاورة وضعت جيوشها ومخابراتها في حالة استنفار دائم كما رفعت درجة التأهب إلى اللون الأحمر . ولم يكن مفاجئا التمدد الكاسح لمقاتلي "داعش" في العمق العراقي حتى باتوا على مشارف بغداد . وقد ساهمت الصور المروّعة والفيديوهات الدموية التي تبثها باستمرار "داعش" في الانهيار النفسي والمعنوي التام للجيش الطائفي في العراق . فتنظيم داعش يعتمد أساليب وتقنيات مغايرة لتلك التي يعتمدها تنظيم القاعدة ، ومن أبرز مقوماتها : الدم ، المال ، الجنس والسلطة .
1 ـ الدم : إن الصور ومقاطع الفيديوهات التي تنشرها المواقع الجهادية عن مشاهد القتل والصلب والرجم والجلد وقطع الأطراف وطبخ الرؤوس الآدمية وأكل القلوب وشرب الدماء يراد بها أمران اثنان : أولهما زرع الرعب في نفوس الأعداء من عناصر الجيش والأمن . وقد كان لهذه الصور مفعولها على المعنويات القتالية للجيش العراقي حين اجتاح مقاتلو "داعش" المحافظات العراقية حيث تخلص الجنود من زيهم الرسمي وذابوا وسط السكان . الأمر الثاني تأجيج وتغذية النزعة العدوانية الحيوانية التي لم تهذبها التنشئة الاجتماعية ، بل شحذتها عقائد التطرف وفقه الغلو وثقافة الكراهية والعداء للآخر حتى غدا هدف معتنقيها هو سفك الدماء وجز الرقاب . إنهم متعطشون للدم ومتشوقون لالتقاط الصور التذكارية وسط الرؤوس المقطوعة . إنه صنف من الجهاديين الذين لا يطلبون الموت والشهادة بقدر ما يطلبون الدم والأشلاء .
2 ـ المال : داعش ، وعلى خلاف الجهاد الأفغاني ، جعلت الجهاد مدفوع الأجر ومنافع أخرى ، إذ تمنح لكل مقاتل في الرتب الدنيا ما لا يقل عن700 دولار فضلا عن تأمين المأكل والمشرب والملبس . وكلما علت الرتب ارتفعت الرواتب . وتعد داعش من أغنى التنظيمات المتطرفة في العالم بعد استيلائها على ما لا يقل عن 600 مليون دولار من بنك الموصل ، فضلا عن أموال بقية البنوك في المدن التي اجتاحها مقاتلو داعش ، وكذا عائدات تهريب النفط السوري والعراقي عبر الحدود التركية . يضاف إلى كل هذا الدعم المالي الخارجي من هيئات وحكومات وأفراد ، وكذا الضرائب والإتاوات التي تفرضها على التجار والشركات وأصحاب المهن والخدمات .
3 ـ الجنس : استطاع تنظيم داعش أن يوفر لمقاتليه ما يكفي من النساء والفتيات لتلبية رغباتهم الجنسية تحت فتوى "جهاد النكاح" . وقد اتخذ التنظيم طرقا شتى لتوفير المطلوب من "مجاهدات النكاح" ، بدءا بالشحن والإقناع ، ثم السبي والاختطاف ، ثم النفير العام تحت التهديد بإنزال "أحكام الشرع"، وسط سكان المدن الخاضعة للسيطرة لتسليم الفتيات والنساء غير المتزوجات لممارسة هذا النوع من "الجهاد " . وبهذا يحصل كل مقاتل على نصيبه من الإشباع الجنسي بين الأشلاء والدمار والدماء . وقد اضطرت أسر عراقية وسورية إلى الانتحار الجماعي بعد إجبارها على ممارسة "جهاد النكاح" .
3 ـ السلطة : تظهر السير الذاتية لقيادات داعش وكثير من مقاتليها أنهم خريجو السجون في ملفات الإرهاب والانحراف والنصف والقتل والسطو . وهذه الفئات يجمعها الميل إلى تجاوز القوانين والرغبة في السيطرة والسلطة ، إنها عقيدة "المتغلب" التي ساهمت عوامل ثقافية واجتماعية ونفسية في تأجيجها وسيطرتها على العناصر المقاتلة . ووفق نظرية "العشيرة البدائية" لفرويد ، فإن ما حرك هؤلاء يجسد دائماً الأب البدائي المهاب: فالجمع يرغب دوما في أن يحكمه زعيم لا حدود لقوّته. وهو في الواقع متعطش أيّما تعطش إلى السلطة. لقد تحول الدواعش إلى مهووسين "بالفتح" والغنائم والنساء، فأعادوا المجتمع إلى العهود الغابرة عبر تنفيذ الإعدامات والرجم والصلب والجلد والنهب لأتفه الأسباب . لقد صار هدفهم على الأرض هو القتل والتدمير خارج كل القيم السامية والتعاليم الدينية والأعراف الاجتماعية . بربرية وهمجية اعتقدت مجتمعاتنا العربية/الإسلامية أنها قطعت معها منذ عقود وانخرطت في بناء المجتمع الإنساني على قيم التسامح والتعايش والحوار ، لكنه اعتقاد خاطئ لأن في ثقافتنا الدينية والاجتماعية جذورا لهذه الوحشية والهمجية. فقد ذكر ابن الأثير (جزء 4 ص255 )أن جعد بن درهم تحدث عن تنزيه وتجريد الله من الصفات: "فالله ليس شيئاً وليس من شيء... إن الله منزّه عن كل الصفات التي يمكن أن تنسب إليه. هذا بالإضافة إلى نفيه أن موسى كليم الله. على أثر ذلك صدرت فتوى بسفك دمه فطالب به الخليفة هشام بن عبد الملك. ولما سجنه والي الكوفة خالد، أحضره معه مقيّداً يوم عيد الأضحى. وبعد خطبة العيد توجّه الوالي إلى الحشد وقال: اليوم هو عيد الأضحى، فاذهبوا وقوموا بواجبكم، وضحوا كي يغفر الله لكم ولنا. أمّا أنا فقد اخترت أضحيتي وسأقوم بواجبي. فنزل عن المنبر وشحذ سيكنه وذبح جعد من الوريد إلى الوريد على مرأى من الجميع....". هذه هي الصورة التي يتمثلها كل داعشي ، وهي عنوان دولة "الخلافة الداعشية" .
إن الصورة التي يرسمها باستمرار المتطرفون عن الإسلام والمسلمين تزيد شعوب العالم نفورا وامتعاضا . فقد كشف استطلاع رأي في بريطانيا أجري سنة 2013 ، أن أغلبية الشباب البريطاني، لا يثق في المسلمين، ويعتقد بأن بريطانيا سيكون حالها أفضل بكثير، لو كانت تضم عددا قليلا من المسلمين.
إذ عبر 27 في المائة من الشباب المستجوب، والمتراوحة أعمارهم مابين 18 و24 سنة، عن عدم ثقتهم في المسلمين، فيما اعتبرت النسبة ذاتها أن بريطانيا ستكون أفضل حالا بدون تواجد المسلمين بها.
واعتبر 60 في المائة من المستجوبين في الاستطلاع، الذي شمل 1000 شاب بريطاني، أن الشعب البريطاني تكونت لديه صورة سلبية عن المسلمين، فيما ذهب 44 في المائة إلى أن المسلمين لا يتوفرون على نفس القيم، التي تتوفر عليها الشعوب الأخرى.