ماكبث المِصراع الأول القسم الثالث


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4506 - 2014 / 7 / 8 - 13:53
المحور: الادب والفن     


لم يقبل مالكولم بعرض ماكبث المغري:
- اقعد في بيتك واستلم مائة ألف دولار عند نهاية كل شهر، أَزِلْ كل أثر للتعب، الشكوك، وذق حلاوة الضجر.
- هذا لأنك مقتنع في رأسك بما لا يمكن الاقتناع به! تهكم مالكولم. زد على ذلك أن أعلى زيادة المزايدة.
- منصب الرئيس المدير العام للبنك العالمي الذي كان لدانكان سيكون لي شئت أم أبيت، للأسباب التي سبق لنا وأشرنا إليها، فلا تسبب لي المتاعب.
- وإن أبيت؟ وإن ملأت الكأس إلى سَبَلَتِها؟ وإن انسحبت كالشعرة من العجين؟
- لن تأبى، فأنا، في عز الظهيرة، أقول لليل ارخِ سجوفك، فيرخي الليل سجوفه.
- ماكبث، كيف أرى ماكبث؟
- لا يهم كيف تراه، المهم كيف هو يراك.
- ماكبث قدر الأشياء.
- ماكبث قدر ماكبث.
- الشيطان.
- شيطان جرح.
- جرح امرأة، أمك.
- لتبق في الجحيم، القحبة أمي!
- لن نستطيع العيش مع الحقيقة؟
- مع الوهم نستطيع.
- لأنك تحبك.
- لأنني أكرهني.
- وتكره العالم.
- العالم بصلي.
- وأنا.
- ماذا قلت؟
- مائة ألف دولار شهريًا مبلغ مغر.
- مائة وخمسون.
- أكثر إغراء.
- مائتان.
- ستذهب بالبنك العالمي إلى الإفلاس.
- يا دين الرب، مالكولم!
- لا.
- ترفض؟
- لنقل لا أقبل.
- كن جزيرة فأغرقك.
- سأكون جزيرة.
- كن جبلاً فأهدمك.
- سأكون جبلاً.
- كن لهبًا فأطفئك.
- سأكون لهبًا.
- كن عاصفةً فأخنقك.
- سأكون عاصفةً.
- كن خراءً فأُبلعك إياه.
- سأكون خراءً.
- كن ما تكون، لكنك لن تكون.
- لهذا أفضّل الموت، دفاعي الشرعي عن النفس الموت.
- أيها المسكين، يا مالكولم!
- بالفعل، ولا قانونية في ذلك.
- لم أقنعك بحسن نيتي.
- بلى. قناتي لا تلين، هذا كل ما في الأمر.
- عليك؟
- أنا بطبعي ظالمٌ لنفسي.
- أما أنا، فظالمٌ لغيري.
- إذن كل ما تقترحه عليّ لا شيء، لا شيء غير ضربٍ في صميمي.
- لقد حاولت.
- مع غيرك؟
- مع نفسي.
- ولم تنجح.
- حاولت أن أساعدك.
- ونجحت.
- أحاول النوم في الليل، وتظل عيناي مفتوحتين دون أن أرى، وكل العالم فيهما. سمكةُ قرشٍ أنا في قاع المحيط، تضرب رأسها في المرآة. ضبابٌ في الشارع الخامس، لا يُري الناس ما حولهم. جحيمٌ أبيض، لهذا هو جحيم. هذا هو نجاحي.

* * *

- دومًا ما كنتُ أعتقد بماكبث قادرًا على القيام بأكثر من رائعة، اعترف بانكو.
- تقول عن هذا رائعة؟ سخر ماك.
- نكتب بالدم القصص لتبقى.
- بالخراء.
- ونحن مرتاحو الضمير.
- أهم شيء في هذا الخراء أن تشغل بالك برائعتك القادمة، فتلهي ضميرك.
- ترشوه.
- وهو يقبل الرشوة شاكرًا ليس كمالكولم، ابن القحبة!
- حاول معه من جديد.
- من يقبل أن يكون جزيرة أغرقها وجبلاً أهدمه ولهبًا أطفئه وعاصفة أخنقها وخراءً أُبلعه إياه لا فائدة من المحاولة معه من جديد.
- دع ماكدويل يفكر عنك.
- لن تكون رائعتي.
- ماك، لم أكن جادًا منذ قليل.
- أعرف.
- فظيع ما فعلت.
- أفظع ما سأفعل.
- لماذا؟
- دومًا ما كان المجد دمويًا.
- المجد، المجد، المجد، وبعد ذلك؟
- المجد.
- الدم، الدم، الدم، وبعد ذلك؟
- الدم.
- الكلاب تنبح في مانهاتن.
- إنه صوت الدم.
- لن تكون دمويًا وعادلاً.
- سأكون.
- لن تكون بربريًا وبشرًا.
- سأكون.
- لن تكون قاتلاً وعاشقًا.
- سأكون.
- ماذا قالت لك دانكان وهي تموت؟
- أكثر، أكثر، أكثر.
- لهذا ماتت.
- لهذا.
- يا ليتني كنت دانكان.
- ولكنك لن تكون دانكان.
- لهذا.
- كانت تظن أنني لن أصمد أمام المتاعب والعراقيل.
- فلم تصمد للإغراء.
- أضاعت صوابها.
- كنتَ على صواب.
- فصوبتُ إلى الهدف.
- طهارة العواطف من طهارة الماء.
- بيت الطهارة.
- نفسٌ طهيرة.
- كما لو كنتُ أطهّر مدينة من اللصوص.
- كما لو كنتَ تطهّر الأخلاق.
- لهذا من الطبيعي أن يتطور الأمر تطورًا مأساويًا.
- تقول من الطبيعي؟
- ما طاوعني قلبي على فعل ما فعلت، لكني مُطيقٌ للألم، طويت البساط بما فيه، بكل ما انطوى عليه، الأخطار والفوائد، وانطويت على مشاعر سرية، فانطوى الزمن، وانطويت على نفسي.

* * *

جلس مالكولم في الظلام، وهو لا يرفع عينه عن الباب الذي انفتح، فظهر ماكبث.
- حسنًا فعلت أنك لم تشعل الضوء، قال ماك، في وضعك، الضوء لا يدخل في المعقول.
- الواقع أنني لا أريد أن أرى مصرعي، قال الرجل، شيء أقرب إلى عفوي عن ذنب.
- مصرعك سيراك.
- هذا أهون شرًا.
- بعد الموت، هل هناك أهون شرًا؟
- الموت.
- صحيح، للموت صدر رحيم.
- هل فهمت الآن لماذا رفضت عرضك؟
- تقول رفضت؟
- ليست حياتي غير حياتي.
- لا شيء يتغير.
- كان عليّ أن أدفعك إلى ارتكاب جريمتك الثانية.
- ولكني لم أقتل دانكان.
- لم أشك أبدًا في ذلك.
- بماذا أقسم لك؟
- كل مساء آخذ قدح ويسكي.
- أنت لا تصدقني.
- لا.
- لم أكن معها في الفراش، لم أكن في كل الهيلتون، التنكر ليس من طبيعتي، لِمَ التنكر والحياة في تنكرها تُنْكِرُنَا؟
- فعلتَ بسيفك، ثم نجوتَ بجلدك.
- لا ينضب مَعينك.
- لو بقيت دانكان على قيد الحياة لكانت رئيسة عظيمة.
- شكرًا للقَدَح.
- شكرًا لها.
- بصحتك.
- بصحتك.
- دانكان رئيسة عظيمة حتى في موتها.
- لم تكن حياتها غير حياتها.
- هل أنت يائس إلى هذه الدرجة.
- لا.
- إذن اقبل مائتي الألف دولار عند نهاية كل شهر.
- وماذا سأفعل بها دون منصب الرئيس المدير العام، وفيما بعد، دون رئيس الولايات المتحدة؟
- صحيح، للسلطة صدر لا يرحم.
- قدح ثان؟
- لا.
- سآخذ قدحًا ثانيًا.
- دومًا ما كنتَ عبقريًا.
- أتظن ذلك؟
- لهذا أيضًا.
- تريد قتلي؟
- وجريئًا في اتخاذ القرارات.
- لأني سهلت دفع ملايين الدولارات من أجل الشوربة الشعبية؟
- لأنك.
- لم أبلغ من القوة ما بلغته.
- المِنّة تهدم الصنيعة.
- أنت أشد قوة منك حكمة.
- ماذا أقول لك؟
- سآخذ قدحًا ثالثًا، وبعد ذلك سأكون جاهزًا.
- أردت أن أقول لك إني معجب بك.
- ماك، أنت تضجرني!
- على رأس البنك العالمي، سأنهج على منوالك.
- سَيُسعد جدثي ذلك!
- نعم، سأنهج على...
- خراء، ماك!
- معذرة!
- أنا جاهز.
- قلت معذرة، يا مالكولم!
- سأغمض عينيّ، فقد اعتادتا على الظلام.
- لئلا ترى مَصْرَعك؟
- لئلا أرى مُصْرِعي، خراء!
أخرج ماكبث مسدسًا من جيبه، وأردى مالكولم قتيلاً.

* * *

صفى عملاقا المحامي جوزيف ماكدويل الأسودان كل من عارض امتطاء ماكبث جواد حكم البنك العالمي واحدًا واحدًا: ماكدوف، لينوكس، روس، مينيث، آنجوس، كيثنيس... وللاحتفال بالمنصب الجديد، استقبل ماك عظماء نيويورك وعاهراتها في الهيلتون، بين باقات من الورود البيض.
- تهانيّ القلبية، أيها السيد الرئيس المدير العام، همس بانكو.
- وأنا أيضًا، تهانيّ القلبية، أيها السيد نائب الرئيس المدير العام، همس ماك.
- الليلة قمراء.
- ولكن لا قمر هناك.
- أعمتك السلطة ولما تبدأ بعد.
- معذرة! لم أر القمر بسبب الغمام.
- لا تعتذر! أنا القائل لك معذرة.
- وإذا ما قلت لك هناك قمر في عز الظهيرة؟
- أقول كما تقول.
- أيها المتسلق!
- لا أرى الأشياء هكذا.
- تراها كيف؟
- بواقعية.
- بعد كل اللاواقعي الذي دفعتني أمي إليه، وفي كابوس فوق ذلك؟
- لأنه في كابوس.
- ليس هذا من طبيعة الأشياء.
- في زمننا هذا من طبيعة الأشياء.
- نتكيف مع الظروف.
- نكيف سلوكنا وفقًا لسلوكنا.
- نكيف حياتنا.
- تفسير كيفي.
- كيفية الحياة.
- كيفية الدفع.
- بنك هي الحياة.
- في طريق الإفلاس.
- ها هي جين! أوه! جين.
- تهانيّ القلبية، يا حبيبي!
- تهانيّ القلبية أنا، يا حبيبتي!
- تستطيع أن تقول ذلك.
- كل ما فعلت لأجلك، يا حبيبتي!
- تستطيع أن تقول ذلك.
- والقادم أعظم، يا حبيبتي.
- تستطيع أن تقول ذلك.
- سأترككما، قال بانكو.
- هيه! بانكو، صاح ماك في ظهره، فالتفت بانكو، تسلى جيدًا.
أحاطت ببانكو ثلاث عاهرات، وذهبن به، وهو يدير رأسه ناحية ماكبث، ويغمزه.
- وأنتَ، ألا تتسلى كصاحبك؟ تهكمت جين.
- لماذا أنت حزينة في ساعة فرح؟ نرفز ماك.
- لماذا أنا حزينة؟
- في ساعة فرح.
- لأني وحدي في رأسي.
- جين، ابتسمي!
- تطلب الابتسام ممن لا يستطيع أبدًا الابتسام.
- ممن لا يريد أبدًا الابتسام.
- ما أنا بفاعلة هنا؟
- جين، اغفري لي! لم أكن أقصد...
- سأذهب.
- جين، اغفري لي، أرجوك!
- يَكُظُّ الغيظُ صدري.
- وأنا تَكُظُّ نفسي من غيظك.
- امرأة لعوة أنا في ظنك، كلبة لعوة ربما. أنا ذاهبة.
- لا تتركي الأهواء تتلاعب بي.
- ربما في حفل استقبالك القادم أستطيع الابتسام، فالانتخابات الرئاسية لن تطول كثيرًا.
- جين، في البداية، كنتِ مع.
- فكرت، وبكيت، اكتشفت أني كلبة حساسة، لا أنفع لكل هذا.
- بلى.
- أنا أحسد أمك، يا ماك.
- ولكنها ميتة.
- لهذا.
- دعي أمي في الجحيم.
- جحيمها أهون شرًا بكثير.
- جين، اطلبيني القمر، اطلبيني أي شيء.
- أنت تعلو في الوقت الذي تدنو فيه.
- ككل ملعون يدنو من جحيمه.
- وهل ستحبني؟
- سأحبك، دومًا ما أحببتك.
- لهذا كل هذه الورود البيض؟
- لهذا.
- ممنوع البصق.
- أنتِ لن تبصقي عليها.
- عليك.
- ابصقي عليّ إذا كان الأمر يسعدك.
- أنتَ تدفعني إلى الابتسام قبل الابتسام.
- ابتسامك الامتناع عن الحكم.
- بل الحكم على الامتناع.
- اللاأمل.
- أمل اللاأمل.
- لاأمل الأمل.
- اذهب ولاطف مدعويك، من العيب أن تتركهم وحدهم مع أملهم، وأنا سأذهب.
- جين!
أحاط به المدعوون، وعيناه لا تتوقفان عن متابعة زوجه حتى اختفت.

* * *

- اسمع، يا ماك، قالت الأم لولدها، علوت مع معلمتك، وستعلو أكثر... قبل ذلك، ستلعو مع خادمتك... وبعد ذلك، ستنعو مع عالمتك.
- ارفعي أيديك عن فمي، رجا الابن أمه.
- هل سمعتني، يا ماك؟
- وما هي دلائل نعيي؟
- الدلائل قليلة.
- قولي لي واحدة تجعلني أتحاشى المسألة.
- سيكون الوقت متأخرًا.
- فقط قولي.
- عندما يعرض جيش تحرير الشعب الصيني في الشارع الخامس. لا تقهقه، أيها الأبله!
- إنه لمن رابع المستحيلات!
- كما أقول لك.
واختفت الأم، وكل وجه من وجوهها الثلاثة يذهب من جهة، بينا ماك ينادي: "أمي! أمي! أمي!"، ويمد يده إلى الجهات الثلاث.


يتبع المِصراع الثاني القسم الأول