شطحة من شطحات الشيخ


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 10:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كيف يمكن للمرء أن يتفاعل مع أخبار تتداول هذا الأسبوع على المواقع الاجتماعية، وفى عدد من وسائل الإعلام تطرح فكرة تقديم مرشّح «توافقى» للرئاسة؟

هل نصدق خبرا مفاده أن قطر هى بصدد الضغط على النهضة حتى تقبل بتعيين «المرزوقى» مرة أخرى للانتخابات الرئاسية، وأن فرنسا تدعم «بن جعفر» أم نكذب الخبرين وننسبهما إلى الإشاعات؟

كيف نتعامل مع موقف «بن جعفر» الذى يعتبر أن فكرة ترشيحه على أساس التوافق واردة بعد موافقة حزبه، بل إن ذلك يسعده؟ وكيف نتفاعل مع الأخبار الرائجة حول ترشيح مجلس شورى النهضة «لنجيب الشابى» ودعم «راشد الغنوشى» لفكرة طرح مرشح توافقى؟

من المؤكد أن فكرة «التوافق» صارت تستهوى السياسيين فى تونس لم لا وقد استقر فى ذهن هؤلاء الفاعلين السياسيين أن الخروج من المآزق التى مرت بها البلاد ما كان ممكنا لولا آلية التوافق، وأن كتابة الدستور اعتمدت هذه الآلية، وأن استكمال ما تبقى من المرحلة يسير وفق هذه الآلية.

بيد أن هذه العصا السحرية ما عادت قادرة على إقناع التونسيين. فالكل يعلم أن التوافق المزعوم استند إلى الرياء السياسى ومنطق المقايضة، وبقى سياسيا غير معبر عن صورة المجتمع التونسى الذى يعانى من تفكك نسيجه. وبالرغم من كل ذلك أبى الشيخ إلا أن يرينا شطحة من شطحاته علّ المريدين يدخلون معه فى «حالة وَجد».

يتغافل مناصرو فكرة المرشح التوافقى عن حقيقة مفادها أن أسلوب ضرب الوصاية على المواطنين، ومصادرة حقهم فى الاختيار، والتصرف فى إرادتهم ما عاد ممكنا وذلك لأسباب: منها أن الفرد فى المجتمعات الحديثة مستقل بذاته، معبر عن خياراته المتعددة وممارس لحقه فى تقليب هذا الرأى أو ذاك، والإقبال على هذا المنتوج دون سواه، وذلك لأنه إزاء فسيفساء من الخيارات المعروضة. فأنماط العيش متعددة، وأشكال التدين متنوعة، وطريقة اللبس والأكل والممارسات الجنسية مختلفة تدفع الفرد إلى إعمال عقله، وتحديد مواقفه وفق حاجاته وقناعته ورغباته. إنه ببساطة عصر انفجار الخيارات وتعدد الإمكانات المتاحة.

أما العامل الثانى الذى يجعل التسويق لفكرة المرشح التوافقى من البدع المرذولة فإنه مرتبط بالواقع الجديد الذى فرضه المسار الثورى القائم على نبذ العقلية التسلطية المتخفية وراء فكرة المرشّح التوافقى، والتى تعتبر أن من حق الطبقة السياسية أن تحتكر النطق نيابة عن إرادة الشعب مثلما تدعى النطق نيابة عن الله. ومن ثمة فإنها لا تفارق الأفق المعرفى القديم الذى يجعل طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم قائمة على أساس الطاعة. فالراعى أدرى بما يصلح للرعية وما على الناس إلا التسليم والإذعان.

ويكمن السبب الثالث لرفض هذا المقترح فى تعارضه مع منظومة حقوق الإنسان والممارسات الديمقراطية المعمول بها وتكريسه لممارسات ماضوية تعتبر أن إدارة الشأن السياسى والبحث عن الحلول لمعالجة الأزمات موكولة إلى بعض «القادة» فهم «أهل الحل والعقد» يمتلكون سلطة التفكير والتنفيذ. والحال أن العملية الانتخابية تعود الفرد على إبداء الرأى فى شئون البلاد.

وليس يخفى أن الترويج لفكرة المرشح التوافقى موصول إلى منطق أبوى واضح يعتبر أن من حقّ الأب أن يقرر مصير الأبناء فيختار العروس، ويحدد موعد الزواج، ومكان الاحتفال، ويرسم «خارطة المستقبل».

إن ترويج حزب النهضة لمقترح المرشح التوافقى معناه:

ـ أخذ زمام المبادرة وعدم الاكتفاء بأسلوب رد الفعل.

ـ إدارة العملية الانتخابية من أعلى الهرم نحو القاعدة.

ـ الاستمتاع بمشاهدة عراك المرشحين على «الركح» السياسى من أجل الفوز بلقب المرشح التوافقى.

-كسب ولاء المرشح التوافقى، وضمان عدم خروج الرئيس الجديد عن الطاعة باعتبار أنه سيعيش تحت «جلباب» النهضة.

ـ إسدال الستار عن عجز الأحزاب عن تقديم برامج انتخابية مقنعة وذات نجاعة باعتبار أن التنافس سيكون على الأشخاص لا على الأفكار والسياسات.


بيد أن ما تتعامى عنه الفئة المرحبة بهذا المقترح هو الآثار المترتبة عن عقم الطبقة السياسية وعجزها عن تقديم وجوه سياسية جديدة قادرة على «تحريك» فضول الناس، وعرض مشاريع ذات فاعلية، وإنتاج خطاب سياسى متميز وابتكار أساليب للتعبئة تقطع مع التحرك الدعوى المستغل لبؤس الناس أو «استحمارهم»...

إن الخطر الناجم عن كل هذا العقم هو العزوف عن العملية الانتخابية، والكفر بالسياسية والسياسيين، وانقطاع حبل الوصلة بين الشعب والنخب.