-النسبية العامة- في مثال بسيط!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4496 - 2014 / 6 / 28 - 19:48
المحور: الطب , والعلوم     

جواد البشيتي
ما الذي تَشْعُر به عندما تكون راكباً في سيَّارة زادت سرعتها فجأةً؟
تَشْعُر أنَّ "قوَّة" شَدَّتْكَ إلى الخَلْف؛ وهذا "الشَّد (أو السَّحْب)" يزداد ويقوى مع كلِّ زيادة في سرعة السَّيَّارة (في سَيْرِها إلى الأمام في مسارٍ مستقيم). ولو ثُبِّتَ، خَلْفَ ظَهْرِكَ، في المقعد الذي تجلس عليه، ميزانٌ لقياس الوزن، لَظَهَرَت فيه زيادة في الوزن (بسبب هذا الشَّدِّ إلى الخَلْف).
الآن، اسْتَبْدِلْ حُجْرَة (صغيرة، شَفَّافة) بهذه السَّيَّارة؛ ولتَكُنْ هذه الحُجْرَة (التي أنتَ في داخلها) تسير (في مسارٍ مستقيم) بسرعة ثابتة (100 مترٍ في الثانية مثلاً) في فضاءٍ بعيدٍ عن النجوم والكواكب..، أيْ عن كل مصادِر ومنابِع وحقول الجاذبية.
أنتَ الآن (ومهما كانت "كتلتكَ" كبيرة، أو صغيرة) جسم "عديم الوزن"؛ ولسوف تظل "عديم الوزن" ولو كانت السرعة الثابتة لحُجْرَتكَ 290 ألف كم/ث.
فجأةً، دَفَعَت "قوَّة (خارجية)" حُجْرَتكَ إلى الأمام، فشَعَرْتَ بما يَشُدُّ جسمكَ إلى الخَلْف، واكتَسَبْتَ، مِنْ ثمَّ، وَزْناً، أيْ أصبح لكَ وزن. وهذا "الشَّد (أو الضغط أو الإجهاد أو التَّوتُّر ــ Stress)" الذي تَشْعُر به أنتَ (أو "المراقِب") يزداد ويقوى مع كل زيادة في "قوَّة الدَّفْع (الخارجية)" تلك.
قَبْل "الدَّفْع (الخارجي)" كانت حُجْرِتكَ تسير بالسرعة الثابتة 100 مترٍ في الثانية؛ وبَعْد "الدَّفْع"، وبسببه، زادت سرعتها، فأصبحت تسير بسرعة 110 أمتار (مثلاً) في الثانية. إذا تَوَقَّف ضغط "القوَّة الخارجية" تلك، فسوف تظل حُجْرَتكَ تسير بهذه السرعة الثابتة الجديدة (110 أمتار في الثانية).
افْتَرِضْ الآن أنَّ "قوَّة الدَّفْع (الخارجية)" ظلَّت تَدْفَع حُجْرَتكَ، في استمرار، وبما يجعلها تسير بسرعة تزداد كل ثانية 10 أمتار (تَسارُع مُنْتَظَم Constant Acceleration).
مع مرور الوقت، واستمرار هذا "التَّسارُع المُنْتَظَم (الثابت)"، قد تَصِل سرعة حُجْرَتكَ إلى 290 ألف كم/ث، مثلاً؛ فهل تَشْعُر، عندئذٍ، بمزيدٍ من "الشَّد"؟
كلاَّ، لن تَشْعُر؛ فـ "الشَّد" يظل هو نفسه، و"وَزْنكَ" يظل هو نفسه؛ فـ "الشَّد (Stress)" نُتاج "التَّسارُع (Acceleration)"، لا نُتاج "السرعة (Velocity)". وما دام التَّسارع ثابتاً فلن تَشْعُر بمزيدٍ من الشَّد ولو قارَبَت سرعة حُجْرَتكَ سرعة الضوء.
حُجْرَتكَ الآن تتسارَع تسارُعاً مُنْتَظَماً (ثابتاً). لقد ظلَّت تسير في مسارٍ مستقيم؛ لكنَّ سرعتها تزداد كل ثانية 10 أمتار؛ فما هي المتغيِّرات والعواقب الحتمية؟
1. سرعتها تزداد في استمرار (كل ثانية). وقد تُقارِب (مع مرور الوقت) سرعة الضوء. التَّسارُع "ثابت"؛ لكنَّ السرعة "متغيِّرة (بمعنى "متزايدة")".
2. كتلتها تزداد في استمرار؛ فمَع كل زيادة في السرعة تزداد الكتلة.
3. للحفاظ على "التَّسارُع الثابت"، ينبغي لـ "قوَّة الدَّفْع (الخارجية)" أنْ تزداد في استمرار؛ فالزيادة في كتلة الحُجْرَة تُنْتِج زيادة مماثِلة في "قصورها الذاتي"؛ وللتَّغَلُّب على "القصور الذاتي الأكبر" لا بدَّ من "قوَّة دَفْع خارجية أكبر".
4. الشَّد ووَزْنكَ لا يزيدان، مهما زادت سرعة حُجْرَتكَ.
5. الزَّمَن تباطأ في الحُجْرَة؛ كل الأحداث تباطأت في الحُجْرَة. وهذا التباطؤ، وذاك، لا يُدْرِكهما المراقِب الموجود في الحُجْرَة، والذي هو أنتَ. المراقب الخارجي (الأرضي مثلاً) هو الذي يُدْركهما. تباطؤ الزَّمَن في الحُجْرَة يستمر بـ "المُعَدَّل نفسه"؛ فـ "التسارُع الثابت" يُعْطي "مُعدَّلاً ثابتاً" في تباطؤ الزَّمَن؛ ويظل تباطؤ الزَّمَن في الحُجْرَة بـ "المعدَّل نفسه" مهما زادت سرعة الحجرة (ولو قارَبَت سرعة الضوء). إنَّ الدقيقة الواحدة (60 ثانية) في ساعة الحُجْرَة تَعْدِل (وتظل تَعْدِل) 70 ثانية أرضية مثلاً، مهما زادت سرعة الحُجْرَة. بعد مضي ساعة أرضية واحدة، تَكْسَب أنتَ 10 دقائق، وبعد مرور 24 ساعة أرضية، تَكْسَب أنتَ 4 ساعات، وبعد مرور 30 يوماً أرضياً، تَكْسَب أنتَ 5 أيام؛ فالفروق الزمنية بين ساعتكَ والساعة الأرضية تتراكم. إذا زِدتَّ "التَّسارُع"، جاعِلاً حُجْرَتكَ تزداد سرعتها 20 متراً كل ثانية (مثلاً) يزداد "معدَّل التباطؤ في الزَّمَن" لديكَ، فالدقيقة الواحدة في ساعة حُجْرَتكَ تَعْدِل، عندئذٍ، 80 ثانية أرضية (مثلاً). افْتَرِضْ أنْ سرعة حُجْرَتكَ قد وصلت إلى 290 ألف كم/ث؛ وفجأةً، توقَّف دَفْع القوَّة الخارجية. عندئذٍ، تظل حُجْرَتكَ تسير بهذه السرعة الثابتة الجديدة، ويتوقَّف تباطؤ الزَّمَن لديكَ؛ فالدقيقة الواحدة عندك عادت الآن لتعدل دقيقة أرضية واحدة؛ لكنَّ مجموع الفروق الزمنية السابقة ظلَّ في الحفظ والصَّون.
6. "المتر" الذي في حُجْرَتكَ انكمش وتقلَّص (بالنسبة إلى المراقِب الأرضي). طول حُجْرَتِكَ انكمش وتقلَّص أيضاً (وبالنسبة إلى المراقِب الأرضي أيضاً). المسافة التي تقطعها حُجْرتكَ انكمشت وتقلَّصت (واختُصِرَت) في اتِّجاه حركتها (أيْ في اتِّجاه حركة حُجْرَتكَ).
7. في داخل حُجْرَتكَ يسير الضوء دائماً (بالنسبة إليكَ) بسرعة 300 ألف كم/ث، تقريباً؛ أمَّا الضوء الذي يسير في فضاءٍ بعيد عن مصادِر الجاذبية فتراهُ يسير بسرعة تَفُوق 300 ألف كم/ث، إذا ما كانت حُجْرَتكَ متسارِعة (تسارُعاً ثابتاً، أو متزايداً).
وكلُّ هذه المتغيِّرات والعواقب تَظْهَر إلى الوجود، أيضاً، إذا ما زادت الجاذبية (افْتِراضاً، أو تَخَيُّلاً) عند سطح الكوكب الذي تعيش عليه؛ فازدياد هذه الجاذبية يُنْتِج ما يُنْتِجه الازدياد في معدَّل التَّسارُع في حُجْرَتكَ.