منتصف الليل المغربي


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4493 - 2014 / 6 / 25 - 08:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تمر العلاقات الانسانية عموما، الاقتصادية والاجتماعية ثم الايديولوجية والسياسية والثقافية في سيرورتها التاريخية، من فترات وتموجات بين المد والجزر، بين الاستعباد والتحرر. وكما هو الشأن بالنسبة لليل والنهار تتقلب أيضا هذه العلاقات، فنتحدث حينا عن فجر هذه العلاقات وحينا آخر عن صبحها أو عن نهارها ثم قد نتحدث عن غروب هذه العلاقات أوعن ليلها.

تعتبر العلاقات الانسانية التي تعيشها الجماهير الشعبية في المغرب في الفترة الراهنة، من بين أحلك فتراتها، فهي تعيش في منتصف ليل الاستغلال والاستبداد والاغتراب على كافة المستويات، سواء على المستوى الاقتصادي الذي لا يستفيد من ثماره سوى التحاف الطبقي الحاكم من ملاكين عقاريين كبار وكومبرادور وبرجوازية عليا، بينما أصبحت باقي الطبقات الاجتماعية من عمال وفلاحين وموظفين بل وحتى جزء من البرجوازية الصغرى، مجرد حطب لهذا الاقتصاد الرأسمالي التبعي، حيث أصبح على هذه الطبقات أن تحترق لكي تحقق الارباح الكبرى يقتطع منها التحالف الطبقي لنفسه جزءا بينما يضخ جزء آخر منها نحو المتربول الاستعماري وحلفائه من الشركات الامبريالية. وكلما تراجعت الأرباح بفعل الانتاج الزائد والكساد والانكماش الاقتصادي بسبب ضعف القدرات الشرائية لذوي الدخل المحدود وانحباس الاسواق الداخلية والخارجية، كلما تطوعت كافة القيادات الحزبية والنقابية لدفع هذه الطبقات للتنازل عن جزء من مكتسباتها التاريخية وجزءا من أجورها المباشرة وغير المباشرة لملأ خزائن الطبقة المهيمنة وحلفائها.

تعيش الجماهير الشعبية منتصف ليلها الاجتماعي أيضا فعندما تتراجع أرباح الامبريالية والتحالف الطبقي الحاكم، تقوم الحكومات المنتخبة سواء كانت يمينية أو اشتراكية أو اسلاموية، كما هو الشأن بالنسبة لحكومة بنكيران الملتحية الحالية وحلفائها الانتهازيين، بالضغط على الاجور واقفال الشركات وتوسيع حجم البطالة خاصة وسط الشباب وحاملي الشهادات وتفكيك المرافق العمومية وتدمير خدماتها من تعليم وصحة ... الخ، مع رفع أسعار المنتجات والخدمات الواسعة الاستهلاك واعدام صندوق المقاصة، وضرب استقرار العمل وانظمة التقاعد ...، فبهذه الكيفية وحدها تتمكن الامبريالية والتحالف الطبقي الحاكم من استعادة جزء من الأرباح التي هي في تراجع باستمرار. وفي المقابل تتدهور الأوضاع المعيشية للجميع نتيجة هذه السياسات التي لم يعد أحدا يواجهها، وخاصة أوضاع الملايين من الجماهير الشعبية الكادحة، فيتفاقم الفقر والتهميش والامراض وسوء التغذية كما تتزايد الجريمة والفساد والانحطاط الفكري والادبي والثقافي.

تعيش الجماهير الشعبية المغربية منتصف الليل أيضا على المستويين الايديولوجي والسياسي، فلكي يحافظ التحالف الطبقي الحاكم ومن ورائه الامبريالية على مواقعهما المهيمنة ايديولوجيا وسياسيا ومن أجل المحافظة على مراكزهما الاقتصادية والاجتماعية القائمة وبالتالي ضمان استمرار الاغتراب القائم يتم تكتيف وشحن العقول بالفلسفات الظلامية والميتافيزيقا وتصفية الفكر العلمي والتحليل المادي الديالكتيكي، ومن خلال هذا الشحن والتخدير تتشكل الحكومات الاكثر شوفينية وظلامية وفاشستية وتتم صياغة تحليلات خرافية لتحليل اسباب الازمة واشكال علاجها بواسطة وصفات مغرقة في خدمة التحالف الطبقي الحاكم والامبريالية أقل ما يمكن القول في شأنها انها تغرق مستقبل جيلين أو ثلاثة من المغاربة قادمين، بمديونية مفرطة، يستحيل الفكاك منها ومن سياساتها التقشفية.

تعيش الجماهير الشعبية المغربية في نفس ظلام الليل الدامس على المستوى الثقافي ونخب الاحزاب السياسية والنقابية، فحالة التفكك الحاصلة وسط من يسمون انفسهم بالمثقفين تتجاوز كل ما يمكن توقعه، حيث أصبح "المثقف" أو "الفيلسوف" أو "الاقتصادي" أو "الصحافي" في الغالب لا يبحث سوى عن المنافع المادية المباشرة لكي يوظف افكاره أو قلمه أو خذه وصراخه لخدمة التحالف الطبقي الحاكم والمصالح الامبريالية. فإلى جانب الخوف من قول الحقيقة واستنهاض المقاومة هناك الانتهازية والخيانة والخداع المتفشي في وسط الكثيرين منهم. المؤسف هو ان الكثير من الاحزاب السياسية التي من المفروض ان تحمل قيما تدافع عنها وتتوفر على برامج مستقلة لخدمة الطبقات التي تمثلها نجدها تمتلأ بمثل هؤلاء "المثقفين" لذلك تتحول الاحزاب السياسية الى مضخات سياسية لتخدير الجماهير الشعبية بامكانية اصلاح الاوضاع الكارثية القائمة رغم انها تعلم في قرارة نفسها ان لا مجال لاصلاح النظام القائم. لكن الاحزاب السياسية الاصلاحية هي مثل أولئك "المثقفين" الانتهازيين تسعى فقط الى خدمة مصالح القيادات الحزبية الخالدة وربط القواعد بفتات هذه المصالح.

أما بالنسبة للمركزيات النقابية فتعيش الجماهير الشعبية أيضا منتصف ليلها الدامس لأنها بدلا من أن تشكل منبرا للطبقة العاملة للتعبير عن طموحاتها ومطالبها وتتعلم داخلها الديموقراطية العمالية والنضال والكفاح من أجل مستقبل افضل، أصبحت اجهزة التحالف الطبقي الحاكم واحزابها تتحكم فيها بواسطة البيروقراطيات النقابية والتي تتقاسم مع الباطرونا توفرها على شركات رأسمالية وعلى مستوى معيشي طبقي يجعلها عدوة رئيسية للطبقة العاملة دورها هو الامعان في تغريب هذه الطبقة وخداعها ودفعها للانقياد لمصالح الباطرونات من خلال الالتفاف على المطالب العمالية

نعم تعيش الجماهير الشعبية المغربية أحلك لياليها في ظل القمع والاختطاف والتعذيب والمحاكمات المفبركة ومئات من المعتقلين السياسيين. ولعل قضية الاعتقال التعسفي لمغني الراب الشاب معاد الحاقد ومعاناته أمام القضاء، تشكل مثالا عن الظلام الدامس الذي يعيشه القضاء المغربي.




الحاقد وهيئة دفاعه ينسحبون ويؤكدون غياب شروط المحاكمة العادلة



- ملفات تادلة -

أعلنت هيئة الدفاع عن مغني الراب معاذ الحاقد، قبل قليل، انسحابها من جلسة محاكمة هذا الأخير التي جرت أطوارها بعد زوال ايوم الثلاثاء، كما أن الحاقد نفسه أعلن انسحابه من الجلسة بسبب رفض هيئة المحكمة الاستجابة لمطالب الدفاع وتوفير الحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة، كما انسحب العدد القليل من الذين تمكنوا من الالتفاف على منع البوليس لحضور المحاكمة.

وجاء انسحاب هيئة الدفاع بعد أن استمع رئيس الجلسة لمعاذ الحاقد حول المنسوب إليه، وقرر رفض جميع ملتمسات هيئة الدفاع باستدعاء شهود النفي وشهود الإثبات ومصرحي المحضر والطبيب الذي سلم الشهادة الطبية، كما رفض رئيس الجلسة إحضار المحجوز وأصر على استكمال المحاكمة في ظروف أكد جميع أعضاء هيئة الدفاع أنها غير عادلة.

وأعلن معاذ انسحابه من الجلسة داعيا المحكمة إلى أن تقضي بما شاءت لأن المحاكمة صورية وذات مضمون سياسي، وتوجه معاذ الحاقد إلى رئيس الجلسة بالقول: ’’لو كنت مكانك.. لقلت لك اذهب في حال سبيلك لأن الملف فارغ ولا أساس لأية متابعة‘‘ مشيرا أن المحققين لم يسألوه عن أي من التهم الموجهة إليه بل تركزت أسئلتهم حول أغانيه وتصريحاته في الإعلام وآرائه ومواقفه السياسية.

وقرر رئيس الجلسة ضم الدفوعات الشكلية التي تقدم بها دفاع الحاقد إلى الجوهر، فيما أرجأ البت في طلبات الدفاع إلى حين الاستماع إلى الحاقد، إلا أنه قرر رفض كل طلبات استدعاء الشهود والمصرحين والطبيب الذي أنجز الشواهد الطبية، وهو ما اعتبرته هيئة الدفاع خرقا للدستور وللمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب وهي ملزمة على هذا الأساس، على اعتبار أن هذه الخروقات تمس شروط المحاكمة العادلة.

وبدأت هيئة الدفاع تنسحب بعد تقديم الأسباب التي دفعتهم للانسحاب، حيث ركزت مداخلات المحامين على غياب شروط المحاكمة العادلة وبلغت حد تشبيه محاكمة الحاقد بمحاكمات سنوات الجمر والرصاص، وتوجه المحامون إلى معاذ بالقول: إننا نعتذر عن المشاركة في هذا المسلسل من المحاكمة غير العادلة، ليعلنوا انسحابهم واحدا تلو الآخر.

وعزت هيئة الدفاع انسحابها إلى التلفيق الواضح وانتفاء حالة التلبس وتشبث المحكمة بعدم الاستجابة لمطالبها، وأشار الأستاذ أيت بناصر إلى المحاكمات التي عرفها المغرب في زمن الجمر والرصاص وهي فترة كان هو نفسه من ضحاياها، وقال أنه بعدما عاشه في معتقل درب مولاي الشريف ومعتقلات أخرى أصر أن يدافع عن حقوق الإنسان، لكنه لن يستطيع الاستمرار في هذا المسلسل من المحاكمة غير العادلة.

الأستاذ محمد المسعودي عضو هيئة الدفاع أعلن أن انسحابه يأتي بعد الخرق الواضح والبين للمقتضيات الدستورية والمغرب لمقتضيات المواثيق الدولية، وأكد أن ما ذهب إليه رئيس الجلسة خرق للتصدير الوارد في الدستور وللمواد 19 و22 و23، كما أنه مس بالمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وحسب مصادر من داخل القاعة فقد انسحب أيضا العدد القليل من الحضور ممن استطاعوا الالتفاف على منع الشرطة لحضور المحاكمة مستعملين أعذارا لدخول المحكمة بعد أن تم كل من رغب في حضور الجلسة، كما أكدت مصادرنا أن القاعة بقيت فارغة تماما إلا من عناصر الشرطة وممثل النيابة العامة وهيئة المحكمة التي بدا عليها الارتباك.

وأجلت المحكمة النطق بالحكم إلى غاية الأسبوع المقبل بتاريخ 01 يوليوز، فيما تظاهر نشطاء حركة 20 فبراير أمام مقر المحكمة ورددوا شعارات تندد بالمحاكمات السياسية وتطالب بإطلاق سراح الحاقد وباقي المعتقلين السياسيين