مقال قديم نشرتُه قبل غزو الولايات المتحدة العراق


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 13:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
يقول الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش: "ما أصعب أنْ يكون المرء فلسطينيا!". وعمَّا قليل، سنقول جميعاً: "ما أصعب أن يكون المرء عربيا!".
مِنْ قبل، كان التحدي الكبير أنْ يكون "العربي" فلسطينيا. وعندما كانت بقايا "الروح القومية" فينا تتحدانا، في أوقات الضيق والشدة، على أنْ نكون فلسطينيين كنّا نتلاشى تلاشي فقاعة صابون إذ وخزتها إبرة. والآن، حيث الحرب الأمريكية لتدمير العراق توشك أنْ تندلع يستبد بنا الشعور بأننا أعجز من أنْ نكون عرباً، فإعلان وممارسة هذا الانتماء إنما هما، الآن، عبء تنوء بحمله الجبال!
فلنقرأ في "مستقبل العراق"، كما يرسمه "المندوب السامي الأمريكي"، في اجتماع "المعارضة العراقية" في لندن، مستقبلنا جميعاً؛ فها هي "المسألة الشرقية" تدب فيها الحياة، لتغتال "الحياة القومية" لأمة بأسرها!
"المسألة الشرقية"، التي بإحيائها على يديِّ "روما الجديدة" ستأتي على الأخضر واليابس من "القومية العربية"، كانت، على الدوام، خير أداة استعمارية في تفجير كل ما ينطوي عليه "الكيان القومي العربي" من تناقضات طائفية ومذهبية وعرقية وقبائلية.. وفي تمكين القوى الاستعمارية، من ثمَّ، من بسط سيطرتها وسيادتها.
لم نسمع الولايات المتحدة، قط، ولن نسمعها، أبداً، تقول بالحل "الفدرالي" لمشكلة "التجزئة العربية"؛ فاتحاد الدول العربية، أو بعضها، اتحاداً فدرالياً ليس بالنبأ السار للمصالح والأهداف الأمريكية الإمبريالية في منطقتنا؛ لكننا نراها، الآن، تستنهض قوى الانقسام الطائفي والمذهبي والعرقي والقبلي في العراق، وتجيء بهم إلى لندن، لتقول لهم إنَّ "العراق الجديد"، الذي تتوفر على خلقه بمعونة "إله الحرب"، هو العراق المنقسم على نفسه هذا "الانقسام الطبيعي والشرعي"، والذي لا يمكن أنْ يكون واحداً موحداً إلا بالفدرالية.. فدرالية الطوائف والمذاهب والقبائل، وغيرها من العصبيات التافهة الحقيرة المناهضة، في طبيعتها، للعصبية القومية العربية ذات المحتوى التاريخي والحضاري العظيم!
هذه هي "الفدرالية"، التي تعدنا وتتوعدنا بها الولايات المتحدة، فقد مسخت فكرتها مسخا لا تقوى على الإتيان بمثله ساحرات الإغريق. نحن العرب، الآن، لسنا بأمَّة واحدة، ولا نشترك بانتماء قومي واحد، وليس من حقنا أنْ نتحد في إطار "فدرالية عربية" شاملة أو جزئية. نحن، الآن، في نظر المصالح النفطية للإمبراطورية الأمريكية طوائف ومذاهب وقبائل نعيش، بالإكراه، تحت سقف واحد، وقد حان لنا الارتداد إلى "أصولنا الطبيعية" تلك، وأنْ نتعصب لها، وأنْ نجد أنفسنا في هذا "التعصب المحمود"، وأنْ نخلق، بعد ذلك وبفضل ذلك، قادتنا وحكَّامنا "الطبيعيين"، أي الذين يدينون بالطائفية والمذهبية والقبلية.
إذا نحن انقسمنا هذا الانقسام، الذي تباركه الولايات المتحدة، فلسوف ننعم بنعمتين أمريكيتين، هما: "الفدرالية" و"الديمقراطية"!
بالفدرالية سنكون طوائف ومذاهب وقبائل متحدة.. سنكون في "حروب أهلية" دائمة؛ ولكن "مستترة" لا "صريحة". سنتحد؛ ولكن اتحادا يشبه "جمراً تحت الرماد"؛ فكل جماعة من هذه "الجماعات الفدرالية" يجب أنْ تعيش في خوف دائم من غيرها حتى تظل في حاجة دائمة إلى حماية "المارينز"، الذين نصَّبوا "حكومة مركزية" تأتمر بإمرتهم، وأحكموا قبضتهم، في داخل "الوطن الجديد"، على كل ما يخصُّهم، وما جاءوا من أجله، كمثل "النفط" و"المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية".
وبالديمقراطية الممسوخة أيضاً، سنحل مشكلة "الاغتراب السياسي" في العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ فكلاهما، الآن، من "الجماعة" (الطائفة أو المذهب أو القبيلة..) ذاتها. وهكذا نبتني لأنفسنا "ديمقراطية" تشبه في خواصها الجوهرية تلك الديمقراطية، التي نعثر على آثارها في العلاقة بين شيخ العشيرة وأبنائها!
كل جماعة طائفية أو مذهبية أو عرقية أو قبلية مناهضة بالفطرة للعصبية القومية العربية سيمنحها "الحامي الأمريكي" ما تريد من "الحقوق الثقافية"، وسيتكرم عليها بالنزر اليسير من "الذهب الأسود" الذي وضع يده عليه، وسيجعل لها قادة "طبيعيين"، يحبُّونها وتحبُّهم، فتقوم، عندئذ، "الديمقراطية" وتزدهر!
بهذه "الفدرالية" و"الديمقراطية"، اللتين ستبدآن بالعراق لتعُمَّا دولاً عربية أخرى، ستقتسم "الإمبراطورية الأمريكية" و"قوى التجزئة الجديدة" العالم العربي اقتساماً "عادلاً"، فتأخذ "الإمبراطورية" كل ما تريد أخذه، وتعطي تلك "القوى" كل ما تود إعطائه لها!
عندئذ، سنصدّق الكذبة الكبرى لنتنياهو.. كذبة أنَّ العرب (كانوا) يكرهون إسرائيل؛ لأنهم يكرهون الغرب.. يكرهونها؛ لأنها تمثِّل "القيم الديمقراطية" للغرب الذي يكرهون، فهم، في كذبته، لا يكرهون الغرب لاحتضانه إسرائيل وانحيازه إليها!
في لندن، وعلى مرأى ومسمع منَّا، كان ميلاد جديد للمسألة الشرقية على يديِّ "القابلة القانونية" الجديدة.. الولايات المتحدة!
العراق، في ذاته، وإذا ما تعرَّض لضربة عسكرية أمريكية قاصمة تقوض حكومته المركزية في بغداد، هو أمضى وأفتك سلاح من "أسلحة الدمار الشامل"، فلا حاجة لدى "الشمشون" العراقي، من أجل أن يهدم "المعبد" عليه وعلى أعدائه، إلى أن يقتني أسلحة كيميائية أو بيولوجية.. أو نووية. يكفي أن تقع المغامرة العسكرية الأمريكية، في الشكل والمحتوى اللذين تريدهما إدارة الرئيس بوش، أو الصقور من قادتها، حتى يضرب الزلزال المنطقة برمتها.
أذْكُر أنَّ آخر رئيس للاتحاد السوفياتي، غورباتشيوف، قال، في معرض تعليقه على سعي الولايات المتحدة لتأجيج سباق التسلح النووي الاستراتيجي، عبر ما سمي "برنامج حرب النجوم"، إنَّ بلاده ليست في حاجة إلى مجاراة خصمها الأمريكي على هذا الصعيد؛ ذلك لأنها تستطيع، نظرياً، هدم "المعبد" عليها وعليه وعلى العالم أجمع؛ فهي يمكنها، في لحظة عصيبة، أنْ تدمِّر بنفسها مخزونها النووي فوق أراضيها، فتكون العاقبة الحتمية، فناءها والولايات المتحدة في آن!
العراق لا يملك مثل هذا الرادع الاستراتيجي؛ لكنه يملك رادعاً من نمط آخر، هو موقعه الجيو ــ استراتيجي، والخواص الفريدة لتكوينه الديمغرافي. وهو بفضل هذه الخواص وذلك الموقع يشبه، من حيث صلته الباطنية بالصرح الإقليمي، "حجر سنمار"، الذي إذا ما نُزع من مكانه انهار الصرح كله!
قبل أنْ يُضرب العراق، بدأنا نرى جمار صراعات قديمة، نفضت عنها الاستعدادات الحربية الأمريكية الرماد، وكأن إبداء الولايات المتحدة العزم على إطاحة نظام الحكم العراقي، بالقوة العسكرية، يكفي، وحده، لإشعال فتيل جملة من التناقضات الإقليمية والدولية المدمرة.
تركيا سال لعابها وتأججت مخاوفها، في الوقت نفسه، وأخذت تسابق الولايات المتحدة في الاستعداد للحرب. لم يرق لها أن يعلن زعيم "الاتحاد الوطني الكردستاني" جلال الطالباني أن "المعارضة العراقية" (الكردية في عمودها الفقري) تملك 100 ألف مقاتل، وأنها، من ثمَّ، لا تحتاج حتى إلى مقاتلين أمريكيين. أعلن ذلك، مؤكداً، في الوقت نفسه، أنه تلقى "ضمانة" من واشنطن أن تركيا لن تشارك في الحرب.
أنقرة تعلم أن إسناد واشنطن لمقاتلي "المعارضة الكردية" دورا قتاليا مهما في حربها لقلب نظام الحكم العراقي سيؤدي، حتما، إلى تعزيز هذه المعارضة، عددا وعدة. ومع هذا التعزيز (الأمريكي) الذي تمليه ضرورات الحرب سيشتد ميلها إلى إقامة "دولة كردية" في شمال العراق، حيث تقع مدينتا الموصل وكركوك، اللتان ذكَّرت تركيا الأكراد (والعرب) بأن "التاريخ" يمنحها شرعية ضمهما إلى أراضيها؛ ثم دعت أنقرة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود برزاني، الذي كان دعاها إلى إخراج قواتها من منطقة شمال العراق، إلى أن ينسى مشاريعه لإقامة دولة كردية هناك. برزاني رد على هذه "النصيحة" أو "التحذير" بأن ألمح إلى احتمال انتهاء "التحالف"، الذي أقامه منذ سنوات عدة مع الأتراك، ضد "حزب العمال الكردستاني" المناوئ لتركيا.
جلال الطالباني، الذي انتعشت لديه ولدى برزاني أوهام "التحرر الكردي" على أيدي الأمريكيين، جلب عليه، أيضا، نقمة طهران، فالقائد الأعلى لحرس الثورة الإسلامية (بسدران) اتهمه بالسعي إلى "تعزيز وجود القوات الأمريكية" في كردستان العراقية، قائلا إنَّه يطرح نفسه على أنه "خليفة صدام"!
ولعب طالباني لعبة إثارة مخاوف واشنطن من "الإرهاب"، فنشر معلومات مؤداها أن لإيران صلات بجماعة "جند الإسلام".
أنقرة شرعت تستعد للحرب لمنع قيام دولة كردية في شمال العراق (في سياق الحرب الأمريكية على الحكومة المركزية في بغداد) ولوضع يدها على آبار وحقول النفط في المنطقة التي تدعي أن لها حقا تاريخيا في ملكيتها، فاعترف رئيس الأركان التركي بأن للأتراك وجودا عسكريا في شمال العراق، أوضح هدفه وزير الدفاع التركي إذ قال: "إذا استغلت الفصائل الكردية الحرب لإعلان قيام دولة كردية في شمال العراق فسوف نمنعها من ذلك بالقوة العسكرية".
نعلم أن أنقرة وطهران تعلنان رسميا، في استمرار، معارضتهما للحرب الأمريكية على العراق؛ لكن هذه المعارضة لن تمنعهما من المشاركة في "اللعبة العراقية"، المحفوفة بالمخاطر، ما أن تقع الحرب؛ فالحرب بوقائعها الجديدة ستثير شهية مصالحهما القديمة في أن تكونا موجودتين عسكريا وسياسيا في شمال العراق وجنوبه.
أمَّا بغداد فتدرك أن لها مصلحة حيوية وكبرى، الآن، في غسل بعض "العقول" الدولية والعربية من بعض "الأوهام"، فنائب الرئيس العراقي ينبه فرنسا وألمانيا، ومن خلالهما أوروبا وروسيا والصين، إلى أن الحرب الأمريكية على العراق يجب إدراجها والنظر إليها في سياق سعي الولايات المتحدة لأن تكون "حكومة عالمية" تسيطر على العالم وتتحكم فيه.
وفي شأن ما يُقال عن "محور ثلاثي" مناهض للحرب الأمريكية، ويضم العراق وإيران وسورية، أكد أن هذا القول وهم خالص، وأن محورا كهذا لن تقوم له قائمة، معللا ذلك بأن إيران، وفق "حقائق التاريخ" و"الحقائق السياسية الواقعة"، لا يمكن إلا أن تكون "فارسية" القلب والقالب، "مناهضة" للعرب عموما، وطامعة طمعا تاريخيا بالسيطرة على جنوب العراق.
في تاريخ المنطقة ثمة شيء يسمى "المسألة الشرقية"؛ ويبدو أن رياح الحرب، التي تهب على بغداد من واشنطن، قد شرعت تنفض الرمال عن جمار هذه المسألة، ليظهر "الصراع" على أنه حرب تاريخية ضد "العرب"، تقودها واشنطن، ويخوض غمارها "اليهود (إسرائيل)" و"الأتراك" و"الفرس" وبعض الأقليات القومية والطائفية والمذهبية، فهلا أدرك العالم أين يوجد، فعلا، "سلاح الدمار الشامل".
العرب، حكَّاما ومحكومين، هم، في الوقت الحاضر على وجه الخصوص، أكثر الناس حديثا عن "الديمقراطية"؛ لكنّهم، في حديث "الواقع" عنهم، أكثر الناس افتقارا إليها. وأحسب أنّ "التجربة الديمقراطية" في العالم العربي (أو مأساة الديمقراطية عندنا) لم تنجح إلا في شيء واحد هو إقامة الدليل على أن "لا ديمقراطية حيث لا وجود للديمقراطيين".
ويكفي أنْ نسمع عربيا، أكان "حزبا" أم "قائدا في حزب"، يتحدث عن "ضرورة وأهمية إدخال الديمقراطية في حياتنا السياسية" حتى نتأكد أنّ هذا الحزب أو القائد (المعارِض) لم يملك بعد من "السلطة" ما يحمله على التخلِّي عن خطابه الديمقراطي، وكأنَّ هذا الخطاب تُستنفَذ أغراضه عند مغادرة "موقع المعارضة"!
لقد عرفت شعوبنا ومجتمعاتنا العربية نمطين من القادة: نمط لا يحظى بتأييد شعبي يُذكر على رغم أنَّ "صندوق الاقتراع"، وغيره من "وسائل التعبير عن إرادة الشعب"، يؤكد، دائما، أنّه يحظى بتأييد شعبي لا مثيل له، ماضيا وحاضرا ومستقبلا؛ ونمط يحظى بتأييد شعبي واسع وحقيقي على رغم أنَّ صلته بالديمقراطية الحقيقية معدومة!
"النمط الثاني" لم يُعطِ الشعب الذي يحبُّه، والذي يجد فيه "المنقذ" و"المخلِّص"، شيئا من حقوقه وحرِّياته الديمقراطية، فهذا النمط أتقن لعبة استثارة "المشاعر القومية (والدينية)" للشعب، الذي في سبيل قهر "العدو القومي" رضي بالقهر، وبالتنازل عن حقوقه وحرياته الديمقراطية، وكأنَّ الشعب المهزوم ديمقراطيا يمكن أنْ ينجب قادة يجلبون له "النصر القومي"!
ومع تحوُّل "الهزيمة الديمقراطية" إلى "هزيمة قومية" بدأ البحث عن نمط قيادي ثالث. وهذا النمط نراه، الآن، في وضوح في العراق.
وإذا كان من "سؤال تاريخي" يشغل ذهن صانع هذا النمط الجديد من القيادة فإنَّ هذا السؤال (المحاولة) هو: كيف نقيم في العراق ديمقراطية من النمط الذي يُنتِج قيادات عراقية تحظى بتأييد جماهيري واسع وحقيقي؛ ولكنَّها لا تملك، في الوقت نفسه، من "المصالح الواقعية" و"الأهداف النهائية" ما يحملها على استخدام وزنها الجماهيري في إنقاص "وزن النفوذ الإمبريالي" للولايات المتحدة في العراق، حاضرا ومستقبلا؟
"الجواب" يمكن العثور عليه في "المسألة الشرقية"، فالعصبية دون القومية، أي عصبية "الطائفة" (الدينية) و"العشيرة".. ، يمكن بعثها وتقويتها وجعلها في شكل "مؤسسة" حتى يصبح ممكنا إنتاج قيادات "ديمقراطية" تمثِّل "الجماهير" التي تبحث عن خلاصها عبر مؤسسات "العصبية دون القومية".
ومع "تحرير" هذه العصبية من قيودها القديمة تحوَّل "التحرير الديمقراطي" للشعب العراقي إلى "تحرير" له من "الوعي القومي"، فظهرت القيادات الطائفية والعشائرية، التي، بفضل بعث الروح الطائفية والعشائرية، ما عاد من سور صيني يفصل بينها وبين "الجماهير"، التي "تزحف" على بكرة أبيها تلبية لنداء "الزعيم الجديد"، الذي لا يخشى "الانتخابات" و"صندوق الاقتراع"؛ لأنَّ "المرشَّح" و"الناخب" هما، الآن، من إنتاج العصبية الطائفية والعشائرية، فالديمقراطية التي للولايات المتحدة مصلحة حقيقية في أنْ تسبغ نعمتها على "الشعب العراقي" هي التي تهدم "الكيان والوعي القومي" لهذا الشعب من أجل أنْ تبني "الكيان والوعي دون القومي". إنّها "الديمقراطية" التي تقول فيها الولايات المتحدة للعراقيين: "لكم النجف والصحن والمفاتيح.. لكم كل ما فيه نفع لكم في دنيا الطائفة والعشيرة، ولنا النفط"!
في "التجربة العراقية" رأينا "المستقبل العربي" الذي تتوفر الولايات المتحدة على صنعه، فكل ما يمتُّ بصلة إلى الوجود والوعي القوميين يجب أنْ يُهدم ويُدمَّر من أجل أنْ تظهر تلك القيادات التي تضرب جذورها عميقا في "جماهير" خلقتها "العصبية الطائفية والعشائرية على مثالها. في هذا النمط من الديمقراطية، الذي لا يمتُّ بصلة إلى المحتوى الحضاري والإنساني للديمقراطية، يصبح ممكنا عقد صلح تاريخي ما بين "العصبية دون القومية"، قيادات وجماهير، و"الهيمنة الإمبريالية" للولايات المتحدة؛ فهذا النمط من "ألمانيا" أو "اليابان" هو وحده الذي يمكن أنْ تقوم له قائمة في العالم العربي في زمن انتهاء "الحرب الباردة" وتحوُّل الولايات المتحدة إلى "القوة العظمى في العالم"!