الإجابة النهائية عن سؤال قديم!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4491 - 2014 / 6 / 23 - 13:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


الولايات المتحدة هي الآن، ومنذ سنة 2011، في حُكْم المُنْهِيَة، رسمياً، احتلالها العراق؛ لكن، لماذا غَزَتْهُ واحتَلَّتْهُ؟ كل أجوبتها عن هذا السؤال كانت أبْعَدَ ما يكون عن "الحقيقة"، التي تعرفها وتدركها هي أكثر بكثيرٍ من غيرها؛ والآن، يجيب الواقع العراقي بنفسه عن السؤال، وبما يُنْصِف "الحقيقة" التي أنكرتها الولايات المتحدة زمناً طويلاً؛ فلأجْل هذا الذي يَحْدُث الآن في العراق، وفي جواره الإقليمي عمَّا قريب، احتلت الولايات المتحدة العراق، وأطاحت صدام حسين، وأعدمته. وقَبْل أنْ تُنْهي احتلالها للعراق، اعترفت الولايات المتحدة بأنَّ ترسانة صدام من الأسلحة الكيميائية ما كان لها وجود؛ لكنَّها ظلَّت مستمسكة بذريعة "نَشْر الديمقراطية، والتأسيس لعراق ديمقراطي"؛ ولقد عَرَفَت الولايات المتحدة كيف تؤسِّس لـ "ديمقراطية" في العراق، تَخْتَصِر المسافة بينه وبين الاقتتال الطائفي، والحروب الأهلية، والتقسيم الدَّامي.
وفي تعليق له عَمَّا يحدث الآن في العراق، قال أوباما: "مَنَحْنا العراق فرصة لتأسيس نظام ديمقراطي جامع، يتخطَّى حواجز الطائفية، ويبتني مستقبلاً أفضل لأطفال العراق؛ لكن، ولسوء الحظ، رَأَيْنا كل هذا الذي وَقَع، ويَقَع، في العراق"؛ وفي الوقت نفسه، قال كيري إنَّ الولايات المتحدة غير مسؤولة عَمَّا يحدث في العراق!
ما نراه الآن في العراق لا يَعْدو كونه "النتائج (أو الأهداف) النهائية" لغزو الولايات المتحدة واحتلالها له. لقد هيَّأت الولايات المتحدة، وأعدت، كل شيء لهذا اليوم، وليَبْدو ما يَحْدُث عملاً عراقياً خالصاً، أيْ من صُنْع أيادي العراقيين أنفسهم، ولتَبْدو هي البريئة، النبيلة، والتي بذلت وسعها لثَنْي العراقيين عن الانتحار!
ما نراه الآن (في العراق وغيره) هو حرب عالمية ثالثة أضْرَمَت نيرانها القوَّة العظمى في العالم، في طريقة ذكية، خفية، وشيطانية، متوقِّعةً لها من النتائج ما يجعل عودتها إلى "حُكْم العالَم بلا منازِع (روسي أو صيني..)" مطلباً لعالَمٍ نُكِبَ بانفجارٍ (أو تفجيرٍ) من الداخل لكثيرٍ من دوله ومناطقه، أو بحروبٍ تتبادل أطرافها الفناء والدمار!
الولايات المتحدة ما عاد في مقدورها العيش في عالَمٍ تُنازِعها زعامته (السياسية والاقتصادية والمالية) قوى عدة، فعَزَمَت على التَّراجع إلى الوراء خطوات عدة لتَقْفِز، من ثمَّ، قفزتها التاريخية الكبرى، مستعيدةً حُكْم العالَم بلا منازِع؛ وفي أثناء هذا "التَّراجع التكتيكي المنظَّم" تَسْتَبْدِل "تفجير الأزمات" بـ "إدارتها"، تاركِةً الألغام التي زرعتها من قَبل، أيْ في أثناء إدارتها للأزمات، تَنْفَجِر، بدءاً بـ "الألغام العربية"!
الولايات المتحدة تريد حرباً عالمية من نمط مختلف وجديد؛ فهي ما زالت تَفْهَم الحرب العالمية الثانية على أنَّها الرَّحم الذي منه خَرَجَت عظمتها العالمية!
في أثناء "تراجعها التكتيكي المنظَّم"، تلعب الولايات المتحدة لعبة "إحداث الفراغ الاستراتيجي" في بعض المناطق، فيندفع منافسوها وخصومها (الدوليون والإقليميون) لملء هذا "الفراغ (الذي اصطنعته)"، والذي هو أقرب ما يكون إلى "الفخِّ" و"الهاوية"، فيقتتلوا ويصطرعوا، ويفقدوا السيطرة على كل نزاع، وليس على النزاع بينهم فحسب؛ وفي هذا الصراع "يموت" كثيرٌ من "كبار الدائنين" للولايات المتحدة، فتتخلَّص، في هذه الطريقة، من كثير من ديونها، ويغدو العالَم بأسره سوقاً كبيرة لصناعاتها العسكرية، فتدور عجلة اقتصادها بقوَّة صادرات الأسلحة، وتمتص (من طريق بيع السلاح) جزءاً هائلاً من كتلتها النقدية الخارجية (نحو 16 تريليون دولار). وأخيراً، تعود إلى العالَم في شكل المنقذ والمخلِّص، وبمشاريع تشبه مشروع مارشال، فيَغْدو القرن الحادي والعشرين قرنها.
الآن، والآن فحسب، أصبح في مقدور الولايات المتحدة تفجير "قنبلتها التاريخية"، ألا وهي تَرْك العالَم نهياً لحروبه القومية والعرقية والدينية والطائفية..؛ والسبب يكمن في "الاغتناء النفطي والغازي" للولايات المتحدة؛ فهذه الدولة، التي كانت في تبعية استراتيجية للنفط الأجنبي، والمتأتي من منطقة الخليج على وجه الخصوص، هي الآن دولة "مُسْتَغْنِية نفطياً"، قَيْد التحوُّل إلى الدولة الأولى عالمياً في تصدير النفط والغاز، والأولى عالمياً، أيضاً، في احتياطاتها من النفط والغاز.