الوضع الراهن في العراق من وجهة نظر أوروبية


خالد سالم
الحوار المتمدن - العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 15:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عدم الاستقرار المزمن في العراق

الحرب الأهلية في سورية وانتشار ظاهرة الجهاد الإسلامي
تتطلب معايير جديدة للتفاوض

خالد سالم (ترجمة)
بقلم خابيير صولانا *


العراق ينزف ويئن منذ عقود بعد أن استباحه الشرق والغرب بمباركة من نخاسي السوق العربية، فسقط أول عمود من أعمدة الخيمة العربية، واليوم تلحقه سورية، ليبقي عمودها الثالث هشًا، مصر، تعوي حوله الضباع على أمل أن يتهاوى. فُجع ظاهريًا العالم لما يحدث في بلاد الرافدين في الأيام الأخيرة. زادت البلبلة، فالغموض يلف الأحداث، وسط تضليل إعلامي من الأطراف كافة، وزاد الطين بلة موقف رجال الدين في العراق، سنة وشيعة، إذ وقف على النقيض من الآخر، فالسيستاني نادى بحمل السلاح، ورد عليه مفتى الديار العراقية، رافع الرافعي، بأن فتوى السيستاني طائفية، مؤكدًا بالأمس أن ما يحدث في المناطق الفاصلة بين كردستان العراق وبغداد هو أن "ثوار العشائر خلصوا الناس ممن يضربهم بالمدافع"، معتبرًا المالكي، رئيس الوزراء، موظفًا كبيرًا في الإدارة الإيرانية.وقال: "إذا تحرك المظلومون قالوا عنهم "داعش وارهابيين"، وما يحصل ثورة عارمة قد تقع فيها أخطاء. وأضاف: "لا نرضى بأن يكون العراق حديقة خلفية لإيران".

على أية حال فإننا نؤمن بأن "أهل مكة أدرى بشعابها" ولكن هذا لا يحول دون اقرارنا بأن ما يحدث للعراق بمباركة عربية، منذ مطلع الثمانيات، يجعل أي عربي يئن على هذا البلد العريق. ومن هذا المنطلق ارتأيت أن أترجم مقالاً لمسؤول أوروبي غربي، الإشتراكي الإسباني خابيير صولانا، الذي شغل مناصب عدة في بلده وفي أوروبا منذ وصول الاشتراكيين إلى سدة السلطة في إسبانيا، منها وزير التعليم، وزير الخارجية، أمين عام حلف الناتو...إلخ. وهو يلخص الوضع في العراق، والشرق الأوسط، من منطلق غربي، دون أن يحمل الغرب مسؤوليته في الكوارث التي حلت بهذا البلد العربي من تنكيل بشعبه ونزيف لاقتصاده وتدمير لتراثه وأنهاره.
أترك ترجمتي لقارئ موقع " الحوار المتمدن" لعلها تفيدنا قبل أن نندم على ضياع ما تبقى من هذا البلد موحدًا بفسيفسائه الهش القوي الذي قاوم خطوب الدهر وأطماع الجيران والغرباء. لكنني أعول على الذكاء التاريخي لهذا الشعب الأبي الذي سيستشعر الخطر وسيفوت الفرصة على المتربصين إلى أن يتعافى وينهض ويهب لشغل دوره الإقليمي.
نُشر المقال في صحيفة "إلبائيس" الإسبانية اليوم الثلاثاء، 17 يونيو/حزيران 2014، وإليكم الترجمة:
إن التقدم الأخير لتنظيم دولة العراق وسورية (داعش، أو EIIL بالإسبانية و ISIS بالإنجليزية)، يثبت أن المنطقة تعيش عدم استقرار مزمن بعد أكثر من عشر سنوات على الحرب على العراق. والشرق الأوسط واحد من بؤر النزاع الجيوسياسية في العالم، ومن الضروري تغيير إطار الأداء لمجابهة التحديات بشكل ملائم.
أعني هنا التحديات المتوالدة والمرتبطة ببعضها. فطبيعة داعش تثبت هذا: إذ أن أداءها عابر للحدود، ووطنها –دولة خلافة تُحكم بالشريعة الإسلامية- تشمل مساحة واسعة من البلاد تشغلها اليوم سورية والعراق. وداعش تنظيم جهادي إسلامي سني تعود أصوله إلى فرع تنظيم القاعدة في العراق. وكان قد ولد من رماد الغزو الأميركي للعراق، واتخذ اسمه الحالي ابتداءً في عام 2012. وفي فبراير 2014 طُرد من تنظيم القاعدة، واليوم وجد أرضًا خصبة للانتشار جراء الحرب الأهلية في سورية والغضب الشعبي العراقي من حكومة بغداد. يمثل العراق خط المواجهة الكبير بين السنة والشيعة، مذهبا الإسلام اللذان يحددان المواجهة الإقليمية. البلد يعاني مشكلات خطيرة في مضمار عدم الاستقرار منذ سنوات. لم يتحسن الوضع بعد سقوط نظام صدام حسين باستثناء كردستان، شمالي البلاد. ما يحدث الآن في العراق هو نتاج عدوى الحرب في جارته سورية، إذ يعاني جهاد داعش. وهذا المسرح سيؤدي إلى نتائج ستعبر الحدود العراقية، فالمنافسة بين داعش –المنظمة الإرهابية السنية- والقاعدة من أجل الهيمنة ورفع راية الجهاد الإسلامي ستؤدي إلى محاولة كلاهما ابداء تطرف ضد الغرب لمحاولة جذب المواطنين الأكثر تطرفًا.
الحرب الأهلية السورية، سبب انتشار داعش ورأس حربة الصراع القائم في المنطقة تحتاج إلى معايير تفاوض جديدة تزيل الجمود من المأساة داخل هذا البلد والوضع المزري لللاجئين في دول الجوار. فوز بشار الأسد الأخير في الانتخابات أدى إلى زيادة الجرح عمقًا. إلا أن المعايير الجديدة ضرورية أيضًا لحل الصراع العراقي ومسيرة السلام في إسرائيل وفلسطين، وفي نهاية المطاف لتوازن القوى في الإقليم –التي تخيم عليها المواجهة بين العربية السعودية، السنية، وإيران، الشيعية.

التفاوض الإيراني يمكن أن يؤدي إلى ازالة الجمود عن الوضع في سورية

الولايات المتحدة الأمريكية تعيش مرحلة جديدة من السياسة الخارجية، فهي أقل استعدادًا لاستخدام الدبلوماسية الرادعة، وطرأ تغيير على موقف اللاعبين الإقليميين تجاه تصرف واشنطن. لقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية جزءًا من ثقة حلفائها التقليديين، كالعربية السعودية، لسببين رئيسين. السبب الأول يكمن في عدم التدخل المباشر في سورية، وزاد بعد أزمة الأسلحة الكيماوية. والثاني يكمن في أن العربية السعودية متوجسة من التفاوض مع إيران، وتخشى تطبيع العلاقات مع من ترى فيها منافسها الإقليمي. هذا بالإضافة إلى أن واشنطن ليست لديها القدرة على الانفراد وحدها بقيادة عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين. جمود المفاوضات، رغم جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، تثبت هذا. وعليه فإن القوة العظمى الأمريكية تحتاج إلى التزام مجموعة أوسع من الفاعلين لاستقرار المنطقة.
شلومو بن عامي، وزير إسرائيل الأسبق (2)، لخص الوضع مؤخرًا في ما أسماه "نموذج جديد للسلام" من أجل مفاوضات بين إسرائيل وفلسطين. وهذا سيؤدي إلى فضاءات أوسع للفتاوض ومشاركة أكبر لفاعلين مثل الإتحاد الأوروبي وروسيا، بالإضافة إلى دول عربية محورية أخرى. وينبغي أن ينسحب هذا النموذج على مفاوضات جنيف الخاصة بالحرب الأهلية في سورية حيث يمكن أن تؤدي إلى فضاء أوسع للتفاوض يشمل العربية السعودية وإيران وتركيا ومصر.
إن توسعة فضاء التفاوض هذا أمر ضروري للعثور على لاعبين يقبلهم الطرفان، بحيث تشمل عملية التفاوض عنصر التوازن الإقليمي. وغير ذلك فإن أي نزاع مستقبلي قد يندلع في اشرق الأوسط من شأنه أن يمتد إلى باقي الإقليم، أو يمكن أن يؤدي إلى ديناميكيات مواجهة بين اللقوى الإقليمية، ولكن على نطاق ضيق –مثلما حدث في بداية الحرب في سورية-. إذا لم يُدرج مكون التوازن الإقليمي في المفاوضات، فإن أي صراع –مهما كان صغره- يمكن أن يؤثر سلبًا على الاستقرار في الشرق الأوسط. وفي الحالة السورية فإننا نرى أن النتيجة الأكثر جلاءً لاطار حصري لحل النزاع سيقوم على أساس وضع سابقة التعاون بين القوى الإقليمية، وبشكل خاص إيران والعربية السعودية.
هناك أسباب تدعو إلى التفاؤل في التفاوض مع إيران، إلا أنه لا يوجد سبب واحد، حتى الأن، بخصوص سورية أو عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين. والدور التفاوضي الإيراني من شأنه أن يزيل الجمود من الوضع في سورية، وبالتالي في العراق، ولهذا فمن الضروري وضع مسرح جديد للالتزام مع الفاعلين الإقليميين الرئيسيين. وعدم الاستقرار المزمن يهدد الاتحاد الأوروبي، للقرب الجغرافي، ودولاً مثل الصين أو الهند، لتبعيتهما في مجال الطاقة. والتبعية المتبادلة تجعلنا جميعًا جيرانًا، وأمام مشكلات كونية يصبح من الضروري العثور على حلول مشتركة. والاتحاد الأوروبي، وعيناه على على أوكرانيا والسياسة الخارجية لروسيا، والصين، لديها نزاعات إقليمية في بحر الصين، أو الولايات المتحدة الأمريكية، في رحلتها نحو المحيط الهادئ، لا يجب أن ينسوا أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يؤدي إلى تهديدات خطيرة للأمن الإقليمي.


هامش:
* وزير تعليم ثم خارجية إسبانيا الأسبق وأمين عام الناتو لاحقًا.
(1) Javier Solana es distinguished senior fellow en la Brookings Institution y presidente de ESADEgeo, el Centro de Economí-;-a y Geopolí-;-tica Global de ESADE.
(2) شلومو بن عامي، إسرائيلي من أصل مغربي، لعب دورًا بارعًا في الاختراق الإسرائيلي للمجتمع الإسباني ثقافيًا واعلاميًا بينما كان سفيرًا في مدريد في نهاية الثمانينات.
(3) رابط المقال الأصلي بتاريخ 17/06/2014 هو:
http://elpais.com/elpais/2014/06/16/opinion/1402941552_147025.html