سنوات الجمر ... فى عمر مصر (2011 - 2014) : الجزء الأول.


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 4477 - 2014 / 6 / 9 - 19:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مع إنتهاء شهر يونية الجاري (2014) تكون ثلاث سنوات ونصف شديدة الخطورة فى تاريخ مصر المعاصر قد إنقضت. ولا شك أن حجم "غير المعلوم" من خفايا الأدوار يبقى كبيرا جدا ، الا أن حجم "المعلوم" يسمح بقراءة أولية لما شهدته مصر ما بين 25 يناير 2011 و 8 يونيه 2014. وفى هذا المقال "أحاول" تقديم قراءتى لأحداث ما أظن أنها كانت من اهم مراحل تاريخ مصر . وستكون البداية بكلمة موجزة عما حدث فى مصر منذ يوم 25 يناير 2011 وحتى سقوط حسني مبارك يوم 12 فبراير أي بعد 18 يوما حافلة باﻷ-;---;--حداث الجسام. لاشك عندى أن حسنى مبارك واسرته وعصبة (أوليجاركية) السلطة والمال التى كونها جمال ابن حسني مبارك وفضيحة الإنتخابات البرلمانية التى طبخت فى أواخر 2010 صنعت كلها زخما شعبيا رافضا ، ولا شك أن كارثة توريث حسني مبارك منصب رئيس مصر لإبنه جمال كانت من بواعث ثورة الشعب التى بدأت يوم 25 يناير 2011. ولكننا نعرف اليوم أن غضبة الشعب هذه على ما ذكرته من مكونات عهد حسني مبارك وبالذات خلال سني النصف الثانى من فترة حكمه لم تكن هى وحدها وراء الأحداث التى أدت لسقوط حسني مبارك (ونهاية عهده الذى استمر لثلاثة عقود). فمن جهة ، كان هناك الحوار الأمريكى الإخوانى الذى بدأه سعدالدين إبراهيم فى 2003 والذى كان قد أثمر تفاهمات واسعة بين الجانبين صارت الولايات المتحدة معها مقتنعة بأن وصول الإخوان المسلمين لحكم مصر سيكون الأكثر تحقيقا لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن جهة أخرى كان هناك مئات الشباب المصريين الذين دربتهم مراكز بحوث أمريكية (مثل فريدوم هاوس وثيقة الصلة بالإدارة والمخابرات الأمريكيتين) على إسقاط النظم. وكان معظم هؤلاء الشباب من طبقات المجتمع المصري الدنيا ولكن وضعياتهم المالية إرتقت بشكل ملحوظ. كما أن قيادة التمرد اصبحت بعد أيام قليلة فى يد الإخوان المسلمين الذين لم يكونوا فى الصورة خلال الأيام الأربعة الأولى للتمرد الشعبي. وأخيرا ، فإن العنصر الفلسطيني الحمساوي قد دخل هو أيضا لمسرح اللأحداث بعد بضعة ايام من بدايتها يوم 25 يناير 2011. وفى إعتقادى أن المستقبل سيتيح رؤية وفهم كل جوانب ما حصل قبل 25 يناير 2011 وبعدها وحتى تنازل حسني مبارك عن السلطة مساء يوم 12 فبراير 2011. ولا شك أن من أهم تداعيات تلك الأيام العاصفة قرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية ليس فقط بعدم توجيه أسلحة الجيش للمصريين المحتشدين فى الميادين المصرية ومطلبهم الأول هو رحيل حسني مبارك بل والإنحياز لهم وحمايتهم. وأغلب الظن أن عدة سنوات ستمر قبل أن نعرف الكثير عن موقف المجلس الأعلي للقوات المسلحة وبواعثه ورؤيتة أعضاء المجلس لعواقب وتداعيات موقفهم. كذلك ، فإننا وان كنا اليوم نعلم ان دولتى تركيا وقطر قد لعبتا أدوارا عدة قبل وبعد 25 يناير ، الا ان توثيق الدورين التركى والقطري سبحتاج لسنوات تتكشف خلالها أسرار تفاصيل هذين الدورين والذين تكررا فى ليبيا وسوريا . وبعد تنازل حسنى مبارك عن منصبه كرئيس لمصر وهو التنازل الذى أعلنه (من داخل مقر وزير الدفاع) دخلت مصر مرحلة "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" التى إكتنفها (ولا يزال يكتنفها) غموض كثيف. فمن البداية بدأت القرارات الغريبة والمعيبة. فقد عهد المجلس العسكري لشخصية إخوانية (طارق البشري) بوضع الخطوط الدستورية العامة للمرحلة الإنتقالية. ومع إستفتاء 19 مارس 2011 الذى أكد أن المرحلة الإنتقالية تسير على هوي جماعة الإخوان المسلمين بدأت مصر مسيرتها تجاه إنتخاب رئيس إخوانى. واذا كانت المرحلة الإنتقالية قد استمرت لأقل قليلا من سنة ونصف ، فإن كل أيامها إتسمت بالتخبط والخضوع لإرادتين : إرادة الولايات المتحدة التى كانت تعبر عنها سفيرة كانت تتصرف بما يوحي أن مهمتها الأولي هى إيصال الإخوان المسلمين لحكم مصر ، وقد أتيح لي أن ألتقي بها (أي بالسفيرة آن باتيرسون) وأن أتيقن من طبيعة وهدف مهمتها. أما الإرادة الثانية التى خضع لها المجلس الأعلي للقوات المسلحة فكانت إرادة جماعة الإخوان المسلمين. وخلال اسابيع وشهور هذه المرحلة فقد أخذ نفوذ الإخوان فى التصاعد. وستبقي هناك أسئلة عديدة بحاجة لإجابات موثقة مثل : لماذا وكيف أختير طارق البشري وإخوانى بارز آخر (صبحي صالح) لرسم الإطار الدستوري لمستقبل مصر السياسي ؟ ... من الذى كان يختار الوزراء ورؤساء الحكومات ومن بينهم الكثير من الإخوانيين (مثل : هشام قنديل) ؟ من المسئول عن العديد من أحداث العنف الكبيرة مثل أحداث محمد محمود وماسبيرو ؟ هل بالفعل لم تكن أوراق عمر سليمان كمرشح لرئاسة الجمهورية غير كاملة أم أنه كان من المرغوب فيه التخلص منه ؟ هل فعلا فاز محمد مرسي أم أن الفائز (كما أعلم أنا) كان أحمد شفيق ولكن الإخوان والسفيرة الأمريكية قاما بالضغط حتى تم إعلان فوز محمد مرسي ؟ وتفسيري الخاص وبدون توثيق أن المجلس العسكري لم يكن موحدا وكان تحت ضغوط رهيبة من الجانب الأمريكى ومن جانب الإخوان . وسيكشف المستقبل عن كل او بعض حقائق هذه الأمور المضفرة حتى الآن بالغموض. ولكن كاتب هذه السطور يعلم يقينا أن أهم ما ميز هذه المرحلة انما كان الضغط الأمريكى والإخوانى لتصل الأمور ليوم إعلان فوز محمد مرسي بمنصب رئيس مصر وهو ما اعتبره كثيرون أسوأ وأسود يوم فى تاريخ مصر المعاصر. ----------------------------- إنتهى الجزء اﻷ-;---;--ول من سلسلة "سنوات الجمر فى عمر مصر".