موازين ومجازر


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4475 - 2014 / 6 / 7 - 07:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ان المتتبع لتسارع الازمة وتعمقها في بلادنا وما تقود اليه يوميا من مشاهد قد تصيب المواطن العادي بالدوران والالتباس. فما نشاهده اليوم من اسلوب ملتبس في تدبير الازمة الاقتصادية وما يواكبها من ممارسات سياسية لدعم ذلك الاسلوب الملتبس في تدبير الازمة يتطلب من المثقفين تشريحا دقيقا لفهمه وبالتالي الاعتماد على خلاصاته لبلورة مواقف نضالية ملائمة تواكب الاحداث الجارية وترد عليها بكل قوة حتى لا تدمر كليا الطبقات الشعبية المسحوقة والبيئة التي تعيش وسطها.

فالمشهد الاقتصادي المغربي يبين لنا من جهة تعمق حجم المديونيتين الداخلية والخارجية وتعمق العجوزات الماكرو اقتصادية: عجز الميزان التجاري وعجز ميزان الاداءات وعجز الميزانية العامة، وفي نفس الوقت الذي تلجأ فيه الحكومة الى سياسات تقشفية واسعة وإلى تجميد الأجور أو اعتماد زيادات تافهة في الاجور 10 في المائة مقابل رفع جميع أسعار المنتجات والخدمات تتجاوز نسبة 350 في المائة انطلاقا من صيف 2012، نجد أن هذه الحكومة تعتمد مشاريع ضخمة (ميغا مشاريع) غير منتجة ومبددة لمبالغ مالية ضخمة متأتية من فوائض القيمة المنهوبة من العمال والفلاحين الفقراء، كما هو الشأن بالنسبة لمشروع القطار فائق السرعة تيجيفي، وتنظيم مهرجانات غير منتجة تبدد فيها الملايير كما هو الشأن بالنسبة لمهرجان موازين... الى جانب هذا وذاك ومن اجل اخراس أي احتجاج على ما تقوم به الحكومة من عربدة اقتصادية وسياسية تلجأ إلى قرارات وممارسات وقوانين ديكتاتورية قمعية تتضمن كل ما يمكن ان يخطر على البال من اختطافات وتعذيب وقمع الاحتجاجات الشعبية واحتجاجات حركة 20 فبراير واخراس الطلبة اتجاه سياسات التعليم العالي المخربة للتعليم الجامعي، بل أن الأمر قد يصل الى حد التسبب في سقوط ضحايا قتلى تحت القمع والتعذيب، انظر على سبيل المثال سقوط شهداء مثل كريم الشايب بصفرو وخمسة شباب في الحسيمة وكمال الحساني ببني بوعياش وكمال العماري وبودروة في آسفي ومؤخرا كريم الأشقر بالحسيمة.

إذن فالحكومة لا تتسامح فيما تسميه بالعمل على استعادة هيبة الدولة (بمعنى ان تعربد الحكومة كما تشاء دون ان السماح لأحد بأدنى احتجاج وتلك هي لعمري طبيعة الفاشستية) والحكومة جادة في فرض عربدتها التي بلغت درجة العفو عن البيدوفيل دانيال الذي كان محكوما بثلاثين سنة سجنا مع القمع الوحشي للمحتجين على ذلك ثم العفو التام عن كافة ناهبي المال العام بمجرد مقولة تلفظ بها بنكيران وهي "عفا الله عما سلف". فالحكومة إذن تبذر الملايير على مهرجان تافه كموازين وترتكب بتزامن مع ذلك مجازر في حق الساكنة المسحوقة بكاريان سانطرال بالدار البيضاء وتشردهم دون ضمان اعادة اسكانهم، وهي تفعل ذلك كما لو أنها تغطي على تلك المجازر بالرقص والغناء في مهرجان موازين لتقول للعالم بان الشعب المغربي سعيد بحكومته وهو متوافق معها تماما في جميع التدابير السياسية التي تقدم عليها. كما أن الطبقة السياسية والنقابية تتصنع المعارضة العقيمة وتفتعل بعض الاحتجاجات الرمزية لتمكين بنكيران من متابعة سياساته والتي تترك الشعب مشدوها مشدودا إلى المسرحية الهزلية التي تجري أمامه أبطالها شعبويون يتحركون كالكراكيز من أمثال بنكيران ولشكر وشباط ونبيل بنعبد الله.

الاقتصاديون البرجوازيون يعلمون خطورة الازمة الاقتصادية الرأسمالية الحالية ومدى تعمقها والمتولدة أساسا عن ازمة الانتاج الزائد وعن احتباس اي امكانية لتصريف تلك المنتجات الزائدة نظرا للانغلاق المتزايد للأسواق الخارجية، وهم يعلمون أن لا فائدة ترجى من السوق الداخلي نظرا لضعف الأجور وعدم قدرة الطبقتين العاملة والبرجوازية المحليتين على امتصاص كامل الانتاج الزائد المحلي والدولي. وبما ان البرجوازية التي انهارت ارباحها لن تقبل ابدا بإقفال وتحطيم وسائل انتاجها نظرا لضخامة تلك الوسائل وضخامة قوى الانتاج التي تختزنها والمتأتية طبعا من نهب قوة العمل أي من فوائض القيمة المقتطعة من الطبقة العاملة، فإن البرجوازية تستعيض بدلا من ذلك بأدواتها الديكتاتورية وهي آليات الدولة والحكومات القمعية المتواطئة معها والتي تصل الى الحكم بدعم منها وتلك هي حالة الحكومات المتعاقبة من عبد الرحمان اليوسفي الى غاية عبد الالله بنكيران، فتلجأ الى هذه الادوات للضغط على الاجور وإلى تحطيم كافة التعويضات غير المباشرة المتمثلة في الخدمات العمومية المجانية أو ذات الرسوم الرمزية، كالتعليم والصحة والتقاعد ورفع اسعار المنتجات والخدمات. وكلها اجراءات من أجل توفير فوائض مالية كافية لاستمرار هذه الحكومات وأدواتها القمعية على رأس هرم السلطة واعادة انتاج نفسها ونفس الوضعية عقب كل انتخابات دورية.

إذن فتعمق الازمة أدخلت البلاد والمجتمع المغربي في دوامة متهالكة باستمرار نحو القعر لا أمل ولا فكاك فيها للطبقة العاملة غير المزيد من الاستغلال والنهب، محطمة في طريقها كل المكتسبات التاريخية النسبية. بل أن الأزمة الاقتصادية ألهبت الأزمة السياسية، فلن تتمكن أية حكومة برجوازية مقبلة سواء كانت يمينية أو اشتراكية أو اسلاموية من الافلات من براثين نزوات التحالف الطبقي الحاكم للحفاظ على استمرارية انماط انتاجه وعيشه وتحقيق معدلات عالية من الأرباح ولو كانت على حساب رفع متواصل لمعدلات البطالة والفقر والقدف بشرائح واسعة من المجتمع خارج العمل، وتحويلهم الى ساكنة زائدة. فنحن نعيش إذن وضعية تفكك مجتمعي غير مسبوقة، نظرا لأن فقدان المجتمع لبوصلة المستقبل يدفع الشباب الى الهجرة في قوارب الموت والى العنف والجريمة والتطرف ويؤدي إلى تفكيك الأسر ودفع المثقفين والفلاسفة الى الاغراق في التيهان والشعر والادب والغناء الى مجرد زعيق بدون محتوى. انها وضعية التفكك المواكبة لزمن احتضار نمط الانتاج الرأسمالي اقتصاديا وسياسيا والذي أصبحت له آثار مدمرة تفوق ما تخلفه الحروب على المجتمعات، بل أن هذه الوضعية قد تدفع بالأزمة السياسية الى التخندق أكثر فأكثر في تبرير الممارسات الفاشستية والتي تؤدي إلى سيرورة تسود خلالها ثقافة حربية ترى في الحرب الامكانية الناجعة للتخلص من الأزمتين الاقتصادية والسياسية.

التزامن بين مهرجان موازين والمجازر المرتكبة في كاريان سانطرال وأيضا ضد شباب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في فاس ومكناس ومراكش وآكادير وأيضا شباب حركة 20 فبراير في كافة المناطق، يعبر بكل وضوح عن الافلاس الاقتصادي والسياسي وعن تعمق الشروط الموضوعية للازمة الثورية والتي لا تزال تفتقد الى شروطها الذاتية الغائبة وهو الغياب الذي يدفع الحكومات المتعاقبة الى الاصرار على المزيد من العربدة والقمع والفاشستية.