من نحن نوّاب الشعب إلى نحن الشعب


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4472 - 2014 / 6 / 3 - 14:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


الآن وقد شارف نوّاب المجلس التأسيسى على الانتهاء من أعمالهم، وإن كان يعزّ عليهم مفارقة مناصبهم، يحقّ لنا التساؤل ماذا بقى فى ذاكرة التونسيين بشأن أداء من انتخبوهم ليمثّلوا مصالحهم؟ يتفاوت أداء النوّاب من شخص إلى آخر، ومن فئة إلى أخرى، وكذلك من سياق زمنيّ إلى آخر وفق جسامة الأحداث وأهميّتها، ولذلك لا يمكن تعميم الانتقاد، والحديث عن جميع النوّاب، وكأنّهم يمثّلون كتلة منسجمة. وعلى هذا الأساس يجب التمييز بين:

• من كان/ت حاضرا وفاعلا يستغلّ الفرصة ليتمرّن على الممارسات الديمقراطية، يطّلع ويقارن بين مختلف تجارب التحوّل الديمقراطى، ويحضر الندوات ويصغى إلى المواطنين فى الجهات، ويراجع مواقفه على امتداد الشهور، ويعدّلها مستفيدا من الملاحظات التى توجّه له، ويتدرّب أيضا على التعامل مع مختلف وسائل الإعلام قديمها وجديدها، مغيّرا ملبسه، وطريقة ظهوره، وحركات جسده...ومستعرضا عن ظهر قلب ما حفظه من مصطلحات (التوافق، الوحدة الوطنية، الثورة المجيدة...) يؤثّث بها خطابه حتى يبدو فى صورة «السياسيّ» المحنّك.

• من كان/ت يلعب دورا على الركح السياسى والاجتماعى، متسلّحا بلغة خشبية، وبصوت جهورى لا تنقصه سوى العصا متوهّما أنّه أكثر اقتدارا على الفصاحة والبلاغة من القوم الفرانكوفيين، فيجوّز لنفسه أن ينتقد ويؤنّب، ويسخر مستعملا «الهمز واللمز» والكتابة، والإرساليات القصيرة وغيرها من أساليب التواصل، لا يتوانى عن نصب الشراك، والتلاعب، خدمة لعشيرته وطاعة «لشيخه» متوهّما أنّه الداهية المحنّك سليل معاوية بن أبى سفيان.

• من كان/ت مروره فى المجلس مرور الطفيليّين، والمكدّين والمهرّجين، والبهلوانيين والشواذ ...لا ينفكّ عن إحداث الهرج والمرج والإثارة، إن لزم الأمر، لا همّ له سوى إرضاء غروره وإبراز نرجسيته، وصناعة صورة تلفت الانتباه فى عالم باتت فيه الرداءة موضوعا تتلهّف وسائل الإعلام على نقله ليغدو حديث الناس.

• من كان/ت الحاضر الغائب: حاضر من خلال الجسد وهائم وشارد فكرا وروحا، لا يعنيه أمر ممّا يحدث لأنّه ببساطة قذف به بالمجلس وهو لا يفقه شيئا. فتراه يصوّت وفق مزاجه أو أوامر «الشيخ» يتحاشى وسائل الإعلام حتى لا يهتك سرّه فهو يتقاضى جراية ما حلم يوما بأن ينالها، يخترع المبرّرات لتغدو حلالا فى زمن صار فيه استهلاك الحلال موضة العصر.

كلّ هؤلاء مرّوا على الصراط بعد أن سُمح لوسائل الإعلام مواكبة أعمالهم تطبيقا لمبدأ الشفافية. فأمكن للتونسيين مشاهدة هذه الفئة التى احتجّت بشرعيتها لترفع صوتها عاليا مدعيّة التعبير عن مطالب الشعب ولكن سرعان ما اكتشف الناس أنّ النواب انتقلوا من تمثيل مصلحة الشعب وسيادته والنطق والحكم نيابة عنه... إلى الهيمنة والتسلّط وخدمة المصالح الخاصة أو الحزبية فلا غرابة أن تنتشر ظاهرة السياحة الحزبية، وترتفع الأصوات مدافعة عن الزيادة فى الأجور، وأن يتخاصم النواب بسبب غياب العدل فى السفر ونيل الامتيازات...

سيسدل الستار على هذه المسرحية، وسيخفت البريق، وسينسى الناس وجوها احتلّت الشاشات رغما عنهم، وسيبقى فى الذاكرة:

ــ إنّ من طالبوا بمساءلة الوزراء لم يخضعوا للمساءلة، ولم يحاسبوا على أموال اهدرت، وأوقات ضاعت، وأحلام تبدّدت، ووعود لم تتحقّق، ومصالح تعطلّت، ونسيج اجتماعى تمزّق، وعنف استشرى، وإحباط تسلل إلى حياة التونسيين.

-إنّ من تحدّثوا عن سردية الثورة المجيدة، وضرورة التحصين خوفا من الثورة المضادة، وادّعوا الوفاء لروح الشهداء وخدمة جرحى الثورة لم يكونوا أقلّ جرما ممن كانوا يضربون البناء الديمقراطى فى العمق.

ــ إنّ من حكموا باسم الشعب فشلوا ووقعوا فى مأزق لم ينجوا إلاّ بتدخّل «أطراف خارجية»: الرباعى الراعى للحوار، و«أصدقاء» تونس و«عرّابي» المسار الانتقالي.

نسوق هذا الحديث عن المجلس التأسيسى باعتبار أنّ الدراسات التى اجريت حول أشكال المشاركة فى الانتخابات تثبت أنّ المشاعر والانفعالات والعواطف تعدّ من أبرز من العوامل المؤثرة فى الانتخابات. وهذا يعنى أنّ صورة، وسلوك، وأداء نوّاب الشعب... ستتماهى فى متخيّل شرائح من التونسيين مع صورة نوّاب المجلس التأسيسى الذين فشلوا فى إقناعنا بوجود طبقة سياسية يعوّل عليها، بل إنّهم سمحوا لوجوه من زمن الاستبداد أن تعود، ولممارسات «العهد البائد» بأن تتكرّس من جديد، وهو أمر لا يبشّر بخير. فهل سيعتذر النوّاب عمّا فعلوه؟ وهل سيعترفون بانعكاسات أدائهم الرديء على العمليّة الانتخابية؟