خليفة حفتر: بصيص أمل فى ليبيا؟


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 10:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     


1: ليبيا فى حالة خطيرة بل كارثية .. وكان يمكن القول منذ فترة قريبة إن ليبيا ضاعت غارقة فى مستنقعات التطورات والتداعيات والمسارات الفعلية لثورتها فى 17 شباط/فبراير 2011! غير أن ظهور اللواء الركن خليفة حفتر على رأس حركة الكرامة، الهادفة إلى "تطهير ليبيا من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وغيرها من الجماعات الإسلامية الإرهابية"، أرسل إشارة تدل على بصيص أمل فى إنقاذ ليبيا وإنقاذ جيرانها ومنها مصر. وبدون إنقاذ ليبيا على أيدى حركة حفتر أو غير حفتر فإنه لا مناص من أن تتحول ليبيا إلى بؤرة إرهابية هائلة تدمر وتحرق كل من حولها: مصر، وتونس، والجزائر، والسودان، وتشاد، وغيرها، وكذلك التجارة العالمية فى البحر الأبيض المتوسط.
2: ولا جدال فى أن تطهير ليبيا من جماعات الأصولية الإسلامية الإرهابية صار حلما لا مناص من استكشاف حتى أمل مراوغ، وحتى بصيص أمل، والبحث عن أىّ فرصة تلوح فى الأفق، عن أىّ أمل منقذ! إنها حرب على نظرية "الإسلام هو الحل"، الذى جلب الخراب العاجل. ولكننا سرعان ما نجد أنفسنا أمام نظرية "الشعب هو الحل"، بعيدا الجيوش والسلطة والدولة. ولا جدال بالطبع فى أن "الشعب هو الحل"، غير أن هذا الحل، هذا الإنقاذ، لا يتحقق دون حركة وقيادة عقدت العزم على هذا الهدف النبيل، مهما كانت تناقضات الشعوب مع أهدافها الأخرى فى مدى أبعد.
3: ووفقا لمعلومات قليلة متوفرة، كان اللواء الركن خليفة بلقاسم حفتر، المولود فى بنغازى فى 1 يناير 1949، أحد ضباط انقلاب معمر القذافى فيما يسمى بثورة الفاتح من أيلول/سپتمبر 1969، وحصل على العديد من الدورات العسكرية منها (قيادة الفرق) فى روسيا بامتياز. وفى حرب أكتوبر، شارك حفتر فى عبور قناة السويس 7 أكتوبر 1973. وقاد خليفة حفتر القوات المسلحة الليبية خلال الحرب الليبية التشادية وانتصر هناك واحتل تشاد فى فترة قصيرة، وعند التدخل الفرنسى ضد ليبيا فى تلك الحرب، تم أسر حفتر مع مئات من الجنود الليبيِّين فى معركة وادى الدوم يوم 22 مارس 1987. وبعد الأسر انشقَّ هو وبعض من رفاقه من الضباط على القذافى فى سجون تشاد وتم الإفراج عنهم وغادروا إلى الولايات المتحدة بعد وصول إدريس ديبى إلى السلطة فى تشاد ضمن صفقة لتكوين معارضة هناك. وفى أواخر 1987 قرر حفتر ومجموعة من الضباط وضباط صف وجنود ومجندين الانخراط فى صفوف الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة، وأعلنوا فى 21 يونيو 1988 عن إنشاء الجيش الوطنى الليبى كجناح عسكرى تابع لها تحت قيادة حفتر. وسرعان ما انتهى أمر الجيش الوطنى الليبى، وتم ترحيل أعضائه بمروحيات أمريكية إلى داخل الولايات المتحدة حيث أقام، واستمر معارضا لنظام القذافى هناك طوال 20 عامًا. وعاد حفتر من منفاه فى مارس 2011 لينضمّ إلى ثورة 17 فبراير 2011 وكان متواجدا فى بنغازى قبل دخول رتل القذافى فى 19 مارس 2011. وأثناء دخول الرتل كان متواجدا فى الميدان قرب مدخل بنغازى الغربى (كوبرى طرابلس). حيث كان له دور بارز فى دعم الثوار ماديًّا ومعنويًّا فى الجبهات. وخلال إعادة تشكيل الجيش الوطنى الليبى فى نوڤ-;-مبر 2011، توافق نحو 150 من الضباط وضباط الصف على تسمية خليفة حفتر رئيسًا لأركان الجيش، معتبرين أنه الأحقّ بالمنصب نظرًا ل "أقدميته وخبرته وتقديرًا لجهوده من أجل الثورة". وفى صباح الرابع عشر من فبراير 2014، ترددت أنباء فى مواقع إعلامية عربية حول قيام حفتر بتحرك عسكرى أعلن به إيقاف عمل المؤتمر الوطني. وفى 16 مايو أعلن اللواء خليفة حفتر انطلاق عملية الكرامة أو (كرامة ليبيا) وهى عملية عسكرية تهدف إلى "تطهير ليبيا من الارهاب والعصابات والخارجين عن القانون والالتزام بالعملية الديمقراطية ووقف الاغتيالات خصوصا التى تستهدف الجيش والشرطة"، كما تم إعلان تجميد عمل المؤتمر الوطنى العام، مع الإبقاء على عمل حكومة الطوارئ. وقد بدأت العمليات العسكرية بالاشتباك بين الجيش الوطنى الليبى بقيادة اللواء خليفة حفتر مدعومًا بقيادات فى القوات المسلحة الليبية بمختلف فروعها فى عدة مناطق من ليبيا بينها المرج، وطبرق، وطرابلس، والزنتان وبنغازى وبين ميليشيات إسلامية مثل أنصار الشريعة وميليشيات 17 فبراير و راف الله السحاتى ومجموعات إرهابية من درنة. كذلك وقعت اشتباكات بين قوات عسكرية أعلنت انضمامها لعملية الكرامة وبين ميليشيات إسلامية فى طرابلس (مقتطفات من ويكيپيديا). ولهذا توجد شكوك حول علاقته بأمريكا، وإن كان ينفى دعمها فى الوقت الحالى لحركته، كما أن هناك إشارات إلى تعاونه مع الإخوان المسلمين فى فترة سابقة قبل أن ينقلب عليهم انقلابا كاملا وقبل أن يجعل تطهير ليبيا منهم هدفه المعلن. ويصف الرئيس المصرى الجديد القادم عبد الفتاح السيسى الذى كان ضابطا صغيرا فى حرب أكتوبر اللواء خليفة حفتر بأنه أستاذه. ويبدو أنه لا مناص من تعاون وثيق بين الرجلين بحكم المصلحة المصيرية المشتركة.
4: وإذا نظرنا من الزاوية المصرية فإنه يمكن القول إنه إذا تحققت لمصر غايتها فى تحرير نفسها من الأصولية الإسلامية الإرهابية للإخوان والسلفيِّين، وفى تحسين مستويات المعيشة إلى حد ما، وفى تحقيق مستويات معقولة من التنمية البشرية، وفى تحقيق خطوة معقولة فى مجال التصدِّى لمتلازمة الفقر والجهل والمرض التى ستلاحق الحكم الجديد باحتمال موجات أخرى من الثورة "الشعبية"، وحتى فى تحقيق مستويات من التقدم الاقتصادى والتحديثى، حتى فى حدود ما تحقق فى بلدان ومناطق أخرى فى العالم الثالث، فإنها لن تكون حققت شيئا ما لم تتحرر من الخطر الإخوانى الليبى! لماذا؟ لأن ليبيا الجماعات الأصولية الإسلامية الإرهابية ستكون شوكة فى قدم مصر، وحجر عثرة فى طريق تقدمها خطوة واحدة إلى الأمام، من خلال تحالف الإخوان المسلمين هنا وهناك، والالتحام مع الإرهاب الإخوانى والدولى ومع كل التحالف الدولى الحالى بقيادة أمريكا وإسرائيل والقاعدة وحماس وقطر وتركيا فى ممارسة الهجوم الإرهابى المتواصل ومحاصرة مصر من الداخل والخارج. ولا يمكن استبعاد احتمال أن يؤدى استمرار الحالة الراهنة فى ليبيا إلى اضطرار مصر إلى التورط فى حرب دفاعية أو استباقية ضد ليبيا الإخوانية!
5: وهناك بوادر تغييرٍ فى الاتجاه من جانب أمريكا وأوروپا وغيرهما وتوابعهما داخل مصر من خلال التمويل والنفوذ الفكرى مع تراجع الحلم الإخوانى فى مصر والدولة الدينية فى منطقة الشرق الأوسط بكاملها؛ بما يتفق بطبيعة الحال مع السياسة الأمريكية الپراجماتية الانتهازية. وإذا استمرّ هذا الاتجاه فإنه سيكون عاملا إيجابيا يحل محل عامل التدمير الأمريكى للمنطقة من خلال الأصولية الإسلامية الإخوانية-السلفية الإرهابية. وسيكون لهذا تأثيره الإيجابى على التطورات السياسية فى ليبيا، خاصةً وأنه لا مناص من أن تعانى التجارة العالمية فى البحر الأبيض المتوسط من ويلات صوملة شاملة لليبيا.
6: وتواجه مصر خطر تحوُّل الإسلام السياسى الإرهابى بقيادة الإخوان المسلمين إلى رقم صعب كتنظيم إرهابى سرى كبير فى السياسة المصرية طوال عقود قادمة. وعلى الحكم المصرى الجديد وعلى الشعب المصرى كله تفادى هذا الاحتمال بقدر الإمكان من خلال سياسة عاقدة العزم ضد الأصولية الإسلامية الإرهابية أمنيًّا وسياسيًّا وفكريًّا من خلال إطلاق الحريات وإحقاق الحقوق، وتقدم الاقتصاد والتحديث. غير أن القضاء على خطر الإسلام السياسى الإرهابى سوف يستغرق زمنا غير قصير. وبدون القضاء على الأصولية الإخوانية الإرهابية فى ليبيا سيكون كل تقدم محتمل فى مصر بمثابة أضغاث أحلام وحرثٍ فى البحر. وكان نظام العقيد القذافى خطرا على مصر والعالم ولكنه كان، رغم خطورته البالغة، خطرًا متواضعًا للغاية بالمقارنة مع الخطر الجديد الذى يتشكل فى ليبيا منذ إسقاط القذافى. وبكل هذا صار يجمع بين الشعبين المصرى والليبى مستقبل واحد ومصير واحد وصار عليهما أن يعملا فى سياق سباق حثيث مع الزمن لتفادى الكارثة الكبرى المحتملة المتدحرجة الزاحفة!