الصدام المسلح الأول بين عبد العزيز آل سعود والاخوان الوهابيين


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 22:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
القسم الأول : القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز
الفصل الثاني : معارضة الأخوان الوهابيين لعبد العزيز في تقرير تاريخي
الصدام المسلح الأول بين عبد العزيز آل سعود والاخوان الوهابيين
قبل موقعة السبلة
1 ـ التزمت اغلبية الأخوان والعلماء بالحياد الحذر في النزاع الذي يوشك ان يتحول الي تمرد مسلح ،كانوا مقتنعين بالمكاسب التي حصلوا عليها عن طريق عبد العزيز ،الا انهم لم يقتنعوا بوجهة نظره الشرعية .وفي هذه الناحية تركزت دعاية الأخوان المعارضين على اتهام عبد العزيز انه يوالي الكفار، وانه طالب عرش وسلطان ،اما هم فانهم علي الدين الصحيح ،والدين الصحيح يعني من وجهة نظرهم هو الجهاد الذي منعه عبد العزيز بعد تحديد الحدود ،واقامة الإنجليز للحصون الدفاعية في الجزء العراقي من الحدود ،وتكثفت دعاية الدويش في هذا المجال ،وعقدت لقاءات في مساجد الهجر ، والتحق ابن بجاد بالارطاوية ليكون الي جانب الدويش وليترك الغطغط وهي قريبة من الرياض.فاصبحت الارطاوية مقر المعارضة ومأوي لعتيبة ومطير ،ومن الارطاوية انتشر الرسل علي الإبل الخفيفة الي تجمعات الاخوان ليلا في المساجد وعند الابار وفي الخيام تحمل اليهم الدعاية المضادة لعبد العزيز .
2 ـ وارسل الدويش رسالة الي عبد العزيز يقول فيها (لقد منعتني ايضا من غزو البدو ،وعليه فلا نحن مسلمون نحارب الكفار، ولسنا عربا وبدوا يغزوا بعضنا بعضا ،ونعيش علي ما يحصل عليه بعضنا من البعض الاخر ، لقد باعدت بيننا وبين اهتماماتنا الدينية والدنيوية ،صحيح انك فعلت الكثير لي ولأهلي ولكن الي اين تذهب بقية قبائلي ؟ إنهم سيموتون ،وكيف لنا ان نرضي عن ذلك ؟ لقد كان من عاداتك في الماضي ان تصفح علي كل من اساء او اخطأ،ولكنك الان تعاملنا بالسيف وتتغاضي عن النصاري وعن دينهم وعن قلاعهم التي انشأوها من اجل تدميرك ). قول الدويش لعبد العزيز : (لقد منعتني ايضا من غزو البدو ،وعليه فلا نحن مسلمون نحارب الكفار، ولسنا عربا وبدوا يغزوا بعضنا بعضا ،ونعيش علي ما يحصل عليه بعضنا من البعض الاخر ) يؤكد أن طبيعة الغارات القبلية المعتادة قد تم تحويلها بالوهابية الى جهاد دينى ، يستلزم فقط إعتبار الآخر كافرا مشركا يجب قتاله ونهب ماله وسبى نسائه وذريته . وحين أراد عبد العزيز تنظيم هذا الجهاد وفق الثوابت السياسية أصبح هو نفسه كافرا بالجهاد الوهابى والوهابية ، وأصبح هدفا للغزو متهما بالكفر .
3 ـ في هذا الوقت كان الدويش يجمع انصاره ويعد للواجهة المسلحة ،وعرض عبد العزيز علي الدويش ان يحتكم معه الي محكمة خاصة فرفض الدويش ،وطلب من عبد العزيز التنازل عن العرش ،والعودة الي النظام القديم ،ووضح تماما ان المنطقة قد دخلت بالفعل في مقدمات عصيان عسكرى .
4 ـ وفعلا نجح الدويش في جمع خمسة آلاف من الأخوان وهاجم بهم القري النجدية الوهابية وارغمهم علي دفع الجزية . يقول حافظ وهبة عن جهادهم الوهابى الذى مارسوه بلا رقابة من عبد العزيز : ( ثم أخذوا يتعدون على السابلة بدون أن يفرقوا بين أهل نجد ( الوهابيين ) وغيرهم ، وأخذوا يعملون السيف فى رقاب من توقعه الأقدار تحت أيديهم لأنهم كفرة ) واخذ الدويش يغزوا القوافل النجدية الوهابية ، واهمها هجومه علي تجار الجمال النجديين الوهابيين في الجميمة في ديسمبر 1928، وقد ذبحهم كلهم .
5 ـ بعدها ، لم يعد بوسع الأخوان الادعاء بأنهم يهاجمون الكفار ،ولم يعد بوسع ابن سعود ان يسكت امام هذا التحدي لزعامته والاعتداء علي رعاياه. وتفاقم الأمر بطمع القبائل الأخرى فى التحلل من سلطة عبد العزيز والالتحاق بالاخوان . وحاول ابن جلوي في الاحساء –بقدر الإمكان –ان يمنع تحركات القبائل من الغارات على القوافل ومن الانضمام الى الاخوان . ولكن إحساس المراقبين تزايد ببدء العصيان المسلح ،وان ابن سعود ان سكت عن ذلك فان المتمردين سيزدادون تعنتا .
6 ـ وأعلن سلطان بن بجاد ( رفيق فيصل الدويش ) الحرب المقدسة ضد العراق . وبحلول شهر يناير 1929 تحرك ابن بجاد نحو العراق ومعه عناصر من أخوان الدويش من قبيله مطير وعناصر من قبيلة العجمان من اتباع ابن حثيلين ،وبدءوا يشنون هجمات علي قبائل المنتفق العراقية ،وازداد بذلك التحدي لأبن سعود وقرارات الجمعية العمومية في الرياض ومؤيديها. وكان حتما علي عبد العزيز ان ينهض لإنقاذ ملكه .
قبيل الصدام العسكرى فى معركة السبلة
1 ـ اتفق مع الانجليز على عدم إيوائهم الإخوان إذا فروا بعد هزيمتهم الى العراق وشرق الاردن .
2 ـ ثم انتقل الي القصيم واعد جيشه من جنود الحضر وسكان الواحات ،وهم يكرهون الأخوان لما قاسوه منهم وليضمنوا مستقبلهم وسلامتهم ،وهم الذين كونوا فيما بعد نواة الجيش النظامي لابن سعود، وانضمت لهذا الجيش الوليد عناصر من مطير وهيثم وحرب وشمر والظفير وعنيزة ..كلهم احتفظوا بتأييدهم لعبد العزيز، ثم ايدته عتيبة بقيادة الشيخ الربيعان مما رجح كفة عبد العزيز وحسمت النصر لصالحه في السبلة.
وبلغ جيش الملك 12 ألف مقاتل ،وانهي الملك استعداده في مارس 1929 وتحرك في اتجاه الشرق نحو قوات ابن بجاد وفيصل الدويش والتي كانت تحركت بدورها صوب الارطاوية ، وبقي ضيدان بن حثيلين ( الرأس الثالث للإخوان ) هو والعجمان في الاحساء متمردين شكليا دون الاشتراك الفعلي في القتال ضد ابن سعود .
3 ـ والتقي الفريقان في السبلة ،في مساحة منبسطة ولا يعترضها سوى ارتفاعات طفيفة في سطح الارض وكانت تقع بين الارطاوية والزلفة. وكان الجيعان احد كبار المتمردين قد اقترح علي الدويش وابن بجاد التحرك ليلا بسرعة لقطع الطريق علي عبد العزيز في كمين مباغت اثناء سيره من القصيم الي الرياض ولكنهما رفضا هذا الاقتراح .
4 ـ وقبيل الصدام الحربى جرت محاولات لتجنبه . رأى المتمردون ضخامة جيش عبد العزيز فبدأوا في محاولات للتسوية علي امل تجنب القتال وتأجيله لجولة أخرى تكون افضل لهم ،وكان عبد العزيز يفضل ايضا تجنب القتال فأرسل من عنده احد الشيوخ وهو عبد الله العنقري لأقناع الاخوان بالرضوخ للتحكيم القائم علي الشريعة ،وباءت هذه المحاولة بالفشل .
ثم ارسل ابن بجاد مساعده ماجد بن خثيلة ومعه رسالة الي عبد العزيز، ودخل ماجد علي خيمة عبد العزيز ، وقد إعتبر الملك عبد العزيز مشركا ، فإتبع الشريعة الوهابية فى تحريم السلام على المشركين وعدم رد السلام عليهم ، مما اغضب ابن سعود ، و ارسله الي ابن بجاد والدويش برسالة محددة : اما الاستسلام بلا قيد او شرط والخضوع لأحكام الشريعة واما القتال . وكان ماجد مستشارا لأبن بجاد ،وقد اشار عليه بتقديم خضوعه لأبن سعود قبل فوات الاوان لأنه ليس الرجل السهل الذي يظنونه .
ولكن الدويش اضاع تلك النصيحة عندما طلب منهم ان يذهب هو بنفسه ليري جلية الامر ،واخبرهم انه اذا لم يرجع اليهم مساء اليوم يكون ابن سعود قد اعتقله ،ووصل الدويش الي المعسكر واخذ يتملق الملك ومن معه واظهر استعداده للتسليم وانه ليس علي رأي ابن بجاد ،وانه سيبيت عندهم ،ففهم عبد العزيز خديعته، فقال له قم فنم عند قومك وموعدكم غدا بعد شروق الشمس، وان كنت صادقا فاترك هذه الجماعة ،وان لم تكن صادقا فستري عاقبة الظالمين .
5 ـ وعاد الدويش الي رفاقه يبشرهم بالنصر ،فقال لهم عن عبد العزيز : ( رأيت حضريا ترتعض فرائصه من الخوف ، وليس حوله الا طبابيخ (طهاة) ولا يعرفون الا النوم علي الدواشح (المراتب) ابشروا يا اخوان .لقد وجدت لديهم حلالا كثيرا واموالا عظيمة ،فأبشروا بالكسب والغنيمة ،وسنقهر هذا الطاغوت غدا ونستولي علي امواله ) . نلاحظ هنا تأصل عقيدة الاستحلال فى الاخوان ، فالدويش يعتبر ما عند عبد العزيز من الأموال والمتاع ( حلالا ) أى غنائم إستحلها مقدما ، طالما أصبح عبد العزيز متهما بالكفر, وبالتالى يمكن تكفير أى شخص ـ حتى لو كان الملك نفسه ـ واستحلال ماله . ولقد قال الدويش هذا تحريضا للاخوان على قتال عبد العزيز ، فوصفه بالجبن ، وبكثرة الأموال التى هى حلال فى إنتظار سيوف الاخوان . هذه هى عقيدة الجهاد التى قام عبد العزيز بتربية الاخوان عليها ، فارتدت الى نحره تهدد حياته وملكه .
الصدام العسكرى فى موقعة السبلة
وفي اليوم الثاني 30/3/1929 هاجم جيش الملك المتمردين وبعد نصف ساعة من القتال المتلاحم فر المتمردون واستسلم بعضهم ،وكان من الهاربين ابن بجاد والدويش الذي اصيب بجرح بالغ ،وفي صباح اليوم التالي ارسل الدويش بوفد من النساء يطلب من الملك العفو والسماح ،ويبكين ، فبكي الملك والحاضرون معه ، ووعدهم الملك بإنقاذ حياة الدويش وابن بجاد علي ان يخضعا لحكم الشرع .
وحملوا الدويش جريحا الي الملك فعاهد الملك علي السمع والطاعة فعفا عنه ،وبعد ثلاثة ايام استسلم ابن بجاد في شقرة ،فأمر الملك بسجنه حتي يأمن خطره ثم امر الملك بتأديب العصاة كل حسب درجاته ،كما امر ابن جلوي بتأديب العجمان المتمردين .
بعد معركة السبلة
وبعد المعركة قرر الملك عدم مطاردة المتمردين ،والتقي بالعلماء الذين كانوا يصاحبونه ومنهم الشيخ العنقري وابن زاحم وابو حبيب الشتري والقادة ورؤساء القبائل ،وبلغ عددهم حوالي الفي شخص، وقد خطب فيهم عبد العزيز فوضع لهم عدة مبادئ محددة :
1-ان القرآن والسنة يجب ان يكون الأساس الذي تبني عليه القرارات الخاصة بالدين وليس التفسير الشخصي .2-يجب طاعة الملك طبقا لما جاء في الشرع.
3-منع الاجتماعات التي تتناقش في الدين او الدنيا بدون موافقة الملك .
4- يجب احترام المسلمين والذين يحميهم المسلمون .
واوضح لهم ان الأخوان قد خرقوا هذه المبادئ ،واوضح لهم الملك بلهجة حاسمة انهم يمكن ان يتعرضوا لنفس المعاملة التي عومل بها الأخوان اذا ما أخلوا بتلك المبادئ او خرجوا عنها . [18]
بهذا الانذار الحاسم للفقهاء الوهابيين بدأ عهد جديد ، يخضع فيه شيوخ الوهابية للسلطة السعودية ضد أى معارض وهابى يُزايد على آل سعود.
الهوامش
18-وهبة: جزيرة العرب فى القرن العشرين : 294 : 296 . الآفاق العربية .
الزركلى : : شبه الجزيرة العربية فى عهد الملك عبد العزيز 486 ـ ــ ، 488 ــ . دار العلم للملايين ، بيروت.
الزركلى : الوجيز فى سيرة الملك عبد العزيز : 107 : 109 ، 117 : 118 دار العلم للملايين
حبيب : جون . الاخوان السعوديون فى عقدين : ترجمة صبرى حسن ، مراجعة عبد الله الماجد : دار المريخ للنشر الرياض : 225 ـ 227
الأهرام :العدد ،16216 في 26/2/1930.
المختار : المرجع السابق 445:442.
محمد أسد:المرجع السابق ،264،265
السعيد : المرجع السابق ،312-
أم القري :العدد 224 في 12/ أبريل / 1929.
العدد 239 في 31/يوليه / 1929.
العدد 302 في 19/سبتمبر / 1930.
العطار : صقر الجزيرة ،421.
آل خميس: اسود آل سعود ،174:170،183:180.
ارسلان : الارتسامات اللطاف 141.
فيلبي : تاريخ نجد 362.
WAHBA ,ARABIAN DAYS ., P.141.