-الدَّاخِل- و-الخارِج- من كَوْنِنا


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 13:11
المحور: الطب , والعلوم     

أفكار كَوْنِيَّة
"الدَّاخِل" و"الخارِج" من كَوْنِنا
"الداخِل" و"الخارِج" هما مفهومان "مكانيَّان"، أيْ مِنْ مفاهيم "المكان"؛ و"جدلياً" هما "ضِدَّان (نقيضان) متَّحِدان اتِّحاداً لا انفصام فيه أبداً"؛ ومِنْ معاني اتِّحادِهما هذا أنَّ كليهما يتحوَّل (أو يمكن أنْ يتحوَّل) إلى الآخر؛ فإذا رأَيْتَ كُرَةً تتمدَّد؛ فهذا إنَّما يعني أنَّ بعضاً من "الخارِج"، أيْ مِن "خارجها" قد تَحوَّل إلى "داخِل"، أيْ إلى "داخلها"؛ وإذا رَأَيْتها تتقلَّص؛ فهذا إنَّما يعني أنَّ بعضاً من "داخِلها" قد تحوَّل إلى "خارِج".
ومِنْ وجهة نظر كوزمولوجية، أَسَسَّت لها نظرية "الانفجار (الكوني) العظيم" Big Bang، ليس لِكَوْنِنا من "خارِجٍ"، أو "داخِلٍ"، بمعنى ما؛ فهذان الضِّدَّان (الداخِل والخارِج) لا وجود لهما (بمعنى ما) على المستوى الكوني؛ وليس مُمْكِناً، مِنْ ثَمَّ، أو منطقياً، أنْ نقول بتحوُّل كليهما إلى الآخر.
لقد حَرِصْتُ على استعمال عبارة "بمعنى ما"؛ لأنَّ نفي "الدَّاخِل" و"الخارِج"، على المستوى الكوني، ليس أَمْراً بهذه البساطة؛ فإنَّ للكون "داخِلاً"، وإنَّ له "خارِجاً"؛ لكنَّ "المشكلة" تَكْمُن" في "البُعْد الثالث"، أيْ في "بُعْد المكان (الكوني) الثالث"؛ فلهذا البُعْد خاصية جوهرية هي أنَّ انتقال الأجسام (والجسيمات) فيه، ومهما كان هذا الانتقال مستقيماً، أو طويل الزَّمن، لا يُمْكِنه أبداً أنْ ينتهي بهذه الأجسام إلى مَوْضِعٍ نقول فيه: هذا هو "خارِج"، أو "داخِل"، الكون؛ فـ "المحطَّة النهائية"، هي نظرياً، النُّقْطَة التي منها بدأ الجسم رحلته. إنَّ السَّيْر في "البُعْد الثالث" هو ما يَجْعَل للكون معنى "السِّجْن الأبدي".
وفي التفسير والتعليل، نقول إنَّ "الجاذبية (الكونية)"، وبصفة كونها "انحناء المسار (المستقيم)" بسبب "انحناء الفضاء (الكوني) نفسه"، هي ما يَجْعَل السَّيْر المستقيم في "البُعْد الثالث" سَيْراً في اتِّجاه العودة إلى "نقطة الانطلاق".
تَخَيَّل أنَّكَ في داخِل "ثقب أسود" Black Hole، وقد عَزَمْتَ على مغادرته إلى كوكب الأرض مثلاً. أنتَ الآن في مركزه، أو في "نقطته المركزية (صفرية الحجم، لانهائية الكثافة)" Singularity، وإنَّكَ تستطيع السَّير بالسرعة الكونية العظمى، وهي سرعة الضوء. لقد سِرْتَ، صعوداً، في "البُعْد الثالث"، وفي خطٍّ مستقيمٍ، على ما ترى وتَعْتَقِد؛ لكنَّ هذا "الخط المستقيم" كان (واقعياً) منحنياً، شديد الانحناء، سَيْرُكَ فيه يشبه السَّيْر في دائرة. إنَّكَ، وقَبْل أنْ تَبْلُغ في صعودكَ، "الحدَّ الخارجي" لـ "الثقب الأسود"، شَرَعْتَ تسير هبوطاً، عائداً، في آخر المطاف، إلى النقطة التي منها انْطَلَقْتَ؛ وهذا إنَّما يعني أنَّكَ لن تتمكَّن أبداً من مغادرة "الثقب الأسود".
والآن، تخيَّل أنْ لا وجود في كَوْننا، أو فضائنا الكوني، إلاَّ لأجسام من نوع "الثقب الأسود"؛ فكيف لهذه الأجسام (أيْ الأكوان) أنْ تتبادَل مادة؟!
كَوْنياً، يُرْغِمكَ السَّيْر في "البُعْد (الكوني) الثالث (المنحني)" على العودة إلى "نقطة الانطلاق"، فيُعْجِزَك، مِنْ ثَمَّ، عن الخروج من الكون، أو الوصول إلى باطن "بالوننا الكوني (الضَّخْم، المتضخِّم)"؛ وهذا "الدَّاخِل"، وذاك "الخارِج"، هما ما اصطُلِحَ على تسميتهما "البعد (المكاني) الرابع (لكوننا)" Hyperspace؛ وهذا "البُعْد" هو فضاء ليس بجزءٍ من كوننا، ولا مِنْ فضائنا؛ إنَّه فضاء لا صِلَة فيزيائية بيننا وبينه.