القضية الأخلاقية ضد اختطاف سميرة ورزان ووائل وناظم


ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن - العدد: 4466 - 2014 / 5 / 28 - 11:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

اختطاف سميرة ورزان وناظم ووائل فعل لا أخلاقي مشين للاعتبارات التالية:
أولا، الأربعة مدنيون عُزّل، امرأتان ورجلان، غير مسلحين، لا يحاربون ولا يهددون أحدا، ولا ينتظرون الحماية من أحد، وكان الخاطفون على يقين بأنهم لن يتعرضو لأدنى حد من الخطر، وهم يختطفونهم.
مع ذلك فضل الخاطفون المسلحون اختطافهم تحت جنح الظلام، الحادية عشر ليلا من يوم شتوي، 9/12/2013، (وهذا في مدينة لا كهرباء فيها منذ أكثر من عام وقت الاختطاف، أي أن الليل فيها مظلم فعلا)، وكانوا فوق ذلك مقنّعين.
ولم يكن يخيل للأربعة أنهم سيتعرضون إلى اعتداء كهذا، ولم يجر إخطارهم في أي وقت من طرف جهة عامة أو ما يعادلها في المنطقة بأنهم يرتكبون مخالفة أو ينتهكون قاعدة معلومة مقررة.
ثانيا الأربعة "لاجئون" في دوما. جاءت رزان إلى الغوطة في 25 نيسان 2013 بعد أكثر من عامين من التواري في دمشق، بغرض أن تكون آمنة، وحرفيا كي ترى الشمس لأنها كانت طوال العام الأخير تقريبا لا تكاد تخرج من البيت، نهارا على الأقل. غرضها من المجيء إلى الغوطة كان العمل بين الناس الذين هي منهم لخدمة القضية العامة، ثورة الكرامة حسب الاسم المفضل منها، في جو من الحرية النسبية. كانت على علم بمخاطر العيش في الغوطة الشرقية، ومنها أن تقع قذيفة فوق رأسها، لكنها فضلت هذه المخاطرة الحرة، وهي التي عاشت تحت الخطر دوما، لأنه لم يخطر لها ببال أن تتعرض لأي تهديد من غير طرف النظام.
وسميرة جاءت إلى الغوطة في 18 أيار 2013 لأنها صارت مطلوبة من قبل أجهزة النظام في دمشق، ولأني كنت في الغوطة وقتها، وكانت رزان، صديقتنا المشتركة القديمة صارت فيها أيضا. جاءت سميرة تطلب الأمان في منطقة معادية للنظام الذي سبق لها أن اعتقلها وعذبها، وحبسها 4 سنوات (معظمهن في سجن النساء في دوما، بالمناسبة). وهي الأخرى لم يخطر لها ببال أنها يمكن أن تتعرض لأي إذى من غير جهة النظام. لقد أُتِيَت مثل رزان من مأمنها، من حيث لم تكن تتوقع أي تهديد.
وهذا ينطبق على وائل الذي سبق أن اعتقل وتعرض للتعذيب على يد أجهزة النظام مرتين، وقضى شهورا في سجنه في مطار المزة، وجاء إلى الغوطة في آب 2013 كي ينضم إلى زوجته رزان، ولينجو من موت مرجح إن وقع مرة أخرى بيد النظام. وائل صاحب دور أساسي في الأنشطة الإغاثية والتوثيقية والاتصالية للجان التنسيق المحلية منذ بداية الثورة.
ومثله ناظم أيضا. ومنذ بداية الثورة. كان المنتظر كما تقضي مكارم الأخلاق أن تجري إغاثة هذين الملهوفين الذين تفانيا في إغاثة المحتاجين من مواطنهما. ما وقع فعلا هو أن جرى الغدر بهما، وبسميرة ورزان، من حيث لا يتوقعون.
ثالثا، الأربعة معروفون قبل الثورة وأثناءها بنشاطهم العام العلني، غير المحجوب إلا عن النظام بغرض الأمان والفاعلية. وليس هناك ما هو مجهول من سيرهم. وهم لم يخفوا شيئا من عملهم وروابطهم وانحيازاتهم الفكرية والسياسية. إنهم أربعة واضحون جدا، عملوا دوما في وضح النهار، وكانوا يعيشون في أماكن معلومة في دمشق قبل الثورة. تواروا أثناء الثورة من أجل حسن سير عملهم العام. وكان لهم مكان معلوم في دوما، يفد إليه كثير من الناس كل يوم، نساء ورجالا.
رابعا، مقابل ما سبق لم يعلن الخاطفون المسلحون المقنعون قضيتهم ضد الأربعة أمام الرأي العام، ولم يعلنوا عن أنفسهم أصلا. في سلوكهم هذا هم يقولون أنه ليست لهم قضية عادلة. إنها قضية مخجلة، جريمة.
وإمعانا في الجريمة، لم يوفر الخاطفون طوال أكثر من خمسة شهور ونصف أية معلومة عن المخطوفين لذويهم وأحبابهم. هذا يدل على مستوى من الحس الإنساني ينافس في انعدامه مستوى إنسانية النظام: التعامل مع البشر كعبيد، بل كبهائم، بل كأشياء، يمكن فعل كل شيء وأي شيء حيالهم، مع حصانة تامة وإفلات دائم من العقاب.
فلنصغ القضية بما نقدر من وضوح: اختطف مسلحون مقنعون في ظلام الليل 4 ثائرين عزل، امرأتان ورجلان، معروفين بكفاحهم ضد النظام منذ ما قبل الثورة، وذلك من مدينة دوما التي لجأ الأربعة إليها هربا من النظام. وبعد خمسة شهر ونصف لم يفرج عن الأربعة، ولا توفرت عنهم أية معلومات لذويهم، ولعموم الجمهور الثائر.
ترى، هل هناك يمكن للشخص المنصف تصريف الواقعة على وجه تكون فيه عادلة؟ بما أنه لم تعلن الجهة الخاطفة عن نفسها، ولم تعلن مكان احتجاز المخطوفين، ولم توجه لهم تهمة، ولم تتح لذويهم وأصدقائهم زيارتهم أو الاطمئنان عليهم، فإنه لا يمكن لاختطاف الأربعة العزل إلا أن يكون فعل عدوان إجرامي يقوم به معتدون مجرمون.
معلوم أنه لم يجر تحقيق في الجريمة من قبل أية جهات عسكرية أو دينية تشغل موقع السلطة الفعلية في المدينة. هذا ليس السبب الوحيد للاشتباه بأن هذه الجهات متورطة في الجريمة أو في التواطؤ مع المجرمين. والمعلومات المتاحة، الموثوقة بقدر كبير، تفيد بأن اختطاف اللاجئين الأربعة العزل جرى بالتواطؤ بين تنظيمين سلفيين في المنطقة، أحدهما مرتبط بالقاعدة.
لقد أسهمت هذه الجريمة البشعة وأمثالها في فك الحصار الأخلاقي عن النظام القاتل، الحصار الذي اجتهدت سميرة ورزان واجتهد وائل وناظم في إيقاع النظام به من خلال عملهم ومثالهم. وبذلك أسهم الخاطفون والمتواطؤون معهم في خيانة الثورة وتحطيم قضيتها، مثلما خان النظام البلد وحطم المجتمع.
فلنتصور، لتوضيح مدى الجريمة، وضعا آخر ممكنا: الغوطة منطقة ترحب بالمطاردين من النظام، ويوفر النافذون فيها لهم الأوضاع الآمنة، وما يحتاجونه ليقوموا بعملهم الحقوقي والإعلامي والإغاثي والتعليمي والسياسي على أكمل وجه، أو يساعدون من يحتاج منهم إلى إكمال رحلته إلى مناطق أخرى من البلد أو خارجه. الشاب أو الفتاة، المرأة أو الرجل، الذين تضيق بهم دمشق أو المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام يجدون في الغوطة فسحة من الحرية، يقصدونها خفية عن النظام ويقيمون فيها، يعملون بين الناس، ويشجعون بوجودهم أشخاصا مترددين على فعل الشيء نفسه. والمنطقة تستفيد من مبادراتهم وجهودهم لتضرب مثالا إيجابيا في سورية، ولتحكم الحصار الأخلاقي والسياسي على النظام.
ما حصل هو العكس، ومن كانوا مترددين في الوقوف إلى جانب الثورة حزموا أمرهم لمصلحة الابتعاد عنها، إن لم يكن الانحياز إلى النظام.
المسؤولون عن تحويل الغوطة إلى غابة معروفون بالأسماء الشخصية، وأسماء تشكيلاتهم الدينية العسكرية. سيعرف الناس كلهم الحقيقة، وستكون لهم كلمة في هذا الشأن.
سميرة ورزان ووائل وناظم هم رموز لمحنة سورية بين الطغيان الأسدي والطغيان السلفي، بين وجهين لسياسة الوحشية.