المجلس الأعلى للحسابات يعري بدوره اختلالات صندوق المقاصة


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 13:26
المحور: الادارة و الاقتصاد     

تحت عنوان "المجلس الأعلى للحسابات يعري بدوره اختلالات صندوق المقاصة أمام البرلمان ويكشف استمرار سوء التدبير في ظل الحكومة الحالية" صدر يوم الاثنين 26 مايو 2014 الحوار الذي اجرته السيدة بوشرى عطوشي الصحافية بجريدة المنعطف مع عبد السلام أديب والذي أكد على دور المجلس الاعلى للحسابات كأداة ايديولوجية لدعم السياسات الحكومية. وفيما يلي مضمون الحوار.

• كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول صندوق المقاصة، المقدم أما البرلمان أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من خلال 2013 و 2014 للتخفيف من تحملات الصندوق لم تسفر عن نتائج إيجابية، ما هو السبب في نظركم ؟

** ان مختلف الاجراءات الحكومية المتخذة بخصوص صندوق المقاصة والرامية الى اعدامه تدريجيا لن تمنع من استمرار الازمتين الاقتصادية والمالية وتعمقهما في بلادنا نظرا لعمق سيرورة التناقضات وحدتها بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج. فصندوق المقاصة هو مجرد آلية أو قناع كان يخفي لحد الآن هذه التناقضات وما ان انطلق مسلسل اعدام هذه الآلية وبدأ رفع القناع حتى ظهرت تلك التناقضات العميقة الكامنة بكل بشاعتها.

فمعلوم أن المغرب اختار الاستمرار في اعتماد نموذج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الرأسمالي وهو ما يتطلب الاستمرار في نفس النهج الذي اسس له المستعمر الفرنسي قبل خروجه من المغرب سنة 1956، والذي يعتمد على "التراكم البدائي" المتوحش للرأسمال، بهدف خلق هذا التراكم الرأسمالي عن طريق الاستغلال، وبالتالي ارساء بنيات انتاجية تؤدي الى رفع المردودية والمداخيل واحداث تراكم جديد مولد لقوى انتاجية أكبر تسير في تزايد متواصل ومضاعف. ويستند هذا التصور على النموذج الروستوي للاقلاع الاقتصادي (والت ويتمان روستو، 1916-2003) والذي طبع سياسات التنمية في بلدان العالم الثالث خلال عقد الستينات. ويقترح هذا النموذج الاعتماد على الفلاحة لتنمية الاقلاع الصناعي بنفس الاسلوب الذي حدث تاريخيا في البلدان الرأسمالية الصناعية الكبرى.

لكن عدم واقعية هذا النموذج وتجريديته وقيامه على تجربة تاريخية لا يمكن محاكاتها لغياب شروطها أدى تطبيقه في المغرب الى نتائج معاكسة تماما. فاذا اقتصرنا فقط على تجربة المغرب الفلاحية كقاعدة لتطور صناعي محتمل نجد أن الساكنة الفلاحية التي كانت في بداية عقد الستينات تصل الى 8 مليون نسمة (حوالي 80,5 %) فانها تصل اليوم الى حوالي 15 مليون نسمة (حوالي 45% ) بينما ظل الانتاج الفلاحي الفردي يتراوح في مكانه حيث لم يتغير منذ بداية عقد الستينات الى اليوم. علما ان حصة الفلاحة في الناتج الداخلي الاجمالي تراجعت من أكثر من 30 في المائة الى حوالي 15 في المائة فقط. المقصود بهذا التوضيح هو ان تطور قوى الانتاج لم تعكس تطور موازيا في مستوى الانتاجية الفردية الضروري حسب نموذج التنمية المشار اليه وبالتالي يؤكد على تعمق التناقض في الزمن بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج والاستمرار دون توقف في عملية التراكم البدائي المتوحش لرأس المال. فالعائدات الفلاحية منذ عقد الستينات لم تترجم في تطور ملموس على مستوى البنيات التحتية في البادية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي الثقافية ولم تنعكس بالتالي على مداخيل الساكنة الفلاحية. لذلك فان دور صندوق المقاصة الذي انشأ لدعم الاسعار حتى تبقى في مستوى معين متناسب مع القدرة الشرائية الضعيفة جدا للفلاحين وللطبقة العاملة سيتم التخلي عنه اليوم فجأة ودون تعويض.

إن التذكير بهذه الاشياء ليس من قبيل الترف الفكري، بل للتأكيد على عمق التناقضات القائمة في المجتمع الناجم عن اعتماد نمط الانتاج الرأسمالي والذي يستهدف تعظيم ارباح البرجوازية الفلاحية والصناعية والتجارية المهيمنة على السلطة السياسية على حساب تجميد أجور الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء مما يحدث تفاوتا طبقيا غير قابل للحل والذي أوجب ضرورة تدخل الدولة بواسطة ميزانيتها المتأتية من الضرائب لدعم مستوى الاسعار حتى تضل في متناول العمال والفلاحين الذين يشكلون الاغلبية داخل المجتمع. وبالتالي فان اي مساس بمستوى هذا الدعم الا وسيعمق التناقضات ويجعلها قابلة للانفجار في أية لحظة.

تقرير ادريس جطو لا يشر إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال 2013 و 2014 للتخفيف من تحملات الصندوق لم تسفر عن نتائج إيجابية، لكنه أشار إلى "أن من شأن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة سنتي 2013 – 2014 التخفيف من تحملات المقاصة في المستقبل" وهو بذلك يريد أن يؤكد من خلال تقريره على ان تلك الاجراءات المتخذة لحد الآن ان كانت مناسبة فهي اجراءات غير كافية ويجب تعميقها أكثر والسير على منوالها حتى النهاية مقترحا عددا من الاصلاحات التي يستوجب اعتمادها لكي تتم "عقلنة صندوق المقاصة" والتي تتطلب "تحديد استراتيجية حقيقية في اطار مخطط مندمج للسياسات العمومية وبرامج اعادة الهيكلة تندرج وفق رؤية تكرس الطابع الاجتماعي لهذه السياسة". فتلك هي عبارات التقرير، والتي لا تعني شيئا آخر سوى المزيد من الهروب الى الامام. وحيث يطغى الهاجس المالي على مختلف محاور التقرير مع اقتراح التدابير اللازمة لتحصين أرباح البرجوازية الحاكمة من انعكاسات التدابير المقترحة لإلغاء صندوق المقاصة والتي يجب ان يتحملها المستهلك النهائي وخاصة الفلاحين الفقراء.

ولعل العبارة التالية الواردة في البند 523 من التقرير تلخص هذا الهاجس المالي الاساسي لإدريس جطو بخصوص اصلاح صندوق المقاصة حيث يقول بالحرف: "وعلى ضوء ما سبق، يتبين ضرورة اجراء اصلاحات هيكلية شاملة لمنظومة المقاصة بهدف التحكم في كلفتها وجعلها في مستوى تتحمله المالية العامة".

ويقتصر تقرير ادريس جطو على تحليل المؤشرات الاقتصادية الفوقية التي أدت الى تضخم الأعباء المالية لصندوق المقاصة وهي المؤشرات التي يستند عليها التقرير لاقتراح الغاء الدعم كليا على العديد من المواد والخدمات التي كانت تخضع للدعم، متجاهلا تماما الاسباب الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي أدت الى هذه الوضعية والكامنة في الاختيارات السياسية والاقتصادية المعتمدة من طرف الحكومات المتعاقبة. فعلى سبيل المثال فإن أزمة الميزانية العامة الناجمة عن تراجع الضرائب هي نتيجة تراجع دور الدولة والضغط على الاجور من خلال توقيف التوظيف العمومي وتجميد الاجور واتفاقيات التبادل الحر التي قلصت تدريجيا مداخيل الرسوم الجمركية واستمرارية سنوات الكساد والحاجة المتواصلة للقروض الاجنبية لسد هوة العجز من النقد الاجنبي التي ما فتئت تتوسع بسبب التوجه الخارجي للاقتصاد، فبطبيعة الحال ان تحملات صندوق المقاصة تصبح جزءا من أزمة الميزانية وعبئا عليها، فتقرير جطو يقول في البند رقم 511 من التقرير أن "المواد المدعمة تمثل رهانا ماليا ضخما، إذ فاقت قيمتها سنة 2013 مبلغ 115 مليار درهم، أغلبها عن طريق الاستيراد وتعادل ما يقارب 13 % من الناتج الداخلي الخام". ويضيف التقرير في البند رقم 517 أن تكاليف المقاصة تؤدي الى تفاقم عجز ميزانية الدولة والميزان التجاري والحسابات الخارجية". وإذ يتطرق التقرير الى كافة المؤشرات الفوقية ذات الارتباط بتفاقم هذه الوضعية الا انه يتجاهل تماما اية اشارة الى السياسات الليبرالية المعتمدة من طرف الحكومات المتعاقبة بايعاز من المؤسسات المالية الدولة منذ بداية عقد الثمانينات لتدبير ازمتها على عاتق الطبقة العاملة. ثم ان سياسات تدبير الازمة المعتمدة وخاصة منها تلك المتمثلة في تجميد الاجور وتقليص اعداد الموظفين والمأجورين عموما أدت الى خلق بطالة واسعة قلصت بشكل هائل من القدرات الشرائية للأسر مما جعلها هشة سريعة التأثر عند أدنى زيادة في أسعار المنتجات والخدمات سواء عن طريق الزيادة في معدلات الضرائب أو عن طريق الغاء دعم أسعار المنتجات والخدمات. وقد سبق لتلك السياسات ان فجرت ثلاث انتفاضات شعبية قوية سنوات 1981 و1984 و1990.

فتقرير جطو إذن، يستحسن الاجراءات التي اتخذتها حكومة بنكيران ويدعوه الى المزيد من الهروب الى الامام والسير قدما في طريق المغامراتي اللاشعبي واللاديموقراطي واللاوطني، مستقويا بنجاعة القمع المنهجي المعتمد لحد الآن منذ مجيئ هذه الحكومة، لردع كافة الحركات الاحتجاجية على السياسات المشار اليها وفي مقدمتها قمع حركة 20 فبراير واللجوء الى الاعتقالات والأحكام الجائرة في مواجهة المئات من الشباب الذي استفاق فجأة ووجد نفسه أمام مستقبل مظلم رهيب، فأخذ يمارس حقه في الاحتجاج لعله يؤثر في مسار هذه السياسات المغامراتية للحكومة.

لكن عواقب السياسات المعتمدة ومنها على الخصوص تجميد الاجور وتوسيع معدلات البطالة بسبب تجميد التوظيف العمومي والتسريحات الواسعة للعمال بسبب الكساد والفقر الناجم عن كل ذلك ومواكبتها بإعدام تدريجي لصندوق المقاصة والتي تجعل الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء هدفا لها ومن أولى ضحاياها، فإن هذه التأثيرات ستطال أيضا، على المدى المتوسط والبعيد، كافة الطبقات الأخرى، خاصة الطبقة الوسطى التي تعتبر الضحية الثانية بعد الطبقة العاملة بسبب تفكيك الخدمات العمومية وغلاء المعيشة وضرب مجانية التعليم والصحة، ثم تأتي في المقام الثلث البرجوازية غير العاملة في مجال التجارة الخارجية، خاصة عندما تتوالى سنوات الكساد والازمات الاقتصادية والمالية بسبب ما تخلفه من حالة الانكماش فتتسبب في اقفال المركبات الانتاجية بسبب منافسة الشركات والمنتجات الاجنبية وكساد سوق المنتجات الفلاحية لصالح مصدري المنتجات الفلاحية الوحيدة ذات القيمة المضافة المرتفعة والتي تستغل مئات الهكتارات من الاراضي والملايين من أمتار المكعبات المائية والمستثمرة من طرف كبار الملاكين العقاريين الكومبرادور دوليي النشاط.

وتؤكد هذه الصورة القاتمة على ان صندوق المقاصة ليس مجرد اجراء شكلي يمكن لحكومة بنكيران اعدامه في اية لحظة بقرار فوقي ودون احتمال حدوث اية انعكاسات، بل هو عبارة عن علاقات اقتصادية ومالية واجتماعية فرضها تاريخيا التحالف الطبقي الحاكم على عموم الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء للحفاظ على مستوى متدن من الاجور وتحقيق التراكم البدائي لرأس المال، وتحميل دافعي الضرائب مسؤولية دعم عملية الحفاظ على مستوى متدن من الاسعار يتناسب مع هذه الاجور المتدنية. واليوم وبعد بلوغ قوى الانتاج والرأسمال المحلي مستوى متقدم من التطور ودخول الرأسمال الاجنبي بقوة إلى مختلف القطاعات الانتاجية، اصبح مستوى الدعم الذي تقدمه الميزانية العامة للحفاظ على الاسعار في مستويات دنيا عائقا امام رأس المال لتحقيق مستويات عالية من الارباح، لذلك تلتقي هنا ارادة رأس المال وارادة الحكومة في الرغبة في اعدام صندوق المقاصة وبالتالي تطبيق حقيقة الاسعار. وكل هذه الاشياء يعبر عنها تقرير ادريس جطو بشكل غير مباشر. لكن يبقى مع ذلك ان من شأن اعدام صندوق المقاصة، تعميق التناقض القائم أصلا في خضم هذه العلاقات، وبالتالي حدوث اصطدامات عنيفة مع قوى الانتاج المتطورة.


• أكد ادريس جطو في تقريره على أن حصة هامة من مبالغ الدعم ترجع بصفة غير مباشرة إلى الدولة و الهيئات العمومية التي تستفيد من المواد المدعمة لفائدة حظيرة السيارات التي تمتلكها ما هو تعليقكم ؟

** عندما تستهدف الحكومة تطبيق سياسات معينة فانها تبحت عن مبررات قوية لتطبيق تلك السياسات. فشيطنة صندوق المقاصة اليوم يحدث له مثلما حدث بالأمس مع شيطنة المقاولات العمومية، ففي خضم الأزمة المالية والمديونية الخارجية لأواسط عقد السبعينات وشروع خبراء صندوق النقد الدولي في التوافد على المغرب وبداية التفكير في تخلص الدولة من القطاع العمومي صدر ما يسمى بتقرير الجواهري سنة 1977 لصاحبة عبد اللطيف الجواهري والذي عمل فيه على شيطنة المقاولات العمومية والتغني بمزايا تفويتها للقطاع الخاص، وهي السياسات التي ستأتي في سياق التراجع العالمي عن السياسات الكينيزية التي كانت تقضي بتدخل الدولة في الاقتصاد لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وقد دشنت كل من مارغاريت تاتشر ورونالد ريغان سياسات الخوصصة في اطار سياساتهما النيوليبرالية انطلاقا من سنة 1979.

ورغم شيطنة المقاولات العمومية والقطاع العمومي أنذاك والتي كان هدفها ضغط الأجور لتحقيق ارتفاع معدل الأرباح الرأسمالية التي عرفت انتكاسة ابتداء من بداية عقد السبعينات، فان الازمات لم تتوقف بسبب استمرار التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج. وها نحن اليوم أيضا أمام استهداف الحكومة والباطرونا اعدام صندوق المقاصة لرفع معدل الربح ومن اجل انجاح ذلك تتم شيطنة هذا الصندوق بمختلف التبريرات ومن بينها مبرر استهداف الدعم الموجه لتغطية نفقات حضيرة سيارات الدولة. لكنه يبقى كغيره من المبررات مع ذلك مبرر برجوازي سخيف لإقناع الطبقة العاملة بجدوى الغاء الدعم عن المنتجات الاساسية ورفع اسعارها عليهم لتدمير قدرتهم الشرائية.


• بعد هذا التشخيص وبعد التوصيات التي خرج بها المجلس الأعلى للحسابات هل ستتجه الحكومة والبرلمان إلى بلورة خطة واضحة للإصلاح الحقيقي بعيدا عن المزايدات بالقدرة الشرائية للمواطنين ؟

** تقرير جطو منسجم تماما مع السياسات الحكومية الهادفة الى اعدام صندوق المقاصة. وغالبا ما تلجأ البرجوازية الى اضفاء صبغة العلمية على سياساتها الطبقية. فتقرير المجلس الاعلى للحسابات يبدوا كأنه تقرير مستقل يقدم تحليلا علميا عن تطور عمليات دعم الصندوق وتطورها في كافة القطاعات الاقتصادية، دون التطرق لطبيعة العلاقات الشغلية الرديئة ومرونة الاجور وانخفاضها والتي تجعل الجماهير العمالية ذوي قدرة شرائية ضعيفة غير قادرة على استيعاب المنتوجات الغزيرة غالية الثمن.

ويقود هذا التناقض الاخير القائم بين الانتاج الزائد غالي الثمن المعروض في السوق وعدم القدرة على بيعها بالكامل، إلى عدم تحقق الارباح نظرا للضعف العام للقدرة الشرائية وبالتالي انتشار الكساد والانكماش الاقتصادي وضعف المداخيل الضريبية وتزايد التسريحات العمالية واقفال العديد من الشركات وإذن تؤدي الى المزيد من الأزمات الاقتصادية والمالية.

إذن فليست الاجراءات التي يقترحها ادريس جطو في تقريره هي المشكلة أو العائق، لكونها مرحب بها من طرف الحكومة، وحيث تقرر مباشرة بعد تقديم تقرير جطو مباشرة الزيادة في فواتير الماء والكهرباء، لكن المشكلة ستكمن فيما وراء اعدام صندوق المقاصة، وفي مدى نجاعة الاجراءات المتخذة في معالجة الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة باستمرار.


• لا يتوفر الصندوق على قاعدة للمعطيات حول شركائه حتى على مستوى المعلومات المالية الأساسية كالحسابات السنوية و تقارير مدققي الحسابات لهؤلاء المتعاملين رغم عددهم المحدود كيف ترون هذا المعطى ؟

** في اطار نظام اقتصادي ليبرالي قائم على تقديس الملكية الخاصة ويدار تحت نفوذ مالكي وسائل الانتاج، فان الحكومة حتى عبر ادارتها الضريبية نفسها لا تتمكن من التوفر الدقيق على كافة المعلومات المالية والحسابات السنوية المتعلقة بمختلف شركات القطاع الخاص وحتى مختلف المقاولات العمومية، وبذلك تجد صعوبة في رصد الوعاء الضريبي وتضريبه بشكل مناسب، وبالتالي يحدث تهرب جبائي كبير. فكيف يمكن لصندوق المقاصة بوسائله الضعيفة ان يحصل على هذه المعلومات الدقيقة. وما يقدمه تقرير ادريس جطو هو مجرد اعتراف بهذه الحقيقة الثابتة فقط.

• أوصى المجلس الأعلى للحسابات بإحداث لجنة لليقظة تتعلق بالمقاصة من أجل تقديم الاستشارة للحكومة حول الاستراتيجيات والآليات الواجب وضعها من أجل عقلنة النظام، هل تظنون أن هذا كاف لوضع الصندوق في مساره الحقيقي؟

** من الطبيعي ان تتوفر الدولة على اجهزة من هذا القبيل، خصوصا وان الحكومة تعلم مدى خطورة انعكاسات اعدام صندوق المقاصة على جميع الطبقات. فوجود مثل هذه اللجنة لليقظة قد يزود الحكومة بتقارير دقيقة حول الانعكاسات الكلية لإعدام صندوق المقاصة، مما يمكنها من استباق بعض الازمات ومعالجة بعض التناقضات خاصة منها تلك المتعلقة بعرقلة تحقق الارباح الرأسمالية وتقديم الحوافز اللازمة لتجنيب الشركات الرأسمالية الانعكاسات السلبية لإيقاف دعم صندوق المقاصة وفي هذا الصدد يشير تقرير جطو في البند رقم 572 إلى أن مهمة هذه اللجنة تتجلى في تقديم الاستشارة للحكومة حول الاستراتيجيات والآليات الواجب وضعها من أجل عقلنة نظام المقاصة. كما يتعين عليها ضمان يقظة فاعلة ودائمة على مستوى الاسواق العالمية للمواد المعنية والإخبار عن المخاطر المهمة المتعلقة بملائمة وتأمين التموين برسم المواد المدعمة واقتراح الاجراءات الكفيلة بتجاوز هذه المخاطر".


• تعلمون أن خطة الحكومة في إنقاذ الحكومة ركزت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين البسطاء ومست بها من خلال رفع الدعم عن المواد البترولية السائلة، في نظركم هل بإمكان المواطن تحمل المزيد من مثل هذه الخطوات العاصفة بجيبه؟

** مشكلة الحكومة ان انتمائها الطبقي ودفاعها عن الخط السياسي والاقتصادي للتحالف الطبقي الحاكم يجعلها عديمة الاحساس اتجاه الطبقات المسحوقة وفي مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. فخلال هذه السنة التي عرفت موجة جفاف عميقة ستؤدي الى انخفاض كبير في المحاصيل الزراعية وبالتالي في عائدات الانشطة الزراعية والذي ينعكس أثره بشكل مباشر على مداخيل الساكنة القروية والتي يصل تعدادها الى حوالي 15 مليون نسمة. ففي ظل هذه الوضعية التي ستخلف آثارا عميقة على تزايد بؤس الساكنة القروية عمدت الحكومة الى الزيادة في العديد من المنتجات الاساسية وفي المحروقات، فلنتصور عمق الكارثة الاجتماعية التي ستحدث في البوادي المغربية جراء هذه الزيادات والتي قد تدفع عددا كبيرا من الشباب الى موجة كبيرة من الهجرة القروية نحو المدن أو نحو الخارج بكافة الوسائل.

كما أن الجيش الاحتياطي الهائل من الأيدي العاملة المكدس في المدن في ظل النقص الحاد لمناصب الشغل، سينفجر في اشكال أخرى من البدائل ترفع من منسوب الجريمة والفساد والدعارة وجعل المدن المغربية أقل أمنا. كما قد تنفجر في أشكال متعددة من ردود فعل سياسية جماعية ضد السياسات الحكومية الطبقية، والتي قد تواجهها الحكومة بمستوى أعلى من القمع البوليسي. وهي مواجهات يصعب التكهن بنتائجها. حيث تبقى هذه النتائج مفتوحة على مختلف الاحتمالات.