حول تغطيات إعلامية غربية ل-ما يجري في سورية-


ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن - العدد: 4459 - 2014 / 5 / 21 - 20:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

What do you think about the news coverage of Syria?
هناك منظور ثابت في مقاربة الإعلام الغربي لـ"الشرق الأوسط" عموما، يقاربه من مدخل جيوبوليتكي كساحة صراع دولية، بحيث لا تُرى المجتمعات ولا يُرى الناس العاديون وكفاحهم من أجل متلاك السياسة والحياة؛ أو تجري مقاربة شؤون المنطقة من زاوية الأديان والطوائف والإثنيات التي يفترض أنها كيانات ثابتة وأبدية، وتتصرف على نحو موحّد سياسيا دوما وفي كل حال، وهي متصارعة ومتحاربة على الدوام أيضا. مع ميل متأصل ثابت أيضا إلى معاداة الإسلام، والعطف الكاذب على "الأقليات" التي تعتبر ضحية دائمة.
يضاف إلى هذا وذاك الاقتصار الدائم على شريحة ضيقة من الحاضر، فلا حضور للبعد التاريخي ولا معرفة بمراحل تاريخ هذه البلدان وصراعاتها وكفاح مجتمعاتها من أجل العدالة والتحرر.
ويكمل كل ذلك تفضيل مستقر للاستقرار في المنطقة، ما يعني عمليا الوقوف في صف الأقوياء القادرين على توفير سلعة الاستقرار هذه.
قلما يعرف خبراء الشؤون السورية والشرق أوسطية، بمن فيهم أمثال روبرت فيسك، شيئا مهما عن سورية، بالضبط لأنهم يظنون أنه يعرفون كل ما هو مهم ومستحق للمعرفة. وهذا لأنهم حتى حين يتواتر أن يزوروا دمشق، يقيمون في فنادق المجم الخمسة برعاية السلطات السورية، ويلتقون بالأشخاص المهمين في السلطة، ضباط المخابرات و"ضباط" الإعلام، وليس أبدا بمثقفين مستقلين وناشطين سياسيين وعامة الناس.
في المحصلة هناك نوع من نزع الصفة الإنسانية والدنيوية لسورية وسكانها، كأن الأمر لا يتعلق ببشر مثل كل البشر. وهناك أيضا إعطاء انطباع بأن الإنسانيات التي ندرس من خلالها المجتمعات الأخرى لا تصلح لدراسة مجتمعاتنا، لأن هذه مجتمعات خاصة، مختلفة عن غيرها. هذا بالمناسبة ما يقوله الإسلاميون أيضا.
هناك استثناءات مشرفة، وهناك تغطيات إعلامية غربية أكثر إنسانية وأقل تمركزا حول الدين والجيوسياسة، لكن ليس هناك تحول أساسي بعد في النظرة.

How can the discussion be moved in the west from the focus on two baddies, Assad and ISIS and back to the nonviolent activists and their Revolution of Dignity and Freedom?
لكن ليس هناك تطابق بين داعش والكفاح المسلح، ولا تقابل بينهما وبين النظام وعنفه الإجرامي. وليس هناك أيضا تقابل بين سيئين، هما النظام وداعش من جهة، وبين جيد هو الناشطين غير العنفيين. هذا اختزال لصراع الشعب السوري إلى صورة مفرطة التبسيط هي بالضبط التي يروّجها إعلام غربي لا يعرف شيئا عن صراع السوريين.
يلزم من أجل كسر صورة التقابل الثنائي بين شريرين إدراك تعدد مستويات الصراع السوري، من الكفاح السلمي متعدد الأشكال (مظاهرات، تغطيات إعلامية، توثيق، إغاثة، أنشطة سياسية...) إلى الكفاح المسلح والجيش الحر، وهذا قبل ظهور تجمعات إسلامية، ثم تشكيلات جهادية إلى داعش. الأخيرة ظواهر طفيلية وانتهازية، تظهر في مجتمعات المعنفة والمدمرة. هناك مجتمع كامل كافح بكل الوسائل، وتعرض لتحطيم لم يتوقف منذ البدياة في ربيع 2011، وتولدت فيه دينامية تجذر وأسلمة بفعل ما تعرض له من امتهان وعنف مفرط.
وضعنا اليوم لم يكن هكذا منذ البداية، وليس تعبيرا حتميا عن طبيعة ثابتة لمجتمعنا، ما كان يمكن لها أن تظهر إلا على هذا النحو. هذا الوضع الحالي نتاج عنف مفرط مستمر كلف فوق 150 ألف ضحية، وتهجير فوق 40% من السكان من منازلهم، وصناعة تعذيب وقتل مزدهرة، وتجويع مئات ألوف السكان، وتدمير بيئات الحياة في عشرات المناطق في البلد، وعشرات المجازر التي يعرفها الجميع.
ما جرى في سورية ليس دوريا لكرة القدم، وصل إلى المبارة النهائية فيه الفريقان الأسدي والداعشي، بل هو تدمير مستمر للمجتمع وقتل واسع النطاق للسكان وتصنيع متعمد للتطرف.
القصد أن كسر ثنائية السيئين يقتضي معرفة تفاصيل أكبر عن الوضع السوري وتلويناته المتعددة من جهة، وإحاطة بمراحل الصراع وتطوره من جهة ثانية، فضلا عن معرفة اجتماعية وتاريخية أوسع بسورية.
ورأيي أنه لو حصل ما حصل لنا طوال ثلاث سنوات في بريطانيا، ولو كان طوني بلير دمّر ربع برمنغهام مثلا وقتل 25 ألف من سكانها في جيل سبق، ثم ورث حكم المملكة المتحدة لابنه الذي كان يدرس طب العيون في سورية، وحين شبّت ثورة ضد بلير الابن ارتكب المذابح في عشرات البلدات البريطانية، وقصف برادفورد بالسلاح الكمياوي، ودمر شفيلد بالطيران الحربي، وأطلق صواريخ سكود على مانشستر، وقتل 11 ألف بريطاني تحت التعذيب والجوع في أجهزته الأمنية...، لو حصل ما يقارب ذلك لتصرف البريطانيون بصورة لا تختلف كثيرا عن تصرف السوريين اليوم، ولظهر بينهم متطرفون مغلقو التفكير، ولربما عمل بلير الابن على تغذية بعض المجموعات المتطرفة لإظهار نفسه محاربا ضد الإرهاب إلخ إلخ.
ولربما ظهر صحفيون سوريون يعرفون بضع كلمات من الانكليزية بقدر ما يعرف روبرت فيسك من العربية، ويعيدون في تغطياتهم الصحفية كل هذا العنف والوحشية إلى طبيعة بريطانيا ودين سكانها، أو إلى مؤامرة هندية مصرية فرنسية على حكومة بلير الابن المعادية للامبريالية الهندية!