حمدين صباحي يأبى أن يصير ذَكر نَحل السياسة المصرية


خالد سالم
الحوار المتمدن - العدد: 4459 - 2014 / 5 / 21 - 18:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

" لكنها تدور يا أرض الكنانة"

حمدين صباحي يأبى أن يصير ذَكر نَحل السياسة المصرية
خالد سالم
يعج الشارع المصري اليوم بتعليقات شديدة التضارب حول المرشح القومي الناصري حمدين صباحي، ويصل المغالون إلى اتهامه بالخيانة واضفاء الشرعية على طريق حصان الرهان الأول في انتخابات الرئاسة، عبد الفتاح السيسي. فشريحة من الشباب، التي ترفض السيسي لهويته العسكرية، تحمّل صباحي مسؤولية إضفاء الشرعية على هذه الانتخابات التي ستؤدي، في رأيهم، إلى وءد ثورة 25 يناير تمامًا وعودة رجل مبارك، بينما تسحقه وسائل إعلام الفلول بتشويه صورته أمام الطبقة التي تضخ معلوماتها ووجهات نظرها على جمهور ينضوي تحت لواء " زمن الفرجة" الذي سبق له سحق مفجر الثورة ورمزها النبيل، الدكتور محمد البرادعي الذي على ما يبدو قد آثر السلامة منذ أن استقال من منصب نائب رئيس الجمهورية احتجاجًا على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة الصيف الماضي.
كل هذا يحدث رغم أن صباحي أعلن مرارًا أنه، في حالة عدم فوزه بالإنتخابات، لن يقبل أي منصب تنفيذي، بل سيقود معارضة قوية من أجل حياة ديمقراطية سليمة وبناء مصر قوية. وموقف كهذا يدل على ايمانه بالديمقراطية، وهو ما تؤول إليه إنتخابات الديمقراطيات الراسخة في الغرب، إذ يتحول الحزب أو المرشح الثاني إلى شغل الموقع الأول في المعارضة لمراقبة أداء الحكومة ورئيس الدولة ومؤسساتها.
مع اقتراب نهاية فترة حملة إنتخابات الرئاسة المصرية التي ستعقد يومي 26 و27 مايو الجاري وظهور مؤشرات لنتائج تصويت المصريين في الخارج لصالح السيسي بفارق كبير، أصبحت النتائج النهائية شبه محسومة، وهو أمر واضح منذ أشهر طويلة.
ورغم ضيق ذات اليد لحملة حمدين صباحي فإنها تواصل، بما تيسر لها من تبرعات ضئيلة، فعاليات بسيطة وكأن مرشحها سينجح في الماراثون الرئاسي. هذا الأمر يجعل المراقب يشعر بالدهشة أمام اصرار صباحي وحملته على مواصلة المسيرة وكأنه المرشح الذي سيفوز في نهاية المطاف، رغم أنك لا ترى له صورة واحدة على لوحات الإعلانات في القاهرة، على أمل أن تحدث المعجزة في زمن جف فيه معين المعجزات. وهذا التصرف يحمد لصباحي، فالمتابع له منذ أن تحدى السادات في لقاء اتحاد طلاب مصر بعد الانتفاضة الشعبية أو ثورة الخبز – أطلق عليها السادات إنتفاضة الحرامية - يومي 17 و18 يناير 1977، يدرك أنه مناضل سياسي لا ييأس وتزيده الأحداث الجسام إصرارًا على المواصلة من أجل الفقراء والديمقراطية.
هناك حوليات عدة ستُدخل حملة الرئاسة الحالية التاريخ، من بينها الضبابية التي تخيم على كل شيء وأن حملة أحد المرشحين الاثنين وصل بها العوز المالي إلى أنها لا تستطيع أن تضع لوحة واحدة تحمل صورة له. هناك واقعة ذات معنى في هذا الصدد حدثت منذ يومين بينما كنت في إحدى مدن دلتا النيل وفجأة قالت لي زوجى "انظر هناك صورة لصباحي!". كان ملصقًا على لافتة إعلانات صدئة لا تزيد مساحته عن ثلاثين سنتيمترًا. ويضاف إلى هذا تراجع قوى وشخصيات سياسية ناصرية عن تأييده لأسباب يعلمونها هم أنفسهم، على رأسهم ابنا جمال عبد الناصر هدى وعبد الحكيم والكاتب القومي الناصري محمد حسنين هيكل وأحزاب يسارية، إذ آثروا عليه المرشح المنافس، الرهان الرابح، رغم وضوح برنامجه اليساري وفكره الناصري وخطابه الإنتخابي المستنير ذي التوجه الديمقراطي. بعضهم وصفه بأنه ليس الرجل المناسب للمرحلة القادمة في مصر التي تحتاج إلى "الرجل الضرورة"، وزير الدفاع السابق. إضافة إلى وسائل الإعلام الخاصة وشخصيات انتهازية عدة تكيل السباب والشتائم لصباحي في محاولة للتقرب من السيسي. والغريب أن قنوات التلفزيون والصحف الخاصة تسير على هذا الدرب، درب المداهنة والتملق على عكس الإعلام الحكومي الذي يميل إلى الحياد.
إن مثل هذا المرشح والقوى السياسية التي تدور في فلكه هي القادرة على توجيه بوصلة المسرح السياسي نحو محاولة ديمقراطية أخرى في بلد يسكنه شعب لا تعير شرائح عريضة من سكانه اهتمامًا بالحريات والديقراطية، فالديمقراطية بالنسبة لهم رفاهية، وينسون أنها هي التي تضمن لهم قوت يومهم وأمنهم وأمانهم وتضع الحلول لمشكلات كثيرة. لكن عدم الوعي يدفع المجتمع إلى النظر تحت قدميه. هذا بالإضافة إلى أن تجربتنا منذ الثورة إلى اليوم لم تكن سوى محاولات فاشلة على طريق الديمقراطية، ما حمل قطاعًا كبيرًا من المصريين على الشعور بالاحباط والتشبث بما يشبه ماضيًا أعاد إليه كرامته.
جلي أن مصر تئن بمشكلات جمة ومتفاقمة تتطلب حلولاً سريعة، لكنها لا يمكن أن تقوم في الفترة القادمة على التكتيك بل على أساس استراتيجيات طويلة الأمد، فالشعب لن يتحمل عمليات ترقيع على منوال عهد مبارك بعقوده الثلاثة. ودول الخليج العربي الشقيقة لن تقبل مساعدة مصر لأجل غير مسمى، فهناك شعوب ترقب كل شيئ مهما عنيت أرض الكنانة لهم. هناك مقولة مشهورة لمارتن لوثر كينغ، مفادها "لا أحد يستطيع أن يعتلي ظهرك ما لم تنحنِ"، وكان زعماء ثورات العالم الثالث في القرن العشرين، ومن بينهم عبد الناصر، قد وضعوها نصب أعينهم بعد تحرر بلدانهم من أصفاد الإستعمار الغربي، إلا أن من يؤمنون بها اليوم، من ساسة العالم الثالث في دنيا العولمة، أصبحوا عملة نادرة، ومن يراقب خطاب حمدين صباحي في حملته الإنتخابية يدرك أنه لا يضع في اعتباره مواصلة الإنبطاح أمام الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وإسرائيل من أجل البقاء في سدة السلطة.
كل هذا يأخذه في الحسبان خطاب حمدين صباحي الانتخابي، ورغم معرفته أن خسارته الرهان على رئاسة مصر أقرب من الفوز بها. إلا أنها لن تكون خسارة كبيرة إذ سيخسر منصبًا لكنه سيحقق إنجازًا مهمًا للديمقراطية في مصر.
ويكيل الإخوان وشباب مصر الاتهامات إليه من منطلق أنه كان حريًا به ألا يدخل معركة انتخابات محسومة نتائجها لصالح منافسه، وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي. وذهب بعضهم إلى اتهامه بأنه "محلل" شرعي لوصول منافسه إلى سدة الحكم وباتفاق ثنائي على توزيع تركة مصر بينهما!!!
هذه الاتهامات والتخبط والافتقار إلى الموضوعية أمور طبيعية في لحظة صيرورة لمجتمع ودولة بمؤسساتها كلها رغم تشبث رجال نظام مبارك، بما لديهم من نفوذ وسلطة بالرغم من قيام ثورة من أرقى ثورات العالم، ثورة شعب أدهش العالم بأدائه في يناير وفبراير 2011. وكان حريًا بهم أن يطوروا أنفسهم وأساليبهم من أجل المصلحة العامة والخاصة في بلد يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر بينما النصف الآخير يترنح ويخرج من بيته دون أن يعرف ما إذا كان سيعود سالمًا إليه أم لا.
ورغم الهجمات البشعة على حمدين صباحي من أطراف عدة، على رأسها الفلول وبعض عناصر حملة السيسي، فإن منافسه لم يخض في هذه المهاترات وحافظ على انضباطه العسكري متعففًا عن الخوض في هذه المغامرات رغم محاولات بعض محاوريه من الإعلاميين، والشيء نفسه فعله حمدين صباحي تجاه منافسه، إذ لم يرتكب زلة لسان تجاه السيسي رغم استفزاز الإعلاميين له ومحاولاتهم جره إلى هذا المنحدر.
إذا كان لدى مهاجميه أي قدر من الاخلاص للبلد أو منطق لما هاجموه بهذه الشراسة. هل يتصور هؤلاء كيف سيصبح المسرح لو قرر صباحي الانسحاب من سباق انتخابات الرئاسة؟ لا أظن أنه سيكون من مصلحة البلد ولا مصلحة تلك الأبواق الإعلامية الرخيصة التي تعيش على الردح وتكسب ثراءها وترفها منه. إننا لا نعرف التعددية، لا نعرف كيف نختلف، ولا تقبل الرأي الآخر. ثقافتنا بكل روافدها أحادية، وكأننا لا نرى سوى القمر في الليل، نتغنى به، والشمس في النهار، نكتوي بلهيبها في البادية.
كان انسحاب البرادعي من الساحة السياسية المصرية خسارة للثورة والآن فإن إنسحاب صباحي الذي يطالبه به الشباب، من شأنه لو حدث أن يصنع فراغًا كبيرًا لا يخدم سوى مشروع القوى المضادة للثورة.
واضح أن حمدين صباحي لم يستسلم رغم معرفته نتائج انتخابات محسوم أمرها منذ أشهر وحملات التشويه التي يتعرض لها قبل وبعد ثورة 25 يناير. مسيرته مليئة بالحراب على يد كل من اعتلوا سدة الحكم في أرض الكنانة، بدءًا بالسادات ومبارك والإخوان وفلولهم، فقد أودع السجن سبع عشرة مرة في عهدي السادات ومبارك، وكاد الإخوان أن يسجنوا ابنته العام الماضي!
وعلى ما يبدو فإنه لا يريد أن يسير على درب ذَكَر النحل، أي ألا ينتهي دوره في الحياة العامة بتلقيح الثورة بنضاله الطويل، ثم الانزواء في موات سياسي، يرضي البعض ويريح آخرين. مسيرته تشير إلى أنه سيواصل العمل من أجل الحريات والديمقراطية ووطنه العربي، سائرًا على درب خالد الذكر رغم خذلانه من بعض رموز الناصرية . لقد عرض عليه الرئيس المعزول محمد مرسي منصب نائب الرئيس، لكنه رفض، والآن أعلن أنه لن يقبل أي منصب تنفيذي من منافسه في حال فوزه بالرئاسة، إذ سيقوم ببناء معارضة نيابية بناءة من أجل الوطن، من أجل تحقيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير: عيش، حرية، كرامة إنسانية.