ثلاث أسئلة حول أزمة السيولة المالية في المغرب


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4456 - 2014 / 5 / 18 - 02:36
المحور: الادارة و الاقتصاد     

أجرت السيدة النعمان اليعلاوي الصحافية بجريدة الأخبار حوار عبر الهاتف مع عبد السلام أديب حول أزمة السيولة المالية في المغرب، من خلال طرح ثلاث اسئلة، لكن بالنظرا الى طبيعة الحوار بالهاتف وعدم قدرة الصحافية الالمام بمجمل الشروحات المقدمة، فان الحوار الذي نشر في جريدة الاخبار يوم السبت 17 مايو، جاء ناقصا ومبتورا وغير مفهوم، لذلك أقدم في ما يلي بعض التصويب لذلك الحوار كما يلي:

1 – ما تفسير ضخ بنك المغرب لأموال طائلة في السوق النقدية الوطنية لسد حاجيات السيولة؟

• يدخل اجراء ضخ الأموال في السوق النقدية بشكل عام ضمن الوظائف العادية للبنك المركزي المغربي بصفته سلطة نقدية. أما بالنسبة لتدخلات بنك المغرب المتوالية لضخ السيولة في خزائن الابناك المغربية منذ اندلاع الأزمة العالمية لسنة 2008، وبشكل اكثر بروزا منذ ثلاث سنوات تقريا، فراجع الى نقص حاد في السيولة الذي تعاني منه صناديق الابناك المغربية، وعدم قدرتها على تلبية حاجيات الطلب المتزايد على تمويل الاقتصاد. وبطبيعة الحال أن ازمة السيولة النقدية الحالية لها خلفية اقتصادية تاريخية، أي ان ما يحدث من تقلبات في القطاع المالي هو راجع بالاساس للتقلبات التي حدثت في القطاع الاقتصادي. فالكساد المزمن وانحسار السوق الداخلية ونقص الدينامية الاقتصادية يؤدي مباشرة الى نقص في المداخيل وفي الادخار وفي الاستهلاك وبالتالي في الاستثمار، وهذا له انعكاس مباشر على ازمة السيولة.

ويعتبر تأثر المغرب بالأزمة الاقتصادية والمالية لسنة 2008 مجرد مرحلة جديدة من تعميق الأزمة التي ما فتئت تتعمق منذ بداية عقد الثمانينات، ويمكن تفسير ذلك على الشكل التالي، وهو انه مباشرة عقب ازمة تضخم الجمود لعقد السبعينات (بمعنى تلازم التضخم مع الكساد)، حاول العالم الرأسمالي التخلي عن السياسات الكينيزية التدخلية التي كانت تمارس آنذاك والتي كان المغرب يعتمدها كذلك. وقد ابتدأ العالم الرأسمالي منذ بداية عقد الثمانينات في محاولة معالجة ازمة تضخم الجمود عبر مطالبة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي لجميع الدول ولميزانياتها بالتخلي عن كل تدخل اقتصادي أو اجتماعي، وقد تطلب هذا الاجراء تسريح الملايين من العمال والموظفين وكذا تجميد الأجور وتراجعها، مما أدى الى انحسار عالمي كبير في كتلة الأجور والتي هي في نفس الوقت جزء من فوائض القيمة والارباح المقتطعة من العمل الزائد للعمال والتي كان يتم توزيعها كأجور وكتعويضات أو على شكل خدمات عمومية بالمجان أو باسعار رمزية. فتراجع كتلة الأجور من حوالي الثلثين سنة 1982 الى حوالي النصف فقط حاليا أدى إلى عودة معدل الأرباح الرأسمالية نحو الارتفاع لكن مع استمرار ركود معدل التراكم، لأن الأرباح المتراكمة الناجمة عن ضغط الاجور لا تجد لها ما يكفي من الاستثمارات المنتجة وذلك نظرا لتراجع الاستهلاك بفعل تراجع القدرة الشرائية للطبقة العاملة.

النتيجة هي أن الأرباح المالية المتراكمة والتي لا تجد لها منافذ للاستثمار تتحول مباشرة نحو المضاربة على كل اشكال السلع والخدمات بما فيها المواد الغذائية الاساسية الواسعة الاستهلاك، وبروز مشتقات مالية متنوعة تتيح امكانيات واسعة للاقتراض والشراء للالتفاف على نقص القدرة الشرائية، ومنذ بداية الالفية الثالثة طالت المضاربة المالية مجال العقارات ومجال المواد الغذائية الأساسية، وهو ما أدى الى ارتفاع اسعارها غير الطبيعي عالميا. لكن تزايد المضاربة المالية جعل فقاعة الأرباح المالية الهائلة تتضخم بدون مقابل انتاجي حقيقي وقابلة للانفجار في اية لحظة، مما أدى في نهاية المطاف الى انفجار تلك الفقاعة المالية فعلا سنة 2008. فالأزمة اذن هي في اصلها ازمة اقتصادية فجرت أزمة مالية، وقد أدت في بلادنا الى تعميق الازمة الاقتصادية المزمنة منذ بداية عقد الثمانينات والتي انطلقت مع تخلي الدولة كليا عن التدخل لاحداث التوازن الاقتصادي والاجتماعي المطلوب والى ضغط كبير على الاجور وإلى حدوث الكثير من التسريحات في صفوف الموظفين والعمال. فالأزمة الأخيرة زادت من تعميق هذه الحالة وخاصة حالة البطالة وسط حاملي الدبلومات العليا.

إذن ففي ظل هذه التناقضات الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة الى انعكاس الازمة في الدول الاوروبية على المغرب من خلال تراجع عائدات العمال المهاجرين وتراجع الصادرات المغربية مع ارتفاع الواردات وارتباط الاقتصاد المغربي ككل بالتساقطات المطرية، فكل هذه العناصر قلصت بشكل كبير من القدرات الاقتصادية المتوفرة وأدت الى تراجع هائل في المداخيل وفي الضرائب وفي عجز السوق الداخلي والى مديونية مفرطة للعائلات وإلى تراجع عنيف في الادخار. فهذه السيورة الاقتصادية والمالية هي التي فجرت النقص المزمن في السيولة النقدية لدى الابناك. ونظرا لحاجة المستثمرين الكبار مغاربة وأجانب الى السيولة النقدية لمواجهة حاجيات استثماراتهم فان الابناك تضطر بشكل دائم الى اللجوء الى بنك المغرب لضخ الأموال الكافية في خزائنها. وهنا يتدخل بنك المغرب من أجل اتخاذ قراراته في ضخ السيولة النقدية. ولكي تتمكن الدولة من مواجهة العجز في تمويل الاقتصاد فإنها تلجأ الى الافراط في الاقتراضات الخارجية.

ومعلوم أن دول التعاون الخليجي منحت معونات للمغرب سنة 2012 بقيمة خمسة ملايير دولار مكنت المغرب جزئيا من التغلب مؤقتا على النقص في السيولة. وعلى العموم يمكن القول ان تسريح العمال والموظفين بالإضافة الى التزايد الهندسي في أعداد البطالة خاصة وسط الشباب حاملي الدبلومات الجامعية واصرار الحكومات المتعاقبة على تلبية حاجيات الباطرونا لرفع اسعار المواد والخدمات الاساسية والعمل على اعدام صندوق المقاصة تشكل بحد ذاتها اسبابا مباشرة لأزمة السيولة المالية المتزايد، نظرا لتفاقم التناقضات الاقتصادية والمالية التي تحدثها.

2 – هل هذا يعني أن الأبناك المغربية تعاني من أزمة؟

• بطبيعة الحال يمكننا الحديث عن وجود أزمة مالية مزمنة لدى الابناك بالمغرب، وتعود بالاساس الى النقص في الدينامية الاقتصادية والى انحسار السوق الداخلي، حيث أنه رغم توافر الأموال المتأتية من الاقتراضات ومن الاعانات الدولية وأيضا من عائدات استغلال العمال، غير ان هذه الاموال لا تجد لها منافذ استثمارية منتجة تولد ما يكفي من مداخيل عمالية تدعم قدراتهم الشرائية واقبالهم على الادخار والاستهلاك وتحدث توسعا ديناميكيا في السوق الداخلية. مما يجعل تلك الاموال تتجه نحو العقار والمنتجات البذخية أو المشاريع الكبرى غير المنتجة مثل مشروع تيجيفي مثلا أو نحو المضاربة. لذلك فان محدودية الاستثمار المنتج وركود معدل التراكم المزمن وتراجع مالية الاسر بسبب ارتفاع نسبة مديونيتها اضافة الى البطالة وارتفاع الاسعار، يفرغ بشكل مباشر أو غير مباشر خزينة الابناك من السيولة المالية الكافية.

3 – هل لهذا الأمر ارتباط بقطاعات حيوية أخرى؟

• أكيد أن هناك ارتباطا وثيقا بين أزمة الأبناك المغربية والعديد من القطاعات التي من أهمها قطاع العقار والبناء، حيث تشير الأرقام إلى أن انتاج الاسمنت عرف تراجعا واضحا خلال السنوات الثلاث الأخيرة بسبب تراجع وتيرة الاستثمار في مجال البناء، بالاضافة الى تراجع الطلب على المشاريع السكنية، كما أن للأمر ارتباط آخر بقطاع الشغل، كما سبق وأشرت حيث أن تراجع معدل الادخار والاستهلاك لدى الموظفين والاسر بشكل عام، نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة التي خلفتها الزيادات المتكررة التي أقرها حكومة بنكيران في عدد من المواد والخدمات الاساسية، هذا دون الحديث عن استمرار انخفاض نسبة التشغيل وارتفاع نسبة البطالة التي بلغت مستويات عالية في ظل الحكومة الحالية، وهي الأمور التي لا تساعد بتاتا في تسريع الوتيرة الاقتصادية المنتجة وبالتالي في الرواج المالي.