شهادات (12) دكتور سهيل إدريس


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 12:14
المحور: الادب والفن     


التقينا لأول مرة في بغداد، في فندق المنصور، كنتَ تجلس بيني وبين جبرا إبراهيم جبرا، ومن حولنا جمع من الأدباء، كان جبرا لا يتوقف عن الثرثرة كعادته، وأنا وأنت صامتين، ولأقطع الصمت بسكين الأدب، قلت كتابك عن غسان كنفاني، الأول في دراسة أدبه، كنتُ أريد نشره، وطلبتُ من علي الخليلي أن يخبرك برغبتي هذه، لكنك فضلت العراقيين، ولم تكن مخطئًا، فالعراقيون خير من يقرأ في العالم العربي. فاجأتني عندما قلت بأن كل ما كتبته عن كنفاني كان تحت تأثير موته واحتلال القضية لوعيك، ولو كتبت عنه اليوم لتوصلت إلى استنتاجات أخرى، لأن أدب كنفاني أدب المضاف، يعيد على طريقته بناء علاقة الفلاح الجاهل بالأرض، والفدائي الأهوج بالبندقية، والمنفي المسترق بالسؤال، والسؤال لديه ليس وجوديًا بل سياسيًا، غسان كنفاني قيد الأدب الفلسطيني بالسياسي تحت ثوب قشيب من استعارات الاستهلاك القومجي التي أودت بحياته وبالقضية، ولم تتقدم بنا منذ عبد الرحيم محمود وإبراهيم طوقان، فكانت فائدة الفكر السائد على ظهرها كبيرة والنظام السائد وأبطال النظام السائد الذين يتماهون حتى هم في هذا الأدب "المقاوم". عرجنا بعد ذلك على ما تفعله اليوم، فقلت إنك تترجم "أسير عاشق" لجان جينيه. أكدت عليك أن يكون هذا الكتاب هذه المرة لي، وطلبت منك أن ترسل إليّ نسخة فرنسية منه. فاجأتني مرة ثانية عندما قلت بأن علاقة جان جينيه بالقضية قضيبية، فهو لوطي، وهو لم يعتنق حزبنا حبًا بفلسطين وإنما حبًا بالفلسطيني كقضيب في المخيلة الغربية، العنوان "أسير عاشق" دلالاته كافية. جان جينيه أيام النازية كان أسيرًا عاشقًا للألماني الفحل، وهنا كذلك ليست للسياسة أدنى علاقة، جان جينيه لم يكن أبدًا سياسيًا، وقبل موته ترك كل ثروته لمغربي يمثل كل علاقاته القضيبية. عند لقائنا الثاني في تونس، عاتبتك، فأنت لم ترسل لي كتاب جينيه، وكان جوابك إنك لم تأخذ كلامي ككلام كل ناشر عربي على محمل الجد. هذه المرة، أرسلت إليّ "الأسير العاشق"، ولم أجبك، فمعذرة.