مدخل القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4447 - 2014 / 5 / 8 - 21:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
مدخل القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز
1 ـ فيما بين (1902-1932)أقام عبد العزيز الدولة السعودية الثالثة و أعطاها اسم أسرته .وتعرضت هذه الدولة الي اختبار قاس ،لأن الذين أقاموها بسيوفهم اصبحوا هم المعارضة لمؤسس الدولة وهو زعيمهم وقائدهم عبد العزيز آل سعود ، أو ( ابن سعود ) كما كان يُطلق عليه وقتئذ . هو الذي حولهم من مجرد بدو متقاتلين يغير بعضهم على بعض طلبا للرزق الي تنظيم عسكري عقائدي ،يعرف بالإخوان .
2 ـ ولا يبدو ما حدث بين عبد العزيز والأخوان جديدا في مجريات التاريخ ، فالعادة ان يشب النزاع بين مؤسس الدولة وقائد جيشه ،حدث هذا بين أبى جعفر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية وبين أبى مسلم الخرساني القائد الفارسى المؤسس العسكرى للدولة العباسية ،وحدث بين المهدي الشيعي الفاطمي وبين ابي عبد الله الشيعي الداعية الشيعى ،وتكرر نفس الموقف تقريبا في الدولة المملوكية (النزاع بين شجرة الدر واقطاي ،ثم بينها وبين السلطان ايبك )والدولة الأموية في الأندلس ،وحتى في العصر الحاضر (النزاع بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ).
3 ـ من الناحية السياسية تظل في التجربة السعودية خصوصيتها المتمثلة في الملامح النجدية وشخصية عبد العزيز .
3 / 1 : فالملامح النجدية التقليدية يمثلها الإخوان وثقافتهم الماضوية التي تكرر ما حدث في الماضي من إقامة ثورات ودول متحركة مؤقتة صحراوية تحترف الإغارة المستمرة علي الجيران باسم الفتح،وتسرف في الدماء باسم الجهاد ( حركة الزنج ، القرامطة ) . ومع ان هذا كان النمط السائد في العصور الوسطي إلا أنها لم تنجح في إقامة دولة مستقرة وقتها .وبالتالي فان استرجاع هذه العقلية في الفتح والجهاد والفتح لا يمكن ان يقبلها عصرنا الحديث ، خصوصا وان مقاليد الأمور لم تعد فى يد الدولة العثمانية وثقافتها الماضوية ، يكفى انها المُسمّاة وقتئذ بالرجل المريض . أصبحت مقاليد الأمور في يد الغرب ،وإنجلترا بالذات في عهد عبد العزيز، وهى التى ( سمحت ) وساعدت عبد العزيز مباشرة أو بالسكوت والصمت .
3 / 2 : وعليه فان شخصية عبد العزيز المتفردة عن الملامح النجدية والعقلية السياسية للعصور الوسطى هى التى استغلت الظروف الاستثنائية وقتها لصالحه ( داخليا فى نجد وما حولها فى شبه الجزيرة العربية والخليج : الكويت تحديدا ، وفى اليمن والحجاز ، واقليميا فى العلاقة بالدولة العثمانية ومصر والعراق ، وعالميا مع انجلترة وموقفها من الدولة العثمانية وتحالفها مع الشريف حسين وظروف الحرب العالمية الأولى ) فى ثنايا هذه العلاقات المحلية والاقليمية والدولية المعقدة والمتشابكة تمكن عبد العزيز أن يجد بين ثغراتها منافذ يؤسس بها دولته ، وأن يتوسع فيها بقدر المتاح دون أن يدخل فى معارك لا لزوم لها يفقد بها جيشه ودولته ، أو أن يناطح قوى لا طاقة له بها ، أو أن يرفع شعارات يعجز عن تحقيقها ، ويكون مسئولا عنها . سقط فى هذا الاختبار الشريف حسين حاكم الحجاز القوى المعروف عالميا أكثر من عبد العزيز . سقط الشريف حسين واضاع مُلكه ، وورثه عبد العزيز . سقط فى الاختبار أيضا كل من أراد التوسع وتأسيس مُلك جديد يتم به تغيير الخريطة فى منطقته ، سقط زعماء أوربيون مثل هتلر وموسولينى ، وزعماء عرب مثل عبد الناصر وصدام حسين والقذافى ، أضاعوا جهدهم وثروات شعوبهم فى طلب تحقيق المستحيل الذى يرفضه العصر . ونجح عبد العزيز .
لا زلنا نتكلم بوجهة نظر سياسية وليست إسلامية . بدون حنكة عبد العزيز كان يمكن أن تنتهى سريعا الدولة السعودية بمثل ما انتهت إليه في مرحلتها الأولى علي يد محمد علي باشا ،او في المرحلة الثانية حين قضي عليها التنازع الداخلي .
3 / 3 : العجيب هو هذا التناقض الهائل المتمثل بين الوهابية ( وهى ثقافة دينية تنتمى للعصور الوسطى ، تمتد جذورها الى مدرسة ابن تيمية فى العصر المملوكى ثم ابن حنبل فى العصر العباسى ) وثقافة القرن العشرين العلمانية التى ترفض الدولة الدينية وتوسعاتها باسم الدين ، وبالتالى ترفض الوهابية شكلا وموضوعا . ظهر هذا التناقض مبكرا فى القرن التاسع عشر بين اتجاهات التحديث والأخذ عن الغرب وعلمانيته ، وبدا هذا فى مصر بعد الحملة الفرنسية وحكم محمد على ، وهو الذى أسقط الدولة السعودية الأولى . هنا نقيضان ( الوهابية السعودية و الدولة الحديثة التى أنشأها محمد على ) وانتصر محمد على لأنه كان متوائما مع العصر ، وسقطت الدولة السعودية الاولى لأنها كان ترقص على إيقاع عصر مضى لم يعد موجودا . وحتى الدولة العثمانية التى كانت تمثل ماضوية العصور الوسطى ودخل محمد على نفسه فى حرب معها ــــ إضطرت الى القيام ببعض إصلاحات حديثة ، لم تكن كافية للايقاع السريع للعصر ، فانكمشت وفى النهاية سقطت . ثم جاء عبد العزيز فى القرن العشرين وقد تعاظم إيقاع التحديث فى العالم ، فى أوربا وأمريكا ، وحتى فى مصر باصلاحات الخديوى اسماعيل فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر . أصبح القرن العشرين بثقافة التحديث أكثر تناقضا مع الوهابية التى يريد عبد العزيز تأسيس دولته بها ، والتى أسّس عليها عقلية جنوده ( الاخوان ). وبرغم التناقض بين السلفية الوهابية القرون أوسطية وعصر عبد العزيز فقد نجح عبد العزيز فى إستخدام سياسة توائم عصره ليقيم بها دولة تتناقض ثقافيا مع عصره . بل ونجح فيما بعد فى هزيمة ( الاخوان ) عسكريا لينطلق مؤسسا دولته على أساس آخر هو حقه فى استرجاع مُلك آبائه ، وليس مجرد الوهابية فقط .
4 ـ فيما يخص موضوعنا عن الاخوان وعبد العزيز فان شخصية عبد العزيز المتفردة تتمثل في انه استخدم الأخوان في إقامة دولته طبقا للوهابية والثقافة النجدية المتوارثة ، وحين اصبحوا خطرا علي دولته تخلص منهم بأقل قدر ممكن من الخسائر ،مستغلا عدم توائمهم مع العصر ، مع أنه هو الذى رباهم على هذه الثقافة . وبعد اقضاء العسكرى والسياسى عليهم قام بتضميد الجراح والعمل على نسيان الماضي ليقبع بين سطور التاريخ للعظة والاعتبار . والنجاح السياسى الحقيقي لأي قائد هو فى حُسن إستغلال ظروف عصره ومعرفة ما يمكن تغييره وما يستحيل ، وفي التواؤم مع ثقافة عصره ،واستعداده للتواؤم مع مستجدات المستقبل ،والا ضاع في الماضي ..
5 ـ وفي هذا القسم عن المعارضة السعودية فى عهد المؤسس للدولة السعودية الثالثة ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ) نناقش القضايا التالية فى الفصول الآتية :
(الفصل الأول )تكوين الاخوان ودورهم في تأسيس ملك عبد العزيز .
(الفصل الثانى )التقرير التاريخي للمعارضة الاخوانية .
( الفصل الثالث ) التكوين الايدولوجي للاخوان اساس المعارضة السعودية في عهد عبد العزيز .
( الفصل الرابع ) ملامح البناء الايدولوجي لمعارضة الاخوان .
( الفصل الخامس ) تحليل سياسة عبد العزيز مع تجربة الاخوان .