المغرب على حافة الانفجار والاضراب العام قد لا يشكل سببا لهذا الانفجار


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 07:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هناك هدوء سياسي واجتماعي مصطنع قائم منذ سنة 2008 تاريخ انفجار الازمة الاقتصادية والمالية العالمية أو منذ سنة 2011 تاريخ تمرير دستور فاتح يوليوز وتنصيب الحكومة نصف ملتحية، وهو الهدوء الذي مكن بنكيران من رفع اسعار المحروقات مرتين قبل ان يحرر هذه الاسعار ويطبق ما يسمى بالمقايسة، فهذا الهدوء مكن الحكومة من الاجهاز على صندوق المقاصة عمليا وبشكل تدريجي، كما مكن من اقدام الحكومة على الغاء 15 مليار درهم من ميزانية التجهيز ومن الافراط في الاستدانة من صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات المالية الدولية وبالتالي اغراق البلاد في المديونية الخارجية بشكل اكثر حدة مرة أخرى والتي تدفع بنكيران الى الرفع التدريجي من معدلات الضرائب على المواد الاساسية لسداد هذه المديونية. نعم، فقد حضي بنكيران بسلم اجتماعي كما يحب ان يردد ذلك في كل حين امام البرلمان وقد مكنه هذا الهدوء من العفو عن ناهبي المال العام بالملايير، وللتذكير فقط فإن المبلغ المالي المنهوب من صندوق الضمان الاجتماعي بمفرده بلغ 115 مليار درهم وهذا دون الحديث عما تم نهبه في صندوق القرض الفلاحي وفي وكالة المغرب العربي للأنباء وفي مختلف المؤسسات العمومية الأخرى.

لقد شجع هذا الهدوء المصطنع القائم بالفعل حكومة بنكيران على تنفيذ هجوماتها الاقتصادية على الطبقات الشعبية المسحوقة والتي يمكن ان نتحسس مدى معاناتها من الفقر والبطالة والتهميش بالعين المجردة في مختلف بؤر الفقر في المدن المغربية بل وبشكل مضاعف في القرى والبوادي المغربية رغم اعتماد ما يسمى بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي لم تكن سوى اعتراف بمخلفات الهجوم البرجوازي ببلادنا ودرا للرماد على العيون وحيث كانت تصرف الاموال لفائدة المقاولات البرجوازية لانجاز مشاريع لا مفعول ايجابي حقيقي لها على الأوضاع البئيسة للطبقة العاملة وعلى ابنائها العاطلين عن العمل.

لقد جاء هذا الهجوم الاقتصادي لحكومة بنكيران بعدما عملت حكومة عباس الفاسي السابقة على تخدير موضعي للطبقة العاملة من اجل تحييدها عن المشاركة في الحراك الشعبي الذي قاده عدد من الشباب المغربي انطلاقا من 20 فبراير 2011، ولقد تمثل هذا التخدير الموضعي في اتفاق 26 ابريل 2011 والذي ساهمت فيه مختلف المركزيات النقابية الى جانب الحكومة والباطرونا، وقد تم اعتبار ذلك الاتفاق مشؤوما على الطبقة العاملة في ذلك الحين من خلال عريضة وقعها العديد من الاحرار لأن الاتفاق مجرد مناورة حكومية سرعان ما ستنقشع. وبالفعل فالاتفاق رغم الدعاية والتطبيل له لم يطبق الى اليوم وبعد مضي أربع سنوات وحيث اصبحت مطالب المركزيات النقابية البيروقراطية تقتصر فقط على تطبيق اتفاق 26 ابريل.

لكن الهجوم الاقتصادي بقيادة الحكومة وبإيعاز من الباطرونا ومن المؤسسات المالية الدولية جاء مصحوبا ايضا بالهجوم على الحقوق والحريات الفردية والجماعية، فقد تم احصاء ما يزيد عن 260 معتقل ومعتقلة سياسية منذ بداية الهدوء المصطنع. فالهدوء كان بالفعل مصطنعا لان طليعة الطبقة العاملة والمتمثلة في ابنائها خصوصا من بين التلاميذ والطلبة وجمعيات المعطلين والمنظمات المناضلة، كانت تجتهد في فضح حقيقة الوضع القائم وحقيقة الهجوم الاقتصادي، وكانت تلجأ الى العديد من الاشكال النضالية المشابهة بما كان يحدث في كل من تونس ومصر، مع بعض التحفظ في مدى تلك الاشكال النضالية وابعادها خاصة في المدن الكبرى حيث يسود نفوذ القوى البرجوازية الصغرى التي تفرمل جموح شباب 20 فبراير والتي لا هم لها سوى مساومة النظام بواسطة تلك الاشكال النضالية على مكتسبات سياسية محدودة لا أفق استراتيجي لها، لذلك لم تكن تحدث اصطدامات عنيفة بين المتظاهرين والسلطات القمعية. أما الاشكال النضالية القوية والتي كانت تحدث في التخوم أو في المدن والقرى المحيطة والمهمشة كالحسيمة وصفرو وفاس وبولمان وبني تادجيت وميسور وأسفي وسيدي افني والعرائش وأزيلال ... الخ فان سقف مطالبها الاجتماعية والسياسية، عادة ما تكون مرتفعة بدرجة ارتفاع معاناة سكانها، لذلك تحدث مواجهات واصطدامات عنيفة أدت الى سقوط عدد من الشهداء الضحايا بشكل مباشر او غير مباشر ونذكر من بينهم الشهداء الشباب الخمسة بمدينة الحسيمة والتي لم يرفع لحد اليوم الستار عن كيفية تصفيتهم واحراقهم داخل البنك، ايضا مصرع الشهيد كريم الشايب بمدينة صفرو وبودروة والعماري بآسفي وكمال الحساني ببني بوعياش. كما واكب هذه التصفيات الجسدية اعتقالات بالجملة وسط حركة 20 فبراير ووسط الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ووسط الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين... الخ.

لكن الهدوء المصطنع لم يتحقق فقط تحت نير القمع الوحشي لأبناء الطبقة العاملة المسحوقة المنتفظة والذين يشكلون اليوم أكثر من 80 في المائة من الشباب المغربي، بل تحقق أيضا تحت المطرقة الايديولوجية الظلامية، فتنصيب الحكومة نصف ملتحية جاء تتويجا لصيرورة هجوم ايديولوجي متصاعد للتحالف الطبقي الحاكم والذي يؤرخ لمدة نصف قرن تقريبا. فلا أحد ينكر دور افراغ مقررات الجامعات والثانويات من تدريس الفكر الفلسفي والسوسيولوجي العقلاني وتعويض كل ذلك بالفكر الديني الاسلامي. كما لا أحد يتجاهل دور الاحاديث الحسنية ومدرسة الحديث الحسنية والوظائف الدينية لوزارة الاوقاف والمجالس العلمية وسياسة بناء المساجد ومنها اكبر مسجد بمدينة الدار البيضاء وتشجيع توسع الزوايا الدينية والتي اصبحت تشكل دوائر سياسية ضاغطة على الرأي العام وعلى الثقافة الشعبية كما هو الشأن بالنسبة للزاوية البودشيشية وذلك في ظل غياب شبه تام لأية مقاومة في المقابل للفكر العلمي والفلسفي بل في ظل استسلام كلي لما يسمى بالنخبة المثقفة والتي اصبحت مثالا للانتهازية ولخدمة اغراضها الشخصية على حساب متطلبات المرحلة.
إذن فتنصيب حكومة بنكيران جاء كصيرورة طبيعية مادية لهذا الهجوم الايديولوجي الظلامي للتحالف الطبقي الحاكم، وبالتالي شكل الهجوم الثلاثي للنظام (الايديولوجي، الاقتصادي، القمعي) على الطبقة الشعبية المسحوقة في ظل تعمق آخر حلقات الازمة الاقتصادية والمالية العالمية التي انطلقت سنة 2008 هزيمة مرة للطبقة الشعبية، مما كان له مفعول تخديري تسبب في سيادة هدوء مصطنع.

لكن استقراء التاريخ المادي للشعوب وللحركة العمالية العالمية ولتموجات الصراع الطبقي يؤكد أن الضربات الموجعة التي توجهها الطبقة البرجوازية المهيمنة وخدامها الاوفياء الظلاميين والرجعيين والتحريفيين، والتي تجعل الطبقة العاملة الى تحمل تلك الضربات المتوالية على مضض، تهدئ شيئا ما من قوة مقاومتها وحركيتها مؤقتا، لكن هذه المقاومة لا تختفي، بل سرعان ما تستوعب الدروس وتحدد بدقة نقاط قوة وضعف عدوها الطبقي وطبيعة حلفائه، علما ان طاقة تحملها لا تستمر طويلا، بحيث أن أقل شرارة قد تفجر ثورتها. لذلك فان العناصر الناضجة من بين طليعة الطبقة العاملة سرعان ما تستوعب هذه الحقيقة وتعمل على انضاج الشروط الذاتية الى جانب تعمق الشروط الموضوعية لكي تحدث قفزة نوعية في اشكال الصراع الطبقي وتغيير الواقع.

العدو الطبقي للطبقة العاملة والذي تراجعت اليوم قوة تخديره الايديولوجي والامني يحاول استرداد جزء من وهجه المخادع، عن طريق الاعتماد على المناورات السياسية، كما هو الشأن بالنسبة لقرار الحكومة الزيادة ب 10 في المائة في الحد الادنى لأجور العمال والذي لا يشكل سوى 3,33 درهم في اليوم وأيضا رفع الحد الادنى للاجر في الوظيفة العمومية الى 3000 درهم علما ان أجور أغلبية الموظفين تقارب مبلغ 3000 درهم، ولا يخفى بان هذه المناورة الفارغة تستهدف التغطية على هجومات اقتصادية أكبر كالاستمرار في الزيادة المتواصلة في الاسعار وكفرض اصلاح رجعي لأنظمة التقاعد. الى جانب هذه المناورة عمل حزب العدالة والتنمية على فبركة احداث ظهر المهراز ومصرع الطالب الذي جيئ به من مدينة مكناس لمهاجمة طلبة ظهر المهراز بفاس والذي لا زالت ظروف وفاته غامضة وتتطلب تحقيقا محايدا، فقد اذرف الحسين الداودي وزير التعليم العالي وعضو حزب العدالة والتنمية الدموع على هذا الطالب المتوفى لاستدرار عطف المشاهدين على شاشات التلفزة وللتغطية على قرار فرض مبلغ 2000 درهم على كل طالب جامعي. مع استغلال هذا الحزب لهذا الحادث المفبرك لتصفية طلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وخاصة فصيل النهج الديموقراطي القاعدي بدعوى وقوفهم وراء مصرع الطالب القادم من مكناس. وذلك في الوقت الذي يطبقون فيه الصمت المتواطئ عن مسؤولية حامي الدين عن اغتيال بن عيسى آيت الجيد سنة 1993.

إذن فالهدوء القائم هو هدوء مصطنع فعلا، وهو هدوء شبيه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، وقد عودتنا الشعوب على مثل هذه الحالة الغريبة، فحينما تمتص الشعوب الضربة الأولى للعدو البرجوازي وفي الوقت الذي يعتقد فيه الجميع باستمرارية هذا الهدوء المصطنع، سرعان ما ينفجر فجأة غضب الجماهير ضد الوضع القائم، فهذا الانفجار تغذيه عدم قدرة الطبقة الشعبية تحمل المزيد من الأكاذيب والتلفيقات باسم الدين ونهب المال العام والتغطية على ذلك باسم عفا الله عما سلف وبالقمع الوحشي وتصفية الاطارات المناضلة ومنها الاطارات الشبابية المثقفة باسم استتباب الأمن واسترجاع هيبة الدولة.

سمعنا بعض النقابات والاحزاب السياسية تنادي للتحضير للإضراب العام كأنجح وسيلة للتغيير، لكن تحليل الوضع النقابي البيروقراطي القائم حاليا وتواطؤ القيادات النقابية البيروقراطية والاحزاب السياسية وتعاونها المكشوف مع الباطرونا ومع التحالف الطبقي القائم، يحول فكرة المناداة أو التهديد بالإضراب العام الى مجرد يوتوبيا ووسيلة لتجييش الطبقة العاملة وراء هذه المركزيات النقابية والاحزاب السياسية لخدمة اجندتها الاصلاحية والتي لن تعمل سوى على تقسيم نضالات هذه الطبقة وتشتيتها بدلا من التحقيق الفعلي للإضراب العام. لذلك لا يمكن في هذه الأوضاع ان نتوهم امكانية قيام هذه المركزيات البيروقراطية بالعمل فعلا على التحضير للاضراب العام.

فالانفجار الشعبي الذي حدث في تونس لم يحدث نتيجة دعوة النقابات والاحزاب السياسية الى الاضراب العام بل اتى من الطبقات المسحوقة والمهمشة كرد فعل عفوي على اهانة السلطة للبوعزيزي الذي اقدم على احراق ذاته والتي ما لبثت ان جرت وراءها التلاميذ والطلبة ثم العمال والموظفين والاساتذة والمحامون وبعد مرور اكثر من عشرة ايام التحقت الاتحادات النقابية الجهوية قبل ان تضطر المركزية النقابية للانخراط في الاضراب العام ليوم 14 يناير 2011.
انتفاضة 20 يونيو 1981 لم تحدث نتيجة الاضراب العام الذي دعت له المركزية النقابية الجديدة آنذاك الكنفدرالية الديموقراطية للشغل بل كانت الشروط مهيئة منذ خمس سنوات اي منذ انتخابات 1977 واعتماد سياسة التقشف ومسلسل الزيادات في الاسعار فكان الاعلان عن الاضراب العام مجرد الشرارة التي اشعلت غضب الجماهير.

المؤسف له هو ان الانفجار الجماهيري قادم لا محالة، لكن الشروط الذاتية لا زالت ضعيفة، فمختلف القوى البروليتارية منقسمة على نفسها وهائمة في صراعات بيزنطية على جزئيات سياسية وايديولوجية ثانوية يمكن تدويبها بسهولة في ظل جبهة ماركسية لينينية تنسق نقاشاتها وتطور نموذجا تنظيميا على اسس المركزية الديموقراطية ونبذ الانعزالية والذاتية.