خطة بنكيران :الشعب في خدمة الدولة .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4443 - 2014 / 5 / 4 - 03:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

منذ تولى السيد بنكيران رئاسة الحكومة وهو يكشف تدريجيا عن مخططاته التي قلبت المعادلة المعمول بها في الدول التي تحترم نفسها وشعوبها . وعنوان احترام الحكومة للشعب أنها تجعل الدولة ومؤسساتها في خدمة المواطنين ، أي يكون المواطنون في قلب ومركز المخططات والبرامج الحكومية . وهذا هو الوضع السليم الذي أسست له التجارب الديمقراطية لدى شعوب الأرض . وحاولت حكومات المغرب ، رغم الظروف السياسية والمناخية التي طبعت حقبة ما بعد الاستقلال ، أن تستلهم ــ قدر الإمكان ــ التجارب الناشئة في مجال خدمة المواطنين . إذ رغم حدة الجفاف وتكلفة الصراع حول الصحراء المغربية منتصف ثمانينيات القرن العشرين ، جاءت الحكومة ، في مجال التعليم مثلا ، بنظام أساسي أتاح لهذه الشريحة من المواطنين تحسين أوضاعها المادية والاجتماعية بإقرار السلم المتحرك . وكذلك فعلت حكومة التناوب بإقرار ترقيتين استثنائيتين متتاليتين لجميع موظفي المغرب ، كما فتحت فرص الترقي لبقية الأفواج من بعد ؛ على الرغم من أن حكومة التناوب جاءت في ظرفية سياسية واقتصادية دقيقة عبر عنها الملك الراحل الحسن الثاني "بالسكتة القلبية" . وكان للإجراءات الحكومية مفعولها في تنشيط الدورة الاقتصادية الداخلية وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى التي أنعشت قطاع العقار وصناعة السيارات والسياحة الداخلية وخففت عن الدولة أعباء التعليم والتطبيب بلجوء غالبية هذه الطبقة إلى خدمات القطاع الخاص. وطيلة العقود الأربعة الأخيرة لم تعان الأجور من الجمود مثلما تعانيه اليوم. بالتأكيد ، الشعب المغربي طموح وينتظر مزيدا من المكتسبات . لهذا جاءت انتقاداته شديدة لكل الحكومات السابقة أيا كانت إنجازاتها والظروف الدستورية والسياسية والاقتصادية التي تمت فيها. من هنا استقبل الشعب المغربي حكومة السيد بنكيران بكثير من الأمل في محاربة الفساد وتطبيق العدالة الاجتماعية . لكن الإشارات الأولى التي بعث بها رئيس الحكومة خيبت الآمال وسرعان ما أفقدت أولى قراراته (عفا الله عما سلف ) كل ثقة لدى الشعب في المستقبل والاطمئنان إلى الغد القريب . ولازال تهديد السيد بنكيران بإمكانية اللجوء إلى التقليص من الأجور لمواجهة الأزمة المالية ، يتردد وقره في مسامع وأذهان الموظفين .أكيد أنه إجراء أخير قد يلجأ إليه رئيس الحكومة في حالة لم تسعفه بقية الإجراءات في إيجاد حل جذري للمعضلة المالية . ذلك أن كل همّ رئيس الحكومة هو توفير المال للخزينة . همّ مشروع لو أنه ركز على تنمية موارد الخزينة عبر تشجيع الاستثمارات والمقاولات الصغرى والمتوسطة ، وكذا البحث الحثيث عن أسواق آمنة لصادرات المغرب وتطوير بنية الإنتاج . لكن السيد بنكيران ركز على قوت الشعب وجيوب المواطنين ومستقبل الأبناء ليحولها إلى موارد مالية للخزينة عبر سلسلة من القرارات التي أجهزت على القدرة الشرائية للمواطنين أو التي تنتظر التطبيق لتجهز على ما تبقى. ومن أخطر القرارات: إلغاء صندوق المقاصة دون إجراءات مصاحبة تحد من آثاره على الطبقات الدنيا والوسطى . وكيف لرئيس حكومة أن ينتشي بتوفير 20 مليار درهم من قوت المواطنين وعلاجهم ويرهن مصير الوطن والشعب بالقروض الداخلية والخارجية إلا أن يكون قد جعل الشعب في خدمة الدولة والخزينة . وهو بهذا يقلب المعادلة ، ويثبت أنه جاء لخدمة الدولة وليس الشعب . فكل الحكومات السابقة ظلت تعتبر المكتسبات المادية والحقوقية للطبقة العاملة وعموم الفئات الدنيا خطا أحمر لا يمكن المس به . بل اجتهدت تلك الحكومات عبر الحوار مع المركزيات النقابية في إدماج التعويضات ضمن نظام التقاعد حتى يستفيد منها المتقاعدون . وهاهو السيد بنكيران يصادر تلك المكتسبات ويجهز على ما تراكم من حقوق اجتماعية ناضلت من أجلها الطبقة العاملة وعموم الشعب المغربي ( تمديد سن التقاعد ، مراجعة قاعدة احتساب التقاعد بغرض تقليص مبلغ المعاشات ، تحرير أسعار المحروقات وعدد من المواد الاستهلاكية في أفق إلغاء صندوق المقاصة ، تقليص مناصب التوظيف ، إلغاء مجانية التعليم العالي بفرض رسوم التسجيل على الطلبة (2000 درهم) كمقدمة لقرارات أخطر ، توسيع الوعاء الضريبي ليشمل حتى السيارات المعفاة من الضريبة على عهد الحكومات السابقة ، تجميد الأجور والترقيات ، إلغاء الترقية بالشهادات..) . كلها إجراءات تمس القدرة الشرائية لغالبية الشعب المغربي والحكومة لم تنه بعد ولايتها الأولى . الأمر الذي يجعل المواطنين يعيشون قلقا حقيقيا على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم في ظل التراجعات التي يقدم عليها رئيس الحكومة الذي لم يأت لإنقاذ البلاد من "السكتة القلبية" ولكن جاء ليتسبب فيها بإصرار وعناد . ثلاثة أعياد عمالية تحييها الشغيلة المغربية في ظل حكومة السيد بنكيران دون زيادة في الأجور أو حماية لها من التشريد بسبب تغول النظام الليبرالي وتوحشه . إنها النتيجة الحتمية للمخطط الحكومي بجعل الشعب في خدمة الدولة ، والمواطن في خدم الخزينة . (ملحوظة : رئيس الحكومة اتخذ قرار الزيادة في الأجور الدنيا 10 في المائة في آخر لحظة من شهر أبريل تحت ضغط "الجهات العليا") .