النجم إذا انهار على نفسه!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4430 - 2014 / 4 / 21 - 09:56
المحور: الطب , والعلوم     

جواد البشيتي
إنَّ لـ "كتلة (Mass)" النجم أهمية كبيرة في تطوُّر الكون؛ مع أنَّ عِظَم كتلة النجم يجعل عُمْره قصيراً؛ فالنجم الأعظم كتلةً هو الأسرع في استنفاد واستهلاك وقوده النووي، و"الهيدروجيني" منه على وجه الخصوص، عِلْماً أنَّ الوقود النووي الهيدروجيني هو المَصْدَر الأعظم للطاقة النووية المُحرَّرة؛ فاندماج نوى الهيدروجين في باطن النجم يُحرِّر من الطاقة النووية الحرارية أكثر بكثير من أيِّ اندماج نووي آخر.
ثِقَل (وَزْن) النجم، والذي يَعْظُم بعِظَم كتلته، هو ما يجعل باطنه (نواته، مركزه) مهيَّئاً فيزيائياً لبدء اندماج وانصهار نوى الهيدروجين؛ وعاقبة هذا الاندماج ، المتأتِّي من انكماش وتقلُّص واحترار نواة النجم، هي "الضغط الشديد للغاز الحار جِدَّاً"؛ وهذا الضغط (إلى أعلى) هو ما يتسبَّب في تمدُّد (وانتفاخ) النجم، حائلاً، مِنْ ثمَّ، بينه وبين الانهيار؛ وكلَّما تمدَّد الغلاف الخارجي (العلوي) للنجم، بَرَد.
والجزء الأهم من كتلة النجم هو كتلة نواته؛ وهذه النواة هي "المَعْمَل (أو "الفرن النووي)" الذي فيه تُصَنَّع العناصر الأثقل من الهيدروجين (والهليوم) وصولاً إلى عنصر الحديد، الذي ما أنْ يسود نواة النجم حتى يتوقَّف الاندماج النووي؛ فلا عنصر أثقل من عنصر الحديد يُصنَّع في نواة النجم. ومع توقُّف الاندماج النووي، يتلاشى ضغط الغاز إلى أعلى، فتتلاشى، من ثمَّ، القوى الحائلة بين النجم (الثقيل، عظيم الكتلة) وبين انهياره على نفسه؛ فيَشْرَع النجم ينهار على نفسه (أو على نواته الحديدية، والتي على عِظَم كتلتها لا تُمثِّل إلاَّ جزءاً صغيراً من كتلة النجم الكلية) انهياراً شديداً متسارِعاً (في أقلِّ من ثانية واحدة ينهار النجم على نفسه).
النجم، ولو كان النجم الأعظم كتلة (وثِقلاً) في الكون، لا يشتمل على نواةٍ يُمْكِنها أنْ تُنْتِج عنصراً أثقل من عنصر الحديد؛ فنوى الحديد عصية على الاندماج في نواة أي نجم.
وبعد "الانهيار (انهيار النجم على نفسه، أو على نواته الحديدية)"، والذي لا يَسْتَغْرِق أكثر من ثانية واحدة، يَقَع "الانفجار" بنوعيه: "انفجار نحو الداخل (Implosion)" يشمل نواة النجم الحديدية، و"انفجار (مِنْ ثمَّ) نحو الخارِج (Explosion)" يُمَزِّق إرباً إرباً كل ما يَعْلو نواة النجم من طبقات، تُمثِّل الجزء الأعظم من كتلة النجم الكلية؛ وتُقْذَف أشلاء وشظايا ومساحيق هذه الطبقات بعيداً في الفضاء الكوني؛ وهذا "المَقْذوف" يشتمل الآن على شيء من عنصر الحديد، وعلى عناصر أَخَف من عنصر الحديد، صُنِّغَت، من قَبْل، في نواة النجم، وعلى عناصر أثقل من عنصر الحديد، صُنِّعَت في "فُرْن جديد" هو "فُرْن الانهيار والانفجار بنوعيه". وبعض من هذا "المقذوف" يشتمل "المواد والعناصر الأولية للحياة"؛ ففي "رماد" النجوم تَكْمُن "المادة الأولية للحياة"، ومنها الحياة في كوكب الأرض؛ وما البشر (في أصولهم) إلاَّ أبناء النجوم.
مع (وبسبب) انهيار النجم (الذي نفد وقوده النووي) على نفسه، أو على نواته (أو على بقايا نواته) الحديدية، الضئيلة الكتلة نسبياً، تندمج (في هذه النواة) الإلكترونات والبروتونات، فتتحوَّل نواة النجم الحديدية إلى "نواة نيوترونية (نواة يسودها جسيم النيوترون)". ومع تَكَوُّن "النواة النيوترونية"، يتوقَّف فجأةً (بغتةً) انهيار النجم على نفسه؛ ففي النيوترون تَكْمُن قوَّة في مقدورها وَقْف انهيار النجم. إنَّ انهيار النجم على نفسه يُوَلِّد في نواته الحديدية انفجاراً نحو الداخل؛ وهذا الانفجار "يُرْغِم" الإلكترونات والبروتونات (في نواة النجم الحديدية) على الاندماج، فتنشأ "النواة النيوترونية"؛ ومع نشوئها، يتوقَّف فجأةً انهيار النجم؛ وهذا التوقُّف الفجائي هو ما يتسبَّب في "ارتداد" طبقات النجم المنهارة بعيداً عن "النواة النيوترونية"؛ وهذا "الارتداد" هو نفسه "الانفجار نحو الخارج".
أمَّا إذا كانت كتلة "النواة الحديدية" أعظم، فلن يتمكَّن حتى النيوترون نفسه، والذي ساد نواة النجم، من وَقْف الانهيار، فيستمر الانهيار، وتتحوَّل النواة، من ثمَّ، إلى "ثقب أسود" Black Hole.
فيزيائياً، يُنْظَر إلى النيوترون (أو إلى النواة النيوترونية) على أنَّه "الشيء الوحيد في الكون الذي في مقدوره وَقْف انهيار النجم على نفسه"؛ فإذا عَجِز عن ذلك (بسبب عِظَم كتلة النجم، أو عِظَم كتلة نواته الحديدية) فليس من شيء آخر في الكون في مقدوره فِعْل ما عجز عنه النيوترون.
وهذا الاعتقاد الفيزيائي، الذي قد تَذْهَب به، مستقبلاً، اكتشافات فيزيائية جديدة، هو ما حَمَل علماء الكون (أو أكثريتهم) على افتراض أنْ يستمر انهيار نواة النجم (الحديدية) عظيمة الكتلة، وصولاً إلى "النقطة عديمة الحجم، لانهائية الكثافة" Singularity، والتي تُمثِّل مركز "الثقب الأسود".
والآن، وبعدما عَرَفْنا كيف يتكوَّن "النجم النيوتروني"، سنَفْتَرِض، في معرض تفسيرنا لولادة "ثقب أسود"، بماهية وخواص فيزيائية، لا ميتافيزيائية، أنَّ "النواة النيوترونية"، عظيمة الكتلة، ما أنْ أبدت عجزاً عن وَقْف انهيار النجم على نفسه، أو عليها، حتى خَرَجَت إلى العَلَن قوَّة أخرى، لا عِلْم لنا بها حتى الآن، أَوْقَفت، أخيراً، هذا "الانهيار"، مؤسِّسةً، من ثمَّ، لـ "ثقب أسود" لا تَشوب مفهومه شوائب الميتافيزياء، أيْ لا يشتمل في مركزه على تلك "النقطة" اللافيزيائية؛ وإلاَّ كان النجم النيوتروني، أو "ما يشبهه"، هو نهاية انهيار النجم عظيم الكتلة على نفسه؛ فالفيزياء تُغادِر سريعاً أرضها إلى أرض الميتافيزياء إنْ هي "قَطَعَت رأس المادة " بمقصلة "النقطة عديمة الحجم، لانهائية الكثافة". إنَّ انهيار المادة على نفسها يأتي، ويجب أنْ يأتي، دائما بما يُقاوِمه، ويكبحه، ويُوْقِفه؛ فـ "الانهيار"، منطقاً، لا يمكن تَصَوُّره إلاَّ بصفة كونه النُّتاج الحتمي للتغلُّب على "ضديده" من القوى، ولاحتفاظه بهذا "الضديد"، في الوقت نفسه. "الانهيار" و"ضديده (نقيضه)" هما دائماً في وحدة لا انفصام فيها؛ فالمستحيل بعينة أنْ يَحْضُر أحدهما، ويغيب الآخر.