ساد ستوكهولم القسم العشرون التحكيم نسخة مزيدة ومنقحة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 11:14
المحور: الادب والفن     



لم يكن أحد من أعضاء هيئة التحكيم جالسًا حول الطاولة المستديرة، كان عليها الجاط الكبير للتفاح الأحمر إلى جانب مزهرية كبيرة فيها باقة من الورد الأصفر. وقف بيتر أكرفيلدت ينظر إلى الليل من رسم النافذة الجداري بينما استلقى هوراس ألفريدسون على السرير الضخم، وجلس رالف لندغرن على كرسي مقابل كاتارينا فريدن، وهناك على الكنبة جلست كريستينا سفينسون، وهي تُقَلِّبُ صفحات كتاب ألبير رامو بيد عصبية. انفجر بيتر أكرفيلدت يضحك فجأة، وصمت فجأة. داومت كريستينا سفينسون على تقليب الصفحات، وانتهى بها الأمر إلى قذفه جانبًا، ثم سحلت بنصفها السفلي حتى لامس رأسها قعر الكنبة.
- بعد قتل زوجي لنفسه، وذهابه عني إلى الأبد، ذهبت عني الدورة الشهرية، اعترفت كريستينا سفينسون.
- هل هو سن انقطاع الطمث عندك، يا كريستينا سفينسون؟ سأل هوراس ألفريدسون.
- ربما، ولكن لماذا مباشرة بعد قتل زوجي لنفسه؟
- الأرواح المعذبة يكفيها أقل صدمة.
- الأرواح الحساسة، تريد القول.
- لنقل الأرواح، لكل روح طريقتها في التعبير عن هولها.
- هذا إذا ما كان الهول كما نراه في الحياة.
- في القصص. كما نراه في القصص.
في غضون ذلك، تكون كاتارينا فريدن قد ذهبت قرب بيتر أكرفيلدت، وأخذت تنظر من النافذة الجدارية الرسم إلى الليل مثله، بينما جاء رالف لندغرن، وجلس إلى جانب كريستينا سفينسون على الكنبة.
- حقًا هول جوستين بسرطان ثديها أعظم هول، همهم رالف لندغرن، وكاتارينا فريدن ترفع يدها إلى ثديها، وتضغط عليه.
- عندما كانت جوستين بنتًا في الثانية عشرة من عمرها لم يكن لها ثدي، همهم بيتر أكرفيلدت.
- كان لها ثدي دون أن تراه أو تحس به، قال هوراس ألفريدسون، وهو يجلس على حافة السرير الضخم، ويداعب بيده السلسلة الحديدية والقضبان والأسياخ والجلود السوداء. وعندما وقعت عليه عيناها لأول مرة، كان ثديها بقدر حبة الكمثرى. الظاهر لم يعد وهمًا، تمامًا كعالمنا.
- اخرس! نبرت كاتارينا فريدن بِغُلّ وهي تضغط على ثديها، وتكاد تختنق. اخرس! اخرس! عالمنا لم يكن أبدًا وهمًا!
اعتمدت على كتف بيتر أكرفيلدت، فوضع هذا يده فوق يدها الضاغطة على ثديها، وأخذ يضغطه معها. اعتدلت كريستينا سفينسون في جلستها، فأخذ رالف لندغرن يدها بين يديه، وقال لها:
- كاتارينا فريدن لا تعلم أن الظاهر خادع وعلينا أن نبرهن على ذلك بذبح أرواحنا. ذبح أرواحنا. هكذا تكون أعمارنا. بذبح أرواحنا. من هنا جاءت كل تعاسات جوستين، وما تعاستها الأخيرة، تعاستها المنسية، سوى لحظتها الأساسية، لحظة جوهرها الأساسية، هل أقول اللحظة الأساسية للجوهر؟ لحظة أساسية أدركتها جوستين.

طرقت جوستين باب الدير طرقات عديدة متواصلة، وفي الأخير فتح القس، وفحص جوستين من قمة الرأس إلى أخمص القدم قبل أن يدخلها، ويوصد الباب من ورائها بالمفتاح. قال لها:
- كنا جميعًا بانتظارك.
لم تفهم جوستين في البداية، وعندما وقعت عيناها على كل تلك الوجوه الفاسقة لقساوسة الدير الآخرين، أدركت المصير الذي ينتظرها.

- أو بكلام آخر، قال رالف لندغرن، ذبحت روحها، برهنت على أن الظاهر كان خادعًا.
- عالم رديء وبائد، همهم هوراس ألفريدسون، وهو يقوم ليقعد على كرسي، كرالف لندغرن، مقابل كريستينا سفينسون.
دفعتهما كريستينا سفينسون عنها بعيدًا، ونهضت لاهثة.
- ابتعدا عني، أرعدت، أنتما تخنقانني!

- سأقوم بكل ما تريد القيام به مع ابنتك، همهمت جوستين بين يدي الأب الوغد، فقط وفر عليها عذاباتها.
- وما يضمن لي أنك ستفعلين؟ سأل الأب الوغد.
- أنت لن تصدقني إذا ما حلفت لك.
- لا، لن أصدقك.
- هل تصدقني إذا ما قلت لك إن لي ثديًا مريضًا.
- وماذا يعني هذا أن لك ثديًا مريضًا؟
- يعني هذا أنني إذا ما لم أقطعه كان مصيري الموت، وأنا لن أقطعه، فافعل فيّ كل ما تشاء.

انفجرت كاتارينا فريدن باكية، فقهقه بيتر أكرفيلدت، لكنها انقضت عليه، وراحت به صفعًا إلى أن توقف عن القهقهة، انحنت على نفسها، وجثمت على الأرض، وبدأت بالعواء، وبيتر أكرفيلدت يصرخ: ساشينا! ساشيناتي! ثم قالت دفعة واحدة:
- كان عليّ أن أذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد مع أمي وزوج أمي لأن الخوري طلب من أمي وزوج أمي أن يصطحباني معهما ولأن قداس الأحد شيء كالضماد للجراح، وأنا جراحي كانت كثيرة غير محتملة، أعوض عنها بجراح أخرى أكثر، فأكثر، جراح أخرى، وأخرى، جراح حمراء وخضراء وخبازية، جراح من كل لون، جراح كانت ديني، لا علاقة لها بالوهم، كانت كلها جراح حقيقية، من غير دم هذا صحيح، لكنها كانت كلها حقيقية، وكنت أذهب بجراحي إلى كل مكان، فأصبح للعالم ألوان جراحي، لم يكن ذلك وهمًا، أصبح للعالم ألوان جراحي، ألوان جراحي، للعالم، أصبح للعالم ألوان جراحي، جراح لونها خبازيّ، لونها أخضر أو أحمر أو بنيّ، لهذا، الثلج في ستوكهولم لونه خبازيّ أو أخضر أو أحمر أو بنيّ، لا لون له.

- يا سيدتي، هل تريدينني أن أمارس الفسق مع كل هؤلاء الأوغاد؟ سألت جوستين السيدة النبيلة التي هي في عهدتها.
- معهم كلهم دون أي استثناء، أكدت السيدة النبيلة.
- وهل سيقوى جسدي على التعذيب؟
- سيقوى.
- وجسدي كيف أهبه لهم؟
- تهبينه لهم كله كما هو.
- حتى ثديي كما هو؟
- حتى ثديك كما هو.
كانت جوستين قد انفجرت باكية، فسألتها السيدة النبيلة:
- لماذا تبكين، يا جوستين؟ من لهنّ الحظ مثلك على معاشرة كل هذه النخبة من الأرستقراطيين لكنّ أسعد النساء في العالم.
- لا لشيء، يا سيدتي.
كشفت السيدة النبيلة عن ثديي جوستين، وقبلتهما من حلمتيهما، وهي تقول:
- حلمتك حبة عنب أسود دون أن تكون، وحبة كرز أبيض دون أن تكون، وحبة زيتون ذهبيّ دون أن تكون، ومنقارٌ هي حلمتك، ومخلبٌ هي حلمتك، ونابُ ثعبانٍ هي حلمتك.

همهم هوراس ألفريدسون، وهو يخرج مسدسه من جيب سترته، ويداعب أنبوبته:
- ورصاصةٌ هي حلمتك، نضغط هنا، فتخرج من هنا، فيسقط أحدهم قتيلاً، وفقط. لا خداع هناك، ولكن في الفعل كل التراجيديا، لا تقليد شكلي للطبيعة، ولكن كل روعة الأعمال الخالدة.
وراح يضع فوهة المسدس في رأسه، ويتظاهر بإطلاق النار، وفي فمه، وتحت ذقنه، وفي قلبه، وفي بطنه، وبين فخذيه، فانفجر بيتر أكرفيلدت يبكي، ويردد:
- ساشينا، ساشيناتي... سأقول لماما كل شيء، قال دافيد. لا تقل لماما كل شيء، رجته ساشينا. كل شيء، سأقول لماما كل شيء، قال دافيد. لا تقل لماما كل شيء، دافيد، لا تقل لماما كل شيء، رجته ساشينا أيضًا وأيضًا. سأقول لماما، سأقول لماما. لا تقل لماما، لا تقل لماما. سأقول لماما كل شيء. لا تقل لماما كل شيء. سأقول لماما. لا تقل لماما. سأقول لها. لا تقل لها. سأقول لها كل شيء. لا تقل لها كل شيء. لماما، لماما، سأقول لماما. لماما، لماما، لا تقل لماما. سأقول لماما، سأقول لماما، سأقول لماما. لا تقل لماما، لا تقل لماما، لا تقل لماما. سأقول لماما كل شيء، كل شيء، كل شيء، سأقول لماما كل شيء. لا تقل لماما كل شيء، كل شيء، كل شيء، لا تقل لماما كل شيء.
كان العالم غير كامل، كل شيء، كل شيء، كل شيء، لم يكن كل شيء كاملاً، ولم يكن مستقرًا.

- سأدعك وشأنك، يا جوستين، قال الفلاح الكريه للفتاة المشردة، وبعد أن جعلها تصرخ قليلاً، وهو يُدخل يده فيها حتى كوعه، أضاف، هذا لأنك مريضة.
لكنه أخذ ثديها المريض بين أسنانه، وراح يلوكه، وراح يلوكه، وراح يحاول قطعه، وجوستين تصرخ من شدة العذاب. وبعد أن يئس من قطعه، همهم الفلاح الوغد:
- كانت آخر محاولة لي كي أحتفظ بك.
بدأ الفلاح الوغد يبكي، كان لديه إحساس بفقدان كل ما يملك، أرضه لم تعد ذات قيمة، حياته، فصل الشتاء، ولم يكن هذا وحده ما يدفعه إلى البكاء، كان لديه إحساس بفقدان كل ما يكونه، ذاته لم تعد شيئًا من الأشياء، جوهره، كل ما ورثه من أخلاق.

لوّح هوراس ألفريدسون بالمسدس، ونبر:
- هذا هو جوهرنا، وهذه هي ذاتنا، وهذه هي أخلاقنا، لكنها تبقى كلها دون معنى إلى أن نطلق ويسقط أحدهم، دون ضحية لا طعم للحياة.
تناول رالف لندغرن المسدس من يد صاحبه، وراح يصوبه إليهم واحدًا واحدًا، وهم من الخوف يصرخون، ويخبئون أنفسهم، وفي الأخير همهم:
- بعد ذلك، لن تكون محاولتي الأخيرة.
أعاد المسدس لهوراس ألفريدسون، فوضعه في جيب سترته، والعالم اللاهوتي يقول:
- لن يعدو الأمر أكثر من التضحية الفردية من أجل الوصول إلى التمام، تمام الفرد، وامتلاك سمائه. جوستين من هذا النوع، لكن كل شيء غدا معطلاً لديها، عندما عرفت بسرطان ثديها. كانت كل تعاساتها نوعًا من التضحية الفردية، كل الوحوش التي التهمتها كان التهامها لها ميتافيزيقيًا، لهذا لم تشبع من الوليمة التي كانتها جوستين، حبيبتي جوستين. كم من مرة خَرَجَت تحت سماء ستوكهولم الصقيعية وتعود عندي كي أدفئها. هل البرد شديد جدًا كما هو عادته؟ إذن لماذا تخرجين عارية الصدر، يا حبيبتي؟ تعالي كي أغطي لك ثديك الوحيد، تعالي جوستين، تعالي بين ذراعيّ، لا تتركي ثديك الأوحد طليقًا هكذا، ربما اختطفه لك أحدهم، فماذا سيبقى لك؟ ثديك الوحيد، ثديك الجميل، وثديك الثاني، ثديك المقطوع، الموجود فقط في الخيال، أجمل ثدي في الوجود. ثديك المجدوع، ثديك الإله، إله الرعد ثديك، يقطع العالم في عربة، وبقدومه يدق البرق، فيدرأ المفاسد، ويحول دون التعاسات. اتركي ثديك المقطوع يأتي بالمطر، وتعالي جوستين بثديك الآخر إليّ، لا تتركيه طليقًا هكذا، فيغير منه الحمام، ويغدو شرسًا. لا تتركيني، يا حبيبتي. تعالي تغطينني بثديك الوحيد، تعالي جوستين، أشعر بالبرد، برد ستوكهولم ساحق، جلاد، ماحق، برد ستوكهولم لا برد بعده ولا برد قبله، برد ستوكهولم الجحيم، خذيني بين ذراعيك، وغطيني بثديك الجميل، اجعليني جميلاً كما كنت، واعطفي عليّ، لا تتركيني وحدي عليلاً مقطوعًا مضيعًا في الأرض الخراب.
كانت كريستينا سفينسون كمن اخترق عالمًا ضائع الحدود، كبيتر أكرفيلدت كانت تنظر من حولها، فترى دون ترى:
- جاءوني من كل جهة، من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب، جاءوني ليقتلوا شهوتهم فيّ، كل البرابرة جاءوني، وكل المتحضرين جاءوني، جاءوني لأن الذنب ذنبي، ولأني لم أدرك كيف أتصرف معهم. كان جسدي لهم هدفًا، ولم يكن جسدي طيعًا، ليس لأنه كان قادرًا على رفضهم، ولكن لأنه كان باردًا. كان كجسد ستوكهولم باردًا، كشمس ستوكهولم، كقمر ستوكهولم. كان جسدي باردًا بين أصابعهم، كان قد غدا باردًا منذ وقت طويل، منذ ما قبل أن يقتل زوجي نفسه. كان جسدي باردًا كأجساد القطط الميتة، فبدأوا بالانتقام من جسدي البارد ومن كل القطط الميتة. لم يكتفوا بإفراغ بنادقهم في ثديي، لم أكن أصرخ، كانوا يفرغون بنادقهم في ثديي، وأنا أشاهدهم صامتة. كنت أنظر إلى وجوههم، كانوا كلهم خائفين، لهذا أفرغوا كل بنادقهم في ثديي. كانوا يعتقدون أنه ثدي جوستين، لهذا أفرغوا كل بنادقهم في ثديي، وأنا كنت أنظر إلى وجوههم. لم أقل لهم لست جوستين، تركتهم يفعلون. كانت تنبعث عنهم رائحة المني، كما لو كانوا يضاجعون جوستين، وكانوا يفرغون بنادقهم في ثديي، وهم يلهثون. كما لو كانوا يقذفون فيّ، وهم لهذا كانوا يلهثون، ويكادون يلفظون أنفاسهم الأخيرة: كانت لذتهم قد وصلت أقصاها، وكان ثديي لم يزل حيًا على الرغم من مئات الطلقات. كان يقفز كالطفل، ولم يلبث ثديي أن هرب، فلحقته، وأجبرته على العودة، فعادوا يفرغون فيه بنادقهم بعد أن عبأوها، وبقوا هكذا طوال الليل، وثديي لم يزل حيًا. كان ثديي يرهب قاتليه، وكان قاتلوه يمتعهم ذلك، لهذا أمضوا الليل، وهم يطلقون النار عليه، وهم يضاجعونه...
ذهبت كريستينا سفينسون إلى الثلاجة الصغيرة في القرنة هناك، وأحضرت خمس قناني بيرة، وزعت أربعًا، واحتفظت بواحدة:
- ثم جاء دور بطني، كانوا يشتهون بطني بكل الرغبة التي أرادوا فيها ثديي، فأطلقوا عليه، وأفرغوا كل بنادقهم. رأيتهم، وهم يلهثون من التعب. كان خوفهم قد ذهب، لكن تعبهم بقي إلى الأبد، تعب أمة بأكملها كان تعبهم، وكانوا ضائعين، ضياع أمة بأكملها كان ضياعهم، ولم يتوقفوا عن إفراغ بنادقهم في بطني، بطني الأملس كرمل الثلج، وبقي بطني أملس على الرغم من كل الرصاصات التي أطلقوها. كانوا ينادونني، وهم يفرغون بنادقهم في بطني، كانوا يقولون لي تعالي، يا جوستين، لماذا لا تأتين لتأخذي بطنك، بطنك الأملس من كل رمل الثلج يهلكنا، لم يعد لدينا الكثير من الطلقات، تعالي، يا جوستين، تعالي، يا جوستين، تعالي إلى قاتليك، يا جوستين، تعالي يا جوستين، لكنني لم أذهب...
حمل بيتر أكرفيلدت جاط التفاح الأحمر، وذهب ليلعب به لعبة الطابات الحديدية.
- ثم جاء دور فخذيّ، أطلقوا عليهما النار، وفخذاي تقهقهان، كانتا تقهقهان، كانت فخذاي تقهقهان، مما جننهم، فأطلقوا معظم الرصاص الذي في بنادقهم. ولم يكتفوا بذلك، راحوا بفخذيّ ضربًا بأعقاب بنادقهم، بينما ظلت فخذاي تقهقهان، وأنا، لم أستطع فعل أي شيء لإيقافهما. كانتا تقهقهان كمن يدغدغهما الشيطان، وكل الوحوش الذين عرفتهم جوستين يطلقون على فخذيّ رصاصهم. فرغت بنادقهم، ولم يعد لديهم ما يعبئونها به من رصاص، فراحوا بهما ضربًا بأعقابها من جديد حتى تحطمت بنادقهم، وعند ذلك، توقفت فخذاي عن القهقهة، وأخذتا تبكيان، وتصرخان، وتناديان، فلم يلب أحد في العالم النداء.
لفتها كاتارينا فريدن بذراعها، وذهبت بها إلى السرير الضخم، بينما التحق هوراس ألفريدسون ورالف لندغرن ببيتر أكرفيلدت، وأخذا يلعبان معه بالتفاح لعبة الطابات الحديدية. همست كاتارينا فريدن في أذن كريستينا سفينسون بضع كلمات جعلتها تضحك، وتهز رأسها علامة الموافقة، فأخذت الأولى تخلع ثياب الثانية حتى عرتها تمامًا. مددتها على السرير، وهددتها بالسلسلة والأسياخ، وتظاهرت بجلدها وربطها. جاءت بباقة الورد الأصفر، أخذت تقطع التويجات، وتزينها: شعرها، جبينها، حلمتيها، بطنها، فخذيها، ساقيها، قدميها. صوّرتها بهاتفها المحمول عشرات الصور، ثم خلعت هي الأخرى ملابسها، وتركت كريستينا سفينسون تتظاهر بربطها وجلدها. وبعد ذلك، زينتها كما زينتها، وصورتها كما صورتها. جلست الاثنتان الواحدة إلى جانب الأخرى، ووضعت كل منهما قناعًا. أمسكت كل منهما بحلمة الثانية، وراحتا بنفسيهما تصويرًا، وهما تكركران. دفعت الواحدة الثانية على ظهرها، وامتطتها، وهي تأخذ لها الصور اللامتناهية، ثم وقفتا وجهًا لوجه على السرير، وعادتا إلى التصوير، وهما تكركران دومًا، وكصدى يكركر إخوتهما الشياطين الثلاثة، ساد ونوبل ورامو، إلى أن أعياهما ذلك. ترامتا على بطنهما، الواحدة إلى جانب الأخرى، وذهبتا في رحلة استعراضية لكل اللقطات. تبادلتا الهاتفين، وهما لا تكفان عن الكركرة، إلى أن جمدت كاتارينا فريدن فجأة على صورة لثدييها، ثدي يشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر، وثدي يبحث في الأرض عن شيء أضاعه.
أوقف الرجال الثلاثة لَعِبَهُم على مرأى كاتارينا فريدن، وهي تذرف الدموع الحرى، وجاءوا ليقفوا على الأمر. عندما رأوا الصورة المرعبة، بقوا في أماكنهم ذاهلين. ثلاثة كانت أماكنهم، جهنم ساد ستوكهولم وجهنم ستوكهولم وجهنم السويد. ألبسوا كاتارينا فريدن ثيابها، ثم ألبسوا كريستينا سفينسون ثيابها، وعادوا يهبطون سويًا سلالم الجحيم.

وفي الجحيم، كانت تسعى جوستين، وكل فرنسا تسعى معها، كل آثار التعذيب كانت على جسدها، الكي، الفصد، الجلد، العض، الخدش، القمح، النحل، الورد، كل إشارات الملاحم على الأرض والصراعات بين الكواكب، وكل مقدمات البراكين والصواعق، كل مقومات الثورات، كل الثورات، ثورات البحار كثورات الرياح، وكل دوافع الغضب من الغضب، والحقد على الحقد، وسلطة الوجع على سلطة التوجيع. كان على الجسد أن ينهض بأمر الجسد، وبأمر الجسد أن ينهض الجسد بالوجود. حمل الجسد الشوارع والأحياء والمدن على كتفيه، وركض في الشوارع والأحياء والمدن. وقع ذلك عند الفجر، تمامًا كما كان عهد جوستين بعد أن يتحطم الليل بين فخذيها، وتذهب إلى النوم. عند الفجر، لما كانت فرنسا تشبع نومًا، وجسدها في فراش البؤس أجمل الأجساد وأروعها. جسدها الأبيض البض، جسدها الذي لم يعد عن العناق يبحث، وعاد يبحث عن عناقٍ لن يكونَ بعدَهُ عناق، العناق مع الحرية، وبعد ذلك مع الأخوة، فكان التضامن باقة ورد أصفر. هَدَمَ ثدي جوستين المقطوع القصور على أصحابها، فهرعت من المواخير كل الأثداء لتكون معه، وفي ساحة الكونكورد أخذت الأثداء تغني:

سلام عليك أيها الجلاد
الفضل لك
هنيئًا لك أيها الجلاد
اللوتس منك
أديت ما عليك أيها الجلاد
لنؤدي ما علينا



* يتبع القسم الحادي والعشرون