ساد ستوكهولم القسم التاسع عشر ساد ستوكهولم (3) نسخة مزيدة ومنقحة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4422 - 2014 / 4 / 12 - 21:09
المحور: الادب والفن     



في شمال ستوكهولم، يقع ساد ستوكهولم الأزرق، في كيستا، وفي علبة الليل، علبة أشهر من القصر الملكي كونغليغا سلوتيت، كان الموعد المتفق عليه بين أعضاء هيئة تحكيم نوبل للآداب الخمسة في إحدى الشقق المترفة، في الطابق التحت الأرضي الثالث، على الساعة الثالثة، وذلك للتداول في ترشيح الروائي الفرنسي ألبير رامو، وتناول روايته "جوستين أو التعاسة المنسية" بالبحث والنقاش.
فتحت كريستينا سفينسون باب الجناح ببطاقتها الإلكترونية، فوجدت نفسها مقابل كاتارينا فريدن، وبيدها كوب من الشمبانيا.
- كنت أعتقد أنني الأولى، قالت كريستينا سفينسون.
- أنت الأولى، يا عزيزتي كريستينا، حتى ولو كنتِ الثانية، قالت كاتارينا فريدن.
- أشكرك، يا عزيزتي، أنت كلك ذوق، ردت كريستينا سفينسون.
ترامت كريستينا سفينسون على كنبة، وأخرجت من حقيبتها، كتاب "جوستين أو التعاسة المنسية"، وفيه عشرات الأوراق المحشوة بين الصفحات، بينما صبت لها كاتارينا فريدين كوب شامبانيا قبل أن تعيد الزجاجة إلى عربة مليئة بشتى أنواع المشهيات. قدمت الكوب لزميلتها، وقالت، وهي تومئ إلى الكتاب:
- كلما جاءت عيناي في عيني هذا الكتاب يراودني انطباع أن يدًا تخرج منه، وتصفعني.
وضعت كريستينا سفينسون الكتاب إلى جانبها مقلوبًا، وتناولت الكوب:
- لا غرابة إذا ما قلت لك إنه الشعور ذاته الذي يراودني.
- حقًا؟ الشعور ذاته؟
- الشعور ذاته.
- إذن لن يكون الأمر صعبًا ما بيننا عندما سيحضر الآخرون.
- إضافة إلى ذلك، كل كلمة في هذا الكتاب موجهة ضدي، لم أجد نفسي بين سطوره.
- وأنا أيضًا لم أجد نفسي بين سطوره، أو، لنقل وجدت نفسي قليلاً بين سطوره.
- لم أجد نفسي لا قليلاً ولا كثيرًا بين سطوره، لم أجد نفسي، ولم أجد غيري ممن يشبهني.
- أنا كنت أسمع أصواتًا تخرج منه كما يسمع رالف لندغرن أصوات الإلْف، وتجعلني أفقد التركيز، فأضطر إلى إعادة القراءة.
نظرت كريستينا سفينسون إلى ساعتها، وقالت:
- لقد تأخر الآخرون.
لم تكن كاتارينا فريدن تسمعها:
- وتعود الأصوات إلى الخروج، فتضغط على روحي، شيء أقرب إلى أصوات المعذبين، فأقوم لأشرب قدح ماء، لكني أقذف الماء من فمي، دون أن أستطيع ابتلاعه.
- قراءة هذه الرواية اعتداء روحي، يا كاتارينا فريدن.
- أعود إليها، فلا أستطيع جمع أفكاري. أرميها جانبًا، فأسمع أصواتًا تجيء من الخارج، ليس من الباب أو من النافذة، وإنما من الخارج، من خارج الأشياء، يا كريستينا سفينسون.
- أفهم جيدًا ما تقولين، يا كاتارينا فريدين، أصوات تجيء من خارج الوجود، وتحاول السيطرة على عقلك.
- هنا تغلي الأفكار في رأسك، وتشلك، لهذا لا تستطيعين فعل ما تريدين.
- أو تفعلين ما لا تريدين، تعتقدين أنك شخص آخر أو قطعة من شخص آخر.
- ليس بالضبط هذا، يا كريستينا سفينسون، ليس بالضبط هذا.
- غالبًا ما اعتقدت بأنني ثدي جوستين المقطوع.
- ليس بالضبط هذا، يا كريستينا سفينسون، ربما كان هذا، ولكن ليس بالضبط هذا.
- دون أن أكون ثدي جوستين المقطوع، لكنني غالبًا ما اعتقدت بأنني ثدي جوستين المقطوع.
- أما أنا فغالبًا ما اعتقدت بأنني قضيب ساد إلى درجة تجعلني أغيب عن الوعي، فأقوم بأفعال مجنونة ضد جسدي.
فتح هوراس ألفريدسون الباب على حين غرة، ودخل، فقابلته كريستينا سفينسون ب:
- ها أنت أخيرًا! ولكن أين الاثنان الآخران؟
- في الطريق، قال هوراس ألفريدسون، وهو يقبل زميلتيه من خديهما، ثم: ما لها كاتارينا فريدن؟ لها سحنة شاحبة.
- لا شيء، قالت كاتارينا فريدن عابسة، كنت أفكر في أمي القحبة، كانت تريدني التركيز دومًا، فلا أجد إلى التركيز سبيلاً.
- نحن المجانين لا حاجة بنا إلى التركيز، يا كاتارينا فريدن، قال هوراس ألفريدسون، وهو يطلق ضحكة، فلا تبتئسي كثيرًا.
- كما قلت نحن المجانين، رمت كريستينا سفينسون.
- ولا حاجة بنا إلى الفهم، أضاف هوراس ألفريدسون، وهو يصب لنفسه كوب شامبانيا، ويبتلع بعض المشهيات. ولا حاجة بنا إلى التبرير، ولا حاجة بنا إلى التفسير، القول لدينا ابن ساعته.
- الفعل، تريد أن تقول الفعل، قالت كاتارينا فريدن.
- والفعل لدينا ابن ساعته، الدخول في الثقوب والخروج منها، بكل الوسائل، في مقدمتها القضبان، وهذا أولها، أشار إلى عضوه.
جاء وجمعها من ظهرها بين ذراعيه، وراح يهتز وإياها، وهي تقهقه، وتردد:
- توقف، يا هوراس ألفريدسون، توقف، ليس هذا وقته.
- ولِمَ لا؟ تعالي، يا كريستينا سفينسون، وخذينا بين ذراعيك، سنكتب أعظم نظرية فلسفية عن الجنس الآني.
- توقف، توقف، يا هوراس ألفريدسون، رددت كاتارينا فريدن، وهي لم تنقطع عن القهقهة.
انتهرته كريستينا سفينسون:
- توقف، يا هوراس ألفريدسون، لا تكن عسكريًا في كل شيء.
توقف هوراس ألفريدسون، وجاء يترامى إلى جانب كريستينا سفينسون:
- لستُ عسكريًا في كل شيء، يا كريستينا سفينسون، ولكنني مهستر في كل شيء، في كل شيء جميل، اعترفَ، وهو يكشف عن ساقي كريستينا سفينسون، ويداعبها منهما.
- توقف، يا هوراس ألفريدسون، انتهرته كريستينا سفينسون من جديد، توقف عن فعل هذا، وأنت تفعل هذا، لدي شعور بأنه أبي.
- لك ساقان جميلتان، يا كريستينا سفينسون، رمى هوراس ألفريدسون، ماذا أستطيع أن أفعل غير ما أفعل إذا كانت لك ساقان جميلتان؟
- أعرف أن لي ساقين جميلتين، أجابت كريستينا سفينسون، وهي تزيح يده بعيدًا عنها، إنهما ساقا إنغريد بيرغمان، لكنهما ليستا لك، أو، لنقل، ليستا لك الآن.
- حمدًا لله أنهما ليستا لي الآن، فساقا أمي لم يكونا لي أبدًا.
- أنا لست أمك، يا هوراس ألفريدسون.
- أنتِ لست أمي، هذا صحيح، وحمدًا لله مرة أخرى أنك لستِ أمي، ولكن...
- ولكن ماذا؟
- ها أنا أفكر في أمي وفي ساقيك.
جاءتهم طرقات على الباب، فقامت كريستينا سفينسون لتفتح. دخل بيتر أكرفيلدت ورالف لندغرن، وهذا الأخير يرفع البطاقة الإلكترونية بين إصبعين، ويقول:
- هذا الخراء لا يعمل!
قهقه بيتر أكرفيلدت، بينما سألت كريستينا سفينسون:
- لماذا تأخرتما؟
- في ستوكهولم لا تسألي أحدًا لماذا تأخرت، أجاب رالف لندغرن، كل شيء جائز في ستوكهولم على الرغم من كل هذه الماكينة الحضارية التي هي حياتنا.
قهقه بيتر أكرفيلدت من جديد، وذهب مباشرة إلى عربة الأكل دون أن يسلم على أحد.
- هي حركة السير.
- لا.
- إذن ماذا؟
- حركة الدماغ.
- حقًا، نحن نسير في رؤوسنا.
- قرأتُ مقالاً في جريدة ضدي... مرحى، يا كاتارينا فريدن، مرحى يا هوراس ألفريدسون.
- مقال في جريدة ضدك؟
- أموت من الجوع، جوع المعدة أقوى بكثير من جوع الفرج، قال رالف لندغرن، وهو يلتهم بعض المشهيات، وبيتر أكرفيلدت يقهقه وحده دون أن يلتفت إليه. مقال عن صعوبة حركة السير في ستوكهولم.
- مقال في جريدة ضدك عن صعوبة حركة السير في ستوكهولم، تهكمت كريستينا سفينسون.
- أنت مخرية كزوجة ألفريدسون، يا كريستينا سفينسون!
- ما بها زوجتي؟
- مخرية!
- وزوجتك؟
- أقل.
- أفهم الآن لماذا مقال في جريدة عن صعوبة حركة السير في ستوكهولم ضدك، عادت كريستينا سفينسون إلى التهكم.
- لا، لم يكتبه الصحفي الكبير، أوضح رالف لندغرن، وهو يشير بإصبعه إلى بيتر أكرفيلدت الذي عاد يقهقه.
- مقال عن صعوبة حركة السير ضدك شيء مثير للاهتمام، يا رالف لندغرن، تدخلت كاتارينا فريدن بسحنتها الشاحبة.
- لك سحنة مذهلة، يا كاتارينا فريدن، همهم رالف لندغرن.
- سحنة شاحبة، قالت كاتارينا فريدن.
- مذهلة، سحنة مذهلة، سحنة دينية مذهلة.
- أشكرك، يا رالف لندغرن، قالت كاتارينا فريدن، وهي تضحك، بينما يقهقه بيتر أكرفيلدت، وهو يواصل الأكل والشرب.
- مذهلة.
- لم يكن هذا رأي هوراس ألفريدسون.
- وما يدريه هوراس ألفريدسون بالسحن المذهلة، السحن الدينية المذهلة، هو أدرى بسحن الشخاخات طالباته، أما السحن المذهلة، السحن الدينية المذهلة، فهي من اختصاصي.
رمى بيتر أكرفيلدت فجأة كأسه على عربة الأكل، وذهب ليفتح الباب، نظر في الممر، ثم عاد إلى مكانه، ملأ كوب شمبانيا آخر، وذهب ليجلس على طاولة بنغ بوغ، وما لبث أن أخذ مكانًا في قفص حديدي بعيدًا عن الجميع.
- ذكرتني بالشخاخات طالباتي، يا لندغرن، قال هوراس ألفريدسون.
- ماذا، يا هوراس ألفريدسون؟ الشخاخات طالباتك اللواتي ذكرتك بهن ماذا؟
- لا شيء، اسأل كاتارينا فريدن أو كريستينا سفينسون.
- عندما كنت طالبة شخاخة، قالت كريستينا سفينسون، كنت أرغب في تغيير العالم على صورتي، ليست بالضبط صورتي، هي بالأحرى الصورة التي كنت أريد أن تكون لي، صورة لعظيمة العظيمات، لأني في الأصل كنت عظيمة. كنت طالبة شخاخة عظيمة، وكان أستاذ فلسفة كألفريدسون يقول لي، ونحن في الفراش، الفلسفة منذ أفلاطون إلى اليوم لم تفهم الإنسان لأنها لم تفهم المرأة كما أفهمها. كان الوحيد الذي يحولني من امرأة وانية الشبق إلى امرأة كلبة.
- هذا من الناحية العملية، ومن الناحية النظرية، كيف كان يفهمها المرأة؟ سألت كاتارينا فريدن.
- لم أعد أذكر ما قاله لي، أو بالأحرى أذكر، كان يفهم المرأة... لا، لم أعد أذكر. كان يفهمها، كان على عكس غيره من الفلاسفة، على عكس غيره من الفلاسفة كان يفهمها. كان يفهمها...
- ها أنت تظنين نفسك كاتارينا فريدن، حذرها رالف لندغرن.
- كان يفهمها...
- لهذا كان أعظم فيلسوف لفرج المرأة، رمى هوراس ألفريدسون تحت تصفيق الجميع. المرأة تعادل الفرج، هذا كل شيء. وبالفعل، الفرج هو محور كل حياتنا.
- والقضيب؟ سأل بيتر أكرفيلدت من قفصه، وانفجر يقهقه.
- القضيب شيء استثنائي كالفكرة الملموسة لدى هيغل أي بعد أن تتحول إلى شيء مبدع، أجاب هوراس ألفريدسون. القضيب يعادل الإبداع في تحققه الأسمى. هل تريدون شرحًا عمليًا؟ وأخذ يفك أزرار بنطاله.
- هناك ما هو أهم الآن، قالت كريستينا سفينسون، وهي تمسك يده، وتعيد إقفال أزرار بنطاله.
- حقًا، هناك ما هو أهم. ولكن قولي لي لماذا نحن هنا؟
- لا شيء هام لك، يا هوراس ألفريدسون، أجابت كريستينا سفينسون.
- هيا، لِدِي!
- الأهم هو هذا، قالت كاتارينا فريدن، وهي تحمل رواية "جوستين أو التعاسة المنسية"، وتدفعها بين ذراعي هوراس ألفريدسون، ثم ذهبت لتجلس في القفص مع بيتر أكرفيلدت، وهذا يقهقه دون سبب.
أنصتوا كلهم لما يقرأه هوراس ألفريدسون:
- في الصباح، لم ننهض من الفراش، بقينا ننام، كانت أجسادنا تعبة، وكان الأهم من كل شيء في الوجود أن نريح أجسادنا. كنا في أجسادنا، لهذا كنا تعبين، وكنا نريد النوم كي نرتاح، كي نريح أجسادنا. لم نكن نريد النهوض من الفراش، فأجسادنا كانت تعبة، ونحن كنا في أجسادنا، وكنا نريدها أن ترتاح، لنرتاح، ثم لننهض من الفراش، ونذهب إلى أعمالنا. لم يكن الذهاب إلى أعمالنا مهمًا، كانت أعمال كل يوم، ولم تكن مهمة. ربما كانت مهمة لغيرنا، ولكنها لم تكن مهمة لنا، كانت أعمال كل يوم، وكان علينا أن ننجزها، مهمة أم غير مهمة، كان علينا أن ننجزها، ولهذا كان علينا النهوض من الفراش، لنذهب إلى أعمالنا. أعمال غير مهمة، كان علينا أن ننجزها، ولكننا لم ننهض من الفراش، لأن أجسادنا كانت تعبة، وكان علينا أن نريحها. وبما أننا كنا نسكن فيها، في أجسادنا، كنا تعبين، وكان علينا ألا ننهض من فراشنا لنذهب إلى أعمالنا، كان علينا أن نرتاح، فنريح أجسادنا، لأننا ونحن تعبون لن نقوم بأعمالنا كما يجب، ولن ننجزها. كان علينا أن ننجز أعمالنا على الرغم من عدم أهميتها، ولما كنا تعبين، لن ننجز أعمالنا، لن ننجزها كما يجب، لن ننجزها. لهذا لم ننهض من الفراش في الصباح، ولم ينهض البحارة، ولم ينهض الأمراء، ولم ينهض الصعاليك، ولم ينهض الشحاذون، ولم ينهض القوادون، ولم ينهض بائعو السياسة والحكمة والغُلمة، ولم ينهض أحد من الفراش، كنا تعبين كلنا، وكان علينا أن نرتاح.
ذهبت كاتارينا فريدن في عناق طويل مع بيتر أكرفيلدت، بينما تمددت كريستينا سفينسون على الكنبة، وهي تلهث، فأعطى هوراس ألفريدسون كتاب ألبير رامو لرالف لندغرن، وذهب بأصابعه إلى كتفي كريستينا سفينسون، وراح يمسدهما لها. فتح رالف لندغرن الكتاب، وأخذ بالحديث إلى جوستين:
- ثديك المقطوع ارتاح من عناء الحياة، يا جوستين، هو وحده من يستطيع إنجاز عمله كاملاً، أما ثديك الآخر، فعليك أن تبقيه معلقًا إلى الأبد، كيلا يرتاح من عناء الحياة، ولا يستطيع إنجاز عمله كاملاً. مع الأسف، لن أستطيع فعل أي شيء من أجل ثديك المقطوع، هكذا مصير كل شيء جميل، ألا نستطيع فعل أي شيء من أجله. لهذا هو جميل، ثديك المقطوع، لهذا هو عميق، لهذا هو خالد. منه تزحف الديدان إلى أعمارنا، فتلتهمها. أعمارنا تلتهمها الديدان بأفواهها أو تقرضها الصراصير بأسنانها، لهذا نحن عشاقٌ لثديك المقطوع، ثديك الزاحفة منه الديدان إلى أعمارنا، أعمارنا لا قيمة لها، لهذا نتركنا عاشقين لثديك المقطوع كي نُدمرنا.
ذهب رالف لندغرن إلى بيتر أكرفيلدت وكاتارينا فريدن المتعانقين في القفص دومًا، وفصلهما عن بعضهما.
- ماذا، يا رالف لندغرن؟ سألت كاتارينا فريدن.
- أريد فقط أن أسألك كم مرة قرأتِ هذه الرواية؟
- لست أدري، عشرات المرات، لماذا؟
- أردت فقط أن أعرف.
- هل هي حالك؟
- هي حالي.
- وهي حالي أنا، صاحت كريستينا سفينسون من طرف، وهي تتحرر من بين أصابع هوراس ألفريدسون.
همهم هوراس ألفريدسون مكتئبًا:
- وهي حالي أنا أيضًا.
ترك بيتر أكرفيلدت القفص، وأخذ الكتاب من يد رالف لندغرن، وبدأ بقراءته. عندما وجدهم يحدقون فيه كلهم، اعترف:
- أنا لم أقرأه مرة واحدة، فلنقل قرأت فقرة من هنا، وفقرة من هناك، وراح مقهقهًا.
- هكذا سنقول إن واحدًا منا لم يقرأه، همهم هوراس ألفريدسون من جديد، وقد تضاعف اكتئابه.
لكنهم سمعوا بيتر أكرفيلدت يقول:
- ساشيناتي، يا أختي الصغيرة، أنا أعرف كل قصتك، أقرأها كل يوم دون أن يكتبها أحد. ساشينا، ساشيناتي، أُخَيتي، كنت أخًا مخلصًا لك. أُخَيتي مدللتي، لم أكن هناك على طرف البحيرة، كان ذلك القذر هناك، كان يراك تغرقين، ولم يفعل شيئًا. كان ينظر إليك دون أن يراك، كان أعمى مفتوح العينين، كان يراك دون أن يراك. كنت تغرقين، وكنت تنادين، وهو، كان ينظر إليك دون أن يراك. كنت تصرخين، ولم يكن يسمعك تصرخين، كان يراك دون أن يراك، ويسمعك دون أن يسمعك. قالت له ماما، انتبه على ساشيناتي، انتبه على أُخَيتك، وأنتِ كنتِ تحتجين، لا يا ماما، أنا كبيرة، لا أريد أحدًا أن ينتبه عليّ. انتبه على ساشيناتي، انتبه على ساشيناتي، تلح ماما. طيب، يا ماما، سأنتبه على ساشيناتك، قال الآخر لماما. وأنت ترددين، لا يا ماما، أنا كبيرة، أنا كبيرة. وماما للآخر أيضًا، انتبه على ساشيناتي، انتبه على ساشيناتي. أمطرت السماء، فأمسكتِ بيد الآخر، بيد أخيك الكبير عليك، وجريتِ به إلى وِقاء لم يكن بعيدًا جدًا. كان بعيدًا، لكنه لم يكن بعيدًا جدًا. كنتِ في ثوب السباحة، وكنتِ تغرقين في المطر، وكنتِ ترتجفين عندما وصلتما تحت الوِقاء، وكنتِ تضمين نفسك بين ذراعي أخيك الكبير لتدفأي، كنتِ ترتعدين من البرد، وكنتِ تسعين إلى الدخول في جسد أخيك الأكبر منك، ذلك القذر، لتحصلي على بعض الدفء، وكان يسمعك ترددين لماما أنا كبيرة، أنا كبيرة، وماما، انتبه على ساشيناتي، انتبه على ساشيناتي، فأخذك أخوك الكبير بعد أن خلع عنك ثوب السباحة المبتل، أخذك كلك بين ذراعيه، لينتبه عليك، لينتبه عليك كما قالت ماما، أخذك كلك بين ذراعيه، وعندما بدأتِ بالبكاء، وأنتِ كلك عارية بين ذراعيه، أفلتكِ من بين ذراعيه، فتركتِهِ كمن يُترك الملعونون وحدهم في الجحيم أمام مصائرهم، ونزلتِ في البحيرة.
انفجر بيتر أكرفيلدت يقهقه، فردعته كريستينا سفينسون:
- اخرس، يا لك من وغد، اخرس!
لم يخرس على التو، لكنه بعد ذلك حط في الصمت، ودمعة حرى تسيل على خده. ذهبت كاتارينا فريدن إليه، ودفنت وجهه في صدرها.
همهم هوراس ألفريدسون متسائلاً، وهو يترنج:
- هل هذا هو الطريق إلى الجحيم؟
- تعال، قالت له كريستينا سفينسون، الطريق إلى الجحيم من هنا.
جعلته يعتمد عليها، وراحت به تدور في الجناح بلا هدف، وعلى الجدار سوط أسود معلق.
- ساد، هل تسمعني؟ هتف هوراس ألفريدسون، هل تسمعني، يا ساد؟
- أسمعك، أجابت كريستينا سفينسون.
- هل تسمعني جيدًا؟
- أسمعك جيدًا.
- لكنني أنا لا أسمعك، أشمك ولا أسمعك، لك رائحة لذيذة، رائحة مزيجة من عفة وعفونة، أشبه برائحة امرأة تضاجع. رائحة لا يمكن لمها، رائحة أبدية، رائحة شيطانية، رائحتك الشيطانية تعبق بأنفاسي، لهذا كانت لكل الحداثة تلك الرائحة الشيطانية، رائحتك، رائحة غائطية ربما، لكنها رائحة ملهمة، مدمرة للحواس، وخلاقة، رائحة مبدعة، رائحة كل ملعون. وأنا على الطريق إلى الجحيم أشمك، فأظفر بما لم يظفر به أحد قبلي من الفلاسفة، أظفر بطوباوية شيطانية، طوباوية دموية، كل جوستين التي لك هي هذه الطوباوية الشيطانية، وكل معذبيها، وكل غير معذبيها، طوباوية جاءت من أبعد مكان في الفكرة ومن أبعد زمان لتنقل مصائرنا على ظهر الوجود، فنرى أنها كلها واحدة، وكلها تنهل من بين فخذي جوستين جوهرها، جوهر لكل القذرين في العالم الذين هم نحن.
- خذ، أيها القذر، يا أيها القذر الآخر لا الأخير، قالت كريستينا سفينسون لهوراس ألفريدسون، وهي تنزع السوط الأسود عن الجدار، وتقدمه له. أنت تدري ما أنت به صانع. هل تسمع ما أقوله لك؟
- أنا أشمك، أسمعك بشمي، رائحتك الزكية، رائحة العفونة والعفة.
- خذ!
تناول هوراس ألفريدسون السوط الأسود بينما كشفت كريستينا سفينسون عن إليتيها، وهي تنحني، فأخذ الفيلسوف الجامعي يسوطها، وهي راضخة صارخة حتى لم تعد تحتمل ذلك، فسقطت على الأرض، وبدأت تهذي:
- الفصول ليست كبعضها، ولكنها كلها متشابهة. كل واحد منا فصل من الفصول، وكل واحد منا يشبه الآخر. العاصفة يخضع لها فصل الشتاء، والنحل يخضع له فصل الربيع، والشمس يخضع لها فصل الصيف، والريح يخضع لها فصل الخريف. ساد كان العاصفة والنحل والشمس والريح، وجوستين كانت كل الفصول. جوستين كانت كالطبيعة تجلدها العاصفة والنحل والشمس والريح، كالطبيعة تجلدها الطبيعة، يجلدها ساد. جوستين كانت نحن، وساد كان نحن، جوستين وساد كانا الطبيعة، كانا البشرية، البشرية كانت نحن، والطبيعة كانت نحن، وجوستين وساد كانا نحن، كانا الطبيعة، كانا البشرية. جوستين كنتها لما كنت إنغريد بيرغمان، وكارين بوي، وفكتوريا السويد، ولم أكنها، وكنت غيرها، كنت فصلاً من فصول الموت، فصلاً من فصول العدم، فصول العدم كثيرة جدًا، فصول العدم كثيرة جدًا جدًا، فصول العدم لا يمكن عدها، فصول العدم كثيرة جدًا جدًا جدًا، فالموت في كل يوم، وفي كل يوم يموت العشرات بل المئات من الآلاف. في كل يوم يموت الكثير من البشر، الكثير الكثير من البشر، في كل يوم يموت الكثير الكثير من البشر، وكل موت بشري فصل خاص، لهذا كانت فصول الطبيعة أربعة، ونحن على شاكلتها، كلنا نتشابه، ليست فصول الطبيعة كبعضها، لكنها تتشابه، ونحن على شاكلتها، وكانت فصول العدم كثيرة، كثيرة، كانت فصول العدم بعدد البشر، فلكل إنسان فصله العدميّ، والعدم جوهر الوجود.
رفعت كاتارينا فريدن كريستينا سفينسون عن الأرض، ورمتها بين ذراعيها على كنبة، وراحتا تقبلان بعضهما، من الفم، ومن العنق، ومن الثدي، ومن البطن، ومن الفخذين، ومن الساقين، ومن القدمين، والرجال الثلاثة ينظران إليهما بألسنة متدلية كالكلاب. ثم سكنتا فجأة، نهضتا، وهما تسويان ثيابهما، وصاحت كاتارينا فريدن بالرجال الثلاثة:
- ابعدوا عني نظراتكم، أنتم تغتصبونني بنظراتكم.
قبلت كريستينا سفينسون ثلاث قبلات سريعة، وحملت كتاب ألبير رامو، وهي تهزه في وجوههم:
- لقد سرق ألبير رامو أفكاري!
- ما تقوله كاتارينا فريدن صحيح، أكدت كريستينا سفينسون، وأنا أيضًا، لقد سرق هذا الكاتب أفكاري.
- وأنا لهذا لا أجد فيه نفسي، أضافت كاتارينا فريدن، فيه شيء مني، فأعجز عن التصديق، وأشعر كمن يعذبني أحدهم. هذا الكاتب جلاد، مسألته ألا يتركنا في حالنا.
- نفقد التركيز، ونفقد الأحاسيس، أكدت كريستينا سفينسون من جديد.
- المحسوس بالحس أو بالعقل ينتمي إلى عالم الهواجس، أوضحت كاتارينا فريدن، الثدي المقطوع لجوستين ليس تعاستها المنسية، فهذه التعاسة حاضرة في ذاكرتنا ما بقيت ذاكرتنا، إنه قدرنا. كان ثدي أمي قدرًا بالنسبة لي، منذ جئت إلى الوجود كان ثدي أمي قدرًا بالنسبة لي. الثدي المقطوع لجوستين هو ثدي أمي. ثدي أمي قدري. المقطوع. ثدي جوستين. قدري. بقيتُ أرضع من ثدي أمي منذ مولدي إلى يوم موتها، فثدي أمي قدري. ثدي جوستين. المقطوع. المريض. الميت. المبتور. المقتول. المسفوح. ثدي جوستين. الفضاء الضيق لوحش لا يسعه فضاء في العالم. الثدي المريض فكرتي المسروقة، عمري المسروق، أيامي القادمة، قدري، هذا الثدي السرطاني قدري، أيامي القادمة. خذها من ثدييها، أقول لك، كانت تقول أمي لزوجها، كانت تعني أن يأخذني من عمري، أن يأخذ أيامي القادمة قبل أن تأتي. خذها من ثدييها، يا دين الرب، خذها، خذها، خذها من قدرها، أريدها أن تبقى دون قدر، خذها أقول لك، يا دين الرب، خذها، خذها، خذها، وتقول لي، تعالي، يا حبيبتي، خذي حلمتي، يا حبيبتي، كل ثديي لك، كل قدري لك، كل عمري الفاني من أجلك، خذي كل عمري، واتركي لي عدمي، فماذا ينفع العمر، ماذا ينفع، عدمي، حياتي، ماذا ينفع؟ وتصفع زوجها، خذها، أقول لك خذها، يا دين الرب، ادخل في ظهرها، وخذها، واترك لها ثديي، قدري، عمري، خذ أيامها القادمة، لا تنس، إياك أن تنسى، لئلا تضيع دوني حبيبتي، عمري، قدري...
حل صمت طويل، صمت عميق، صمت ثقيل، قطعه هوراس ألفريدسون:
- أنا جائع، وأنتم؟
رفع السماعة، وطلب:
- أحضر لنا سمك قرش وليد، وكل الباقي.
وأقفل.
لم يكن أفضل من الآخرين، كان يبدو عليه التشتت، التفكك، كثوب مليء بالأزرار المفككة. وكان كل منهم يلمس جسده، مع قلق خافت، ولا يقع على حدود جسده. لم تكن لأجسادهم حدود، كانوا لا يصلون إلى نهاياتها، لأذرعهم لم تكن نهاية، ولا لأثدائهم، ولا لسيقانهم، كانوا يشعرون بأجسادهم كما لو كانت دون نهايات، كالآفاق دون نهايات، وكانوا لهذا قلقين، كان القلق يرتسم على وجوههم، والخوف، والشك، كان الخوف والشك يدفعانهم إلى القلق، ويضاعفان منه، قلق غير طبيعي، قلق ميتافيزيقي، كان قلقهم لا نهاية له، كان قلقًا ما ورائيًا، مستقيمًا، ممتدًا، قلقًا لا نهاية له. لم تعد تترابط أفكارهم:
- طلبت لكم ألذ أنواع السمك... قال هوراس ألفريدسون، وهو ينظر إلى حالهم، ولم تكن حاله بأحسن من حالهم، من المحيط يصطادونه، الأمواج عالية في المحيط، الأمواج تبتلع العالم، العالم يتابع مباراة كرة قدم بين السويد والنرويج، المحيط مليء بالمتفرجين، هناك كان الصبية يلعبون بالكرة، في زقاق من أزقة غاملا ستان، مراكش مدينة ساحرة، أزقتها مليئة بالصبية وأسماك القرش، رائحة أسماك القرش المشوية فيها أزكى رائحة، تشبه رائحة ساد...
وصلتهم طرقات خفيفة على الباب أنقذتهم مما هم فيه، فوثبوا لاستقبال عربة الأكل، أعطى رالف لندغرن الخادم بعض الكورونات، وصرفه، بينما جر كل منهم كرسيًا قريبًا من سمك القرش الوليد. أخذ هوراس ألفريدسون يقطع اللحم الأبيض الطري، ويرميه في صحونهم، بينما صب رالف لندغرن لهم النبيذ في الكؤوس، ووزعها عليهم. حمل بيتر أكرفيلدت قدحه وصحنه، وذهب داخل القفص ليأكل وحده. وبينما هم يأكلون بلذة، سمعوا قهقهة بيتر أكرفيلدت. وبعد قليل، قهقهت كريستينا سفينسون، هكذا دون سبب. شبعوا، وتراموا هنا وهناك، فقدوا وثوبهم الحيوي، وغرقوا في الصمت. نظروا إلى بعضهم، بدا الكره في عيني كاتارينا فريدن لهم جميعًا، ثم ما لبثت، أن مالت عليهم، وراحت تشد على أياديهم بود، وهم لا يفعلون شيئًا، ثم وهم يدفعونها عنهم، ويقومون إلى زوايا مختلفة، حتى أن بيتر أكرفيلدت قد ترك قفصه فجأة، فتح الباب، وذهب في الممر الطويل مغادرًا.
- بيتر أكرفيلدت، صاحت كريستينا سفينسون من ورائه، ولما التفت: إلى أين؟ لم ننته بعد!
عاد بيتر أكرفيلدت، وذهب ليقف خلف رسمٍ لنافذة على الجدار، رفع يده، وأبقاها مرفوعة، ولما لم ينزلها، سألته كاتارينا فريدن:
- ماذا، يا بيتر أكرفيلدت؟
- ماذا، يا كاتارينا فريدن؟ سأل بيتر أكرفيلدت بدوره.
- لمن ترفع يدك؟
- أنا أرفع يدي؟
- أنت ترفع يدك، أنت ترفع يدك لمن؟
نظر بيتر أكرفيلدت إلى يده المرفوعة، وقال:
- أنا لا أرفع يدي.
- بلى، أنت ترفع يدك، لمن ترفع يدك، ونحن في الطابق الثالث التحت الأرضي؟
- أنا لا أرفع يدي.
- أنت ترفع يدك، لماذا؟
- أنا لا أرفع يدي.
- غريب ما تفعل وشاذ.
- أنا لا أرفع يدي، قال بيتر أكرفيلدت، وهو يرفع يده دومًا.
- أنت ترفع يدك، أنت ترفع يدك.
- أوه! هناك من يشير إليّ، قال بيتر أكرفيلدت، وهو يحرك يده.
- هناك من يشير إليك، ونحن في الطابق الثالث التحت الأرضي!
- هناك يد في جوف الماء تشير إليّ.
- يد في جوف الماء!
- في جوف الماء.
- هناك يد في جوف الماء؟
- تشير إليّ.
- تشير إليك؟
- تشير إليّ... يد في جوف الماء.
- تعال، يا صديقي المسكين! تعال إلى جانبي.
تردد بيتر أكرفيلدت، وهو بعد أن حرك يده، أنزلها، ثم جاء يجلس إلى جانب كاتارينا فريدن.
- تعال، قالت كاتارينا فريدن، وهي تلف كتفيه بذراعها، ثم توجهت بكلامها إلى الباقين، فلنعرض للمسألة.
- أية مسألة؟ سأل بيتر أكرفيلدت.
- ترشيح ألبير رامو لجائزة نوبل للآداب.
- سنعطيه إياها، قال رالف لندغرن، أقول هذا دون أن يكون لدي أي دافع ديني بوصفي عالمًا لاهوتيًا، وعلى أي حال، لا هو، ولا أشهر رواياته "جوستين أو التعاسة المنسية" يدخلان في هذا التصنيف. سنعطيه إياها.
- هكذا، سنعطيه إياها! تهكمت كاتارينا فريدن.
- أنتم لن تنسوا خصومنا في هيئة التحكيم، وعلى رأسهم الناقد المخضرم أوسكار كاستنفيلت، أضافت كاتارينا فريدن.
- لهذا سنعطيه إياها، أكد رالف لندغرن، لأننا لن ننسى أوسكار كاستنفيلت وشلته، هم لن يعطوه إياها، ونحن سنعطيه إياها.
- لن نعطيه إياها، قال هوراس ألفريدسون.
- هكذا، لن نعطيه إياها! تهكمت كاتارينا فريدن من جديد.
- لأننا إذا ما لم نعطه إياها أعطاه إياها خصومنا، وبهذا نكون كمن أعطاه إياها.
- الأمر ليس على مثل هذه الميكانيكية، ولا على مثل هذه البساطة، نعطيه، فلا يعطون، لا نعطيه، فيعطون، علقت كريستينا سفينسون.
- إذن نعطيه ولا نعطيه، رمى بيتر أكرفيلدت، وهو يقهقه، ويبعد ذراع كاتارينا فريدن عن كتفيه.
- موافقة، قالت كاتارينا فريدن، نعطيه ولا نعطيه، ولكن كيف؟
- اتركوا بعض الوقت للفيلسوف ليفكر، قال هوراس ألفريدسون، وهو يشير إلى نفسه. لا للعالم في الدين ولا للأستاذتين الجامعيتين الكبيرتين ولا للصحفي الكبير.
- الرجاء أن تفكر بصوت عال، طلب رالف لندغرن.
- بصوت عال... بصوت عال...
- بصوت عال. الرجاء أن تفكر بصوت عال.
- أولاً وقبل كل شيء، أوضح هوراس ألفريدسون، يجب التمييز بين رامو وأهم أعماله رواية "جوستين أو التعاسة المنسية"، طيب؟ ثانيًا يجب التمييز بين رامو وساد، أوكي؟ ثالثًا يجب التمييز بين رواية ساد ورواية رامو. في الحالة الأولى، سنكون مع رامو لا مع روايته، وفي الحالة الثانية، سنكون مع ساد لا مع رامو، وفي الحالة الثالثة، سنكون ضد رواية ساد ورواية رامو. والنتيجة؟ سنكون مع رامو، وستذهب الجائزة إليه.
- أنا أرى التالي، تدخل رالف لندغرن، في الحالة الأولى، سنكون مع رواية رامو لا معه، وفي الحالة الثانية، سنكون مع رامو لا مع ساد، وفي الحالة الثالثة، سنكون مع رواية ساد ورواية رامو. والنتيجة؟ سنكون مع رامو وروايته، وستذهب الجائزة إليه.
- تريد القول إننا سنكون مع رامو وروايته ورواية ساد، علق هوراس ألفريدسون، وهذا ما سيعطل على رواية رامو الشيء الكثير، أن نكون مع الروايتين، سينقص ذلك من قيمة رواية رامو، ومن رامو، وستكون الطريق إلى حجب الجائزة مفتوحة لخصومنا.
- ولماذا لا نكون ضد الرواية ورامو في الحالات الثلاث، فتذهب الجائزة لساد؟ إنه يستحقها بعد كل ما عانى من محاكمات وإهانات وسجون، قال بيتر أكرفيلدت، وانفجر مقهقهًا.
- يا ليت كانت الجائزة تذهب إلى الأموات لكنا أعطيناها لكل من يستحقها ولم يحصل عليها، قال هوراس ألفريدسون، ونهض ذاهبًا إلى الحمام.
- لن نعطيه إياها، قالت كاتارينا فريدن.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- لماذا لن نعطيه إياها؟ سأل رالف لندغرن.
- لأن الرواية كلها سياسة دون أن تقول كلمة واحدة عن السياسة، أجابت كاتارينا فريدن.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- تقولين كلها سياسة، ومع ذلك، أنت لا تسعين للوصول إلى المعنى المجرد لسياسة، وباللغة الروائية إلى تصور السياسة، رمى رالف لندغرن في وجه كاتارينا فريدن.
- الرواية كلها سياسة، ألحت الأستاذة الجامعية، والخط السياسي للكاتب معروف، الخط السياسي ضدنا.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- ضدنا كيف؟ سأل رالف لندغرن. أنت تقولين ضدنا لتفلتي من كيف هو ضدنا، الخط السياسي، هذا إذا ما كان الخط السياسي بالفعل ضدنا.
- هل قلت ضدنا؟ سألت كاتارينا فريدن فاقدة التركيز.
- آه! يا إلهي. أنت لا تضاجعين، أيها الماخور، كاتارينا فريدن.
- بما أنني قلته، عادت كاتارينا فريدن إلى القول، وهي تغلق عينيها بشدة، الخط السياسي ضدنا على طول الخط ودون كيف.
- هذا صحيح، ما تقولينه ليس في صالح الكاتب، يا كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- في صالحه أم ليس في صالحه، هذا شيء آخر، علق رالف لندغرن. هل نبدأ بالسياسة أم بفكرة السياسة؟ هل نبدأ بالجميل أم بفكرة الجميل؟
قهقه بيتر أكرفيلدت، وقطع قهقهته فجأة، وهو يسارع إلى الحمام. حاول أن يفتح الباب على هوراس ألفريدسون، وراح يطرقه، لكن هوراس ألفريدسون كان يتأمل المسدس الذي أخرجه من جيبه، وهو في شبه حالة من الذهول. كان يتأمله، ويشمه، ويشده إلى صدره. كان المسدس جميلاً، وكان هوراس ألفريدسون يسعى إلى أن يكون جميلاً كمسدسه، وقويًا كمسدسه، ورهيبًا كمسدسه. كان يريد، وهو يقبض على مسدسه، أن يقبض في الوقت ذاته على كل نظريات نيتشه التي لم يكن متفقًا معه حولها، فلم يكن هوراس ألفريدسون مع حق الحياة للأقوى، كان مع حق الحياة، فقط مع حق الحياة، ولكنه في تلك اللحظة بالذات، تحت ذلك الشرط بالذات، كان عاشقًا لمسدسه، وكان يمسكه بقوة، وكأنه يريد أن يمسك العالم بخناقه.
- إذا بدأنا بالسياسة، بالجميل، بالظاهر، بالخاص، بالخاصية، كعالم لاهوتي، وهنا يجدر بي التحديد، كعالم لاهوتي وثني، أقول إنها في صالح الكاتب، أكد رالف لندغرن. وعلى مستوى آخر، "نوبلي"، إذا ما تعلق الخط السياسي بالشخص، لماذا إذن أعطى غيرنا الجائزة لنيرودا؟ سأكتفي بنيرودا، فهناك عشرات من الشعراء المسيسين غيره الذين ترشحوا للجائزة أو حصلوا عليها. اتركي الشخص وشأنه، يا كاتارينا فريدن، واتركي السياسة في أعماله وشأنها، واحكمي على كيفية إنتاجها، وإياك أن تتجاهلي السياق. السياسة محنة إذا ما قُدمت كظاهرة، لكنها إذا ما كانت سياقية في تصورها، فهي تغدو شيئًا آخر، كالتفاحة بين الأسنان، تحت هذه الصورة أريد أن أُجمل تعبير "الأحاسيس المستحبة" الشهير. وعلى كل حال، في "جوستين أو التعاسة المنسية"، العمل الأساسي لرامو، لا توجد سياسة لا سياقية ولا غير سياقية، وليس من ذنب الكاتب أن في رموزه البعيدة هناك من يرى السياسة أو ملامح منها.
- ومن ناحية أخرى، قالت كريستينا سفينسون، الرواية كلها اقتصاد دون أن تقول كلمة واحدة عن الاقتصاد.
- أؤيد كريستينا سفينسون، قالت كاتارينا فريدن.
- مارغريت يورسُنار.
- عفوك؟
- أنا مارغريت يورسُنار، يا كاتارينا سفينسون.
- أوه! أؤيد مارغريت يورسُنار، تلعثمت كاتارينا فريدن.
- يا إلهي! أرعد رالف لندغرن، ولكن في الرمز دومًا ما نصل إلى أكثر من تأويل، أيها الماخور، الرمز ليس فقط المسألة والحل، بل المسائل والحلول، ثدي جوستين هو النظام الرأسمالي، وسرطان الثدي هو الأزمة المالية.
- كل هذا اقتصاد، اقتصاد، قالت كريستينا سفينسون.
- أؤيد كريستينا سفينسون، قالت كاتارينا فريدن.
- قلنا مارغريت يورسُنار.
- أؤيد مارغريت يورسُنار.
- وماذا تقولان لو أقول لكما إن الرواية كلها دين؟ سأل رالف لندغرن عضوتي هيئة التحكيم بابتسامة تدل على إفحام محدثتيه بالحجج.
- لا، ليس هذا، نفت كاتارينا فريدن، وهي تغلق عينيها بشدة، الرواية كلها وثنية.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- نحن على طريق الضياع في صحراء التمثيل الإنساني، رمى رالف لندغرن يائسًا، كل هذه المواضيع ثانوية، وهي تبعدنا عن الجوهر، روعة الرواية بكل ما تحوي من عدم في الألم.
عاد بيتر أكرفيلدت يطرق الباب على هوراس ألفريدسون الذي فتح، فدفعه، ودخل الحمام كالسهم، ثم راح يتبول في كل مكان دون أن يغلق الباب. أول ما لحق هوراس ألفريدسون بالآخرين، قال له رالف لندغرن:
- ثدي جوستين المقطوع الآن دين واقتصاد وسياسة وكل المواضيع الثانوية الأخرى، أما الموضوع الجوهري، الوجودي...
- هناك خمسة طيور في الحمام، رمى هوراس ألفريدسون بشيء من الغطرسة، وهو يشد على المسدس في جيب سترته.
- خمسة طيور؟
- خمسة طيور!
- خمسة طيور؟!
- وهي تتكلم خمس لغات مختلفة، ومع ذلك، تفهم الطيور عم تتكلم.
- هذا لأن الموضوع جوهري وواحد، قال رالف لندغرن.
- بالضبط، أكد هوراس ألفريدسون بشيء من الازدراء، أما نحن الخمسة، فنتكلم لغة واحدة عن مواضيع خمسة ليست جوهرية، لهذا لن نفهم بعضنا، ولن نتفاهم، لهذا لن نُدخل أيادينا حتى الكوع، ولن نتضاجع.
- لن نتضاجع، لن نتفاهم... أعاد رالف لندغرن، حول هذا العمل الأدبي، وعلينا ألا نتفاهم، كما أستطيع أن أرى في الأخير، لأن هذا من طبيعة كل كتاب يحمل سمة العبقرية.
عاد هوراس ألفريدسون يشد على المسدس في جيب سترته بشيء من الاستعلاء، ورفع السماعة، وطلب للجميع بيرة، لكن كاتارينا فريدن، بدت مقطبة الوجه:
- الرواية كلها وثنية، كلها أنظمة صنمية، كلها صراعات أو تحالفات بين قوى ميتافيزيقية، ثدي جوستين المقطوع يمثل كل هذه القوى، وهو يتعدد تعدد أشكالها، إنه ليس نظامًا واحدًا، إنه عدة أنظمة، بعدة سرطانات، وهو كنظام انتخابي في بلدنا، أحزاب الأغلبية سرطانه مقابل أحزاب الأقلية سرطانه الآخر.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون، وأضيف أن هذا فيما يخص كل شيء السينما المسرح الرسم النحت الرقص الأغنية الضرب بالملاعق على أقفية الطناجر، يعني موسيقى اليوم، كلها ثدي جوستين المقطوع بسرطانه، فلنقل أثداء جوستين المقطوعة بسرطاناتها.
نفخ رالف لندغرن يائسًا:
- وعلى الرغم من ذلك، ها أنا أصرخ: أنقذني بالله عليك، يا ألفريدسون، من تأثير العبقرية!
ضحك هوراس ألفريدسون دون أن يخلع ثوب الغطرسة:
- إنه التصور الثالث، السخيف...
قاطعته كريستينا سفينسون:
- السخيف!
- معذرة! أريد القول الأهوج.
- الأهوج!
- الأحمق.
- الأحمق!
- هذا التصور الثالث لا يضع الفنجان على صحنه بل جانبًا. الفنجان، الذي هو ثدي جوستين، ما تدعوه الأستاذتان الجامعيتان "الأنظمة"، ليس التعبير الخارجي، التعبير المغترب للروح، وليس الخاصية المؤدية إلى الكونية. ثدي جوستين المقطوع يبقى مع ذلك معلقًا، إنه العدم دون روح.
- وبكلام آخر، قال رالف لندغرن، ثدي جوستين ثلاثة، ثدي جوستين، وثدي جوستين، وثدي جوستين.
ضحك أستاذ الفلسفة:
- أشكرك على الصورة!
أوضح الأستاذ في علم اللاهوت:
- الفكرة معبرًا عنها، والظاهرة معبرًا عنها، والظاهرة والفكرة – هنا كلتاهما واحدة - غير معبر عنهما. في هذه الحالة الأخيرة ما أدعوه بالموضوع الخام.
- كل المواضيع كما تراها فريدن وسفينسون، قال هوراس ألفريدسون. ليست كتعبير مادي، ليست كتعبير رباني.
- لم أكن أعلم أنك وثني أنت أيضًا، أيها الفيلسوف، رمت كاتارينا فريدن.
- أنا فيلسوف بدون بطاقة، رد هوراس ألفريدسون.
- بل ببطاقة، أكدت كريستينا سفينسون.
- لم أنته بعد من عرض وجهة نظري، قال هوراس سفينسون مفكرًا. ثدي جوستين المقطوع ليس الفكرة عندما تغترب عن نفسها، وليس الظاهرة عندما تغدو اغترابًا، ثدي جوستين المقطوع هو التمثيل الأدبي لاغتراب الإنسان، إنه ذاتنا وقد غدت شيئًا آخر، وهو لهذا السبب من القوة كاستعارة، يجعلنا لا نرى فيه أنفسنا، ولكنه يرينا أنفسنا. أما الرواية، فهي تنطلق من جانب مفقود لدى ساد، وتقيم عليه كل البنى الفكرية والتخيلية، إنها إبداع الناقص، بمعنى الكامل فلسفيًا.
- وماذا عن كاتبها؟ سألت كريستينا سفينسون.
- ألبير رامو... إنه صائد الأحلام، أجاب هوراس ألفريدسون، وفي كلماته ترن نبرة الإعجاب.
- ومثله الأعلى؟ رمت كاتارينا فريدن، وهي تغلق عينيها بشدة. هل قلت مثله الأعلى؟ نعم، ومثله الأعلى؟
- الإنسانية، قال هوراس ألفريدسون ورالف لندغرن بصوت واحد.
بعد ذلك، حل صمت عميق، وطويل، وثقيل، صمت رصاصي سقط على أكتافهم، فجعلهم يجلسون هنا وهناك مبعثرين، حائرين، قلقين. لم ينظروا إلى بعضهم، لم ينظروا إلى أنفسهم، ولم تكن ظلال لهم يختبئون خلفها. تناول هوراس ألفريدسون سلسلة حديدية راح يلوح بها، رماها، وتناول تفاحة من جاط تفاح أحمر كبير متروك إلى جانب، وقضمها، وبعد ذلك اتجه نحو الراديو، وفتحه على أغنية قديمة لأبا راح يغني معها، وهو يقضم تفاحته. ألقى التفاحة كيفما اتفق، وأخذ كريستينا سفينسون بين ذراعيه، فراقصته، وهي تضحك، بينما رالف لندغرن وكاتارينا فريدن يجمدان كحجرين.
- تعالا، نادى هوراس ألفريدسون، تعالا ارقصا، تعالا، يا لندغرن ويا فريدن، تعالا، فلنستعد لحظة شيخة من شبابنا!
أخذ أربعتهم يرقصون ويغنون ويضحكون، خرج بيتر أكرفيلدت من الحمام على أصواتهم، نقل التفاحة التي رماها هوراس ألفريدسون بيده، وقضمها، ثم ألقاها بدوره كيفما اتفق، وبدأ بالرقص وحده، كما لو كانوا غير موجودين بالنسبة له. أخذ يتحرك كالتفاحة الميكانيكية، وهم يضحكون عليه. استلقى على السجادة، وأخذ يلف على نفسه كالتفاحة الميكانيكية، غير مبال بضحكهم. بقوا هكذا مع صخبهم، إلى أن سمعوا طرقًا عنيفًا على الباب. فتحوا لخادم الطابق معتذرين، تناولوا قناني البيرة مقابل بعض الكورونات، وعادوا يرقصون ويغنون ويضحكون وهم يجرعون البيرة من أفواه قنانيهم.
فجأة، قرعت تلفوناتهم المحمولة كلها في وقت واحد، فأوقفوا الموسيقى، وأخذ كل واحد يبحث عن تلفونه بيد مرتبكة:
- آلو.
- آلو.
- آلو.
- آلو.
- آلو.
- أنا كاتارينا فريدن.
- نعم، لندغرن، رالف لندغرن.
- كيف؟ هو بعينه، هوراس ألفريدسون.
- آلو، آلو... ساشينا؟ آلو، آلو، آلو، ساشيناتي؟...
- مارغريت يورسُنار؟ هي بعينها.
قال الصوت في آذانهم جميعًا:
- نحذركم!
وانقطع الخط.
- فَكْيُو!
- سأنيك أمك!
- سأنيك أختك!
- سأنيك أباك!
- سأنيك ربك!
أعاد كل واحد هاتفه إلى المكان الذي كان فيه، وبقوا حيارى.
- لم يكن الصوت غريبًا عني.
- كأنه صوت ساشينا، ساشيناتي، أُخَيتي.
- لم يكن الصوت صوت امرأة.
- ساشيناتي.
- أليسه أوسكار كاستنفيلت؟
- لم يكن الصوت غريبًا عني.
- من يكون؟
- لم يكن الصوت غريبًا عني.
- نحذركم، قال الصوت نحذركم.
- ساشينا، ساشيناتي.
- نحذركم.
- قال نحذركم.
- قال نحذركم كلكم.
- لا، قال نحذركم، ولم يقل نحذركم كلكم.
- قال نحذركم.
- ساشيناتي.
- قال نحذركم، نحذركم.
- قال نحذركم مرة واحدة. نحذركم.
- مرة واحدة.
- قال نحذركم مرة واحدة.
- نحذركم.
- ساشينا، ساشيناتي.
- قال نحذركم. لم يقل أحذركم.
- لم يقل أحذركم. قال نحذركم.
- لم يقل أحذركم.
- ساشيناتي، ساشيناتي، ساشيناتي.
- قال نحذركم.
- نحذركم.
- ساشينا، ساشيناتي.
فتح بيتر أكرفيلدت الحاسوب ليقرأ إيميلاته، عشرات الإيميلات: نحذركم، نحذركم، نحذركم... علب رسائلهم الإلكترونية: نحذركم، نحذركم، نحذركم... علب رسائلهم الإلكترونية كلهم: نحذركم، نحذركم، نحذركم... ترامت كاتارينا فريدن بين ذراعي بيتر أكرفيلدت سعيًا من وراء بعض الحنان، كانت لها سحنة المفجوع، وبدا القلق يعشش في كل زاوية من زوايا وجهها. كانت مسكونة بالقلق واليأس، ولم يكن بيتر أكرفيلدت في حال أحسن، كان يعاني من تقلص عضلي لا إرادي، كل عضلة من عضلات ذراعيه اللتين تلفان كاتارينا فريدن كانت تنقبض، وكان التشنج يزحف على وجهه بأصابعه اللامرئية، فيبدو كمن يُعتصر بين أصابع أخطبوط أهوج. راحت كريستينا سفينسون تكشف عن ثدييها وفخذيها، وتغني مقلدة ماريلين مونرو في حركاتها: آي وانا بي لَفد باي يو... لكنها لم تنجح في إغراء الرجلين الآخرين. كانا هما أيضًا يعانيان من أزمة اكتزاز، أزمة انقباض، أزمة انقباض مستمر. على مرآهما، استولى على كريستينا سفينسون الهلع، فأخذتهما بين ذراعيها، وذهبت بهما إلى السرير الضخم بما يحتوي عليه من ألبسة جلدية وأدوات سادية، جعلتهما يستلقيان الواحد إلى جانب الآخر، ثم سارعت إلى الحمام، أغلقت عليها الباب، وأخذت تقيء. قاءت في كل مكان، وهي تنحني، وهي تجثم على الأرض، وهي ترفع رأسها، وهي تعود وتنحني، وتجثم على الأرض، وترفع رأسها. بعد عدة دقائق، قامت، وغسلت وجهها. تأملت وجهها في المرآة، ابتسمت الأخرى لها، ولم تبتسم. عندما عادت إلى الجناح وجدت الأربعة، كاتارينا فريدن وبيتر أكرفيلدت من طرف، ورالف لندغرن وهوراس ألفريدسون من طرف، يلعبون البنغ بونغ، ويصيحون، وهم في كامل التهلل. ذهبت إلى التلفزيون، وفتحته. لم يكن هناك ما يستحق المشاهدة. أقفلت التلفزيون، وطلبت كاتارينا فريدن على هاتفها المحمول، بقي الهاتف يرن في جيب كاتارينا فريدن، يرن، يرن، وأربعتهم يسمع، ولا أحد يبالي بالرنين. راحت تتجول في الجناح، فاكتشفت في قرنة ثلاجة صغيرة ملأى بالأكل والبيرة. نقلت قنينة بيرة، وفتحتها. شربت من فوهتها، وهي تفكر أنهم يتآمرون عليها، وهم لهذا يعزلونها. عادت إلى الحمام، وجلست على حافة البانيو. لم تدر كيف سقطت قنينة البيرة من يدها، فدقها الرعب، وانفجرت باكية.



* يتبع القسم العشرون