-النقود الإلكترونية-.. ثورة نقدية تقرع أبواب القرن الحادي والعشرين!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4419 - 2014 / 4 / 9 - 13:29
المحور: الادارة و الاقتصاد     


من حيث "الطاقة"، "الغاز" هو لغة القرن الحادي والعشرين؛ أمَّا من حيث "النَّقْد"، فـ "النقود الإلكترونية (أو الرَّقمية)" Bitcoin هي لغته؛ وهي نَمَط جديد من العملة، يَصْلُح لاتِّخاذه "نَقْداً عالمياً، أُممياً"، في زمن "العولمة"، التي تُمْعِن هَدْماً في البقية الباقية من الحدود والأسوار والحواجز بين الأُمم في كل مناحي الحياة، وفي الاقتصاد على وجه الخصوص.
قديماً، وفي زمن النقود الذهبية، كُنْتَ تشتري وتَدْفَع (وتَخْتَزِن) بقِطَعٍ من الذهب؛ فالناس اتَّخَذوا "المعدن الأصفر" مُعادِلاً عامَّا لِقِيَم السِّلَع جميعاً؛ فهو السِّلْعَة التي في قليل من وزنها تُخْتَزَن قيمة (تبادلية) كبيرة؛ كما أنَّها قابلة للصهر والتجزئة، لا تَفْقِد قيمتها، ولا تتلف، مع مرور الوقت؛ ثمَّ حلَّ محل النَّقْد الذهبي، وبصفة كونه نائباً عنه، ممثِّلاً له، النَّقْد الورقي، الذي تعود إلى "الدولة" سلطة إصداره؛ أمَّا التجارة الدولية (تبادُل السِّلَع بين الدول والأُمم) فظلَّت بالسبائك الذهبية إلى أنَّ حلَّت محلَّ هذه السبائك حِفْنَة من العملات الورقية (العالمية) في مقدَّمها "الورقة الخضراء (الدولار)".
والآن، ولأسباب اقتصادية موضوعية، شرعت "النقود الإلكترونية" تحلُّ محل "النقود الورقية"؛ لكنَّ هذا "النَّفي" للنقد الورقي بالنقد الإلكتروني (الرَّقَمي) كان "جدلياً"، بالمعنى الفلسفي، فالنقد الإلكتروني "ألغى" النقد الورقي، و"احتفظ به"، في الوقت نفسه؛ وهذا ما سمح بتعريف "النقود الإلكترونية" على أنَّها "مُرادِف إلكتروني للنقود التقليدية (الورقية)". إنَّها رصيد نقدي (ورقي) مُحمَّل إلكترونياً في "بطاقة بلاستيكية مُمَغْنَطة (ذكية)"، تًصْدِرها بنوك تقليدية، أو بنوك افتراضية Online Bank (فعَصْرنا في بعضٍ من خواصِّه الاقتصادية هو عصر تضخُّم "الاقتصاد الافتراضي"، والذي مهما تضخَّم لا يضيف سنتاً واحداً إلى الثروة الحقيقية للأُمم).
"محفظتك الإلكترونية"، التي هي أداتكَ الإلكترونية في الشِّراء والدَّفْع، قد تكون، أيضاً، على شكل "برنامج إلكتروني" مُثَبَت في حاسوبك الشخصي، أو في هاتفك المحمول؛ لكنَّكَ لن تَتَمَلَّكَ هذه "المحفظة"، أو "البطاقة البلاستيكية المُمَغْنَطة"، والتي هي النقد الإلكتروني في شكله الأكثر شهرة، إلاَّ إذا دَفَعْتَ إلى "مُصْدِرها (أكان بنكاً تقليدياً أم بنكاً افتراصياً) ما يَعْدِل قيمتها من النقود التقليدية (الورقية) والتي تُخْتَزَن في البطاقة في صورة إلكترونية رقمية . وفي هذا يَكْمُن معنى "النفي الجدلي (للنقود الورقية)" الذي أَتَيْنا على ذِكْرِه.
وبطاقة النقود الإلكترونية تحتلف في فلسفتها عن "بطاقة الائتمان (البطاقة ــ القَرْض)"؛ فبطاقة الائتمان تَحْصَل عليها بصفة كونها دَيْناً عليكَ؛ فهي مالٌ تَقْتَرِضه من البنك؛ لكن على شكل بطاقة.
وأنتَ يكفي أنْ تَنْظُر إلى "النقود الإلكترونية" بِعَيْن "الثلاثية الهيجلية الشهيرة" حتى تَقِف على كثيرٍ من المعاني التاريخية لهذا النَّمَط من النقود؛ لقد كانت "الأطروحة" هي "المقايضة"، التي فيها يتبادَل الناس السِّلَع بلا "وسيط" من الذهب، أو العملة الورقية، والتي فيها، أيضاً، لا انفصال في "الزمان" و"المكان" بين "الشِّراء" والبيع"؛ ثمَّ نُفِيَت هذه "الأطروحة" بـ "التداول"، أيْ باتِّخاذ العملة الورقية "أداة شِراء"؛ فوَقَع الانفصال في "الزمان" و"المكان" بين "الشِّراء" و"البيع"؛ ثمَّ جاءت "النقود الإلكترونية" بـ "الطَّوْر الثالث"، أيْ "طًَوْر التركيب"، والذي فيه تُدْمَج عناصر من الطَّوْرَيْن السابقين، فنَعود إلى ما يشبه "المقايضة"؛ ذلك لأنَّنا نَحْصَل على السِّلع بلا "وسيط (مباشِر)" من العملة الورقية، محتفظين، في الوقت نفسه، بـ "الانفصال الزماني ــ المكاني" بين "الشِّراء" و"البيع".
ماذا تشتري؟ ومِنْ أين تشتري؟
إنَّكَ لستَ مضطَّراً الآن إلى الشِّراء من المتاجِر ونقاط البيع في بلدك؛ فالأسواق العالمية جميعاً في متناولك إذا ما دَخَلْتَ في "الشَّبكة العنكبوتيَّة". تَجَوَّلْ (إلكترونياً) في تلك الأسواق؛ تَعَرَّفْ منتجاتها؛ عايِنْ وتَفَحَّصْ السِّلْعَة التي تريد شراءها؛ ثمَّ قَرِّرْ؛ فإذا عزمت على شرائها، فادفَعْ من "محفظتكَ الإلكترونية".