-الوسيط- كيري!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4417 - 2014 / 4 / 7 - 12:24
المحور: القضية الفلسطينية     


وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، و"الوسيط"، الذي ليس كمثله "وسيط"، بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بدا، أو أراد أنْ يبدو، مُحْبَطاً، يائساً، قانِطاً؛ فلقد بَذَل وسعه، واستنفد كثيراً من وقته وجهده، للتقريب بين الطَّرفين المتباعدين كثيراً؛ لكنَّه لم يَلْقَ منهما إلاَّ ما كاد أنْ "يُكْرِهه" على إعلان فشله وإخفاقه، وتخلِّيه، من ثمَّ، عن جهوده ومساعيه؛ فـ "الوسيط"، ولو كان هو، لن ينجح في وساطته، أو مهمته، إذا ما بقي طرفا النزاع مستمسكين بمواقف ومطالب وشروط لا يَصْلُح الاستمساك بها إلاَّ لإدامة واستمرار النزاع.
و"الوسيط" كيري، المُسْتَمْسِك بمبدأ "الرَّفْض المُطْلَق لكل حلٍّ مفروض (من الخارج على الطَّرفين المتفاوضين)"، لا يكتفي بالاستماع إلى ما يُدْلي به الطَّرفان من آراء ووجهات نظر، أو بنقل آراء ووجهات نظر أحدهما إلى الآخر؛ فهو يُبادِر (وقد بادَر) باقتراح أفكار تَصْلُح، إذا ما أَخَذ بها، وقَبِلها، الطرفان، للتأسيس لـ "حلٍّ وسط"؛ ولقد ثَبُت وتأكَّد أنَّ الأفكار التي أبدعها كانت، في جوهرها وأساسها، مواقف ومطالب وشروط إسرائيلية، استعصى على إسرائيل انتزاع موافقة الفلسطينيين عليها، فأعاد كيري صَوْغها (وتعديلها) لعلَّ المفاوِض الفلسطيني يَقْبَلها؛ فإذا استعصى عليه قبولها، وبدا مُصِرَّاً على عدم قبولها، حُمِّل مسؤولية فشل جهود ومساعي كيري، واستذرعت إسرائيل بهذا الفشل، وبما يمكن أنْ يَقْدِم عليه الفلسطينيون بعد، وبسبب، انهيار المفاوضات، لَفَرْض العقوبات نفسها، أو عقوبات جديدة وأشد، على الفلسطينيين، وعلى السلطة الفلسطينية؛ فأعمال الاستيطان والتهويد تزداد وتتسع، والإفراج عن مزيدٍ من الأسرى الفلسطينيين يتوقَّف، وأموال السلطة الفلسطينية تُحْتَجَز؛ فتنشأ "أزمة رواتب" جديدة، والمعونات والمساعدات الغربية للسلطة الفلسطينية، وللاقتصاد الفلسطيني، تَقِل وتتضاءل؛ وكأنَّ الغاية هي أنْ يُنْفَث في روع الفلسطينيين أنْ لا خيار ثالث لديهم؛ فإمَّا مفاوضات يستخذي فيها المفاوض الفلسطيني للمطالب والشروط الإسرائيلية كما يُعَبِّر عنها نتنياهو، أو كما يصوغها "الوسيط" كيري، وإمَّا مواجهة عواقب الفشل، في زمن عربي يُغْري إسرائيل بإبداء مزيدٍ من التَّشدُّد في مطالبها وشروطها، وبممارَسة مزيدٍ من الضغوط على الفلسطينيين إذا ما رفضوا الاستخذاء لمطالبها وشروطها.
إنَّ الولايات المتحدة لا تَغْتَنِم من "فُرَص السلام" إلاَّ تلك التي تَظُن أنَّها يمكن أنْ تضطَّر الفلسطينيين إلى قبول مزيدٍ مِمَّا دَرَجوا على رفضه مِنْ قَبْل، لعلَّها تستطيع، أخيراً، إهداء إسرائيل السلام الذي تريده، ولا تريد سواه؛ ولقد جاء كيري ظانَّاً أنَّ حال العرب الآن هي من السوء بمكان، وأنَّ الفلسطينيين يمكن، من ثمَّ، أنْ يتنازلوا بما يجعل "الحل النهائي" الذي تريده إسرائيل حقيقة واقعة.
و"الواقعية" التي دعا كيري الفلسطينيين إلى أنْ يجنحوا لها هي التي تُتَرْجَم باعتراف فلسطيني بدولة إسرائيل على أنَّها دولة لا حقوق قومية وتاريخية في إقليمها إلاَّ لـ "الشعب اليهودي"، ولا يحقُّ، من ثمَّ، لأيِّ لاجئ فلسطيني العودة إلى حيث كان قبل نشوب حرب 1948، ومهما كان شكل هذه العودة؛ والتي تُتَرْجَم، أيضاً، بتعريف اللاجئ الفلسطيني، الذي يحق له "العودة" إلى إقليم "الدولة الفلسطينية"، على أنَّه اللاجئ في مخيمات سورية ولبنان، وبالاعتراف بالفلسطينيين المجنَّسين بالجنسية الأردنية على أنَّهم مواطنون أردنيون، ليسوا بجزء من الشعب الفلسطيني، ولا من اللاجئين الفلسطينيين، وبالاعتراف بالقدس الشرقية على أنَّها جزء من عاصمة دولة إسرائيل، مع قبول حلٍّ لمشكلة الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدَّسة لا يتعارَض مع هذا الاعتراف من حيث الجوهر والأساس.