الحركات الإسلامية تفقد بريقها .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4408 - 2014 / 3 / 29 - 17:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ظلت الحركات الإسلامية على مدى عقود تحشد التعاطف وتوسع قاعدة المساندة لمشروعها المجتمعي الذي تقدمه بديلا عن المشاريع المجتمعية التي تبشر بها الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها . كان مفتاح السر الذي تمتلكه هذه الحركات دون غيرها من التنظيمات السياسية يجسده شعار "الإسلام هو الحل" . وباعتبار المخزون النفسي لغالبية الشعوب العربية يشكل أساسه الإسلام كعقيدة وشريعة ، فإن التعاطف مع الإسلاميين يتغذى على هذا المخزون ، ما يخلق لدى عموم المواطنين خلطا بين التعاليم الدينية والتنظيمات الإسلامية ؛ بل تتماها هذه الأخيرة مع الدين حتى تصير جزءا منه وتعبيرا عنه . وقد كرست الحركات الإسلامية لدى عموم المواطنين فكرة احتكارها للدين وأن المخرج من حالة الاستبداد والفقر هو تطبيق الشرع . ولعبت الأنظمة السياسية الحاكمة دورا مباشرا في دعم الحركات الإسلامية وتوسيع قواعدها التنظيمية والمتعاطفة مع مشروعها حتى وهي تمارس عليها التضييق أحيانا ؛ الأمر الذي أحسنت هذه الحركات استثماره في لعب دور الضحية . ويسود الاعتقاد لدى المواطنين أن الدولة لا تضيق على الحركات الإسلامية إلا لكونها تحمل مشروعا بديلا يهدد مصالح الأنظمة ويخدم مصالح الشعوب . فشعار "الإسلام هو الحل" شعار ديماغوجي يستقطب الأتباع ويغنيهم عن السؤال والتدقيق في تفاصيل البرنامج التي سيتم تطبيقه في مختلف المستويات والقطاعات التي سيديرها الإسلاميون حين وصولهم إلى الحكم . كان الوهم الذي تملّك عموم المواطنين يوحي بأن وصول الإسلاميين إلى الحكم سيكون فاتحة خير على الشعوب وأن خزائن الله ستُفتح لهم وستنزل البركات من أمامهم ومن خلفهم وأن الله سيرزقهم من حيث لا يحتسبون . هكذا ارتبط في أذهان المواطنين أن الله تعالى سيرزق عباده "المؤمنين" ولن يخذلهم . إنه الوهم الذي روّج له الإسلاميون واستحوذوا به على وجدان وعقول الأتباع والمتعاطفين . ولم يسعف المتعطشين لحكم الإسلاميين تمثل قول الله تعالى ( قل كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محظورا) . ومعنى الآية أن الله تعالى لا يرزق بحسب الإيمان ، بل بحسب العمل والإتقان ، بحيث لا يُحْرم الله غير المؤمنين من عطائه ورزقه . وهاهم المواطنون في كل الدول التي عاشت "الربيع العربي" على طريقتها ، يستفيقون من الوهم الخادع على واقع مادي وسياسي فظيع .
1 ـ في مصر أقسم الإخوان أن يحكموا البلاد بطريقتهم ويصوغوا الدستور على مقاسهم ، وأن يستحوذوا على كل الهيئات الدستورية دون غيرهم . منعوا قضاة المحكمة الدستورية من الاجتماع للبت في لا دستورية قراراتهم ، ثم حاصروا مدينة الإعلام تكميما للأفواه الصادحة بالحقيقة . قتلوا عشرات المحتجين أمام الاتحادية وجلدوا أمثالهم داخل المساجد ، كما سحلوا عددا من المتظاهرين ، ذكورا وإناثا على السواء . ارتفعت معدلات البطالة والفقر والتشريد والإجرام والاغتصاب الذي انتهجه الإخوان أسلوبا لتقويض الانتفاضة ضد حكمهم . لقد ركبوا "الثورة" وسطوا على مقودها فانحرفوا بها عن أهدافها بغاية إفساد ثمارها ومصادرة شعاراتها . وحين استعصى عليهم تطويع الشعب المصري فجّروا البلد وأحرقوه تنفيذا لما سبق وهددوا به .فسقط حكمهم واعتقلت قيادتهم .
2 ـ في تونس كاد الوضع أن يكون كارثيا لولا يقظة المجتمع المدني والسياسي الذي وضع حركة النهضة في الزاوية فأجبرها على تعديل حكومتها مرتين ثم في الثالثة فرض عليها الاستقالة والقبول بحكومة كفاءات وطنية . حاولت حركة النهضة التحايل على المطالب وتأجيل الاستقالة لكنها فشلت أمام إصرار مكونات المجتمع التونسي ومركزيته النقابية . واستقالة حكومة النهضة هو عنوان فشلها وفشل مشروعها المجتمعي الذي أوهمت به فئات واسعة من الناخبين الذين استفاقوا على جرائم الاغتيال ومجازر الإرهاب وصرخات الجياع وفتاوى التكفير وجهاد النكاح . لحسن حظ التونسيين أن مقاومتهم المدنية ظلت متقدة ويقظة لم تستوجب تدخل الجيش حتى لا تتحول الاستقالة إلى انقلاب .
3 ـ أما بالنسبة للمغرب فإن حكومة بنكيران ورثت وضعا مستقرا وآمنا ، لكنها تدفعه إلى الانفجار عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات التي تمس المواطنين في معيشهم ومعاشاتهم ومستقبل أبنائهم . فكل الآمال التي أذكاها إسلاميو بنكيران في محاربة الفساد ورفع الحد الأدنى للأجور وإشاعة الرخاء وتوفير الشغل وضمان شروط العيش الكريم تتبخر ويصاب المواطنون بخيبة مُرّة وصدمة قوية وهم يكتوون بنار الغلاء المتواتر والفقر المتسع والبطالة المتفاقمة والإجرام الكاسح . فمن حسنات "الربيع العربي" أنه أثبت فشل الإسلاميين في إدارة الدولة وأفقد مشروعهم كل بريق وجاذبية .