دية ما يتلفه الحيوان- الإسلام نسخة منتحلة من اليهودية 3 -10


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 08:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الإسلام نسخة منتحلة من اليهودية  3 -10
دية ما يتلفه الحيوان
يقول العهد القديم: ( 28 وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرٌ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فَمَاتَ يُرْجَمُ الثَّوْرُ وَلاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَأَمَّا صَاحِبُ الثَّوْرِ فَيَكُونُ بَرِيئاً.
29 وَلَكِنْ إِنْ كَانَ ثَوْراً نَطَّاحاً مِنْ قَبْلُ وَقَدْ أُشْهِدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَضْبِطْهُ فَقَتَلَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فَالثَّوْرُ يُرْجَمُ وَصَاحِبُهُ أَيْضاً يُقْتَلُ.
30 إِنْ وُضِعَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ يَدْفَعُ فِدَاءَ نَفْسِهِ كُلُّ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ.
31 أَوْ إِذَا نَطَحَ ابْناً أَوْ نَطَحَ ابْنَةً فَبِحَسَبِ هَذَا الْحُكْمِ يُفْعَلُ بِهِ.
32 إِنْ نَطَحَ الثَّوْرُ عَبْداً أَوْ أَمَةً يُعْطِي سَيِّدَهُ ثَلاَثِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ وَالثَّوْرُ يُرْجَمُ.
35 وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرُ إِنْسَانٍ ثَوْرَ صَاحِبِهِ فَمَاتَ يَبِيعَانِ الثَّوْرَ الْحَيَّ وَيَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ. وَالْمَيِّتُ أَيْضاً يَقْتَسِمَانِهِ.
36 لَكِنْ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ ثَوْرٌ نَطَّاحٌ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَضْبِطْهُ صَاحِبُهُ يُعَوِّضُ عَنِ الثَّوْرِ بِثَوْرٍ وَالْمَيِّتُ يَكُونُ لَهُ.) (سفر الخروج، الإصحاح 21)
 
ويظهر من هذه الآيات في التوراة أن الإنسان مسؤول عن ثوره أو بهيمته ويجب عليه أن يتأكد أن الثور مربوطٌ أو محجوز في زريبة حتى لا يضر بالآخرين أو ممتلكاتهم، خاصة إذا كان الثور معروفاً بأنه ينطح كثيراً. فإذا لم يكن الثور معروفاً بالنطاح، ونطح رجلاً أو امرأة فقتله، يُقتل الثور دون صاحبه، أما إذا كان صاحبه على علمٍ بأن ثوره ينطح كثيراً وتركه دون رباط فقتل رجلاً أو امرأة، يقتل الثور وصاحبه. وتظهر وضاعة التعاليم الدينية في قول التوراة إن الثور المعروف بأنه ينطح كثيراً، إذا نطح رجلاً أو امرأة من بني إسرائيل، يُقتل الثور وصاحبه، أما إذا قتل عبداً، فيُمنح مالك العبد ثلاثين شاقلاً فضة ويُقتل الثور ولكن لا يُقتل مالكه لأن الثور قتل عبداً. وإذا نطح الثور ثوراً آخر يملكه شخص آخر فقتله، يُقتل  الثور الجاني ويأخذ صاحب الثور الميت نصف ثمن الثور الناطح ويقتسمان لحم الثور المقتول. وينسحب هذا الحكم، أي التعويض، على ما يتلفه الثور من ممتلكات الغير.
 
وليس في القرآن أحكامٌ مفصلة عن ما يتلفه الحيوان، لكن الفقه الإسلامي اعتمد على حديث عن الرسول يقول: "العجماء جرحها جُبار". والعجماء هي الدابة المنفلتة من صاحبها، فما أصابت في انفلاتها فلا غُرم على صاحبها[i]. وينطبق هذا الحكم على الدابة المنفلتة نهاراً لأن العادة أن يترك الناس دوابهم بلا قيد أثناء النهار لترعى، ولكن يجب حرز الدابة ليلاً حتى لا تضر بأموال الآخرين. فإذا انفلتت الدابة ليلاً وجبت على صاحبها الدية. ولكن إذا كانت الدابة في صحبة إنسان، يكون هذا الإنسان مسؤولاً عن ما تتلف، سواء أكان روحاً أو مالاً. (إن كان مع دابة أو دواب، سواء أكان مالكا أم مستأجرا أم مودعا أم مستعيرا أم غاصبا، ضمن إتلافها، "بيدها أو رجلها أو غير ذلك" نفسا ومالا ليلا ونهارا.  لأنها في يده وعليه تعهدها وحفظها ولأنه إذا كان معها كان فعلها منسوبا إليه والأنسب إليها كالكلب إذا أرسله صاحبه وقتل الصيد حل، وإن استرسل بنفسه فلا [يحل الصيد]، فجنايتها كجنايته سواء أكان سائقها أم قائدها أم راكبها ولو كان معها سائق وقائد فالضمان عليهما نصفين)[ii]. فقهاء الإسلام أخذوا نفس وصية التوراة وصاغوها بلغة عربية.
 
يقول العهد القديم كذلك:
 ( 33 وَإِذَا فَتَحَ إِنْسَانٌ بِئْراً أَوْ حَفَرَ إِنْسَانٌ بِئْراً وَلَمْ يُغَطِّهِ فَوَقَعَ فِيهِ ثَوْرٌ أَوْ حِمَارٌ
34 فَصَاحِبُ الْبِئْرِ يُعَوِّضُ وَيَرُدُّ فِضَّةً لِصَاحِبِهِ وَالْمَيِّتُ يَكُونُ لَهُ) (سفر الخروج، الإصحاح 21)
فالذي يحفر بئراً أو أي حفرة، سواء لاستخراج المعادن أو غيره، ولا يغطي البئر، يكون مسؤولاً عن تعويض من يقع فيها. والقرآن ليست به آيات صريحة كالتي بالتوراة في هذا الشأن، لكن الفقه الإسلامي اعتمد على حديث  أبي هريرة أن رسول اللّه ... قال: "جُرْحُ  العجماء جُبار، والبئر  جُبار، والمعدن  جُبار، وفي الركاز الخمس"[iii]  فإذا استأجر الرجل رجلاً ليحفر له بئراً وانهالت البئر على حافرها وقتلته فلا دية فيه، وإذا وقع حيوان في البئر فلا ضمان عليه. وإذا استأجر الرجل رجلاً ليحفر له معدناً أي يُنقب له عن معدن ووقع إنسان أو حيوان في الحفرة ومات أو جُرح فلا دية فيه ولا ضمان، وكذلك إذا مات الشخص المُستأجَر أثناء الحفر والتنقيب فلا دية فيه على صاحب العمل.
هذه الأحكام تثبت للقاريء أن الفقه الإسلامي فقه رأسمالي يهتم بحقوق صاحب المال على حساب الفرد العادي الذي يصيبه الضرر او حتى الموت نتيجة إهمال صاحب المال الذي يترك البئر دون غطاء، بينما التوراة تفرض على صاحب البئر تعويض الشخص المتضرر. وهذا التشريع يمثل إحدى المرات القليلة التي يختلف فيها الفقه الإسلامي عن التوراة لأن الفقه الإسلامي همه الأول المال، والدليل على ذلك أن الشخص الذي يموت دفاعاً عن ماله يموت شهيداً[iv]
 
وفي موضوع الحقول والرعي، تقول التوراة:
 5(إِذَا رَعَى إِنْسَانٌ حَقْلاً أَوْ كَرْماً وَسَرَّحَ مَوَاشِيَهُ فَرَعَتْ فِي حَقْلِ غَيْرِهِ فَمِنْ أَجْوَدِ حَقْلِهِ وَأَجْوَدِ كَرْمِهِ يُعَوِّضُ) (سفر الخروج، الإصحاح 22)
والفقه الإسلامي يقول: "إذا كانت المراعي متوسطة المزارع وكانت البهائم ترعى في حريم السواقي فيجب ضمان ما تفسده إذا أرسلها بلا راع على المذهب لاعتياد الراعي في مثل ذلك. أما إذا أخرجها عن زرعه إلى زرع غيره فأتلفته ضمنه إذ ليس له أن يقي ماله بمال غيره فإن لم يمكن إلا ذلك بأن كانت محفوفة بمزارع الناس ولا يمكن إخراجها إلا بإدخالها مزرعة غيره تركها في زرعه وغرم صاحبها ما أتلفته."[v] وهنا تتشابه أحكام الفقه الإسلامي مع الفقه اليهودي في هذا المضمار
 
(6 إِذَا خَرَجَتْ نَارٌ وَأَصَابَتْ شَوْكاً فَاحْتَرَقَتْ أَكْدَاسٌ أَوْ زَرْعٌ أَوْ حَقْلٌ فَالَّذِي أَوْقَدَ الْوَقِيدَ يُعَوِّضُ) ( سفر الخروج، الإصحاح 22). فالذي يوقد ناراً وتمتد فتحرق الجوار، يُعَوِضْ المتأثرين بالنار
والفقه الإسلامي يختلف  مع هذا الحكم التوراتي فيقول إن الذي يوقد ناراً في زرعه وتنتشر النار وتحرق ما جاورها من حقول الأخرين فلا ضمان عليه لأنه من حقه أن يوقد النار في حقله ليحرق الحشائش الجافة[vi]. هذا التشريع الإسلامي يعكس عدم الاهتمام بحقوق الغير أو على أقل تقدير عدم الاهتمام باتخاذ الحيطة حفاظاً على ممتلكات الغير. فالإسلام لا يهتم بالغير ما دام المسلم هو من ارتكب الخطـأ
 
الأمانات
(7 إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ فِضَّةً أَوْ أَمْتِعَةً لِلْحِفْظِ فَسُرِقَتْ مِنْ بَيْتِ الْإِنْسَانِ، فَإِنْ وُجِدَ السَّارِقُ يُعَوِّضُ بِاثْنَيْنِ
8 وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ السَّارِقُ يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْبَيْتِ إِلَى اللهِ لِيَحْكُمَ هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ) (سفر الخروج، الإصحاح 22)
فإذا أعطى الإنسان وديعة لصاحبه ليحفظها له وسُرقت الوديعة، فإن عرفوا السارق يعوّض السارق الرجلين، وإن لم يجدوا السارق، يُقدّم صاحب البيت إلى القضاة ليحكموا فيما إذا كان هو قد سرق الوديعة
 
والفقه الإسلامي يقول: "روى أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله ... يقول: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك). أخرجه الدارقطني ورواه أنس وأبو هريرة عن النبي ... وروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله ... يقول في خطبته عام حجة الوداع: (العارية مؤداة والمنحة مردودة والدَين مقضي والزعيم غارم). الزعيم تعني الكفيل. فقال رجل: فعهد الله ؟ قال: (عهد الله أحق ما أدي ). وقال بمقتضى هذا الحديث في رد الوديعة وأنها مضمونة على كل حال كانت مما يغاب عليها أو لا يغاب، تعدي فيها أو لم يتعد - عطاء والشافعي وأحمد وأشهب. "ورُويّ أن ابن عباس وأبا هريرة ضمنا الوديعة. قالوا: ومعنى قول عليه السلام: (العارية مؤداة)  هو كمعنى قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). فإذا تلفت الأمانة لم يلزم المؤتمن غرمها لأنه مصدق، فكذلك العارية إذا تلفت من غير تعد؛ لأنه لم يأخذها على الضمان، فإذا تلفت بتعديه عليها لزمته قيمتها لجنايته عليها"[vii] ونلاحظ هنا اختلافاً بسيطاً بين اليهودية التي تلزم المؤتَمن برد الأمانة أو الغرامة إذا لم يُثبت أنها سُرقت منه ويأتي بالسارق، بينما الفقه الإسلامي يقول أن المؤتَمن مكان ثقة فليس عليه تعويض صاحب الوديعة إلا إذا ثبت أنه تعدى عليها، أي سرقها. فالتشابه واضح هنا في جوهر الفضية، وهو إذا لم يُثبت المؤتَمن أن الوديعة قد سُرقت منه، يُعوّض صاحب الوديعة.
 
(9 فِي كُلِّ دَعْوَى جِنَايَةٍ مِنْ جِهَةِ ثَوْرٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَفْقُودٍ مَا يُقَالُ: «إِنَّ هَذَا هُوَ» تُقَدَّمُ إِلَى اللهِ دَعْوَاهُمَا. فَالَّذِي يَحْكُمُ اللهُ بِذَنْبِهِ يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ بِاثْنَيْنِ.) ( سفر الخروج، الإصحاح 22)
إذا أدعى شخصٌ أن حماراً أو ثوباً أو شيئاً آخراً يراه عند شخصٍ آخر، هو ملكه وكان قد سُرق منه، يذهب الاثنان إلى القاضي ليحكم بينهما، والذي يُحكم بذنبه يعوّض صاحبه ضعفين.
 
والفقه الإسلامي يقول في مثل هذه الحالات: البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر. فإذا أثبت المدعي ادعاءه يعوضه المدعى عليه قيمة المسروق. فالتشابه واضح بين الفقه اليهودي والفقه الإسلامي هنا مع أن اليهودية تقول يعوضه ضعفين، والفقه الإسلامي يقول يعوضه ثمن الشيء المسروق.
 
10 إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ حِمَاراً أَوْ ثَوْراً أَوْ شَاةً أَوْ بَهِيمَةً مَا لِلْحِفْظِ فَمَاتَ أَوِ انْكَسَرَ أَوْ نُهِبَ وَلَيْسَ نَاظِرٌ
11 فَيَمِينُ الرَّبِّ تَكُونُ بَيْنَهُمَا هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ. فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ. فَلاَ يُعَوِّضُ
12 وَإِنْ سُرِقَ مِنْ عِنْدِهِ يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ.
13 إِنِ افْتُرِسَ يُحْضِرُهُ شَهَادَةً. لاَ يُعَوِّضُ عَنِ الْمُفْتَرَسِ.
14 وَإِذَا اسْتَعَارَ إِنْسَانٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئاً فَانْكَسَرَ أَوْ مَاتَ وَصَاحِبُهُ لَيْسَ مَعَهُ يُعَوِّضُ.
15 وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ لاَ يُعَوِّضُ. إِنْ كَانَ مُسْتَأْجَراً أَتَى بِأُجْرَتِهِ. ( سفر الخروج، الإصحاح 22)
 
إذا أودع الشخص حيواناً أو جماداً عند صاحبه ومات الحيوان أو انكسر الجماد ولم يكن صاحب الوديعة موجوداً وقت الموت أو الكسر، يحلف المودع عنده أنه لم يتصرف في الوديعة، ولا يعوِض صاحبه. وإذا كان صاحب الوديعة موجوداً وقت الموت أو الكسر فلا يحلف صاحبه ولا يعوضه. أما إذا سُرق منه الحيوان، يعوّض صاحبه لأنه أهمل في الحيوان حتى سُرق. أما إذا أكل حيوان مفترس الحيوان المودع فلا ضمان على المودع عنده إذا أحضر بقايا الحيوان الميت ليثبت أنه افترسه أسد أو غيره. أما إذا استلف شخصٌ حيواناً أو جماداً من صاحبه ومات الحيوان أو انكسر الجماد وصاحبه ليس معه، يُعوّضه المستلف. أما إذا كان صاحبه موجوداً وقت الموت أو الكسر فلا يُعوّض. ولو كان الحيوان أو الجماد مُستأجراً فلا ضمان على المستأجر.
 
والفقه الإسلامي لا يختلف عن الفقه التوراتي، فنجده يقول: "وروى ابن القاسم عن مالك أن من استعار حيوانا أو غيره مما لا يغاب عليه فتلف عنده فهو مصدق في تلفه ولا يضمنه إلا بالتعدي، أي السرقة. وهذا قول الحسن البصري والنخعي، وهو قول الكوفيين والأوزاعي.  قالوا: ومعنى قوله عليه السلام: (العارية مؤداة)  هو كمعنى قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). فإذا تلفت الأمانة لم يلزم المؤتمن غرمها لأنه مصدق فكذلك العارية إذا تلفت من غير تعد؛ لأنه لم يأخذها على الضمان، فإذا تلفت بتعديه عليها لزمه قيمتها لجنايته عليها. وروي عن علي وعمر وابن مسعود أنه لا ضمان في العارية. وروى الدارقطني عن، عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رسول الله ... قال: (لا ضمان على مؤتمن ). فالفقه الإسلامي هنا يعتمد على أن المؤتَمنَ نزيه وصادق، وهو شيء قل أن نجده في الإنسان
 
السحر
حاولت اليهودية منذ البدء محاربة السحر وشدد تراثهم على ذلك لدرجة أن التوراة تأمر بقتل الساحر لأنه يُوهم الناس بأنه يماثل الله في قدراته بأن يجعل الحبل ثعباناً، مثلاً. والمسيحية كذلك حاربت السحر. وقد أحرقت محاكم التفتيش المسيحية في إوربا في القرون الوسطى عشرات الآلاف من النساء بتهمة السحر.
(18 لاَ تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ) (سفر الخروج، الإصحاح 22)
 
والفقه الإسلامي يقول: "من السحر ما يكون كفرا من فاعله، مثل ما يدعون من تغيير صور الناس، وإخراجهم في هيئة بهيمة، وقطع مسافة شهر في ليلة، والطيران في الهواء، فكل من فعل هذا ليوهم الناس أنه محق فذلك كفر منه، قاله أبو نصر عبدالرحيم القشيري. قال أبو عمرو: من زعم أن الساحر يقلب الحيوان من صورة إلى صورة، فيجعل الإنسان حمارا أو نحوه، ويقدر على نقل الأجساد وهلاكها وتبديلها، فهذا يرى قتل الساحر لأنه كافر بالأنبياء، يدعي مثل آياتهم ومعجزاتهم، ولا يتهيأ مع هذا علم صحة النبوة إذ قد يحصل مثلها بالحيلة. وأما من زعم أن السحر خدع ومخاريق وتمويهات وتخيلات فلم يجب على أصله قتل الساحر، إلا أن يقتل بفعله أحدا فيقتل به[viii].‏ الخلاف بين اليهودية والإسلام هنا أن الساحر في الإسلام لا يُقتل إلا إذا قتل شخصاً بسحره. والسبب في ذلك هو القرآن الذي يقول إن الله أرسل هاروت وماروت ليعلموا الناس السحر. وبالتالي ما دام الله هو الذي علمهم السحر، فلا يُقتل الساحر.
 
ممارسة الجنس م الحيوان
(19 كُلُّ مَنِ اضْطَجَعَ مَعَ بَهِيمَةٍ يُقْتَلُ قَتْلاً) ( سفر الخروج، الإصحاح 22).
ناكح البهيمة يُقتل ولا تُقتل البهيمة، هكذا يقول الفقه اليهودي. أما الفقه الإسلامي فلا يتفق على عقوبته. "إن أتى بهيمة فقد قيل: لا يقتل هو ولا البهيمة. وقيل: يقتلان؛ حكاه ابن المنذر عن أبي سلمة بن عبدالرحمن. وفي الباب حديث رواه أبو داود والدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله ... : (من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه). فقلنا لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه قال ذلك، إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد عُمل بها ذلك العمل. قال ابن المنذر: إن يكن الحديث ثابتا فالقول به يجب، وإن لم يثبت فليستغفر الله من فعل ذلك كثيرا، وإن عزره الحاكم كان حسنا. والله أعلم. وقد قيل: إن قتل البهيمة لئلا تلقي خلقا مشوها؛ فيكون قتلها مصلحة لهذا المعنى مع ما جاء من السنة. والله أعلم. وقد روى أبو داود عن ابن عباس قال: ليس على الذي زنى بالبهيمة حد. قال أبو داود: وكذا قال عطاء. وقال الحكم: أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد. وقال الحسن: هو بمنزلة الزاني. وقال الزهري: يجلد مائة أحصن أو لم يحصن. وقال مالك والثوري وأحمد وأصحاب الرأي يعزر. وروي عن عطاء والنخعي والحكم. واختلفت الرواية عن الشافعي، وهذا أشبه على مذهبه في هذا الباب. وقال جابر بن زيد: يقام عليه الحد، إلا أن تكون البهيمة له[ix].‏  فالفقه الإسلامي يتخبط هنا ولا يدري الفقهاء ما يتحدثون عنه. فقد قال بعضهم تُقتل البهيمة كي لا تأتي بمولود مشوه، وهذا هو عين الجهل لأن البهيمة لا تحبل من مخلوق ذكر من غير فصيلتها كبقية الحيوانات (باستثناء الحصان مع أنثى الحمار). ولأن القرآن لم يأت بحكم واضح في من يأتي بهذا العمل نجد الفقهاء يقولون بتعزيره دون الحد، بينما يقول آخر بقتله ولا تقتل البهيمة، ويقول الآخرون يُقتل الاثنان. وأغرب ماقيل هو أن ناكح البهيمة يُقتل إلا إذا كانت البهيمة ملكه، أي ماله. فالمال في الإسلام بعذر كل شيء. وهذا هو ديدن الإسلام، تخبط واختلاف في كل شيء لأن القرآن لا يثبت على رأي. ويساعدهم في ذلك لغة القرآن المبهمة التي يفسرها كلٌ حسب هواه.
 


[i]  محمد بن عبد الرحمن المباكفوري، تحفة الأحوذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء في العجماء جرحها جُبار، حديث 931
[ii]  الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، دار الكتب العلمية، 1994، كتاب الصيال، فصل في ضمان ما تتلفه البهائم، ص 542
[iii]  محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، 1993، كتاب الزكاة، باب في الركاز والخنس، حديث 1428
[iv]  محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج 10، سورة النحل، الآية 106
[v]  الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، كتاب الصيال، فصل في ضمان ما تتلفه البهائم
[vi]  محمد بن أبي سهل السرخسي، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1993، كتاب الديات، باب النهر، ص 3947
[vii]  محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر، بدون تاريخ، ج 5، سورة النساء الآية 58
[viii]  نفس المصدر أعلاه، سورة البقرة، الآية 102
[ix] نفس المصدر، سورة البقرة، الآية 80