في التسميات والأوصاف الطائفية


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4404 - 2014 / 3 / 25 - 12:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
ناقِل الكُفْر ليس بالضرورة كافِر؛ والذي يتحدَّث عن "الطائفية" و"الطائفيين"، مُسمِيَّاً الأشياء بأسمائها، ليس بالضرورة طائفي؛ ويبدو أنَّ كثيراً من "أهل اليسار" في البلاد العربية، ومِمَّن ما زالوا يُؤمِنون بـ "تَقَدُّميَّة" نظام حكم بشار الأسد، يُثير حفيظتهم أنْ تتكلَّم عن "الدولة العلوية"، أو عن "الحُكْم العلوي"، أو عن "تحالف علوي ــ شيعي"، فيُسْرِعون في اتِّهام المتكلِّم بـ "الطائفية"، وبـ "إثارة النعرات الدينية والطائفية".
إنَّ كل طائفي سني يُحدِّثكَ، في استمرار، عن "الحُكْم العلوي"، وعن "التحالف العلوي ــ الشيعي"؛ لكن هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ كل من يتحدَّث عن "الحُكْم العلوي"، وعن "التحالف العلوي ــ الشيعي"، يجب أنْ يكون طائفيَّاً سنيَّاً؛ وتمييز الأمور على هذا النحو هو ما يَعْجَز عنه، أو يفشل فيه، دائماً، مؤيِّدو نظام حُكْم بشار من "أهل اليسار العربي"، الذين يسيرون على غير هدى، وتختلط عليهم الأمور، مُذْ أَسْلَم الاتحاد السوفياتي الروح إلى بارئها.
هل من وجود لـ "حُكْم ديني"، أو لـ "حُكْم طائفي"؟
إنَّ أحداً من العقلاء في عالَم السياسة، أو من الموضوعيين في تفكيرهم، ونَظَرِهم إلى الأمور، لا يُنْكِر وجود "الحُكْم الديني"، أو "الحُكْم الطائفي"؛ لكنَّه يجتهد في "تفسير" هذا الحُكْم بما يَرْفَع منسوب العِلْميَّة في السياسة؛ فإنَّ "دينية"، أو "طائفية"، الحُكْم هي دائماً أقرب إلى "الشكل" منها إلى "المحتوى"، ولا تتعدَّى كَوْنها اللبوس الذي يلبسه حُكْم دنيوي (طبقي، فئوي) بمصالحه وغاياته ومآربه.
ويبدو أنَّ هؤلاء المؤيِّدين لنظام حُكْم بشار (من المثقَّفين "التقدُّميين" و"القوميين" و"اليساريين" العرب) يُنْكِرون فحسب طائفية، أو علوية، نظام الحُكْم هذا؛ فَهُمْ يتَّخِذون من وجود سنة ومسيحيين.. بين أهل الحُكْم في سورية، ومن وجود مصالح متبادلة بين زمرة بشار وبعض كبار التجار والمستثمرين من السنة، ومن وجود تشابه في البُنى الاقتصادية والاجتماعية بين سورية وبين دول أخرى في العالَم العربي، وفي العالَم الثالث على وجه العموم، سبباً وجيهاً لنَفْي طائفية، أو علوية، حُكْم بشار الأسد؛ وهذا إنَّما يؤكِّد أنَّهم قَوْم عاجزون عن فَهْم الحُكْم الطائفي لبشار على أنَّه حُكْم سياسي، يُحامي عن مزيجٍ من مصالح شخصية ومصالح فئوية؛ لكنَّه يسعى (لكونه مغتصباً للسلطة، معزولاً شعبياً) إلى أنْ يؤسِّس له قاعدة صَلْبَة، ويبتني له قلعة منيعة، بين العلويين، رابِطاً (بوسائل وطرائق شتَّى) مصيرهم بمصيره، وإنْ زركش وزيَّن واجهته بوجوهٍ من طوائف وجماعات أخرى.
وإنَّ كل من له عَيْن تُبْصِر يرى "العلوية" واضحة جليَّة حيث تتركَّز السلطة الفعلية الحقيقية في سورية، وفي الجيش والقوى الأمنية على وجه الخصوص؛ وهذا الواقع الطائفي الكريه لا يمكن تجميله يسارياً بزَعْمٍ من قبيل أنَّ أبناء الطائفة العلوية يُقْبِلون أكثر من غيرهم على هذا النوع من الوظائف.
وتحسُّباً ليومٍ أسود آتٍ لا محالة، نَقَل بشار الأسد، ويَنْقُل، كثيراً من "قوى سورية (العسكرية والاقتصادية..)" التي يُمْكنه نَقْلها إلى معقله الطائفي العلوي في منطقة الساحل السوري، محاوِلاً جَعْل هذه المنطقة آمنة، بمنأى عن الموت والدمار، مُمْعِناً، في الوقت نفسه، في تدمير سائر المناطق السورية، وتقتيل وتشريد سكَّانها.
وإنِّي لأنسبُ كثيراً من أسباب انتشار روح التعصُّب الطائفي "الآخر" إلى النهج الطائفي العلوي الكريه لنظام حُكْم بشار؛ لكنَّ هذا التفسير، أو التعليل، لا يعني أبداً تبرير وتأييد "الطائفية المعاكِسة المضادة".
إنَّ من الأهمية العلمية للسياسة بمكان أنْ يُنْظَر إلى الواقع بـ "عَيْن الواقع"، وأنْ تسمَّى الأشياء بأسمائها، وأنْ يُوْصَم حُكْم بشار الأسد بالطائفية العلوية؛ على ألاَّ تُتَرْجَم هذه "الرؤية الواقعية الموضوعية" بـ "رؤية فكرية وسياسية طائفية سنية"؛ فالأسوأ من الطائفية أنْ تُواجَه وتُحارَب بطائفية معاكِسة مضادة.