إذا ما احتفظت المعارَضَة السورية بسيطرتها على كسب!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4402 - 2014 / 3 / 23 - 13:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


سيطرة مقاتلي المعارَضَة السورية على كسب، في ريف اللاذقية، مع احتفاظهم بهذه السيطرة، هي نقطة تَحَوُّل في مسار الصراع في سورية؛ فهذا الموقع الاستراتيجي (كسب) هو آخر معبر حدودي بَرِّي لنظام بشار الأسد مع تركيا، وأوَّل مَنْفَذ بحري للمعارَضَة السورية؛ وقد يُتَّخَذ هذا الموقع "نقطة انطلاق" لمقاتلي المعارَضَة في صراعهم للسيطرة على منطقة الساحل، ونقل المعارك إليها؛ وإنَّ من الأهمية بمكان أنْ نَذْكُر، في هذا السياق، أنَّ منطقة الساحل تضم ميناء طرطوس، الذي فيه، على وجه الخصوص، يتركَّز البُعْد الدولي ــ الإقليمي للصراع في سورية؛ فهذا الميناء على درجة عالية من الأهمية الاستراتيجية للوجود العسكري البحري الروسي في البحر المتوسط، ولوجود إيراني مشابه.
منطقة الساحل هي التي فيها يتركَّز الوجود الديمغرافي للطائفة العلوية، التي إليها ينتمي بشار الأسد وفئته الحاكمة المسيطِرَة؛ وهي المنطقة التي يسعى "حزب الله (اللبناني الشيعي)"، ومعه إيران وجماعات شيعية عراقية، إلى ربط مناطقه الطائفية (في شمال وجنوب لبنان، وفي الضاحية الجنوبية لبيروت) بها، من طريق سيطرته العسكرية على مناطق سورية محاذية للبنان، في مقدَّمها منطقة حمص؛ فميادين القتال تُحَدِّثنا عن صراع يُراد له أنْ يؤسِّس لـ "جغرافيا طائفية"، في سورية ولبنان معاً. وهذه المنطقة (الساحل السوري على المتوسط) تستمدُّ الآن مزيداً من أهميتها الاستراتيجية من الغاز؛ فشرق المتوسط غني بهذا المَصْدَر من مصادِر الطاقة، والذي يُنْظَر إليه على أنَّه المَصْدَر الأهم للطاقة في القرن الحادي والعشرين.
كان مقاتلو الحلف العلوي (السوري بقيادة بشار) والشيعي (اللبناني والعراقي والإيراني) يُركِّزون طاقتهم العسكرية والقتالية في معركة تحصين العاصمة دمشق، وفي معركة الوصل الجغرافي (على شكل ممرَّات ومناطق آمنة) بينها وبين منطقة الساحل عَبْر مناطق سورية وسطى، في مقدَّمها حمص والقلمون؛ وكان لهذه المعركة، التي أحرزوا فيها أخيراً مكاسب عسكرية وميدانية مهمَّة، هدف آخر (متَمِّم، مكمِّل) هو عَزْل مقاتلي المعارَضَة السورية عن لبنان.
وقَبْل معركة كسب، كان مقاتلو المعارَضَة يُركِّزون طاقتهم العسكرية والقتالية في معركة إسقاط بشار في العاصمة؛ أمَّا الآن، حيث سيطر مقاتلو المعارَضَة على كسب، فطرأ تغيير مهم على الاستراتيجية العسكرية والقتالية للمعارَضَة، وقوامه: تثبيت السيطرة العسكرية للمعارضة على مناطق في الشمال والشرق، وإحراز مزيد من السيطرة العسكرية للمعارَضَة على المناطق الجنوبية المحاذية للأراضي الأردنية، ونَقْل القتال والمعارك إلى منطقة الساحل السوري، بدءاً بالسيطرة على كسب، وإقامة مَنْفَذ بحري للمعارضة، يمكن أنْ تتلقَّى عَبْره السلاح والذخيرة وأمدادات أخرى.
نظام بشار يَعْلَم أنَّ سورية التي حَكَمها (هو ووالده) من قَبْل أصبحت جزءاً من الماضي؛ والهدف الأكثر واقعية (حتى الآن) والذي من أجله يُقاتِل مع حلفائه الإقليميين والدوليين هو "الدولة العلوية" المنفصلة، أو المرتبطة فدرالياً مع سائر سورية، والتي يريد لها أنْ تكون مُسْتَحْوِذة على كثيرٍ من مصادِر القوَّة (بمعناها الشامل) وفي مقدَّمها الغاز الساحلي؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ هذا النظام (وحلفائه) سيستميد في دفاعه عن منطقة الساحل؛ وإذا عَجِز عن استعادة كسب، فسوف يَضْرِب حصاراً بحرياً على هذا الموقع بما يَمْنَع المعارَضَة من تلقِّي السلاح بحراً؛ وقد تنضم إيران وروسيا إلى هذا الحصار؛ ويعني أيضاً أنَّ ملف التخلُّص من ترسانة بشار الكيميائية سيَعْرف مزيداً من التعقيد، مع ما يعني ذلك عسكرياً وقتالياً.
إنَّ معركة كسب، ومن حيث توقيتها أيضاً، لا يمكن النَّظر إليها بمعزل عمَّا وَقَع في شبه جزيرة القرم؛ فهذه المعركة يمكن ويجب النَّظر إليها على أنَّها جزء من توعُّد الولايات المتحدة لروسيا بـ "رَفْع ثمن (سيطرتها على القرم)"؛ وروسيا تدرك أنَّ قاعدتها البحرية في القرم تَفْقِد كثيراً من أهميتها الاستراتيجية إذا ما خسرت ميناء طرطوس، أو إذا ما أصبح وجودها العسكري في هذا الميناء عُرْضَة للضرب. وأحسبُ أنَّ روسيا شرعت تتحسب للاحتمال الأسوأ، وهو خسارة طرطوس؛ وأتوقَّع، من ثمَّ، أنْ تسعى روسيا في توطيد علاقتها بنظام السيسي في مصر، توصُّلاً إلى استعادة شيء من وجودها العسكري البحري السابق في موانئ مصرية؛ وقد يتطوَّر الصراع مستقبلاً بما يَخْلِق لإيران مصلحة في منح البحرية الروسية تسهيلات في ساحلها الخليجي.