( قل ) فى الحوار فى الألوهية تهديدا للكافرين


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4399 - 2014 / 3 / 20 - 20:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم
( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )
الباب الثالث : ( قل ) فى إصلاح الكافرين عموما
الفصل السادس : ( قل ) فى الحوار فى الألوهية تهديدا للكافرين
مقدمة :ـ
الطبيب الذى يعالج جسد المريض قد يلجأ الى تهديده بأنه لو إستمر فى التدخين أو شرب الخمر أو الافراط فى الطعام أو الامتناع عن تعاطى الدواء فسيحدث له كذا . ونفس الحال فى الشفاء القرآنى ، قد يصل الحوار الى التهديد بالعذاب طلبا فى الشفاء من مرض الكفر قبل الموت . ولعلاج داء ( الكفر ) جاءت آيات القرآن بالشفاء بكلمة ( قل ) وبدونها . ونعطى بعض النماذج:
1 ـ يقول جل وعلا ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) الملك ).
الحوار يبدأ بحقيقة لا جدال فيها ، ويأتى السؤال عنها للتذكير والتقرير مُغلّفا بالتهديد الواضح والضمنى ، وهذه الحقائق أن الله جل وعلا هو وحده الذى يرزق العباد ، وهو الذى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره على من يشاء إختبارا لهذا وذاك ، ليكون هذا غنيا ثريا ويكون ذاك فقيرا مُملقا ، ويصبح هذا فقيرا بعد ثراء ويصبح ذاك غنيا بعد إملاق . ولو كان الرزق بيد البشر لصار كل البشر بليونيرات ، ولكننا نرى فقراء أصبحوا أثرياء ، ومليونيرات أصبحوا مفلسين ، أى إن الرزق بيد الرحمن ، وبالتالى فهنا تهديد بأنه جل وعلا لو أمسك ومنع رزقه فمن يرزقنا بعده . جاء هذا خطابا مباشرا بدون ( قل ) .
2 ـ يقول جل وعلا ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (23)( الملك )
السؤال هنا ب ( قل ) عن النشأة . من مرحلة الجنين الى الولادة والطفولة . كلنا يراها فى غيره ، ولا يتذكرها فى نفسه . ترى إبنك رضيعا وطفلا يحبو ويكبر أمام ناظريك الى أن يشب رجلا . وكذلك رآك أبوك . ولكنك لا تتذكر نفسك حين كنت جنينا وحين كنت رضيعا وطفلا .هذه هى النشأة الأولى التى نعيشها ونراها فى غيرنا ولا نراها فى أنفسنا . ترى صورتك طفلا رضيعا فتتساءل عن هذا الجسد الغض الرقيق الذى كنت فيه ، أين ذهب ؟ مات فى داخلك وتجددت خلاياك مرات عديدة حتى أصبحت فى هذا الجسد الذى تحتله نفسك الآن . يقول رب العزة يحاورنا فى آية خلقه لنا ، من مرحلة المنى وتكوين الجنين ، الى مرحلة تطور الطفولة فى الانسان وموت خلاياه وتجددها ، من النشأة الأولى وما بعدها ، يقول جل وعلا فى حوار بدون ( قل ) : (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) ( الواقعة ).
وهذه النشأة فينا مرتبطة بخلق حواس السمع والابصار ، وما يتبعها من إدراك : ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ). والنسق القرآنى يجعل السمع سابقا للبصر ، والطفل يبدأ فى السمع ، أى يدرك بالسمع ، ثم بعدها يدرك بالبصر ، وفيما بعد يتحكم بالادراك با لأفئدة فى حواسّه ، يُسيّرها حيث يشاء ، أى تُسيّرها ( نفسه ) . ولكنه قلّما يشكر ربه جل وعلا على نِعم النشأة والسمع والابصار والإدراك . لذا يقول جل وعلا لنا فى خطاب يستعمل ( قل ) : ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (23) الملك )
هنا تأتى ( قل ) سؤالا عمّن أنشأنا وخلق فينا السمع والبصر والإدراك ،وهو سؤال يحوى تهديدا ضمنيا ، لأن الذى وهب لنا السمع والبصر قادر على أن يحرمنا منها .( هل تتصور نفسك وقد فقدت قدرتك على البصر واصبحت أعمى ؟ أو أصبحت أصمِّ أو مجنونا لا تدرك ؟ ) . نحن لا تعرف قيمة هذه النعم إلا عندما نفقدها . ومن هنا يصيب رب العزة بعض الناس بالعمى والصمم والعرج وعاهات أخرى فتنة لهم ولنا ، والفتنة والابتلاء بالنعم والنقم والمنحة والمحنة ليبلونا ربنا جل وعلا هل سنشكر أم نكفر.
3 ـ يقول جل وعلا : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِي اللَّهُ وَمَنْ مَعِي أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) الملك ) . هنا تأتى ( قل ) تهديدا واضحا ، يبدأ بإفتراض أن الرحمن لو أهلك النبى ومن معه من المؤمنين ، فمن ينقذ الكافرين ويُجيرهم من عذاب أليم ؟ ومعروف أن النبى لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا بإذن الله ، فإذا كان هذا حاله فمن ينقذ الكافرين من عذاب أليم . وهذا التساؤل مُوجّه للمحمديين الذين يجعلون محمدا مالك يوم الدين . هنا يأمره ربه أن يقول : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِي اللَّهُ وَمَنْ مَعِي أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) الملك ) . ثم تهديد آخر ينتظر من يموت بكفره من المحمديين وغيرهم :( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29 ) الملك ).
4 ـ ويقول جل وعلا : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30) الملك ). هنا جاءت ( قل ) تهديدا واضحا فى أنه جل وعلا لو شاء لجعل الماء يغور فى باطن الأرض ، أى يجف سطح الأرض ، وعندها فلن يوجد من يأتى للبشر بماء معين. فهذا الماء مقره ومستودعه باطن الأرض ،أى اسكنه الله جل وعلا باطن الأرض ، ويستطيع أن يعيده الى منبته. وهذه حقيقة علمية أتى بها القرآن في أن باطن الأرض هو منبع ومخزن ومصدر الماء ، ويعززها آيات أخرى عن ماء المطر، يقول جل وعلا عن ماء المطر الذى لا نستطيع تخزينه مهما إستطعنا لأنه يتسرب عائدا الى منبته الأصلى : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22 ) الحجر ). ويقول جل وعلا عن الصخور وتفجر الماء منها : ( وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ) (60) البقرة ) ،( وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) البقرة ) وعن إسكان الماء فى الأرض وتحكمه جل وعلا فيه : ( وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) المؤمنون ) ( أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) الكهف )
4 ـ ويقول جل وعلا ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) القصص )
قلنا إن من آيات الاعجاز فى القرآن العلمى إيراد الحقيقة العلمية باسلوب فريد ، يحافظ على جوهر الحقيقة العلمية ولا يجعلها تصدم العقول التى لم تصل بعدّ الى معرفة هذه الحقيقة العلمية . من ذلك كروية الأرض ، ودورانها حول نفسها ودورانها فى نفس الوقت حول الشمس ، وما ينتج عن ذلك من تعاقب الليل والنهار وتداخلهما و تعاقب الفصول الأربعة فى معظم الكرة الأرضية . التعبير المُعجز فى دوران الأرض حول نفسها وهى تدور الشمس ـ هو ( يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل ) .
وكما يتمتع معظم البشر بحواس السمع والبصر ، فإن معظم البشر يتمتعون فى هذه الكرة الأرضية بليل يتبعه نهار ، ونهار يتبعه ليل . وفى المناطق القطبية الجنوبية والشمالية لا يحظى البشر بهذه النعمة . ومن هنا يأتى التهديد بأن الله جل وعلا هو القادر على أن يجعل النهار سرمدا الى يوم القيامة ، فمن غيره يأتى بليل يستريح فيه الناس ؟ أو أن يجعل الليل سرمدا الى يوم القيامة ، فمن غيره يأتى بضياء يتمتع به الناس ؟ ولهذا فإن من رحمته أن جعل الليل ليسكن ويستريح فيه الناس ، وجعل النهار ليسعى فيه الناس إبتغاء فضل الله جل وعلا . هنا تهديد جاء بكلمة ( قل )، والهدف منه أن يتعقل الناس وأن يسموعوا وأن يبصروا ( بعقولهم ) وأن يشكروا الرحمن جل وعلا (أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) ).!
5 ـ ويقول جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) الانبياء )
لقد أرسل الله جل وعلا رسوله الكريم بالقرآن الفرقان ليكون نذيرا للعالمين ، أى لتهديد العالمين بسوء العاقبة إن لم يهتدوا . هذه حقيقة جاءت بدون كلمة ( قل ) فى قوله جل وعلا : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الفرقان ). وجاءت هنا بكلمة ( قل ) : (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ) . لم يكن عليه السلام يُنذر الناس بكلامه الشخصى ، بل بالقرآن . وجاء فى سورة ( الأنعام ): ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (19) ) ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) ).
ومع ذلك فقليلا من البشر من يتم شفاؤه من مرض الكفر . هم كالموتى فى القبور ، لا يسمعون . وقد كان عليه السلام يحزن لإعراض الكافرين ، فقال له ربه جل وعلا فى سورة فاطر : ( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23) وقال : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8))
المفترض أن يسمعوا ، ولكنهم مصابون بالصمم. يقول جل وعلا باستعمال كلمة ( قل ) : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) الانبياء ). لقد أنعم الله جل وعلا عليهم بنعمة السمع والبصر فى الأذن والعينين ، وهما وسيلتا السمع والبصر المادى فى الجسد . ولكن النفس هى التى تتحكم فى الجسد وفى حواسه المادية ، فإذا إختارت النفس الضلال فمهما يصل الى أسماعها من هدى فلا تسمعه ، ومهما ترى بعينيها من حقائق فهى لا تبصرها . وما أروع قوله جل وعلا عن أولئك المعاندين ـ المحمديين منهم وغير المحمديين ـ ( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) الاعراف). تتحدث مع المريض بالكفر ، فتراه يسمع ويبصر طالما تتحدث معه فى أى شىء على هواه ، فإذا دعوته الى الهدى فإن صوتك الذى يصل الى أذنيه بالهدى تمنعه أغلفة المرض الكفرى من الوصول ، وتراه ينظر اليك بعينيه ولكنه لا يبصر الحقيقة بقلبه . والقلب هو النفس وهو الفؤاد والعقل فى المصطلح القرآنى . ومن تمكّن فى قلبه مرض الكفر لا يزداد إلا مرضا ، ولهذا فمهما أنذرته فالنتيجة صفر . جاء هذا فى سورة البقرة بدون كلمة ( قل ): ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) )
6 ـ هؤلاء المرضى بداء الكفر مقتنعون بأنهم على الهدى . أقنعهم شيطانهم بهذا ، فيحسبون أنهم مهتدون، يقول جل وعلا عنهم بدون كلمة ( قل ) : ( إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)( الأعراف ). البداية بإختيار الفرد البشرى . إذا إختار الاعراض عن نور القرآن وهدى الرحمن ، أى أصيب بالعشى فلا يرى بقلبه النور القرآنى ـ عندئذ يتولاه شيطان يقترن به ( قرين من الشياطين ) يتخصص فى إضلاله ، يصده عن سبيل الحق ، ويجعله يحسب نفسه مهتديا ، ويظل على هذا حتى يموت ، ثم يوم القيامة يرى قرينه الشيطانى فيلعنه ، يقول جل وعلا ـ بدون إستعمال ( قل ): ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) الزخرف ).
لذا تجد العجب الآن من المحمديين ،وهم يتخذون أولياء من البشر يستجيرون بهم ويطلبون منهم المدد ، مُعرضين عن الله جل وعلا وهو وحده الولى الحميد (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى ). وهم ينسون أن الله جل وعلا أمر رسوله الكريم أن يعلن وأن يقول أنه لا يتخذ غير الله وليا ، لأن الله جل وعلا هو فاطر السماوات والأرض ، وهو الذى يُطعم غيره ولا يُطعمه غيره : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14)الأنعام ) المحمديون ممّن يعبد القبور ( المقدسة ) يكفرون بهذه الآية الكريمة ، حين يتخذون أولياء من البشر من عباد الله ، أولئك المحمديون ضلّ سعيهم فى الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وقد جاء التهديد لهم ولغيرهم باستعمال ( قل ) : يقول جل وعلا ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) الكهف )
7 ـ هذا المريض بالكفر القلبى قد يصل به الكفر القلبى الى الكفر السلوكى بالاعتداء ، ويبدأ الاعتداء بالتطاول ومحاولة البطش بمن يقرأ القرآن داعيا للهدى . أى يتطاول المريض على الطبيب رافضا الدواء . لذا لا بد من التهديد بالنار ، أملا فى أن يهتدى قبل الموت . يقول جل وعلا فى تهديد بالنار لمن يموت كافرا : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج ). هنا جاءت كلمة ( قل )
أخيرا
كل هذا الشفاء بكلمة ( قل ) وبخطاب الاهى مباشر بدون ( قل ) لم يصل الى قلوب المحمديين ولم ينفع فى شفائها ، لأنها ممتلئة برجس الوحى الشيطانى مما يسمون ( أحاديث وسُنّة ) . هذا الرجس الشيطانى يجعل على قلوبهم حجابا ، يظل مستورا ، ولكن سرعان ما تظهر فاعليته وسيطرته حين يُتلى القرآن ، فالقرآن هو ( الفرقان ) الذى يفضح الباطل ، شأن سماعة الطبيب التى تكشف المرض الجسدى . بالقرآن يظهر الحجاب سدا منيعا يمنع الهداية ، ويجعل صاحبه يُعرض غن الشفاء القرآنى ويُولّى الأدبار . يقول جل وعلا : ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) الاسراء . ) لو وعظت واحدا من المحمديين بالقرآن ( وحده ) ليقدّس الله جل وعلا ( وحده ) ولّى كارها كافرا حانقا غاضبا . يمكنك أن تجرب هذا معهم بنفسك ، هذا إن لم تكن قد جربته معهم فعلا بنفسك .!
هذا هو أظلم الناس بشهادة الرحمن جل وعلا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57)( الكهف ).
ودائما : صدق الله العظيم .!