الانتخابات الرئاسية الأمريكية - ف. إنجلز - مقال مترجم - اليسار الثوري في مصر


فريدريك انجلز
الحوار المتمدن - العدد: 4399 - 2014 / 3 / 20 - 09:24
المحور: الارشيف الماركسي     

بقلم: ف . إنجلز

يعود تاريخ النص إلى الفترة بين 9 و15 نوفمبر 1892، موقع بـ”فريدريك انجلز“. نشر في جريدة فورفارتس (إلى الأمام)، 16 نوفمبر، 1892.

كتب عن الجريدة بواسطة: أنطوني براون.
المصدر: أرشيف ماركس وإنجلز على الانترنت
(http://www.marxists.org/archive/marx/works/1892/11/16.htm).
الترجمة عن الإنجليزية وحدة الترجمة بـ”اليسار الثوري”.

----------------------------

كان العالم القديم محكوماً بالقدر (فاطوم عند الرومان) والإلهة هيمرمين (عند اليونان) قدر غامض لا مهرب منه. هذه هي الأسماء التي أعطاها الإغريق والرومان لتلك القدرة الكلية العصية على الإدراك التي تحكمت في الإرادة والجهد الإنسانيين، التي أدت بالأفعال الإنسانية إلى أن تثمر نتائج مختلفة تماماً عما قصدته، هذه القوة التي لا تقاوم التي أسميت من وقتها الحكمة الإلهية، والقدر المحتوم، الخ. اتخذت هذه القوة الغامضة ببطء شكلاً ملموساً أكثر، ولذلك ربما كان علينا أن نشكر حكم البورجوازية ورأس المال، النظام الأول من الحكم الطبقي الذي يسعى لأن يستوضح أسباب وشروط وجوده الخاصة، ومن ثم يفتح الباب أمام إدراك حتمية سقوطه المباطنة له. المصير والقدر، والحكمة الإلهية – التي نعرفها الآن – تتكون من الشروط الاقتصادية التي يجرى فيها الإنتاج والتبادل وهما يقترنان اليوم في السوق العالمي. ومن هنا تأتي أهمية الانتخابات الرئاسية الأمريكية … فهي حدث من الدرجة الأولى بالنسبة للسوق العالمية.

نشرت منذ أربع سنوات مقالاً عن التعريفة الجمركية والتجارة الحرة، بالإنجليزية في بوسطن، وبالألمانية في شتوتجارت. وقد أشرت فيها إلى أن احتكار انجلترا الصناعي لا يمكن أن يتوافق مع التطور الاقتصادي للبلدان المتحضرة الأخرى، وأن التعريفات الجمركية التي وضعت في أمريكا منذ الحرب الأهلية أظهرت إرادة أمريكا في زعزعة نير هذا الاحتكار، ويعود الفضل للموارد الطبيعية الهائلة والمواهب الذهنية والأخلاقية للعرق الأمريكي التي مكنت من انجاز هذا الهدف، وأصبح الحاجز الجمركي في أمريكا ليس أقل مما هو عليه الحال في ألمانيا، قيداً على الصناعة. وعندئذ كتبت: إذا تبنت أمريكا التجارة الحرة، فسوف تضرب انجلترا في ظرف عشر سنوات.

حسناً. إن الانتخابات الرئاسية في 8 نوفمبر 1892 قد فتحت الطريق أمام التجارة الحرة. لقد أصبحت تعريفات الحماية في الشكل الذي وضعه ماكينلي قيداً غير محتمل، ارتفاع الأسعار الأحمق لكل المواد الخام المستوردة بما فيها الغذاء، الذي أثر في كثير من المنتجات المحلية, قد أغلق لحد كبير الأسواق العالمية أمام المنتجات الأمريكية، بينما عانى السوق الداخلي من فيض المنتجات الصناعية الأمريكية. وفى الواقع، لم تخدم تعريفات الحماية في الأعوام القليلة الماضية سوى في خراب صغار المنتجين تحت ضغط المنتجين الكبار المتمركزون في كارتلات وتروستات، ولإخضاع السوق والأمة المستهلكة لاستغلال الأخيرين، أي للاحتكار المنظم.. يمكن لأمريكا أن تتفادى هذه الأزمة الداخلية الصناعية الدائمة التي سببتها تعريفة الحماية فقط بانفتاحها على السوق العالمي، ولذا عليها أن تحرر نفسها من تعريفة الحماية، على الأقل في شكلها الأحمق الراهن. إن الانقلاب الكلي للرأي العام الذي أظهرته الانتخابات يظهر أنه عازم على القيام بذلك. إذا ما تجذرت في السوق العالمي، فإن أمريكا – ومن خلال انجلترا – سوف تندفع أبعد إلى الأمام بشكل لا يقاوم على طريق التجارة الحرة.

وسوف نعاين عندئذ معركة صناعية لم نشهدها قبلاً. سوف يتعين على البضائع الإنجليزية في كل الأسواق، خاصة في قطاعي النسيج والسلع الحديدية أن تتقاتل مع المنتجات الأمريكية وفي النهاية ستخسر. وحتى الآن فإن القطن والكتان الأمريكي يطارد الإنجليزي في مجاله. هل تود أن تعلم من قام بمعجزة تحويل وإعداد عمال الصناعات الميكانيكية في لانكشير في عام واحد قصير من خصوم غاضبين إلى أنصار متحمسين ليوم عمل قانوني من 8 ساعات؟ ارجع إلى جريدة نويه تسايت، عدد 2 أكتوبر من هذا العام، ص 56، حيث يمكنك أن ترى كيف يحل القطن والكتان الأمريكي محل الإنجليزي تدريجياً، في السوق الداخلي، كيف أن الاستيراد الإنجليزي منذ 1881، لم يبلغ أبداً الأمريكي، وقد بلغ في 1891 فقط ثلث الأخير. والصين بجانب الهند هما سوق هذه المنسوجات لحد بعيد.

هذا دليل متجدد على أنه عند منعطف القرن، فإن كل العلاقات تتغير. تحول مركز جاذبية صناعات النسيج والحديد من انجلترا إلى أمريكا، وقد تصبح انجلترا إما هولندا ثانية، التي تعيش بورجوازيتها على عظمتها السابقة، التي تضعف بروليتارياها، أو أنها ستعيد تنظيم نفسها على أسس اشتراكية. الإمكان الأول ليس وارداً، فإن البروليتاريا الإنجليزية لن تميل لذلك، إنها أكثر عدداً وتطوراً من أن يناسبها. ويبقى الإمكان الثاني وحده. يعنى سقوط التعريفات الجمركية في أمريكا الانتصار النهائي للاشتراكية في انجلترا.

وألمانيا؟ إذا عدنا إلى 1878 فقد كسبت موقعاً في السوق العالمية، وهو ما تفقده الآن تدريجياً بفضل سياسة تعريفتها الجمركية؛ هل ستصر بعناد على أن تغلق أمامها الممر إلى السوق العالمية بفرض ضريبة على المواد الخام والمواد الغذائية، حتى في مواجهة منافسيها الأمريكيون، الذين سوف يعالجون الأمور بطريقة مختلفة تماماً عن المنافسة الانجليزية حتى الآن؟ هل سيكون لدى البورجوازية الألمانية الفهم والشجاعة لإتباع المثل الذي قدمته أمريكا، أم أنها بليدة كما هو ظاهر حتى الآن، حتى تغدو الصناعة الأمريكية شديدة القوة، فتكسر بالقوة كارتل التعريفة بين اليونكر وصناعيي الإنتاج الكبير؟ وهل ستدرك الحكومة والبورجوازية أخيراً كيف أن هذه اللحظة المحددة قد اختيرت بخرق عظيم لتحطيم قوى ألمانيا الاقتصادية بأعباء عسكرية وقمعية جديدة، بينما كان عليها أن تدخل في منافسة صناعية مع أكثر الأمم قوة شباب في العالم، التي سددت بسهولة ديون الحرب الضخمة، والتي لا تعرف حكومتها ماذا تفعل بضريبة الدخل؟

لدى البورجوازية الألمانية – ربما للمرة الأخيرة – فرصة نهائية لإنجاز عمل عظيم. أراهن بمائة لواحد على أنهم غاية في ضيق الأفق وغاية في الجبن لانتهاز هذه الفرصة من اجل أي شيء عدا أن يثبتوا مرة وإلى الأبد أن زمنهم قد ولى.