عقاب مصر للشعب الفلسطيني


خالد الحروب
الحوار المتمدن - العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 15:03
المحور: القضية الفلسطينية     

اولاً وقبل كل شيء من حق مصر واي نظام فيها ان يقف الموقف الذي يرتأيه تجاه حركة حماس الحاكمة في غزة, ورأينا في السنوات الماضية ثلاثة انواع من المواقف وثلاث سياسات تكاد تكون مختلفة تماما, وبحسب النظام القائم في القاهرة. خلال سنوات حكم مبارك كانت هناك سياسة الإحتواء والإبقاء تواصل (ضاغط) مع حماس, وخلال سنة حكم مرسي كانت هناك سياسة التحالف المطلق وغير المحسوب, وفي سنة السيسي هناك سياسة المقاطعة المطلقة وغير المحسوبة ايضا. وحول كل واحدة من تلك السياسات يمكن ان تُثار نقاشات طويلة تبدأ وقد لا تنتهي, وليس هذا ما ترمي إليه هذه السطور. الهدف الاهم من ذلك هو تسليط الضوء على الشعب الفلسطيني الذي يعيش في غزة ويعاني دوما منعكسات السياسات المختلفة إزاء حماس, سواء أكانت بالإحتواء, ام التحالف, ام المقاطعة. وما تريد ان تقوله هذه المقالة هو ان الانظمة الثلاث التي تعاقبت على كرسي الحكم في القاهرة اخطأت ولا تزال تخطىء عندما تقزم قطاع غزة وتفصله على حجم حماس, وعندما تنسى ما يقارب من مليوني فلسطيني هناك اكثرهم لا ناقة له ولا جمل في خيارات حماس وصراعاتها وسياساتها الخلافية, وخاصة المتعلقة بحكم مرسي وحكم السيسي من بعده.
على ذلك ليس من حق اي نظام في القاهرة ان يتعامل مع قطاع غزة والمليونين فلسطيني فيها وكأنهم كلهم حماس ويطبق عليهم عقابا جماعياً يزيد من تدهور احوالهم وبؤس اوضاعهم. ومن حق الفلسطينين هناك ان يعتبوا على مصر الآن وهم مختنقين بسبب الإغلاق المستمر لمعبر رفح لأزيد من خمسة اسابيع, وهو الإغلاق الذي يكمل إطباق الحصار الإسرائيلي المستمر عليهم من سنوات. في السنة الماضية وبعد تسلم الجيش للسلطة في مصر كان من اول ما قام به هو تدمير الانفاق التي كانت تربط قطاع غزة بالعالم وتوفر للسكان فيه الحدود الدنيا من الحاجات المعيشية. كانت تلك الانفاق وعددها بالمئات سرا مكشوفا للجميع وظلت مفتوحة منذ ايام حكم مبارك. كانت إسرائيل تعلم بوجودها وربما تعرفها بدقة عددا ومواقعاً, وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي, وبقية العالم واجهزة مخابراته وامنه تعلم بوجودها, بل صورت افلام فيها وبثت على شاشات التلفزة هنا وهناك. كان الجميع يعلم ان تلك الانفاق هي شريان الحياة الوحيد الذي يمد القطاع وسكانه بالحياة, ويحفظ بقية ماء وجه للمجتمع الدولي المتخاذل عن فك الحصار عن السجن الكبير. صحيح ان جزءا من تلك الانفاق كان يستخدم لتهريب السلاح, وهو الجزء الذي كانت تقصفه اسرائيل من وقت لآخر. وصحيح ان اقتصادا اسودا نشأ بالتوازي مع تلك الانفاق وان عددا من تجار الحروب اثرى من وراء المأساة الفلسطينية. لكن الصحيح ايضا ان الجزء الاكبر من تلك الانفاق وحركة التجارة فيها شكلت العمود الفقري للفلسطينين هناك. وبسبب هذا لم يقدم نظام مبارك نفسه على اغلاقها وتدميرها كلها. كان شديد المراقبة الامنية والمخابراتية لما قد يؤثر على الامن المصري, لكن كانت عينه مفتوحة ايضا على سكان القطاع واحتياجاته.
لم يتوقف الامر عند تدمير تلك الانفاق على بكرة ابيها, بل تجاوزها إلى الاغلاق الكلي لمعبر رفح, حتى ينضاف إلى الإغلاق الكلي لمعبر ايرز في شمال غزة, والإغلاقات المتكررة لمعبر كرم سالم التجاري. النتيجة الطبيعية لكل تلك الاغلاقات هي التقاسم الوظيفي في خنق القطاع والفلسطينين فيه, وهو امر مرفوض ويجب إعلاء الصوت بشأنه. واول من يجب ان يعلي الصوت بهذا الشأن هو السلطة الفلسطينية التي لا يسمع المرء منها شئياً, وكأن الامر لا يعنيها. لماذا هذا الصمت المريب في جانب السلطة وعدم الفاعلية على الاطلاق حتى ولو بالتصريحات؟ نفهم ان السلطة منحازة للنظام العسكري في مصر ومن حقها ان تقوم بالتقديرات السياسية التي تراها في مصلحتها, لكن ليس من حقها ان تتغاضى عن القرارات التي تتخذه القاهرة وتتسبب في مضاعفة حصار الفلسطينين في غزة وخنقهم.
كيف يمكن ان تقبل مصر, الشقيقة الكبرى, ان يموت المرضى الفلسطينيين على معبر رفح من دون ان تتيح لهم إمكانية السفر للعلاج؟ ومن هو المسؤول عن ارواح هؤلاء ومعاناة اهلهم؟ وكيف تقبل السلطة بوجود هذا المسلسل اليومي المُذل لمليوني فلسطيني من دون ان تقوم بأي فعل؟ وكيف تقبل حماس ان تبقى على صدور هذين المليونين وهي السبب في حصارهم, من دون ان تقدم اعتذارا لهم وللشعب الفلسطيني على فشلها في الحكم والمقاومة خلال السنوات السبع العجاف التي حكمت فيها؟ في محكمة التاريخ وعند يتقدم اطفال غزة ونساؤها ومرضاها بقضيتهم العادلة سوف يكون الكل مُدان.
مطلوب من مصر, لأنها “ام الولد”, ان تفتح معبر رفح اليوم قبل الغد وبشكل دائم ومطلق. من حقها ان تطبق الاجراءات الامنية التي تراها مناسبة في مراقبة الخارجين والداخلين لأن هذا يقع في قلب شأنها السيادي, خاصة هذه الايام والإرهاب القاعدي بدأ يطالها من هنا وهناك. ومطلوب من السلطة ان تضغط على الاشقاء في مصر ان يقوموا بذلك ويحيدوا فلسطيني القطاع عن خصومة النظام في مصر مع حماس. وعلى حماس ان تفكر مليون مرة للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه وحشرت معها مليوني فلسطيني.
في لقطة تلفزيونية مريرة لشيخ مقعد في حال رثة في مخيم اليرموك ويدفعه احفاده الرثين الحفاة والجوعى, يصرخ العجوز بصوت ضعيف بالكاد يُسمع ويقول: خذوني عند اليهود, خذوني عند اليهود. لسان حاله ان اليهود ومعاملتهم ارحم مما يتعرض له على ايدي من يُفترض انهم اخوته. لا نريد ان نسمع ذلك قادما من قطاع غزة, وإن كان همس كثير يترحم على ايام ما قبل الانتفاضات كلها, وحيث كان سكان غزة يزورون حيفا ويافا حيثما يشاؤون, ولا حصار عليهم!